قد يرد اتفاق التحكيم في صيغة شرط يتم إدراجه مسبقاً في العقد الأصلي
ومثاله أن ينص العقد في أحد بنوده على أن أي نزاع مستقبلي) بين طرفيه يحال للتحكيم. ويلاحظ بوضوح أن شرط التحكيم بهذا المفهوم، لا يتعلق بنزاع حال، وإنما بنزاع مستقبلي محتمل الوقوع ، ولا يعرف أحد فيما إذا كان مثل هذا النزاع سيقع فعلاً أم لا، ولا مدى النزاع ونطاقه في حال وقوعه مستقبلاً. واتفاق التحكيم بهذا المفهوم، أي مفهوم شرط التحكيم، يكفي لإحالة النزاع إلى التحكيم في حال وقوعه ، ولا يشترط تضمينه أي أحكام خاصة أخرى مثل تحديد موضوع النزاع، أو تعيين أسماء المحكمين ). كما لا يشترط عند وقوع النزاع إبرام أي اتفاق تحكيم تفصيلي بهذا الخصوص، وإن كان ذلك يقع كثيراً في الحياة العملية .
وبالرغم من أن اتفاق التحكيم في هذا الوضع مبني على مجرد الاحتمال، فقد أجازته مختلف القوانين العربية محل البحث، وإن اختلفت الصياغة في ذلك. فكما ذكرنا، تقضي المادة (1/233) من القانون البحريني، بأنه يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين، على محكمين. ويماثل هذا النص المادة (1/203) من القانون الإماراتي، والمادة (1/506) من القانون السوري، والمادة (173) من القانون الكويتي، والمادة (739) من القانون الليبي. وتنص المادة (1) من نظام التحكيم السعودي، على أنه يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة تنفيذ عقد معين. وتنص المادة (762) من القانون اللبناني بأنه يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد التجاري أو المدني المبرم بينهم، بنداً ينص على أن تحل بطريق التحكيم، جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد أو تفسيره. كما تقضي المادة (1/190) من القانون القطري بجواز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين. ويماثل هذا النص المادة (251) من القانون العراقي .
وعبارات كهذه، لا تعني سوى اتفاق التحكيم السابق على نشوب النزاع، وأهم صوره وأكثرها تطبيقا في الحياة العملية، شرط التحكيم بالمفهوم المشار إليه. وبالنسبة لأحكام القضاء، فقد اعتبرت شرط التحكيم، صالحاً لإحالة النزاع في حال وقوعه إلى التحكيم كما تقدم ،دون حاجة لاتفاق تحكيم جديد. أو بمعنى أدق، دون حاجة لإبرام مشارطة تحكيم بعد وقوع النزاع.
ومع أن العادة جرت على أن يرد شرط التحكيم في نهاية العقد الأصلي إلا أن ذلك لا يمنع من وروده في بداية العقد أو منتصفه أو في أي مكان آخر منه. وفي جميع هذه الأحوال، يخضع أي نزاع ناشئ عن العقد للتحكيم بموجب شرط التحكيم، إلا إذا تبين من الاتفاق صراحة أو غير ذلك، أي قصر التحكيم على جزء من منازعات العقد وليس ضمناً كلها.
فالعقد مثلاً قد يكون عقد بيع يتضمن حقوق والتزامات الطرفين، مثل تسليم البضاعة من جانب البائع، ودفع الثمن من جانب المشتري وشروط ذلك. ولكن يتضمن العقد أيضاً شرطاً يقضي بإلزام البائع بتقديم كفالة حسن تنفيذ صادرة عن أحد البنوك، وينص العقد على شرط تحكيم مفاده خضوع منازعات الطرفين الخاصة بالكفالة للتحكيم. في هذا المثال إذا نشب نزاع حول الكفالة فيحال للتحكيم، في حين أن أي نزاع آخر ناجم عن العقد، مثل النزاع حول البضاعة ومواصفاتها ، يحال للقضاء وليس للتحكيم. أو قد يتضمن عقد مقاولة إنشائية قسمين: الأول خاص بالإنشاءات وتنفيذ الأعمال وحقوق والتزامات صاحب العمل والمقاول والثاني: خاص بالكفالات التي يتوجب على المقاول تقديمها لصالح صاحب العمل، مثل كفالة الدفعة المقدمة (السلفة) وحسن التنفيذ والصيانة، ويكون هناك شرط تحكيم في العقد يرد تحت القسم الأول، مما قد يفهم منه أنه خاص بذلك القسم دون الآخر.
