الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / صور اتفاق التحكيم / الكتب / بطلان حكم التحكيم / الفرق بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم

  • الاسم

    د. خالد أحمد حسن
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    666
  • رقم الصفحة

    147

التفاصيل طباعة نسخ

 

 وجدير بالذكر، أن إلقاء الضوء، على مفهوم اتفاق التحكيم وله أهمية كبيرة، نظراً لأن هناك بعض التشريعات، قبل أن تسوى بينهما في المعاملة، كانت تفرق بين شرط التحكيم ومشارطته، مثل القانون الهولندي الصادر سنة 1838، وقانون الإجراءات المدنية اليوناني الصادر سنة ۱۸۳۶ والقانون الصادر سنة ۱۹۰۳. ولما ظهر إلى الوجود بروتوكول جنيف المبرم سنة ۱۹۲۳، تبنى القانون اليوناني ما جاء به بمقتضى المرسوم رقم 274 لسنة 26، والذي عدل بمقتضى القانون رقم 5013 السنة ۳۱، ولكنه اقتصر على القانون التجاري فقط، بل إن بعض القوانين أجازت شرط التحكيم في المعاملات الدولية دون المعاملات الوطنية.

ويمكن القول، بأن الدافع وراء تبني القوانين المشار إليها آنفا، مبدا علم المساواة بين شرط التحكيم ومشارطته، هو أن الطرف القوى اقتصاديا، قد يفرض وجود شرط التحكيم، في العقد المبرم بينه وبين الطرف الأخر الأضعف منه، والذي بابي إلا أن ينص عليه في العقد، بل إن بعض القوانين مثل القانون الإسباني الصادر سنة 53، قبل أن تسوى بينهما في المعاملة، كانت تذهب إلى أن شرط التحكيم، بعد مجرد وعد بالتعاقد عن نزاع محتمل، لم تتحدد أبعاده بعد، أي غير ملزم.

وأيد رأي، هذا الاتجاه، الذي يترتب عليه، أن الأطراف بعد نشوء النزاع، يجب عليهم أن يبرموا مشارطه تحكيم.

ويبدو أن هذا الرأي محل نظر، لأنه بعرض هذا التكيف على الوعد بالتعاقد من الناحية القانونية، يتضح أنهما يتنافران ولا يلتقيان، وذلك على النحو الآتي:

  • الوعد بالتعاقد هو عقد ملزم لجانب واحد، ألا وهو الواعد الذي يلتزم خلال مدة معينة، بإبرام العقد الموعود به، إذا ما اتجهت إرادة الشخص الموعود له، خلال نفس الفترة الزمنية، إلى إبرامه، وإن كانت المادة 1/101من القانون المدني المصري، تدل على أن الوعد يكون ملزما الجانبين، إلا أن الوعد بالتعاقد لا يكون بالضرورة، إلا ملزما لجانب واحد. أما الوعد الملزم للجانبين، فهو من الناحية القانونية عقد تراخي تنفيذه باتفاق طرفيه مدة معينة لسبب ما، ولا يمكن أن يكون وعده، إذن فشرط التحكيم هو عقد - وليس وعداً - اتجهت بمقتضى إرادة طرفيه، إلى حل ما ينجم من منازعات بينهما متعلقة بعقد ما، عن طريق التحكيم.

  •  ويباعد أيضاً بين فكرة الوعد بالتعاقد وشرط التحكيم، أن الأول، يجب أن يكون مقترنا بمدة معينة، يلزم أن تتجه خلالها، إرادة الأطراف، إلى إظهار الرغبة في التعاقد، سواء تم تحديد هذه المدة صراحة، أم ضمنا، فإذا لم يشتمل الوعد الملزم لجانب واحد عليها، فإنه يبطل، أما إذا كان الوعد ملزما للجانبين، وخلا من المدة، فإنه يعتبر عندا نهائيا.

  • ولما كان شرط التحكيم لا يقترن بمدة ما، فإنه يعتبر عقداً نهائياً، وليس موعد ملزماً للجانبين لكل منهما فالأول لا يترتب عليه أي من الآثار القانونية للعقد المراد إبرامه، أما شرط التحكيم فإنه في حالة حدوث نزاع بين أطرافه، فيستطيع أي منهما الالتجاء إلى التحكيم، وليس مجرد طلب التعويض كما هو الحال فيما يتعلق بالوعد بالتعاقد.

  • تقضي المادة 1/101من القانون المدني المصري بأن الوعد بإبرام عقد ما لا ينعقد، إلا إذا تم تعيين المسائل الجوهرية العقد المزمع إبرامه، وهذا يتنافى مع كون شرط التحكيم مجرد وعد بالتعاقد، نظرا لأن المنازعات محل التحكيم، تعد من قبيل المنازعات المحتملة غير القابلة للتحديد.

  •  وإذا كان شرط التحكيم مجرد وعد بالتعاقد، لترتب على ذلك أن العقد الذي يتضمنه إذا كان باطلا انسحب على شرط التحكيم أيضاً، وهذا يتنافى مع فكرة استقلال شرط التحكيم.

ويلاحظ أن بعض القوانين الأخرى منذ بداية صدورها قد عاملت شرط التحكيم ومشارطه التحكيم نفس المعاملة، ولم تميز بينهما مطلقاً. مثال ذلك القانون الألماني منذ صدوره سنة ۱۸۷۹، والقانون السويدي والقانون السويسري، والقانون الفيدرالي الأمريكي، وقوانين خمسين ولاية أمريكية، والقانون الإنجليزي، والقانون المصري، وسوف نعالج المسألة في هذين القانونين الأخيرين بشيء من الإسهاب.

