يقصد بالتعليق على شرط ربط حصول أمر بحصول أمر آخر في المستقبل وذلك عكس التنجيز والنفاذ الفوري، والذي فيه العقد يرتب حكمه فور إنعقاده، كقول رجل لآخر إذا قدم فلان فأنت وكيلي، فإنعقاد الوكالة قد ربط بتحقق قدوم شخص آخر.
أما الإضافة إلى المستقبل فهي تأخير حكم التصرف القولي المنشأ إلى زمن مستقبل معينا كقولك أنت وكيلي من أول شهر محرم
وأما التقييد بالشرط، فهو التزام في التصرف القولى لا يستلزمه ذلك الأموال دون الفروج او ان يعينه قاضياً للرجال دون النساء او العقود فول التصرف حال إطلاقه (٥) كتولية الإمام رجلاً قضاء بلدة كذا أو أن يقضي في الفسوخ، ففي هذه الحالة يلتزم القاضي بهذه القيود ولا يصح له أن يقضي النطاق المرسوم له وإلا كان حكمه باطلاً لعدم الصلاحية، فهل اصبح خارج تعليق التحكيم وإضافته وتقييده بالشرط؟
التحكيم عقد اطلاق:
التحكيم هو من عقود الإطلاقات، فهو تولية وتقويض كالوكالة والقضاء، وهذان يجوز تعليقهما على شرط أو إضافتهما إلى المستقبل أو تقييدهما بالشرط فكذلك التحكيم يجوز تعليقه على شرط وإضافته إلى المستقبل، وهذا ما ذهب اليه في فتاوى قاضي خان وقال أبو يوسف إن التحكيم لا يجوز تعليقه بالخطر أو مضافاً إلى المستقبل وعليه الفتوى وإستدل بأن التحكيم عقد من عقود التمليكات، وأن فيه تمليك الولاية وعقود التمليكات لايجوز تعليقها أو إضافتها إلى المستقبل، لما في ذلك من منافاة لما قصده الشارع في عقود التمليك من ترتيب حكمها فور إنعقادها. وأن التحكيم تولية إلا أنه صلح معنى لأنه لا يثبت إلا برضا الخصمين، و إنما يصار اليه لقطع الخصومة والنزاع وليس الصلح إلا ذلك، والصلح لا معلقاً ولا مضافاً وكذلك التحكيم مثله.
أشكال التعليق والإضافة
من أشكاله تعليق التحكيم على شرط كأن يقول المحتكمان لعبد أو ذمي إذا اعتنقت أو أسلمت فأحكم بيننا، أو أن يقولا إذا قدم فلان فأحكم بيننا. وصورة الإضافة كأن يقولا لرجل: أحكم بيننا غداً أو بعد غداً أو أول الشهر القادم وهلم جرا.
تقييد التحكيم وتأقيته:
يجوز تقييد التحكيم بالشرط كالقضاء كأن يقول المحتكمون للحكم أحكم بيننا في العقار دون المنقول أو أحكم بيننا في بلدة كذا وجاء في تبيين الحقائق: ولو حكم بينهما في بلد آخر جاز لأن التحكيم قد حصل مطلقاً فكان له الحكومة في الأماكن كلها أو على أن يسأل فلاناً الفقيه أو أحكم بيننا بما أجمع عليه الفقهاء، فإذا قضى بينهما بعدما سأل الفقيه صح حكمه في الأولى، وإن سأل فقيهاً واحداً ثم قضى صح حكمه في الثانية (١) وهذا إذا كان المحكم غير مجتهد، أما إذا كان المحكم مجتهداً فلا يصح حكمه بخلاف رأيه وقد قال إبن تيمية: وإذا تحاكم إليه إثنان في دعوى يدعبها أحدهما، فصل بينهما بأمر الله ورسوله، وألزم المحكوم عليه بما حكم به وليس له أن يقول: أنت حكمت على القول الذي لا أختاره(٢) ويقول في البحر الرائق: إذا كان التحكيم ليحكم على خلاف مايراه المحكم كان الصحيح عدم نفاذ قضائه (۳) وفي التبصرة: (إذا كان المحكم الإجتهاد مالكياً ولم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك لزم حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم إذا كان الخصام بين ، مالكيين لأنهما لم يحكماه علي أن يخرج عن قول مالك وأصحابه وكذلك إن كانا شافعيين أوحنفيين، وحكماه على مثل ذلك كمن يلزمه حكمه إن حكم بينهما بغير ذلك(1) ويجوز تأقيت التحكيم بوقت معين كأن يقول المحتكمون الرجل حكمناك على أن تحكم في مجلسك هذا أو في يومك هذا أو في شهرك هذا، فإذا مضى الوقت المحدود في التحكيم ولم يصدر حكمه، إنتهت ولايته وإذا قضى بعد ذلك حكمه كما لا : حكم القاضي بعد العزل لعدم الولاية.
التعيين:
يعين المُحكّم بإتفاق الفرقاء، ويقتضي عليه أن يقبل المهمة التي عين لها وفقاً لأحكام المجلة، ويقتضي أن المحكم عند اللجوء إلى يعين التحكيم، أي في الإتفاقية التحكيمية التي تعقب نشوء النزاع، وهو الأمر الذي أوجبه لمدة طويلة في بعض القوانين كالقانون الفرنسي وعدد من القوانين العربية المعاصرة، وذلك بهدف تجنب شل العملية التحكيمية وتدخل السلطة القضائية الأمر الذي يشكل معاكسة للهدف المتوخى من التحكيم. وقد أقرت المجلة لكل من المدعي والمدعى عليه، الحق بتعيين محكم من قبله هذا ولم تتطرق الشريعة الإسلامية إلى إمكانية تعيين المحكم من قبل طرف ثالث ويمكننا القول بأنها لم تمنع كما لم تقر مثل هذا التدبير. فاذا إتفق الخصوم على تحكيم رجل ولم يتم تعيينه لا يجوز ذلك إجماعاً للجهالة، مثل أن يتفقا على تحكيم أول من يدخل عليهما أو من يصادفهما في الطريق، فتعيين شخص المحكم عنصر جوهري في التحكيم، وإنما لا يشترط أن يكون المحكم شخصاً يعرفه الطرفان أو من معارفهما فلو عين المتخاصمان شخصاً لا يعرفانه حكماً فهو جائز فيكفي تعيين الحكم