الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / تعريف شرط التحكيم وطببيعته / الكتب / التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون المقارن / تعريف شرط التحكيم

  • الاسم

    د.حسنى المصري
  • تاريخ النشر

    1996-01-01
  • عدد الصفحات

    665
  • رقم الصفحة

    62

التفاصيل طباعة نسخ

تعريف شرط التحكيم

  وعلى خلاف المشرعين المصري والكويتي اللذين لم يضعا تعريفا لشرط التحكيم عرفه المشرع الفرنسي، في المادة ١٤٤٢ من قانون المرافعات الجديد الصادر بتاريخ ٤ ١ مايو ۱۹۸۰، بأنه "الإتفاق الذى بمقتضاه يتعهد طرفان فى عقد ما بأن يخضعا للتحكيم المنازعات التي قد تنشأ بينهما عن هذا العقد .

   وفى تحديد الطبيعة القانونية لهذا الشرط اعتبره البعض وعدا بالتحكيم

   وعلى أساس هذا الاتجاه ليس ما يمنع - فى مجال شرط التحكيم - أن يعد كل متعاقد الآخر بالخضوع للتحكيم فيما يثور بينهما من منازعات تنشأ عن العقد الأصلي في المستقبل، وحينئذ يعد هذا الشرط كوعد بالتعاقد على التحكيم، عقدا حقيقيا Un contrat veritableيمهد لابرام عقد آخر هو مشارطة التحكيم التي يتفق فيها الطرفان على اخضاع النزاع الذى نشـ فعلا للتحكيم فضلا على تسمية المحكمين، حيث يكون النزاع قد تعين وأصبح التحكيم فيه ممكنا، يستوى فيما تقدم أن يكون شرط التحكيم قد ورد كبند من بنود العقد أو وضع كاتفاق مستقل.

  بيد أن هذا الإتجاه لا يعدو أن يكون إتجاهاً تقليدياً ظهر حينما لم ! يكن المشرع قد عنى بشرط التحكيم واعترف بأهميته وفاعليته بالنسبة لابرام العقود، وبالتالي لم يكن يرى شرط التحكيم مغنيا عن ابرام مشارطة التحكيم، ناهيك عن أن إعتبار هذا الشرط مجرد وعد بالتعاقد على التحكيم لا يسلم من النقد.

  شرع شرط التحكيم ( قبل صدور قانون المرافعات الفرنسي الجديد بتاريخ ١٤ مايو ۱۹۸۰، في المنازعات التجارية كاستثناء ينبغى التشدد في تطبيقه. غير أن محكمة النقض الفرنسية قد أصدرت حكما شهيرا، بتاريخ ۲۷ فبراير  ۱۹۳۹قررت فيه حلا آخر يفرض على طرفي شرط التحكيم تنفيذ هذا الشرط جبرا.

   فقد ذهبت المحكمة إلى أنه إذا تضمن العقد التجارى شرط التحكيم ، المقرر في القانون الصادر بتاريخ ۳۱ ديسمبر ۱۹۲۵  ، فانه يفرض على طرفيه التزاما باللجوء الى التحكيم في المنازعات التي يثيرها هذا العقد، ومن ثم يلتزم الطرفان بعدم عرض المنازعات المذكورة على المحاكم التجارية المختصة أصلا بنظرها، ويجب عليها تقضى بعدم اختصاصها بها واحالتها الى هيئة التحكيم وقررت المحكمة أن الخلاف الذى يثور بين الطرفين ويكون من شأنه الحيلولة دون اضطلاع هيئة التحكيم بمهمتها التحكيمية لا ينبغي أن يمنع من تنفيذ شرط التحكيم فإذا اختلف طرفاه حول تسمية المحكمين ، بعد تعيين موضوع المنازعة، جاز لأى منهما أن يطلب الى المحكمة التجارية المختصة الأمر بالزام خصمه بتعيين المحكم خلال مدة محددة وإلا قامت هذه المحكمة من تلقاء ذاتها designation office بتعيينه واتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لتمكين هيئة التحكيم من مباشرة مهمتها، فضلا على الزام هذا الخصم بالتعويض عن تقاعسه فى تعيين المحكم متى كان لهذا التعويض مقتض. وانتهت محكمة النقض من ذلك إلى تقرير مبدأ هام هو أن الخلاف حول إبرام مشارطة التحكيم لا يجيز لأى خصم - والحال كذلك - التنصل من شرط التحكيم ونقضه بارادته المنفردة ووفقا لمشيئته وحده، لأن تعليق خضوع النزاع الذى نشأ فعلا للتحكيم على محض مشيئة الخصوم يجعل لشرط التحكيم وهمياً llusoire أو عديم الأثر .

