وللتفرقة بين مشارطة التحكيم وشرط التحكيم أهمية كبيرة في قوانين الدول العربية محل البحث، باستثناء القانون العراقي. فقوانين الإمارات والبحرين وسوريا وقطر والكويت ولبنان وليبيا، أوجبت تحديد موضوع النزاع في صك التحكيم كما يسميه القانون السوري، أو في العقد التحكيمي كما يسميه القانون اللبناني، أو في مشارطة التحكيم كما يسميه القانون الليبي، أو في وثيقة التحكيم حسب القوانين أخرى . ويفترض فهم هذه المصطلحات هنا ، بأن كلاً منها، من هذه الناحية على الأقل، يعني الآخر، ولا فرق بينها. وبمعنى آخر، فإنها تعني مشارطة التحكيم بالمفهوم المشار إليه، ولا يشمل ذلك شرط التحكيم ما دام أن هذا الشرط، كما ذكرنا ، يتعلق بنزاعات مستقبلية محتملة وغير معروفه مسبقاً، وبالتالي يستحيل تحديد هذه المنازعات في شرط التحكيم قبل وقوعها . ونص القانون اللبناني في المادة (766) صراحة على أن عدم تحديد موضوع النزاع في العقد
التحكيمي، أي مشارطة التحكيم، يؤدي إلى بطلان هذا العقد. أما القانون العراقي، فلا يتضمن نصاً يوجب تحديد موضوع النزاع في اتفاق التحكيم، أو ما يسمى بمشارطة التحكيم، مما يعني صحة الاتفاق بالرغم من عدم تحديد موضوع النزاع.
ومع ذلك، فإن قوانين الإمارات والبحرين وسوريا وقطر والكويت وليبيا، أضافت بأنه في حال عدم تحديد موضوع النزاع في المشارطة، فيجب تحديده أثناء المرافعة. ويقصد بذلك المرافعة أمام هيئة التحكيم ، وهو أمر بديهي. إذ من غير المعقول أن يتقدم أحد الطرفين بدعوى تحكيمية دون تحديد موضوع النزاع، كما أنه من غير الممكن أن تنظر الهيئة في نزاع وتفصل فيه، دون أن يكون هذا النزاع محدداً وواضحاً أمامها ، وإلا كانت العملية التحكيمية باطلة في مختلف هذه القوانين. أما لو تضمنت المشارطة تحديد النزاع، فإن ما سيبينه الطرفان أثناء المرافعة، ما هو إلا طرح وتفصيل لهذا النزاع الذي سبق وتم تحديده. وفي القانون السعودي، نصت المادة (1) من نظام التحكيم على جواز التحكيم في نزاع معين قائم، وهذه هي مشارطة التحكيم التي أسماها المشرع السعودي بوثيقة التحكيم. ويستدل من المادة (5) من النظام على أن هذه الوثيقة، يجب أن تتضمن موضوع النزاع. ومن هذه الناحية ، يمكن القول أن القانون السعودي يتفق مع القوانين الأخرى. إلا أنه يختلف عنها من زاوية أن المادة (5) ، التي لا يوجد لها مقابل في القوانين العربية الأخرى، أوجبت إيداع وثيقة التحكيم بما تضمنته من بيانات إلزامية، من ضمنها موضوع النزاع لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع. وهذه الجهة مختصة أيضاً باعتماد المشارطة. وبطبيعة الحال، فإن لها صلاحية عدم اعتمادها إذا لم تتضمن جميع البيانات المطلوبة. وبمعنى آخر فإنه لا عبرة لمشارطة التحكيم، بل تكون باطلة إذا لم تحتوي على موضوع النزاع، كما أنه لا يعتد بالتحكيم إذا لم تعتمد الجهة المختصة مشارطته.
