إذا اتخذ اتفاق التحكيم صورة شرط التحكيم داخل العقد أو في وثيقة منفصلة – بحسب الأحوال - قبل نشوء النزاع فإنه لا يلزم تحديد موضوع النزاع بشكل تفصيلي. وإنما يكون تحديد الموضوع " عاما " وهذا أمر بدهي أو منطقي لأن دائرة الاحتمال والتوقع لموضوع النزاع الذي سوف يطرح علي هيئة التحكيم تكون واسعة وغير محددة علي وجه الدقة.
وبالرغم من ذلك فإنه يجب تحديد الموضوع الذي يدور حوله النزاع بشكل واضح وغير مبهم ، فلا يكفي لتحديد موضوع النزاع القول بأن الموضوع هو حسم جميع المنازعات التي تنشأ بين الأطراف ، وإنما يمكن الاكتفاء بالقول بأن موضوع النزاع هو حسم جميع المنازعات التي تنشأ بين الأطراف بمناسبة دعوى معينة ، أو أن موضوع النزاع هو حسم المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين. أو عند تصفية شركة معينة ، وعندئذ لا يمتد نطاق التحكيم إلى أي عقد أو اتفاق أخر.
وعندما تقوم منازعة مما يرد عليها شرط التحكيم ، فإنه يجب أن يحدد موضوع النزاع ذاته في بيان الدعوى أو أثناء المرافعة أمام المحكم وفي هذا تنص المادة ( ۲/۱۰) من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 على أنه: " يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا علي قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين ، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليها في الفقرة الأولي من المادة ۳۰ من هذا القانون ". كما تنص المادة ۱/۳۰ من ذات القانون علي أن " يرسل المدعي خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعنيه هيئة التحكيم إلى المدعي عليه وإلي كل واحد من المحكمين بيانة مكتوبة بدعواه يشتمل علي اسمه وعنوانه واسم المدعي عليه وعنوانه وشرح الوقائع الدعوى وتحديد للمسائل محل النزاع وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذا البيان ".
ويجب عدم التوسع في تفسير اتفاق التحكيم عند تحديد موضوع المنازعة الخاصة بالتحكيم ، فلا يحق للأطراف أو الهيئة التحكيم أن يتوسعوا في مضمونه حتى لا يتعرض اتفاق التحكيم والحكم الصادر فيه للبطلان ، ولهذا فإن كان الاتفاق علي التحكيم بشأن المنازعات الناشئة عن تفسير عقد معين ، فإن هذا الاتفاق لا يشتمل على تلك المنازعات الناشئة عن تنفيذه ، أو تلك المتعلقة بتفسير عقد التحكيم.
موقف القوانين المقارنة من شرط تحديد موضوع النزاع :
١- المشرع العماني : لم يشترط تحديد موضوع النزاع بالنسبة لشرط التحكيم حيث اكتفي بالفقرة الأولي من المادة العاشرة من قانون التحكيم رقم 47 لسنة ۱۹۹۷ بالنص على أن يكون التحكيم في المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بين الأطراف بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. ولم ينص في الفقرة الثانية من ذات المادة على وجوب تحديد موضوع النزاع بالنسبة لشرط التحكيم حيث جاء فيها أنه " يجوز أن يقع التحكيم في شكل شرط تحكيم سابق على قيام النزاع في عقد معين......" وهذا النص مخالف لنص المادة ۲/۱۰ من قانون التحكيم المصري الذي نص صراحة على أنه يجب في هذه الحالة تحديد موضوع النزاع في بيان الدعوى.
٢- المشرع السعودي :
نص بالمادة السادسة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي على أن ........ وثيقة التحكيم يحدد فيها موضوع النزاع تحديدة كافية وأسماء المحكمين ويجوز الاتفاق علي التحكيم بمقتضى شرط في عقد بشأن المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد".
3 - المشرع القطري : نص بالمادة ۱۹۰ من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه "يجب أن يحدد موضوع النزاع في وثيقة التحكيم أو أثناء المرافعة ولو كان المحكمون مفوضين بالصلح وإلا كان التحكيم باطلا.
4 - المشرع التونسي : نص بالفصل 17 من قانون التحكيم التونسي رقم 4۲ لسنة ۱۹۹۳ علي أنه " يجب تعيين موضوع النزاع في الاتفاق على التحكيم...... وإلا كان الاتفاق باطلا".
5 - المشرع الفرنسي : ذهب المشرع الفرنسي إلي عدم اشتراط تحديد موضوع النزاع بالنسبة لشرط التحكيم إذ إن المادة ۱۰۰6 من مجموعة المرافعات الفرنسية السابقة والمادة ۱۶۹۸ من مجموعة المرافعات الفرنسية الحالية لم تشترط تحديد النزاع في وثيقة التحكيم ذاتها. وأجازت التحديد لهذه المسائل " أثناء المرافعة" أي بعد قيام النزاع وبدء الإجراءات .
6 - المشرى الانجليزي : قد أبدي قانون التحكيم الإنجليزي ، وكذا قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي مرونة كبيرة حيال تحديد موضوع اتفاق التحكيم ، حيث لا يشترط كل منهما أكثر من ضرورة إبرام اتفاق التحكيم كتابة حتى تطبق عليه قوانين التحكيم، ويكتفي كقاعدة عامة عزم الأطراف أو نيتها علي الارتباط باتفاق تحكيم .
موقف الاتفاقيات الدولية من تحديد موضوع النزاع في شرط التحكيم
۱- قد نصت المادة ۲/۱۸ من قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي " اليونسترال" لعام 1976 على أنه "يجب أن يشتمل بيان الدعوى علي البيانات التالية ............ ج/ المسائل موضوع النزاع .......
۲ - كما نصت المادة 1/۲۳ من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادرعام 1985 علي أنه "علي المدعي أن يبين ، خلال المدة التي يتفق عليها الطرفان أو تحددها هيئة التحكيم ، الوقائع المؤيدة لدعواه ، والمسائل موضوع النزاع ، وطلباته ........... .
ويلاحظ من النصين السابقين أن تلك الاتفاقيات الدولية لم تفرق بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم واستلزمت ضرورة تحديد المسائل موضوع التحكيم. وذلك بخلاف المشرع المصري الذي قصر تحديد المسائل علي مشارطة التحكيم وهو موضوع المطلب التالي.