لا تتضمن قوانين التحكيم عادة تسمية كل من شرط التحكيم ومشارطة التحكيم كلا على حدة. وتكتفي بتعريف اتفاق التحكيم واطلاقه على كل من شرط التحكيم و مشارطة التحكيم في ان واحد (م/ 15 تحكيم مصري ) .
وتقضي المادة 7/ 1 من القانون النموذجي بانه يجوز ان يكون اتفاق التحكيم في شكل بند تحكيم وارد في عقد او في شكل اتفاق منفصل. اما المادة 251 مرافعات عراقي فتميز بين اتفاق التحكيم في نزاع وتقصد به مشارطة التحكيم وبين اتفاق تحكيم عن نزاعات تنشآ عن تنفيذ عقد وتقصد به شرط التحكيم دون التصريح بذلك . الا ان قانون التحكيم السوداني لسنه 2016 عرف كلاً من اتفاق التحكيم ومشارطة التحكيم بشكل اخر بحيث اعتبر مشارطة التحكيم بانها الاتفاق الذي تعده هيئة التحكيم بالاتفاق مع طرفي النزاع. وهذا تعبير غير دقيق لان مشارطة التحكيم لا تعد من قبل هيئة التحكيم وانما من قبل الخصوم قبل تشكيل هيئة التحكيم. وتم تضمين شرط التحكيم في العقود التجارية فقط بموجب قانون المرافعات الفرنسي تعديل 1925/12/31 ، وبقي القانون الفرنسي لفترة طويلة لا يعتد بشرط التحكيم كعقد ملزم لاطرافه وانما هو مجرد وعد بالتعاقد لان محله محتمل وغير معين حسب المادة 2061 من القانون المدني الفرنسي والمادة 1004 مرافعات فرنسي حتى تم تعديلها بقانون 2001/5/15 بحيث اصبح شرط التحكيم صحيحا في العقود المهنية باعتباره شرطا اجرائياً وليس شرطا موضوعياً، ولكن قانون 19/8/ 1986 اجـاز شرط التحكيم في العقود الدولية استثناء من المادة 2061 مدني فرنسي وبموجب مرسوم يصدر من مجلس الوزراء شأنها في ذلك العقود الادارية و هكذا اضحى شرط التحكيم في القانون الفرنسي عقداً ملزماً للطرفين وليس وعداً بالتعاقد الملزم من جانب واحد فقط.
ويتميز شرط التحكيم بالخصائص الاتية :
اولا : كونه شرطا يرد في العقد محل النزاع كبقية الشروط الواردة فيه ولكنه يتمتع بالاستقلال عن بقية العقد لانه شرط اجرائي لتسوية النزاعات يختلف عن الاحكام الموضوعية المتعلقة بحقوق والتزامات المتعاقدين. ويختص شرط التحكيم بالنزاعات الناجمة عن تفسير وتنفيذ العقد عن طريق التحكيم رغبة من الخصوم في استبعاد القضاء لتسوية منازعاتهم. والاصل ان يرد شرط التحكيم في متن العقد دون ان يمنع ذلك من ان يتم بالاحالة اليه في اية وثيقة ذات صلة به شرط ان تكون الاحالة صريحة وواضحة. ويعتبر النص الوارد في تلك الوثيقة جزء لا يتجزأ من العقد. وهذه من خصائص شرط التحكيم التي تميزه عن مشارطة التحكيم التي لا ترد في العقد الاصلي. ويكون شرط التحكيم سابقاً على نشوب النزاع ويغطي كافة النزاعات الناجمة عن تفسير وتنفيذ العقد الاصلي. ولذا نصت المادة 1/7 من القانون النموذجي على ان اتفاق التحكيم وارد في اصل العقد وهذا هو شرط التحكيم او في شكل اتفاق منفصل ويقصد به مشارطة التحكيم دون تسمية أي منهما على حدة وهذا هو المعيار المكاني. اما في القانون المصري فان المادة 2/10 منه تميز بين اتفاق التحكيم سابقاً عن قيام النزاع و تقصد به شرط التحكيم واتفاق التحكيم قائماً بعد قيام النزاع وتقصد به مشارطة التحكيم وهذا هو المعيار الزماني الذي اغفله القانون النموذجي. اما في القانون العراقي فان المادة 251 تميز بين اتفاق على التحكيم في نزاع معين وتقصد به مشارطة التحكيم وبين الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشا عن تنفيذ عقد معين وتقصد به شرط التحكيم بموجب المعيار المكاني دون التصريح بذلك.