ويتبين من المادة (6) من نظام التحكيم السعودي بأن اعتماد الجهة المختصة، يقتصر فقط على المشارطة دون شرط التحكيم. ولكن من غير الواضح فيما إذا كان يجب أن يعقب الشرط إبرام مشارطة جديدة بعد وقوع النزاع. ونرى بأنه ليس بالضرورة ذلك، وبالتالي يمكن أن يتم التحكيم استناداً لشرط التحكيم حتى ولو لم توجد مشارطة، وإلا يفقد الشرط وجوده وقيمته. إذ يكفي عندئذ أن يمتنع أحد الطرفين بإرادته المنفردة عن توقيع المشارطة، ليسقط شرط التحكيم. ولا نعتقد أن المشرع السعودي قصد ذلك.
ويبدو أن السبب الظاهر في التفرقة بين شرط ومشارطة التحكيم، يرجع إلى أن شرط التحكيم، كما أسلفنا يتعلق بنزاع احتمالي بالنسبة للمستقبل، وقد لا يقع مطلقاً. وما دام الأمر كذلك، فإنه يصعب إن لم يكن من المستحيل تحديد موضوع النزاع في شرط التحكيم)، وهذا بخلاف مشارطة التحكيم. فهي تفترض دومـاً وقوع النزاع، وقد وقع النزاع فعلاً، والطرفان يرغبان بإحالته للتحكيم. وترتيباً على ذلك، نصت مختلف القوانين على تحديد موضوع النزاع في المشارطة بعد أن أصبح معروفاً للطرفين، وتحددت معالمه لهما .
وبناءً عليه، نرى بأنه كان من الأفضل عدم التفرقة بين شرط ومشارطة التحكيم، وإعطائهما حكماً واحداً من هذه الناحية ، أي جواز مشارطة التحكيم حتى لو لم يحدد موضوع النزاع فيها.
أما وقد وجد النص القانوني الذي يفرض تحديد موضوع النزاع في مشارطة التحكيم، فإننا نرى تفسير هذه العبارة وأي عبارة أخرى شبيهة، تفسيراً واسعاً لصالح التحكيم، بحيث تشمل الإحالة للتحكيم أي إشارة للنزاع في الاتفاق ولو كانت عامة . فالمشتري في عقد البيع مثلاً، قد ينازع البائع في مواصفات البضاعة. ويتفقان على إحالة هذا النزاع إلى التحكيم. وينص الاتفاق كذلك على حق كل من الطرفين أن يعرض أيضاً على التحكيم، أي نزاع أو مطالبة أخرى ناجمة عن البيع. أو لا ينص الاتفاق على إحالة النزاع حول البضاعة تحديداً إلى التحكيم، وإنما على إحالة كافة المنازعات الخاصة بعقد البيع للتحكيم. في هذه الأحوال، نرى صحة الاتفاق على التحكيم، لأن موضوعه إحالة منازعات عقد معين للتحكيم معروف للطرفين، بما يفي بالغرض من النص.
تتميز قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية عن غيرها من القواعد المعمول بها لدى مؤسسات التحكيم الأخرى، بأن قواعد الغرفة تضمنت ما يطلق عليه بالـ Terms of Reference ، ويمكن ترجمتها بوثيقة مهمة أو مرجعية هيئة التحكيم. وهذه الوثيقة، تقوم بإعدادها هيئة التحكيم بعد استلامها ملف التحكيم من الغرفة. والملف في هذه المرحلة، يحتوي عموماً على طلب التحكيم من جانب المحتكم، والرد عليه والدعوى (المتقابلة من جانب المحتكم ضده، وجواب المحتكم على الدعوى المتقابلة. وهذه المستندات، تتضمن العديد من العناصر الأساسية والأولية لدعوى التحكيم، مثل أسماء الخصوم ووقائع النزاع والبينات والطلبات، فيتكون لدى هيئة التحكيم فكرة أولية عن طبيعة النزاع. وتقوم الهيئة عندئذ بإعداد وثيقة "مهمة هيئة التحكيم"، تتضمن ملخصاً للوقائع والنزاع وطلبات الخصوم ، والمسائل التي ستفصل بها الهيئة من حيث النتيجة.
