لما كان القضاء، في التشريع الحديث، قضاءا عاما Justice public تتولاه السلطة القضائية فى الدولة فإن إخراج النزاع من ولاية القضاء العام وإخضاعه للتحكيم لا يكون إلا كاستثناء يتقرر بنص قانوني. وتثور مسألة مشروعية شرط التحكيم خصوصا عند عرض النزاع على المحكمة المختصة أصلا بنظره إذ لو دفع المدعى عليه أمام هذه المحكمة بعدم اختصاصها لوجود شرط التحكيم جاز للمدعى الرد على هذا الدفع بعدم مشروعية هذا الشرط حتى تقضي المحكمة باختصاصها وتتصدى من ثم لنظر النزاع.
من أجل ذلك تلزم دراسة مشروعية شرط التحكيم سواء في التنظيم الداخلي في فرنسا والكويت ومصر أو في التنظيم الدولي.
- مشروعية شرط التحكيم في فرنسا والكويت ومصر:
وكان يفهم من جماع نص المادتين ۱۰۰۳ و ۱۰۰٦ مرافعات فرنسي قديم أنه ولنن جاز للأفراد الاتفاق على اللجوء الى التحكيم في نزاع نشأ فعلا، حيث يمكن تعيين هذا النزاع وتسمية المحكمين فى هذا الاتفاق المعروف بمشارطة التحكيم compromis فانه لـــــــم يكـن يجوز لهم الاتفاق مقدما في عقد ما على اخضاع المنازعات التى تنشأ عنه في المستقبل للتحكيم، وهو ماكان يعني بطلان شرط التحكيم cause compromissoire ، في ظل المادة ۱۰۰ مرافعات المذكورة (١) ، حيث كان يتعذر تعيين موضوع النزاع وتسمية المحكمين عند الإتفاق على ذلك الشرط.
ففي الكويت ، وعلى خلاف الحال فى فرنسا، لم يفرق المشرع بين المسائل المدنية والمسائل التجارية، حيث نصت المادة ۱/۱۷۳ مرافعات ،کویتی فی خصوص مشارطة التحكيم وشرط التحكيم، على أنه يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين، كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين" ، وبذا يعد شرط التحكيم مشروعاً سواء فى المسائل المدنية أو المسائل التجاريه . وعلى الرغم من عمومية هذا النص إلا أن المشرع الكويتى أحياناً ما يحرص على اجازة شرط التحكيم في بعض العقود التجارية.
وبصدور القانون المصرى رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية ألغيت المادة ٥٠١ المذكورة ضمن المواد ۵۰۱ - ٥۱۳ ، لاشتمال القانون الجديد على تنظيم شامل لموضوع التحكيم ولم يمس القانون الجديد بمشروعية شرط التحكيم ) أو مشارطة التحكيم)، بل أكد هذه المشروعية بما نصت عليه المادة ۲/۱۰ من أنه يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين (شرط) التحكيم) .. كما يجوز أن يتم إتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ( مشارطة التحكيم ) .... ويستوى في هذا النص أن يكون التحكيم وطنياً أو دولياً، أى سواء تعلق النزاع أو لم يتعلق بالتجارة الدولية في مفهوم القانون المذكور، كما يستوى أن يكون النزاع مدنياً أو تجاريا. وفى ذلك يختلف القانون المصرى الجديد عن القانون الفرنسي الصادر بتاريخ ۱۲ مايو ۱۹۸۱ بشأن التحكيم التجارى الدولى، لأنه ولئن أجاز شرط التحكيم في مسائل تعتبر مدنية وفقاً للمفهوم الضيق للتجارية إلا أنه قد قيد ذلك بشرط تعلق النزاع بمصالح التجارة الدولية (۳) ، وهو قيد لا وجود له في القانون المصرى الجديد، حيث لـــــم يفرق - أصلاً - بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية ، شأنه في ذلك شأن الوضع المقرر في المواد ۵۰۱-۰۱۳ الملغية من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨,
ومن جهة أخرى تتقيد ولاية المحكمين بما انصرفت إليه إرادة المتعاقدين عند تحديد مضمون شرط التحكيم فإذا كان هذا الشرط يقضى مثلا بإخضاع المنازعات الناشئة عـــــن تنفيذ" عقد الشركة الذى تضمنه فإنه لايجوز للمحكمين الحكم "ببطلان هذا العقد وإلا كان هذا الحكم باطلا لتجاوزه إرادة الخصوم عند تحديد مضمون الشرط وإذا كان شرط التحكيم قد ورد مثلا في عقد " بيع بضاعة" اتفق المشترى على نقلها بمقتضى "عقد نقل" وتعلق الشرط بالمنازعات التى تنشأ عن العقد الأول فلا يجوز للمحكمين التصدى للمنازعات الناشئة عن العقد الآخر ، حيث لايتسع شرط التحكيم ليشمل عقود أخرى غير العقد الذي تعلق به أصلا.