ثانياً. جزئية شرط التحكيم من حيث موضوع النزاع . لما كان شرط التحكيم احتمالياً من حيث موضوعه ومحله فانه ينبغي الحرص على تحديد موضوع النزاع بدون جهالة كي لا يضطر الخصوم الى ابرام مشارطة تحكيم اضافية لهذا الغرض. ذلك لان اختصاص هيئة التحكيم ينحصر بما يتم تعيينه من قبل الخصوم بحيث ان تجاوز نطاق موضوع النزاع يجعل قرار التحكيم عرضه للبطلان. ويخضع تحديد موضوع النزاع لمصلحتين متعارضتين احداهما مصلحة المدعي في اللجوء الى التحكيم لتسوية موضوع النزاع بالحد الاعلى ومصلحة المدعى عليه في عدم اللجوء الى التحكيم و الى تسويته بالحد الادنى اذا تم اللجوء اليه ومن هنا تأتي اهمية تحديد موضوع النزاع كي لا يكون هو بذاته سببا آخر للنزاع .
ولغرض التوصل الى اتفاق تحكيم يساعد الخصوم على تسوية نزاعاتهم فان هناك صياغات عديدة مقترحة هي: احدهما ضيق يصب لصالح المدعى عليه الذي يحرص على عدم توسيع نطاق النزاع وثانيهما، واسع يصب لصالح المدعي الذي يوسع دائرة النزاع تغطي جميع توقعاته في كسب الدعوى لصالحه كما هو مبين في الاتي :
1. الصباغة الضيقة لشرط التحكيم وتقضي بتحديد نطاق من النزاع الى الحد الادنى للحيلولة دون توسع هيئة التحكيم في اختصاصها من حيث الموضوع و اقترحت المادة 7 من القانون النموذجي خياراً بين الصياغة الضيقة والصياغة الواسعة بتعريف اتفاق التحكيم بانه اتفاق بين الطرفين على ان يجيلا الى التحكيم (جميع) او (بعض) النزاعات التي نشأت او قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة سواء اكانت تعاقدية) ام غير تعاقدية). اما تعبير (جميع) فيوسع موضوع النزاع. واما تعبير (بعض) فيتم في علاقة قانونية تعاقدية محصورة في العقد الاصلي فقط. ويشمل التعريف الموسع نزاعات غير تعاقدية تتجاوز نزاعات العقد الحصرية الى اي نزاعات اخرى يمكن ان يكون لها صلة بهذا العقد. ولعل اضيق تعريف الموضوع اتفاق التحكيم هو النص على ( احالة نزاع بشان تفسير وتنفيذ هذا العقد الى التحكيم. وتميل الدول النامية للاتجاه الضيق لاتفاق التحكيم لانها هيا الدول المضيفة للاستثمارات للاجنبية والتي هي المدعى عليها وهي دول امريكا الاتينية والعربية.
2. الصياغة الواسعة لشرط التحكيم ينبغي التمييز بين كلمة خلاف conflit وكلمة نزاع dispute . فالكلمة الثانية ادق لانها تتعلق بنزاعات قانونية فقط بينما يمتد مفهوم الخلاف الى نزاعات غير قانونية مما ينبغي تحاشيها. اما اذا لم يتم الاتفاق على استخدام كلمة جميع النزاعات فانه يصار الى تعداد مفردات النزاع توضيحاً للدقة وتحاشية لنزاع حول حجم مصادیق جميع النزاعات ومداها. ومن النماذج واسعة الصياغة نموذج مركز عجمان للتوفيق والتحكيم التجاري في تحديد موضوع شرط التحكيم بأنه (كل) نزاع ينشأ عن انعقاد او تنفيذ او تفسير او الغاء او فسخ او صحة او بطلان هذا العقد او ما يتفرع عنه او يرتبط به باي) وجه من الوجوه يتم حسمه بالتحكيم وفقا للاحكام الواردة في نظام التوفيق والتحكيم التجاري لغرفة تجارة وصناعة عجمان بواسطة محكم منفرد او محكمين يتم تعيينهم وفقا لنظام التحكيم في هذه الغرفة. وبموجبه تختص هيئة التحكيم في البت في صحة ونفاذ العقد الاصلي وما يطرأ عليه من عوارض قانونية، كما تختص هيئة التحكيم في البت في صحة ونفاذ شرط التحكيم وما يتفرع عن العقد او يرتبط به بأي وجه من الوجوه.
