يقسم الفقه التحكيم من حيث وقت إبرام الاتفاق عليه، ومدى علاقته بالعقد الأصلي إلى تحكيم سابق، ويعرف بشرط التحكيم أي يعد من بنود العقد الأصلي، وتحكيم لاحق أو مستقل وهو ما يعرف بمشارطة التحكيم.
وعرف قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4 اتفاق التحكيم في الباب الثاني منه بالمادة العاشرة:
"1- اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية
كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة - علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية.
۲- يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين وفي هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة رقم ۳۰ من هذا القانون، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان
الاتفاق باط؟.
٣- ويعتبر الاتفاق على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد".
حيث عرف ماهية اتفاق التحكيم في الفقرة الأولى ثم نص على جواز کون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع سواء أكان مستقلا بذاته أم ورد في عقد معين أم أن يتم الاتفاق بعد نشأة النزاع بالفقرة الثانية، وأخيرا أشار في الفقرة الثالثة على اعتبار اتفاق التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم طالما كانت الإحالة واضحة في اعتبار شرط التحكيم جزءا من العقد.
وبذلك فإن صور الاتفاق على التحكيم طبقا للقانون المصري تتخذ إحدى الصور التالية :
أ- ورود شرط التحكيم في صورة بند من بنود العقد بشأن كل أو بعض
المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين.
ب- ورود شرط التحكيم في عقد مستقل عن العقد الأصلي، ويجب أن يحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى، كما يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو أقيمت بشأنه دعوى قضائية، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المشاكل التي يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلا.
ج- أن ينص في العقد الأصلي على الإحالة إلى وثيقة تتضمن شرط
التحكيم.
وأكدت ذلك الفقرة الثالثة من المادة العاشرة بقولها "يعتبر اتفاقا علی التحكيم، كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم، إذا كانت الإحالة واضحة من اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد".
ويجب التأكد من انصراف إرادة الأطراف إلى اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لحسم منازعاتهم بدلا عن قضاء الدولة، وأن إرادتهم لا لبس فيها بالإحالة إلى وثيقة او عقد نموذجي يتضمن شرط التحكيم.
وقد استقرت محكمة النقض المصرية على ذلك حتى قبل صدور قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة 1994، حيث قضت بأنه "لما كان سند الشحن يمثل في الأصل دليل الشاحن أو المرسل إليه قبل الناقل، فإنه يتعين أن يفرغ فيه كافة الشروط الخاصة بعملية النقل بحيث إذا ما اتفق بين طرفي عقد النقل على الالتجاء إلى التحكيم عن شأن ما قد يثور من منازعات ، يتعين أن ينص عليه صراحة في ذلك السند، و لا محل للإحالة المجهلة في أمره بالنظر لخطورته إلى مشارطة إيجار السفينة، وإذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتد بالإحالة العامة الواردة في سند الشحن إلى كافة شروط وبنود مشارطة إيجار السفينة والتي تضمنت في البند العشرين منها الاتفاق على التحكيم، باعتبارها مندمجة في سند الشحن....". وانتهت المحكمة إلى أن الحكم المطعون قد شابه القصور في التسبيب، وجره ذلك إلى الخطأ في تطبيق القانون مما يوجب نقضه.
وبذلك يتبين أن اتفاق التحكيم هو تصرف قانوني مستقل يكون في شكل اتفاق يحدد فيه الطرفان موضوع النزاع وأسماء المحكمين ومکان التحكيم وإجراءاته، وقد يحدد فيه أيضا القانون الذي يطبقه المحكمون، وعادة يكون هذا الاتفاق لاحقا على نشوب الخلاف.
إن استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي يعني أن شرط التحكيم الوارد في العقد يعد عقدة قائمة بذاته، على الرغم أنه ليس إلا جزءا من هذا العقد أو أحد بنوده، فهو أوله اتفاق، ووسطه إجراء، وآخره حكم، إلا أن أهم عنصر من هذه العناصر الثلاث يتمثل في الاتفاق، ومن المستقر عليه في العمل الدولي أن اتفاق التحكيم كأي معاهدة دولية يضع قاعدة سلوك إلزامي بالنسبة للأطراف الموقعة عليه، ومن ثم فإن تقدير صحة شرط التحكيم وتفسيره وبحث آثاره القانونية المترتبة عليه يتم في ض وء الإرادة المشتركة للأطراف، واعتبارات النظام العام الدولي، وقد بذل الكثير من الجهود الدولية لدعم شرط التحكيم تشجيعا لنظام التحكيم ككل، وقد تبناه القانون النموذجي الأونسيترال بالنص عليه في المادة رقم
1/16 بقوله "ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لايترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم".
كما أن شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يرد كبند من بنود عقد من العقود بمقتضاه يلتزم أطراف هذا العقد بعرض ما قد ينشأ بينهم من منازعات بخصوص هذا العقد تنفيذا أو تفسيرا على محكم أو أكثر يختارونهم للحكم فيها بدلا من المحكمة المختصة، ولم تتطلب معظم الأنظمة الصحة هذا الشرط أن يرد في عقد معين، ومن ثم يكون هذا الشرط جائزا في أي عقد من العقود أيا كانت طبيعته مدنيا كان أم تجاريا طالما كان موضوع العقد أمرا يجوز التحكيم فيه، وفي هذه الحالة يكون الالتجاء للتحكيم أمرا احتمالا؛ لأنه مرهون بنشوب نزاع بين أطراف العقد.