وجدير بالتنويه أنه، قد تغيرت النظرة التي كانت تذهب إلى معاملة شرط التحكيم معاملة أدنى من مشارطة التحكيم، بل أن الكثير من التشريعات المتعلقة بالتحكيم التي عملت على تقوية مركز شرط التحكيم خلال فترات تطورها، قد اتجهت إلى معاملتهما على قدم المساواة، وخلعت عليهما مسمى اتفاق التحكيم.

ويمكن أن نقول أيضاً، أن الاتجاهات التشريعية الحديثة المتعلقة بالتحكيم في الكثير من دول العالم بصرف النظر عن توجهاتها، تذهب إلى عدم التفرقة بين شرط ومشارطه التحكيم. مثال ذلك المادة ۱۰۲۹ من قانون الإجراءات المدنية الألماني، والمادة الأولى من قانون التحكيم السويدي والذي دخل حيز التنفيذ منذ ۸۲/۱/۱، والمادة ۱۷۸ من القانون الفيدرالي السويسري المتعلق بالقانون الدولي الخاص والصادر في ۸۷/۱۲/۱۸ والمادة 868 من قانون الإجراءات المدنية اليوناني الحالي والصادر بالقانون رقم 44 في 1997/4/21 والمعدل بالقانون رقم 1958 والصادر في ۱۹۷۱/۹/۱۹، والفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون التحكيم الإسباني.

موقف القانون الإنجليزي:

 أما عن موقف القانون الإنجليزي، فنجد أنه اتجه منذ بداية تنظيم التحكيم اتجاها، لم يحد عنه، ولم يقيده، ألا وهو عدم وجود أدنى التفرقة بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم، فوضعهما في مرتبة واحد، بعكس بعض القوانين الأخرى، التي ترددت في موضوع التسوية بينهما.

أما قانون التحكيم الإنجليزي الصادر سنة ۱۹۹۹، فنجد أن الفترة الأولى من المادة السادسة، تنص على أن اتفاق التحكيم هو «أي اتفاق يحيل إلى التحكيم النزاعات الناشئة، أو التي ستنشأ، سواء كانت النزاعات عقدية أم غير عقدية«.

أما مجموعة المرافعات الصادرة سنة ۱۹۹۸، فقد نصت المادة 501 منها على أنه، يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة، كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات، التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين.

ويتضح بجلاء من نص المادة 50 من مجموعة المرافعات الصادرة سنة ۱۹۹۸ مثل المادة ۸۱۸ من مجموعة المرافعات الصادرة سنة 1949، أنها وضعت شرط التحكيم ومشارطه التحكيم على قدم المساواة، ولم تفرق بينهما وفي هذا الصدد يتفق القانون المصري - قبل إلغاء مواد التحكيم به - مع القانون الإنجليزي.

ثم جاء القانون المصري رقم 27 لسنة 94 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، مثلنا مع القوانين، التي كانت تنظم التحكيم في ص لبها قبله، والمشار إليها آنفا، وأيضا مع القوانين الوضعية الحديثة، والقوانين الاتفاقية في هذا الصدد. فنص في الفقرة الثانية من المادة العاشرة، على أنه يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع، سواء قام مستقلاً بذاته أم ورد في عقد معين، بشأن كل أو بعض المنازعات، التي قد تنشأ بين الطرفين.

وفي هذه الحالة، يجب أن يحدد موضوع النزاع في بيان الدعوى المشار إليها في الفترة الأولى من المادة ۳۰ من هذا القانون، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع، ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية. وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً

ويتضح لنا بعد كل ما سبق أن القانون المصري، ومنذ بداية تنظيم التحكيم، لم يقم أي تفرقة بين شرط ومشارطة التحكيم، من حيث الطبيعة القانونية، ولا من حيث القوة الملزمة، بعكس بعض القوانين الوطنية الأخرى المشار إليها آنفا، والتي ترددت منذ البداية في الأخذ بذلك.

موقف القانون الاتفاقي:

 أما عن موقف القانون الاتفاقي، فنجد أن بروتوكول جنيف المبرم في 24 ديسمبر مئة 1923، كان أول من نادي بمعاملة شرط التحكيم ومشارطة التحكيم على قدم المساواة، حيث يتضح من نص المادة الأولى منه أنها لم تفرق مطلقاً بين شرط التحكيم ومشارطه التحكيم باعترافها بصحة شرط التحكيم، ليس فقط بالنسبة للمسائل التجارية، بل بالنسبة لأي مسألة تخضع للتحكيم.

ويمكن القول إن اتجاه بروتوكول جنيف في هذا الصدد، شجع الدول التي كانت مترددة في الأخذ في تشريعاتها بالتسوية بين شرط التحكيم ومشارطه التحكيم، إلى تبني موقف واضح، عملت بمقتضاه، على وضعهما في مرتبة واحدة، ويتضح من الرجوع إلى اتفاقية نيويورك المبرمة سنة 58 أنها سوت في المعاملة بين شرط التحكيم ومشارطه التحكيم حيث تقضى المادة الثانية منها في فقرتها الثانية بأن المقصود باتفاق التحكيم المكتوب شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف.

موقف أنظمة هينات التحكيم:

أما عن موقف أنظمة هيئات ومنظمات التحكيم الدولية فنجد المادة الأولى فقرة 1/ب من نظام محكمة تحكيم لندن تقضى باعترافها باتفاق التحكيم في صورتيه شرط التحكيم ومشارطة التحكيم. كما تقضى المادة الثالثة /۲ من نظام غرفة التجارة الدولية بباريس على قبولها اتفاق التحكيم ولا سيما شرط التحكيم، كما تقضى المادة الثالثة من نظام هيئة التحكيم الأمريكية بقبولها اتفاق التحكيم في صورتيه، كما أنها تقبل حل النزاع أمامها بمقتضى شرط التحكيم.