   كما جاء بالحكم المذكور أنه لا يجوز لأحد طرفي العقد التجارى الذي تضمن شرط التحكيم الادعاء باختصاص المحكمة التجارية بنظر المنازعات التي تنشأ عن هذا العقد، حيث يتناقض هذا المسلك مع شرط التحكيم، فإذا أصر أحد الخصوم على هذا المسلك جاز للخصم الآخر الدفع أمام المحكمة التجارية التى رفع إليها النزاع بشرط التحكيم ووجب علــ المحكمة قبول هذا الدفع الذى يتضمن الادعاء لعدم اختصاصها بنظر ذلك النزاع.

   ولقد استخلص البعض من الحكم السابق أن المحكمة الفرنسية قد أضفت بذلك على شرط التحكيم هذا الطابع الإلزامي Caractere obligatoire الذي يوجب تنفيذ ، برغم تكييفها لهذا الشرط باعتباره وعداً بعقد إذ قررت أنه لايجوز النظر إلى الإلتزام المترتب على الوعد بالتحكيم على أنه مجرد التزام بعمل obligation de faire لا يتخلف عن الإخلال به سوى التعويض، وإنما يجب النظر اليه باعتباره التزاماً قابلاً للتنفيذ العينى execution en nature ، وهو تنفيذ يفرضه القاضى الذى رفع اليه النزاع على سبيل المماطلة على الخصم المماطل جبراً عنه مادام لم يقم بتنفيذ التزامه بالوعد إختياراً.

- إعتبار شرط التحكيم اتفاقا نهائيا وملزما بالخضوع للتحكيم

    برغم استبعادنا لتكييف شرط التحكيم على أنه وعد بعقد لتعذر تحديد موضوع النزاع والمدة التي يجب على الطرفين فيها الاتفاق على مشارطة التحكيم باعتبار هاتين المسألتين من المسائل الجوهرية التى يسلتزم المشرع وجودها لقيام الوعد بالعقد مما يستتبع استبعاد تطبيق نص المادة ۱۰۲ مدنى مصرى المذكورة على شرط التحكيم، فاننا نؤيد محكمة النقض الفرنسية فيما ذهبت إليه من ضرورة تدخل القضاء العادى لتمكين هيئة التحكيم من مباشرة اختصاصها بالنزاع الناشيء عن العقد الذى ورد بشأنه شرط التحكيم. ويستتبع ذلك عدم السماح للطرفين بتعطيل هذا الإختصاص بالتخلص من شرط التحكيم في مقابل تعويض وإلا صار هذا الشرط لغوا وعديم القيمة بالنظر إلى الاعتبارات الهامة التى أملت على الطرفين الاتفاق على ذلك الشرط.

   لكن لما كانت قواعد الوعد بالعقد لاتسعف فى هذا المجال فان المشرع قد اضطر الى التدخل لجعل التحكيم إلزاميا أثر الاتفاق على شرط التحكيم بحيث أصبح هذا الإتفاق يغني عن الإتفاق على مشارطة التحكيم، وبالتالى لم يعد أمام أحد طرفي الشرط سبيل للتخلــص منه بإرادته المنفردة.

  ولا يختلف حال القانون المصرى رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ عن حال القانون الفرنسي أو الكويتي من حيث هذه الآثار الملزمة بالتحكيم. فلقد أشرنا إلى مانصت عليه المادة ٢/١٠ من القانون المصرى المذكور من أنه يجب تحديد موضوع النزاع فى بيان الدعوة التحكيمية متى تعلق الأمر بشرط التحكيم، وهو حكم تغلب به المشرع عليه تعذر معرفة موضوع النزاع عند الاتفاق على هذا الشرط، كما حولت المادتان ۹ و ۱۷ من نفس القانون للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع أو محكمة استئناف القاهرة - حسب الأحوال - سلطة تعيين محكم أو أكثر بناء على طلب أحد الطرفين، وبالتالي يغنى الاتفاق على شرط التحكيم عن الاتفاق على مشارطة التحكيم ولو خلا الاتفاق الأول من تعيين موضوع النزاع أو تسمية المحكمين ، وذلك سواء فى القانون الفرنسى أو الكويتي أو المصرى.