1. القضاء الفرنسي:
استقر القضاء الفرنسي على جواز شرط التحكيم في أوائل القرن التاسع عشر ثم عدل عن ذلك واستقر على بطلان شرط التحكيم، حيث استوجب القانون تحديد موضوع النزاع وأسماء المحكمين وإلا كان التحكيم باطلا.
٢. الفقه الفرنسي:
انتقد الفقه الفرنسي مسلك القضاء في هذا الشأن على اعتبار أن شرط التحكيم لا يعد اتفاق على التحكيم حتى يجب أن يكون محدد الموضوع، وإنما هو وعد بالتحكيم يلتزم أطرافه بإبرام مشارطة تحكيم عند قيام النزاع فيما بينهم بشأن تنفيذ العقد الذي تضمنه الشرط.
ثم عدل القانون الفرنسي في قواعد التحكيم عام ۱۹۸۱/۱۹۸۰ بعد أن ألغى نصوص التحكيم في المرافعات الملغاة، ونظم المشرع الفرنسي القواعد التي تحكم شرط التحكيم في المادة رقم 144۲ وما بعدها من قانون المرافعات الجديد، مشترطا لصحته أن يكون مكتوبا، وإلا كان باطلا إما في العقد الأصلي أو في ورقة أخرى يشير إليها هذا العقد، وأن يعين فيها المحكمون أو يتضمن كيفية تعيينهم وإلا كان الشرط باطلا، ولم يرد في نصوص التحكيم الجديدة ما يفيد صحة شرط التحكيم في المواد المدنية، وإنما اقتصرت على تعريف الشرط والمواد التي تليها على قواعده وشروطه، وهو ما أدى بالفقه إلى القول: بأن شرط التحكيم لا يكون إلا ضمنيا، إلا إذا صرح القانون به، وأنه غالبا يرد شرط التحكيم في عقد من العقود.
ويمكن استخلاص الخصائص المميزة لمشارطة التحكيم من خلال مجموعة من المحاور ككيفية تشكيل هيئة التحكيم، ومدى ولاية هذه الهيئة ومكان وزمان التحكيم، وتقرير الإجراءات التي تتبعها فضلا عن القواعد الموضوعية التي تطبقها.
فمشارطة التحكيم في جوهرها عقد يشير إلى اتفاق الخصوم، ويقوم على مبدا سلطان الإرادة وهو الذي يعطي للمحكم سلطة البت في النزاع، والذي يكون إلزامية لطرفي العقد "عقد الاتفاق" أو "مشارطة التحكيم" وهذه الإلزامية هي التي تميزه عن الوساطة والتوفيق.
وتتميز المشارطة كذلك عن القضاء العادي في حسم النزاع بمجموعة من الفوائد تتمثل في السرعة في البت في النزاع لكونه على درجة واحدة مما يجعل البت في النزاع خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا بالمقارنة مع ما ينظر أمام القضاء) من تعدد وتعاقب الإجراءات والتراخي الإيجابي في الفصل في القضايا، وأن هذه السرعة التي تتميز بها المشارطة لا تعني تجاوز الضمانات الأساسية للتقاضي كاحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف المتخاصمة واحترام مبدأ المواجهة فضلا عن ميزة السرية، و غالبا ما يكون الدافع لاختيار الأطراف لمشارطة التحكيم للسرية وعدم الكشف عن أسباب ووقائع النزاع التي قد تمس بمراكزهم المالية أو القانونية، كما وأن الحرية والمرونة اللتين يتمتع بها أطراف الخصومة في مشارطة التحكيم تجعلهم يتحكمون في تعيين المحكمين واختيار الشخص المحكم أو الهيئة الحاكمة، واختيار نوع التحكيم أمر له إيجابياته على الاقتصاد في التكلفة، ويعود على أطراف النزاع من خلال هذه المشارطة بالمنفعة نتيجة حل النزاع بالسرعة وخلال فترة زمنية قياسية، كما يجعلهم يتحكمون حتى في أتعاب وأجور المحكمين التي تقع مناصفة بينهما في غالب الأحيان.
وعلى كل حال فإن الأطراف إذا لم تحدد أجلا للمحكم فإن على هذا الأخير أو الهيئة المنتدبة لذلك أن تصدر قرارها التحكيمي داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته، ويمكن تمديد الأجل الاتفاقی في المشارطة حسب رغبة طرفي النزاع لنفس المدة، إما من قبل رئيس التحكيم بناء على طلب أحد الأطراف أو الهيئة الحاكمة.
ويترتب على انعقاد مشارطة التحكيم انحسار ولاية القاضي بإلزامه المحتكمين بحدود ما تم الاتفاق عليه من حيث الموضوع والأشخاص.
ولقد ذهب جانب من الفقه إلى القول: بأن الدفع بالاتفاق على التحكيم ليس دفعا بعدم الاختصاص وإنما هو دفع بعدم القبول.
ومن ثم فإنه لا يستطيع طبقا لهذه المشارطة أي أحد من المحتكمين أن يتنكر لما التزم به في المشارطة، أو أن يحدث فيها تغيير بإرادته المنفردة، بل يتعين على كل من الطرفين أن يحترم ما التزم به، ويجب على الحكم فردا