والذي يظهر لي: جواز التحكيم من قبل ولي القاصر والمجنون، وناظر الوقف بإذن القاضي المختص بالإشراف على القصار وتصرفات أوليائهم، عدا الأب فلا يحتاج إلى ذلك، لكمال شفقته، ويجب على الحكم الالتزام بما يلزم القاضي عند نظر النزاع، ومن ذلك عدم الصلح إلا إذا كان فيه حظ للقاصر ونحوه.
ولا ينفذ الحكم إذا أضر بالمذكورين من قاصر ونحوه إلا بعد إجازة القاضي لحكم المحكم؛ وذلك لما يلي:
أ) عموم أدلة مشروعية التحكيم - وقد سبقت -، ويدخل في عمومها هؤلاء.
ب) أن حكم المحكم كحكم القاضي، وحكم القاضي ينفذ على هؤلاء
ج) وجه اشتراط إذن القاضي ابتداء وإجازته للحكم انتهاء بعد صدوره الاحتياط لحقوق هؤلاء؛ إذ ليس لهم التبرع ولا الصلح إذا لم يكن فيه حظ للقصار ونحوهم
المسألة الثانية: تحكيم الخصم إذا كان سفيهً أو مفلساً:
اشترط الشافعية الرشد في الخصمين المحكمين، فلا يصح التحكيم من الخصم السفيه.
والذي يظهر لي: أن السفيه إذا حجر عليه فسوف يتولاه في المال الحاكم، وينصب عليه وليا من قبله، وعليه فيكون حكمه حكم القاصر والمجنون في التحكيم على نحو ما فصلناه قريبة؛ لأن الحجر على هؤلاء لحظهم فاستووا في الحكم، ولأن السفيه ممنوع من مباشرة الخصومة في الأموال.
كما ذكر بعض الشافعية - أيضاً-: أنه لا يجوز التحكيم من خصم مفلس إن أضر بالغرماء.
والذي يظهر لي: أن للمفلس التحكيم مدعياً أو مدعى عليه؛ لأن خصومته عن نفسه صحيحة، لكن يمنع عند الحكم مما يمنع منه القاضي من الإقرار بالمال بما يخرجه من يده، أو يضر بالغرماء، أو يمنع استيفاء حقوقهم منه ولا يسلم المال المحكوم به للمفلس، بل يقبضه الحاكم أو من ينيبه ليوزع على الغرماء.
والذي يظهر لي: أن أحد الشريكين من مضارب أو غيره لا يحكم في الحق المشترك أحداً إلا أن يأذن له شريكه بذلك لفظاً، أو يكون ذلك مما جرى به العرف بين التجار، أو كان من مقتضى عقد الشراكة، أما إذا نهاه عن ذلك، أو سكت ولم يجر به عرف ولم يكن ذلك من مقتضى عقد الشراكة فليس له التحكيم.
ويمكن أن نستخلص من ذلك ضابط هو: أن كل حال جاز فيها للشريك التصرف والصلح عن شريكه حسب عقد الشركة أو عرف التجار، أو أذن له بذلك فإنه إذا حكم كما جرى حكمه وتعدى إلى الشريك الآخر.