صور الاتفاق التحكيمي المتعلق بالمنازعات في العقود التجارية:
تتعدد الصور التي يتخذها التحكيم في الإتفاق التحكيمي المتعلق بالمنزاعات التي قد تنشئ عن العقود التجارية، وتختلف هذه الصور حسب إرادة الأطراف المجسدة في الإتفاق التحكيمي ، لهذا فإن صور التحكيم في العقود التجارية تختلف من حيث النوع (أولا) ومن حيث الشكل . (ثانيا)
الفقرة الأولى:صور التحكيم في العقود التجارية من حيث النوع
قد يتفق الأطراف من خلال اتفاق التحكيم على نوع هذا الأخير ، إما أن يكون تحكيما خاصا (1) أو مؤسساتیا (2) تبعا لقناعة الأطراف. 1 :التحكيم الخاص في العقود التجارية عرف المشرع التحكيم الخاص من خلال الفصل 319 من ق 08.05 حيث نص المشرع على أن التحكيم يوكن خاصا حينما تتكفل الهيئة التحكيمية بتنظيم مسطرة التحكيم وتنظيم عملية التحكيم ، إلا إذا إتفق الأطراف في إتفاق التحكيم على إتباع إجرائات معينة أو نظام تحكيم معين ، فالتحكيم الخاص هو الشكل العادي في التحكيم بمناسبة منازعات العقود التجارية ،حيث يختار الأطراف الهيئة التحكيمية أو المحكم ، كما يحددون القواعد الواجبة التطبيق بعيدا عن أية مؤسسة أو مركز للتحكيم .
ويتميز التحكيم الخاص بكونه يوفر السرية كما أنه للأطراف بعيدا عن دواليب القضاء التي قد تشوه بسمعتهم في السوق، كما انه أقل تكلفة وأكثر سرعة ويتناسب مع العقود التجارية الوطنية التي لا نكون قيمتها كبيرة كعقود الوكالة بعمولة وعقود السمسرة و عقود نقل البضائع.
:التحكيم المؤسساتي في العقود التجارية نص المشرع من خلال الفصل 319 من ق.م.م على أن التحكيم يكون نظاميا أو مؤسساتيا عندما يتفق الأطراف على إسناد عملية التحكيم إلى مؤسسة تحكيمية تتولى تنظيم وحسن سير عملية التحكيم ، فالتحكيم المؤسساتي هو الذي يتم من خلال مركز التحكيم له قواعد الحصاة في تدبير النزاع، وهذا النوع شأنه شأن التحكيم الخاص فإنه يستمد إختصاصه من إرادة الأطراف من خلال إتفاق التحكيم ، وفي هذا الصدد جاء قرار صادر عن محكمة الإسئناف التجارية بالدارالبيضاء قرار جاء فيه "مادامت إرادة الطرفين قد ذهبت في الوثيقة المعتبرة بمثابة تعاقد بينهما إلى إعتبار التحكيم بغرفة باريس وتطبيق القانون الفرنسي ، فإن ذلك يكون ملزما لهما.
لكن التحكيم المؤسساتي يختلف عن التحكيم الخاص من حيث الإجرائات المسطرية للتحكيم ، حيت يتولى المركز التحكيمي تدبير النزاع وفق الإجرائات الخاصة به والمتبعة من طرف المؤسسة التحكيمية مع إحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف ، كما أن الأطراف قد يختارون الهيئة التحكيمية لكن المؤسسة التحكيمية هي التي تبقى دائما مشرفة على تدبير النزاع والإشراف على حسن سير مسطرة التحكيم ، وفي حال عدم تحديد الأطراف للهيئة التحكيمية ، فإن المؤسسة التحكيمية تقوم بتعيين الهيئة التحكيمية وفقا لقواعدها الخاصة ، حيث تعد المؤسسة التحكيمية قائمة من المحكمين ويختار الأطراف على مسطرة مايناسبهم من محكمين، فالمركز التحكيمي لا يفصل في النزاع بنفسه بل يقوم بالإشراف التحكيم ومراقبة إجرائاته.
وهناك مجموعة من مؤسسات التحكيم الدولي نذكر أهمها :
• جمعية التحكيم الفرنسية بباريس
• غرفة التحكيم البحرية بباريس
• معهد روما لتوحيد القانون الخاص
. محكمة التحكيم الدولي بلندن
• هيئة التحكيم التجاري الأمريكية
• المركز التحكيمى للغرفة التجارية الإقتصادية بفيينا.