اما اذا كانت صيغة شرط التحكيم غير واضحة او غامضة فانه يصار الى قواعد التفسير لاجلاء الغموض ان وجد ، حيث تنص المادة 150 2 مدني مصري على انه اذا كان هناك سبب لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للالفاظ مع الاستشهاد في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي ان يتوفر من امانة وثقة المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات بينما تنص المادة 1/155 مدني عراقي على ان العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للالفاظ والمباني على ان الاصل في الكلام الحقيقة اما اذا تعذرت الحقيقة فيصار الى المجاز (المادة 2/155) . وبالرغم من ان القاعدة العامة ان يفسر الشك في النص في مصلحة المدين (م/166) مدني عراقي)، الا ان هيئات التحكيم تمضي بالعكس وتفسر الشك في النص لصالح المدعي الدائن وهو المستثمر او المتعاقد مما يكشف مقدار الخطورة في صياغة موسعة لشرط التحكيم ومقدار ما يضيع من العدالة في التفسير لصالح الدائن وليس لصالح المدين. وتستخدم القوانين الانكلوسكسون والجرمانية الصيغة الموسعة لانها هي ا الدول المصدرة للاستثمارات وهي الدول المدعية في التحكيم.
3.صياغة متوسطة بين الصياغتين الولسعة والضيقة وهي التي توفر توازنا بين مصالح الخصوم.
وفي جميع الاحوال ينبغي الا يمتد اتفاق التحكيم الى المسائل غير القابلة للتحكيم توجب قانون الدولة المضيفة حيث تنص المادة 254 مرافعات عراقي على انه لا صح التحكيم الا في المسائل التي يجوز فيها الصلح.
4. شرط التحكيم الابيض Blanche. الاصل ان يتضمن شرط التحكيم كيفية تشكيل هيئه التحكيم وعدد والا كان الشرط باطلا اماعند عدم النص على تعيين المحكمين في الشرط الابيض فيعتبر الشرط صحيحا ويصار الى قواعد التحكيم لتعيينهم وهو ما تقضي به المادة 1444 في تعديل 2011 مرافعات فرنسي، ولا تحل المحكمة المختصة محل الخصوم في التعبير عن ارادتهم حسب المادة 1444. ويعالج شرط التحكيم الابيض الصعوبات التي تنشأ عند وفاة محكم احد الخصوم او تنحيه عن منصبه في هيئة التحكيم ، فمن الآن وصاعداً لن يتاثر شرط التحكيم بوفاة او تنحي احد المحكمين. فاذا لم يتفق الخصوم على تشكيل هيئة التحكيم يقوم القاضي المساعد او المحكمة المختصة بتشكيل هيئة التحكيم وفق المادة 1452 بموجب الارادة الضمنية للخصوم. اما موضوع النزاع فأنه يكفي ان يكون محددا بشكل واضح في اتفاق التحكيم حسب طبيعة النزاع دون ضرورة ان يكون ذلك بالتفصيل .
و هناك فرق كبير بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم بشان تحديد موضوع النزاع. فشرط التحكيم يحدد مفرداته على ما هو متوقع من نزاعات بشان العقد الاصلي و بالاجمال احيانا وبالتفصيل احيانا اخرى. اما في المشارطة فحيث ان النزاع قائم فعلا فانه ينبغي تحديده على نحو الدقة والتفصيل كما هو قائم والا اعتبرت المشارطة باطلة.