وكما هو واضح تتفق وثيقة المهمة مع مشارطة التحكيم من حيث أن كلاً منهما يتم إعداده بعد نشوب النزاع وليس قبله. ومع ذلك، هناك فروق هامة بينهما . فالمشارطة هي اتفاق التحكيم ذاته. لذلك يجب توقيعها من الطرفين، وإلا لا تكون هناك إحالة للتحكيم أصلاً. أما وثيقة المهمة، فتفترض دوماً وجود اتفاق تحكيم، سواء في صيغة شرط أو مشارطة أو اتفاق منفصل، بل تفترض وجود إحالة تسوية النزاع لغرفة التجارة الدولية ، استناداً لهذا الاتفاق، ليتم بعد ذلك إعداد وثيقة مهمة هيئة التحكيم. ومن حيث الشكل، يلاحظ أن مشارطة التحكيم يتم إعدادها من قبل أطراف النزاع أنفسهم، أما وثيقة المهمة، فيتم إعدادها من قبل هيئة التحكيم، ويكون ذلك أحياناً بمشاركة الأطراف وأحياناً دون مشاركتهم، وبالتالي يمكن اعتمادها من قبل محكمة غرفة التجارة الدولية، وتطبيقها عليهم دون موافقتهم، إذا رفضوا أو رفض أحدهم التوقيع عليها لأي سبب ما دام أن هيئة التحكيم وافقت عليها .
ويجوز أن يكون هذا الاتفاق أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام محكمة الاستئناف. وكما نرى، إذا كانت الدعوى أمام محكمة التمييز / النقض منظورة مرافعة حيث يجيز القانون ذلك ، فيحق للأطراف الاتفاق على التحكيم أثناء المرافعة.
وكما تقدم، فإن القوانين العربية، اشترطت في اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً. وعلى ذلك، فإن الاتفاق على التحكيم أمــام المحكمة، يمكن اعتباره بمثابة اتفاق مكتوب، حتى لو لم يوقع أطراف النزاع على المحضر، المتضمن لقرار المحكمة بإحالة النزاع .
وحسب الفرق بين شرط ومشارطة التحكيم المشار إليه سابقاً، فإن الاتفاق على التحكيم حول نزاع مطروح على القضاء، هو نوع من المشارطة ما دام أن الاتفاق تم بعد نشوب النزاع. وكما بينا سابقاً، يجب تحديد موضوع هذا النزاع في الاتفاق. ولكن ليس بالضرورة تحديد ذات النزاع وتفصيلاته ثانية، ما دام أنه معروض على المحكمة ومعروف للطرفين وللمحكمة أيضاً، بل تكفي الإشارة في الاتفاق، سواء تم أمام المحكمة أو خارجها، إلى النزاع بما يفهم أن المقصود من ذلك، هو ذات النزاع المنظور من قبل المحكمة، كالإشارة مثلاً إلى رقم القضية، أو القول بإحالة النزاع المعروض على المحكمة إلى التحكيم، أو بإحالة جميع القضايا المدنية أو التجارية بين الطرفين العالقة أمام محكمة أو محاكم معينة للتحكيم، أو غير ذلك من عبارات بما ينفي الجهالة عن موضوع التحكيم .
ويترتب على الاتفاق على التحكيم أمام المحكمة نتيجتان: الأولى : يفترض أنه من واجب المحكمة في هذه الحالة، وقف السير بالدعوى إلى حين صدور حكم التحكيم ، وليس ردها، بحيث يمكن إعادة فتح . ملف القضية ثانية إذا تعثر التحكيم لأي سبب، لتبدأ المحاكمة ثانية من النقطة التي وصلت إليها القضية عند وقف السير فيها ، بناءً على طلب أحد الطرفين، وهو ما تقضي به القواعد العامة في المرافعات / الإجراءات المدنية الثانية في العديد من القوانين العربية يكون إيداع حكم التحكيم لدى المحكمة ذاتها في الدول التي توجب مثل هذا الإيداع، كما تكون هي نفسها المحكمة صاحبة الصلاحية في تصديق الحكم وتنفيذه.