الفقرة الثانية : صور التحكيم في العقود التجارية من حيث الشكل إن أطراف العقود التجارية غالبا ما يقومون بتضمين هذه العقود مجموعة من الشروط لتحقيق المصلحة المتبادلة بينهم، كما قد يتفق الأطراف على تضمين العقد التجاري شرط اللجوء إلى التحكيم في حال وقوع نزاع (1)، وفي حال لم يتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم أثناء إبرام العقد وقبل حدوث نزاع ، فإن الأطراف يمكنهم إبرام عقد التحكيم بعد حدوث نزاع حول العقد التجاري (2)
1:شرط التحكيم في العقود التجارية عرف المشرع شرط التحكيم من خلال الفصل 316 من ق.م.م بأنه الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف العقد بأن يعرضوا على التحكيم كل نزاع قد ينشأ عن العقد المذكور ، و بالتالي فإن أطراف العقد التجاري يمكنهم الإتفاق مسبقا على اللجوء إلى التحكيم من خلال شرط التحكيم وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بفاس قرار رقم 640 المؤرخ في 2012/4/5 جاء فيه "ورود شرط التحكيم في العقد الرابط بين الطرفين مقيدا باتفاق طرفيه على مسطرة التحكيم..." كما حدد المشرع المغربي من خلال الفصل 317 البيانات الواجب توافرها في شرط التحكيم تحت طائلة البطلان، حيث يجب أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الإتفاق الأصلي ،وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء قرار حيث جاء فيه " عدم علم الطاعن بوجود شرط التحكيم إلا بمقتضى الدعوى المرفوعة من أجل فسخ الوعد بالبيع ، وعدم إطلاعه عليه بصورة قانونية إلا بعد توصله بنسخة منها موقعة من كلا الطرفين، يعدم علمه بوجود شرط التحكيم عند تقديمه لدعواه أمام القضاء العادي .
كما جاء في قرار أخر صادر عن نفس المحكمة عدد 2009/4567 بتاريخ 2009/9/29 جاء فيه "بالرجوع إلى المقتضيات المحتج بها من قبل الطاعنة يتبين وجوب أن يكون الشرط التحكيمي مكتوب بخط اليد ، وأن يكون موافقا عليه بصفة خاصة من كلى الطرفين
كما يمكن أن يرد شرط التحكيم في وثيقة تحيل على العقد الأصلي وهو مايسمى بشرط التحكيم بلاحالة ،وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية بالدارالبيضاء قرار عدد 2008/2203 الصادر بتاريخ 2008/04/29 جاء فيه "المراسلات الصادرة من المستأنف عليها في غياب إقرار صريح من الطاعنة على الإتفاق على شرط التحكيم ، لا ينهض حجة على وجود شرط التحكيم بين الطرفين " حيث أن المحكمة في هذا القرار إعتبرت إمكانية ورود شرط التحكيم في المراسلات بين الطرفين شريطة إقرارهم بهذه المراسلات ووجود شرط التحكيم فيها .حيث يمكن أن يرد شرط التحكيم في رسالة او فاتورة تحيل على شرط التحكيم.
ويجب أن يتضمن شرط التحكيم تعيين المحكم أو الهيئة التحكيمية أو طريقة تعينه على الأقل وذلك تحت طائلة البطلان، أما الفصل 318 من ق.م.م جاء بأحد أهم خصائص شرط التحكيم وهي إستقلالية شرط التحكيم ، بمعنى أنه بطلان أو فسخ العقد الأصلي لايؤدي إلى بطلان شرط التحكيم ، وفي حالة إخلال أحد الأطراف بهذا الشرط ولجأ مباشرة إلى المحاكم العادية فإن الطرف يمكنه الدفع بعدم القبول ، وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإسئناف .
2:عقد أو مشارطة التحكيم لفض المنزاعات الناشئة عن العقود التجارية نظم المشرع الإجرائي أحكام عقد التحكيم من خلال الفصول 314 و315 من خلال القانون 08.05 حيث عرفه المشرع بأنه الإتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية ، فمن خلال هذا التعريف يتضح لنا أن شرط التحكيم يختلف عن عقد التحكيم ، حيث أن الأول يتم الإتفاق عليه من خلال شرط في العقد نفسه أو بالإحالة عليه ، ويتم الإتفاق على التحكيم قبل نشوء النزاع ، عكس عقد التحكيم الذي لايرى النور إلا بعد نشوء النزاع بين أطراف العقد التجاري ويكون عقدا مستقلا بذاته ، وفي هذا الصدد جاء قرار المحكمة الإستئناف التجارية قرار حيث جاء فيه "يختلف شرط التحكيم الذي يقع قبل حدوث النزاع وقد يكون باتفاق مستقل لاحق للعقد ، وبين مشارطة التحكيم أو سند التحكيم والذي يتم تحريره بعد حدوث النزاع .
وخول المشرع للأطراف اللجوء إلى التحكيم عن طريق عقد التحكيم ولو كان النزاع معروضا على أنظار القضاء العادي ولكن وفي نظرنا أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم إذا كانت القضية جاهزة وتم قفل باب المناقشة من أجل المداولة أو التأمل ، وإذا إتفق الأطراف على إحالة النزاع على التحكيم أثناء نظر المحكمة في القضية فإنها تحيل الأطراف إلى هيئة تحكيمية ، وبعد ذلك بمثابة إتفاق مكتوب .
وحدد الفصل 315 من ق.م.م البيانات أو العناصر الواجب توافرها في عقد التحكيم وهي :
• تحديد موضوع النزاع وهو يعد منطلقا لتحديد نطاق عقد التحكيم
• تعيين الهئية التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها ، وفي نظرنا أن هذه الفقر تتسم بنوع من
الغموض فهل يقصد المشرع أن التحكيم عندما يكون بموجب عقد ضروري أن تختص فيه هيئة يكون عددها وثرا ، أم أنه تغافل على ذكر مصطلح الحكم ، ويكون عقد التحكيم لاغيا في حالة رفض المحكم أو أحدهم مهمة التحكيم .