لم تقرر أي دولة شروطا خاصة بالأهلية اللازمة لإبرام اتفاق التحكيم. ففي كل الأحوال تطبق هنا القواعد العامة المتعلقة بأهلية الأشخاص الطبيعية والمعنوية لإبرام العقود بوجه عام.
البحث في أهلية أو سلطة الدولة أو أحد أشخاصها المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم، وسلطة مدير الشركة في إبرام اتفاق التحكيم، وأخيرا سلطة الوكيل أو السمسار في إبرام اتفاق التحكيم.
أولا: أهلية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم:
ازداد تدخل الدولة وأشخاصها المعوية العامة. في هذا العصر. في الحياة التجارية الدولية حيث تلاشت فكرة الدولة الحارسة، وحلت محلها فكرة الدولة التاجرة، التي أبرمت العقود والاتفاقات التي قررت حل منازعاتها بواسطة التحكيم.
وهنا يثار التساؤل عن أهلية الدولة أو أشخاصها المعنوية العامة الإبرام هذا الاتفاق التحكيمي بما قد يجره من تداعيات خاصة بالحصانة القضائية لهذه الدولة أو تلك سواء أمام القضاء التحكيمي أو أمام القضاء الوطني قبل أو أثناء أو بعد اللجوء إلى التحكيم المتفق عليه. وسنفصل هذه المسألة في المعاهدات الدولية ثم في القوانين الوطنية:
۱) أهلية الدولة أو أحد أشخاصها المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم في المعاهدات الدولية :
لم تتضمن اتفاقية نيويورك ۱۹۰۸ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الدولية أي نص حول أهلية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لإبرام اتفاقات التحكيم.
۲) أهلية أوسلطة الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم في القوانين الوطنية:
واستبداله بقانون المرافعات الفرنسي الجديد إلا أن منع الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة من أن تكون طرفا في اتفاق تحكيم مازال سارية بنص المادة (۲۰۶) مرافعات والذي يقرر عدم إمكانية اللجوء للتحكيم بصدد المنازعات المتعلقة بالأشخاص العامة والمؤسسات العامة، والأشخاص العامة هي الدولة وأقاليمها الإدارية، والمؤسسات العامة تعني الأشخاص المعنوية العامة، والمؤسسات الصناعية والتجارية، وبالتالي فإن منع الدولة والأشخاص المعنوية العامة من إبرام اتفاق التحكيم ما زال سارية في النصوص التشريعية الفرنسية.
دون نص، خصوصية هذه القاعدة التشريعية للاحتفاقات التحكيمية الداخلية بحيث لا يمتد هذا المنع للدولة والأشخاص المعنوية العامة إلى الاتفاقات التحكيمية الدولية.
ب) إنجلترا:
إن أهمية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم البحري مقررة وثابتة في إنجلترا بموجب النصوص القانونية حيث يملك التاج البريطاني الحق في أن يكون طرفا في اتفاق تحكيم بموجب نص المادة (۳۰) من قانون التحكيم الإنجليزي ۱۹۵۰، والمادة السابعة من قانون التحكيم الإنجليزي ۱۹۷۹، والتي تقرر تطبيق أحكام قوانين التحكيم الإنجليزي على اتفاقات التحكيم التي تكون الدولة طرفا فيها.
وبالتالي فإنه من المستقر عليه في إنجلترا عدم السماح للدولة أو الأشخاص المعنوية العامة بالدفع بحصانتها القضائية أمام القضاء التحكيمي بصدد الاتفاقات التحكيمية المبرمة من باب أولى- لتسوية منازعات معاملات التجارة الدولية.
ج) الولايات المتحدة الأمريكية:
تقررت أهلية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة في الولايات المتحدة لإبرام اتفاقات التحكيم بواسطة القضاء الأمريكي، وذلك بصدد الاتفاقات التحكيمية في منازعات المعاملات التجارية الدولية الخاصة أي التي تشترك فيها الدولة للقيام بعمل من أعمال الإدارة وليس من أعمال السيادة". وحيث إن المعاملات التجارية مع الحكومات الأجنبية تعد من قبيل الأنشطة التجارية فإن المحاكم الفيدرالية الأمريكية نظرت دعاوی كانت أطرافها حكومات كل من أسبانيا واليونان والإمارات العربية المتحدة وفيتنام ورفضت ادعاء هذه الحكومات بالتملص من اتفاقاتها هيه للتمسك بحصانتها القضائية، مقررة إلزامها باتفاقاتها التي أبرمتها بصدد المعاملات التجارية الدولية الخاصة.