وهذا يقودنا إلى القول بأنه لا يجبر الطرفان عند إدراج شرط التحكيم في العقد، على الاتفاق على أن كل منازعة ناشئة عن هذا العقد تحال للتحكيم، إذ لهما الحق في قصر ذلك على بعض المنازعات دون غيرها. ومن أمثلة ذلك أيضاً، الاتفاق على قصر التحكيم على تفسير العقد، أو تنفيذه أو فسخه فقط. وما يحال للتحكيم في هذه الفروض، هو فقط النزاع موضوع الاتفاق دون غيره من المنازعات الناجمة عن العقد ذاته، حيث يبقى الاختصاص فيها للقضاء. وبمعنى آخر، تخضع منازعات العقد في هذه الحالة لنوعين من الاختصاص : التحكيم في حدود ما هو متفق عليه، والقضاء فيما عدا ذلك.
وعادة ما يرد الشرط بصيغة مقتضبة، كالقول بأن أي خلاف حول العقد يحال إلى التحكيم . وقد يزيد الطرفان من كلمات الشرط بما يضمن تفسيره بصورة أوضح لصالح التحكيم، كالقول بأن أي خلاف أو نزاع حول هذا العقد من أي نوع كان أو مرتبط به بأي شكل كان، بما في ذلك النزاع حول تفسيره أو تنفيذه أو انقضائه وأي مطالبة ناشئة عنه، تتم تسويته باللجوء للتحكيم. وقد يتوسع الطرفان في شرط التحكيم فيضيفون له أحكاماً أخرى، مثل مكان ولغة التحكيم، والقانون الواجب التطبيق على النزاع، وعدد المحكمين وصفاتهم ومؤهلاتهم، كاشتراط أن يكون رئيس هيئة التحكيم مهندساً أو محامياً أو مدقق حسابات، أو يكون اثنان من المحكمين قانونيين، في حين يكون رئيس الهيئة مهندساً، ومثل الاتفاق على جنسية وسن كل أو بعض المحكمين. وإذا كان التحكيم مؤسسيا ، فقد جرت العادة أن تضع مؤسسة التحكيم المعنية ، صيغة شرط تحكيم ينصح الأطراف بإدراجها في عقدهم، إذا رغبوا بإحالة النزاع إلى تلك المؤسسة لتسويته تحكيماً. ولكن لا يجبر الأطراف على التقيد بهذه الصيغة في شرط التحكيم، بل لهم الاتفاق على أي صيغة أخرى بما يفهم منها الإحالة لمؤسسة التحكيم.
وكلما زادت التفصيلات الواضحة في شرط التحكيم، كلما قلت منازعات الطرفين حول أحكام وشروط التحكيم الذي سيطبق عليهم، كما يؤدي ذلك إلى مساعدة مؤسسة التحكيم (في التحكيم المؤسسي)، وهيئة التحكيم (وخاصة في التحكيم الطليق/الحر) في حل كثير من مسائل التحكيم، خاصة إذا علمنا أن كلاً من هاتين الجهتين مقيدة كمبدأ عام، باتفاق الخصوم وحيث لا يكون هناك حل لأي مسألة من مسائل التحكيم بالاتفاق، ستضطر مؤسسة التحكيم، أو هيئة التحكيم للاجتهاد بشأنها، واتخاذ القرار الذي تراه مناسباً من وجهة نظرها، في حين أن مثل هذا القرار، قد لا يكون مناسباً لأحد طرفي النزاع أو حتى لكليهما ، ولا يكون متوقعاً بالنسبة لهما عند إدراج شرط التحكيم في العقد.