ومن جهة ثالثة وأخيرة لاتنسحب ولاية المحكمين في نزاع معين، بموجب شرط التحكيم إلى المسائل المتفرعة عن هذا النزاع إلا إذا اتفق على ذلك أو أجازه نص خــــاص لأن الأصل بقاء هذه المسائل في نطاق ولاية المحاكم المختصة أصلاً بنظرها ..
- مشروعية شرط التحكيم في التنظيم الدولى :
أجاز المشرع الدولى شرط التحكيم ومشارطة التحكيم في آن معاً، وذلك بفضل الجهود التي بذلت عن طريق عصبة الأمم ثم منظمة الأمم المتحدة فضلاً علـ المنظمات الإقليمية المعنية بالتجارة الدولية.
فهاهي إتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۳ الصادرة عن عصبة الأمم بشأن شروط التحكيم تنص في مادتها الأولى على إعتراف الدول المتعاقدة بمشارطة التحكيم وشرط التحكيم الذي يقع بين طرفين ينتميان إلى دولتين مختلفتين ويلزمها بالخضوع للتحكيم سواء فى المنازعات التجارية أو في المنازعات غير التجارية التى يجوز فضها بطريق التحكيم. وجاءت إتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ المكملة لللإتفاقية السابقة لتكرس هذا الإعتراف بما نصت عليه المادة الأولى من أن أحكام التحكيم التي تصدر بناء على مشارطة التحكيم أو شرط التحكيم المنصوص عليها فى إتفاقية ۱۹۲۳ يصير معترفاً بها في أقاليم الدول المتعاقدة، كما يصير تنفيذها فيها .
ولا يختلف الحال بشأن الإتفاقية الأوروبية الصادرة في جنيف عام ١٩٦١ بشأن التحكيم التجارى الدولى، حيث أقرت المادة الأولى مشروعية شرط التحيكم ومشارطة التحكي في عمليات التجارة الدولية بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المشار اليهم في نفس المادة. ونصت المادة الأولى من قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي على أن تخضع لهذه القواعد المنازعات الناشئة عن عقد ما متى كان طرفاه قد وافقــــــا كتابة على إحالتها للتحكيم طبقاً لقواعد تلك اللجنة ، وذلك سواء تمثل هذا الإتفاق في شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم، وهو ما يعنى اعتراف هذه اللجنة - طبقاً لقواعدها المذكورة - بمشروعيتهما في آن واحد. وأخيراً فقد أوضحناه فيما سبق ، اعتماد القانون النموذجي الموحد بشأن التحكيم التجارى الدولى الصادر عن لجنة UNCITRAL المذكورة لاتفاق التحكيم المكتوب في صورة شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم (٤) وفى هذا الصدد أفادت مذكرة الأمانة العامة لهذه اللجنة، في ابريل عام ۱۹۸۸ أن المادة السابعة التي اعتمدت الإتفاق المذكور قد اعترفت بصحته ونفاذه سواء اتخذ هذه الصورة أو تلك .
وهكذا يتطابق التنظيم الوطني مع التنظيم الدولي في إعترافهما بمشروعية شرط التحكيم ومشارطة التحكيم، وذلك مع بعض الإختلاف في التفاصيل.