د) مصر:
قرر قانون التحكيم المصری ۱۹۹4 صراحة أهلية الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة لإبرام اتفاق التحكيم، وذلك عندما نص في مادته الأولى على سريان القانون على كل تحكيم سواء كان بين أطراف القانون الخاص أو أطراف القانون العام أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيما تجارية دولية يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعة لأحكام هذا القانون.
ونميل للاتجاه الفرنسي لما ذكره من أسباب، ونرى أنه يجب على الدول. وبالأخص الدول النامية ومع ازدياد اللجوء إلى التعاملات التجارية. أن تتوخي الحذر عند إبرام اتفاق تحكيم، وأن تتبصر عواقبه، وبالأخص ما إذا كان هذا التحكيم قد يؤدي مستقبلا إلى تدخل القضاء الوطني، ودراسة الوضع القانوني في كل من إنجلترا والولايات المتحدة، حتى لا تبرم الدولة اتفاق التحكيم ثم تفاجأ بعواقبه من تدخل القضاء الوطني في التحكيم الذي أرادت الدولة بإبرامه تجنب اللجوء إلى هذا القضاء الوطني، هذه العواقب لم تكن لتخفي في قوانين هذه الدول الكبرى التي لها السيادة في مجال التجارة والاقتصاد والتحكيم.
ثانيا: سلطة الوكيل في إبرام اتفاق التحكيم:
- الوكالة عمل دائم الحدوث في التجارة الدولية، إذ طالما أن اتفاق التحكيم يعد عملا قانونيا. فليس هناك من ضرورة لأن يبرمه ذووا الشأن بأنفسهم. ولكنهم يملكون توكيل غيرهم في إبرام هذا الاتفاق نيابة عنهم كالوكيل التجاري أو السمسار أو المستشار القانوني أو غيرهم من المفوضين اتفاقافي إبرام | اتفاق التحكيم.
ونتساءل عن طبيعة هذا التفويض؟ وما إذا كان تفويضا عاما أم تفويضا خاصا بإبرام اتفاق التحكيم. .
اللوكيل الاتفاقي في فرنسا، وإنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر. أن يبرم اتفاق التحكيم نيابة عن موكله شريطة أن يكون مفوضا في إبرام هذا الاتفاق بموجب توكيل خاص. فإذا كان وكيلا عاما، أو وكيلا خاصا بشأن تصرف آخر امتنع عليه إبرام اتفاق التحكيم، وذلك لخطورة اتفاق التحكيم وما يترتب عليه من آثار.
كذلك فإن السلطة المخولة للمحامي بمقتضى وظيفته أو بموجب وكالة عامة لتمثيل موكله أمام القضاء لا تخوله سلطة إبرام اتفاق التحكيم، لأنه وكيل في إدارة الدعوى القضائية فقط، وليس في إبرام عقود كاتفاق التحكيم.
يجيب الفقه بأن الوكالة في إبرام اتفاق التحكيم يمكن أن تعلی الوكيل حرية التصرف في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتحكيم، حيث إن الممارسة العملية للعقود النموذجية، والعادات والأعراف المهنية الموحدة تذهب قطعا إلى هذا المعنى.
إذا كانت الوكالة يجب أن تكون صريحة، فإن هذا لا يعني تطلب الشكلية لإبرامها بالرغم من أن اتفاق التحكيم نفسه قد يجب أن يكون مکتوبا، فالوكالة لإبرام اتفاق التحكيم لا تخضع لنفس الشروط الشكلية اللازمة لإبرام اتفاق التحكيم نفسه.
كما أن المادة (۱۰۹) تجاری فرنسي لا تشترط الكتابة في المواد التجارية، وبالتالي ففي كافة الأحوال التي يتم فيها الاتفاق على التحكيم تصح الوكالة الشفوية، ويمكن إثبات وجود سلطة التوكيل بالبينة.
وفي القانون المصرى: الأصل في المعاملات التجارية هو إطلاق حرية الإثبات دون التقيد بالقيود الواردة في القانون المدني، ومنها ما ورد في المادة (۷۰۰ مدنی) من أن القاعدة هي وجوب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محلها.
اعتبر اتفاق التحكيم بوصفة التصرف المطلوب إبرامه مستوفيا لشرائط وجوده من الناحية الشكلية.