   وعلى ذلك يجوز لنا القول بأن الاتفاق على شرط التحكيم ليس مجرد وعد بالتحكيم بل هو اتفاق نهائي وملزم بالتحكيم، ولا يجوز العدول عنه الا باتفاق أطرافه أو بنزول أحدهما عن التمسك بالدفع بالتحكيم.

- المقصود بالأثر الملزم لشرط التحكيم في التنظيم الدولي :

    لم يكن شرط التحكيم يغني ، في ظل اتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۳ ، عن ابرام مشارطة التحكيم، وهو ما يظهر مما نصت عليه المادة الأولى من أن شرط التحكيم الذي تعترف به الدول الموقعة" هو الذى يلتزم بمقتضاه طرفا عقد ما بأن يخضعا للتحكيم كل أو بعض مــــــاقد ينشأ عن هذا العقد من منازعات تجارية أو غيرها من المنازعات يجوز حلها بطريق التحكيم بموجب مشارطة تحكيم " أجل ذلك نصت المادة الرابعة من نفس الاتفاقية على أن شرط التحكيم الذي يوجب على المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع احالته الى التحكيم لا يؤدى الى هذا الأثر إلا إذا كان إعماله ممكنا، وهو مايلتزم ، في ظل هذه الاتفاقية، أن يكون الشرط قد تضمن تعيين موضوع النزاع وتسمية المحكمين، حيث لم تنص الاتفاقية على وسيلة أخرى لتعيين النزاع أو تسمية المحكيم. وبالتالي إذا لم يكن إعمال شرط التحكيم ممكناً لهذا السبب فإنه لا يلزم الطرفين جبراً بالتحكيم إلا باتفاقهما على مشارطة التحكيم مما يعنى افتقاد هذا الشرط للأثر الملزم بالتحكيم بالمعنى الذى سبق بيانه. ولقد خلت اتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ المكملة للإتفاقية السابقة من أى حكم مغاير .

   ولقد عرضت لهذه المشكلة جزئيا الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى لعام 1961 ، حيث نصت على أنه إذا لم يختر أى طرف المحكم الذى يمثله أو إذا لم يكن بين الطرفين اتفاق في هذا الشأن تعين إتباع احدى الطرق المقررة فى هذه الاتفاقية لتعيين المحكم المحكمين للإضطلاع بالتحكيم طبقا للمادة ٣/٤ . وقد تركت هذه المادة خيارات عديدة لأطراف النزاع لتعيين هؤلاء المحكمين عن طريق رؤساء الغرف التجارية المختصة.

   ولما كان من أغراض القانون النموذجي للتحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام ١٩٨٥ سد ثغرات الاتفاقيات الدولية واكمال أوجه النقص فيها فانه قد عالج المشكلة بقواعد واجراءات واضحة ومحددة. فبعد أن بينت المادة السابعة منها أن اتفاق التحكيم يشمل شرط التحكيم ومشارطة التحكيم نصت المادة الثامنة على أنه يجب " على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى فى مسألة أبرم بشأنها اتفاق تحكيم (شرط تحكيم مثلا) أن تحيل الطرفين إلى التحكيم إذا طلب منها ذلك أحد الطرفين في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع ..." ، هذا من جهة. ومن جهة أخرى نصت المادة ٤/١١ من القانون النموذجي المذكور على أنه إذا تعذر تعيين المحكم أو المحكمين لأى سبب من الأسباب الواردة بهذه المادة، "جاز لأى من الطرفين أن يطلب من المحكمة أو السلطة الأخرى (المختصة) أن تتخذ الإجراء اللازم مالم ينص الاتفاق على إجراءات التعيين على وسيلة أخرى لضمان التعيين".

   وهكذا تغلبت أحكام القانون النموذجي للتحكيم على الصعوبات التي كانت تحول دون الاعتراف لشرط التحكيم بالأثر الملزم الذى يفرض على الطرفين الخضوع للتحكيم حتما ، وذلك بما قررته من الزام المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بإحالته إلى التحكيم متى توافرت شروطه دون أن يعترض ذلك عدم تعيين موضوع النزاع أو تسمية المحكمين عند اتفاق الطرفين على شرط التحكيم، وهو نفس الحال فى القوانين الوطنية الحديثة. وبالتالي يجوز القول بأن شرط التحكيم أصبح اتفاقا نهائيا وملزما بالتحكيم، وليس مجرد وعد بالتحكيم، ومن ثم يغنى عن إبرام مشارطة التحكيم، وفقا للإتجاه المتطور للتحكيم التجارى الدولى سواء في التنظيم الوطني أو التنظيم الدولي.