الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / العقود المتتابعة على محل واحد / الكتب / الاتجاهات الحديثة في ارتباط المنازعات في خصومة التحكيم / حالات ارتباط المنازعات والطلبات في خصومة التحكيم في إطار المجموعات العقدية

  • الاسم

    هدى محمد مجدي
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    69

التفاصيل طباعة نسخ

حالات ارتباط المنازعات والطلبات في خصومة التحكيم في إطار المجموعات العقدية

    هذا الجزء من الدراسة له من الأهمية النظرية والعلمية ما يدعو إلى التركيز على فكرة الارتباط، ليس فقط من حيث آثار فكرة الارتباط ذاتها وإنما من حيث انطباقها على خصومة التحكيم فممارسة الخصوم لدور إيجابي في الخصومة وإن كان يتلاءم مع خصوصية التحكيم باعتبار أن حرية الخصوم في وضع التنظيم الإجرائي والموضوعي حرية أصيلة لهم في إطار خصومة التحكيم سواء قاموا بممارسة هذا الدور الإيجابي مباشرة أو عن طريق تقويض المحكم في ذلك.

    ويتلاءم أيضاً مع ما يتمتع به المحكم من سلطات إجرائية وموضوعية أقرتها غالبية التشريعات الوطنية ولوائح مؤسسات التحكيم غير أن العقبة الحقيقية التي تعترض فكرة الارتباط وتشكل قيداً يحول دون إعمال آثارها الإجرائية والموضوعية في إطار خصومة التحكيم هو وجود الغير الذي لا يملك تغيير نطاق أشخاص أو موضوع خصومة التحكيم ومن ثم يتعين التركيز على قابلية آثار فكرة الارتباط للتطبيق في إطار خصومة التحكيم.

     ولكن يهمنا قبل ذلك أن نناقش مسألة هامة تتعلق بسلطة المحكم في تحديد صلة الارتباط أو ترتيب آثارها الإجرائية والموضوعية على نحو مغاير للنظام القانوني الواجب التطبيق أو ابتداع أشكالاً إجرائية لم يتضمنها القانون.

    فمصطلح الارتباط بصفة عامة يعبر عن قيام صلة وثيقة بين أمرين يتعذر الفصل بينهما دون ضرر وهذا مقتضاه معاملتهما معاملة واحدة رغم ما قد يوجد بينهما من اختلافات تستوجب انفراد كل منهما بمعاملة على حدة، ويكون الارتباط طبيعياً عندما تكون المنفعة لا تنشأ أو لا تكتمل إلا بجمع العناصر المشتركة فيما بينها وبدون هذا الجمع لن تتولد الآثار كاملة.

    وهذا معناه أن الارتباط يؤدي إلى توحيد المعاملة والحلول والآثار فتنعكس فكرة الارتباط على صياغة الأدوات الفنية التي يمنح المشرع بمقتضاها الحقوق أو الحماية القضائية سواء أكانت موضوعية أم وقتية.

     والدافع وراء ذلك هو الحد من حالات التعدد الصوري في الدعاوى فضلاً عن الحفاظ على وحدة وفاعلية حجية الشيء المقضي به كما يسمح بتقديم صورة متكاملة للنزاع تسمح بإصدار حكم أكثر عدالة .

   فالارتباط يتأتى من قيام صلة وثيقة بين العناصر المختلفة المكونة للحقوق المتنازع عليها على نحو يجعل جمعها أفضل من عرض بعضها دون البعض الآخر تحقيقاً للعدالة.

   هذه الصلة بين المراكز الموضوعية عبارة عن مجموعة من العلاقات القائمة بين مركز موضوعي وغيره من المراكز القانونية الموضوعية على نحو يخلق ارتباط بينها، هذا الارتباط يبرر ضمها معاً وتوحيد الجهة التي تنظرهما ويجعل الاستفادة من المراكز المتصلة محققاً لمصلحة كالارتباط الذي يوحد بين المدينين في حالة التضامن والارتباط في عقود المقاولة من الباطن أو الارتباط لعدم القابلية للتجزئة في المراكز القانونية الموضوعية للأشخاص.

    وهذا من شأنه الحفاظ على وحدة الأحكام التي سوف تصدر في مثل هذه وهذا من المنازعة وإعطاء الفاعلية للمراكز الموضوعية حتى لا تؤثر إجراءات التقاضي على طبيعة الحقوق المتنازع عليها، فيصدر حكم يغطي موضوعياً كل هذه المراكز ولا يثير في المستقبل مشاكل تتعلق بالتنفيذ أو بنطاق حجية الشيء المقضي به.

    ويقتصر دور الخصوم على استخدام هذه الأدوات الإجرائية التي أجازها المشرع مسبقاً، وفي الحالات وبالشروط التي حددها حتى تولد الآثار المحددة قانوناً من قبل المشرع طلباً لمشروعية الإجراءات.

     فالإجراءات القضائية هي أعمال قانونية تولد آثاراً حددها المشرع وجعلها متصلة بآثار المراكز الموضوعية محل الحماية القضائية وأخضع لها الأفراد دون أن يجعلهم مشاركين في صناعتها.

   والقاضي لا يملك أيضاً خلق حالات الارتباط أو تغيير آثارها فهو يطبق القانون ولا يخلقه، فلا تخضع فلسفة قانون المرافعات لفكرة الشكل الإجرائي الحر.

     هذا عن الخصومة القضائية وفي تصورنا أن الأمر لا يختلف في إطار خصومة التحكيم، فالمحكم يلتزم باتباع العمل المحدد في القانون والذي رسمه المشرع لممارسة الحق الإجرائي وبالشروط التي تطلبها القانون لتنتج آثارها التي يرتبها لحماية الحقوق الموضوعية للخصوم.

    ففكرة الشكل الإجرائي الحر لا يتسنى إعمالها على إطلاقها في إطار التحكيم، فالتشريعات الوطنية ولوائح مؤسسات التحكيم تأخذ بفكرة الحرية الإجرائية المقيدة فتسمى إلى رسم الأطر القانونية والأدوات الفنية الإجرائية تاركة للمحكم ملائمة التخير من بينها وتحديد الزمن الإجرائي للاستفادة منها أي اختيار الشكل والمرحلة الزمنية الأكثر ملائمة لتحقيق آثاراً إجرائية معينة يراد تحقيقها حددها القانون سلفاً.

     فليس للمحكم أو الخصوم مكنة خلق أدوات فنية إجرائية معينة أو خلق رابطة تحكيمية بين المراكز القانونية الموضوعية، ولكن لهم فقط حرية استعمال الأشكال الإجرائية المحددة سلفاً في القانون، وقد يستوجب القانون في بعض الأحيان استخدام أشكال محددة لتوليد آثار إجرائية معينة.

     فالمشرع لم ينط بالمحكم سلطة خلق الأعمال الإجرائية ذاتها أو ترتيب آثار قانونية مغايرة ولا خلق صلة الارتباط الإجرائي بينها وإلا حدث اضطراب في الأعمال الإجرائية وسادت الفوضى في إجراءات التحكيم.

   وعدم دقة هذه التفرقة بين منح المحكم سلطة التغير بين الأشكال الإجرائية دون سلطة ابتداع أشكال أو أثار لم يجزها القانون يرجع لغياب المفهوم القضائي المهمة المحكم وعدم وضوح معالم السلطة القضائية الممنوحة له وضوابط ممارستها ولعل هذا وراء الأزمة التي يمر بها التحكيم حالياً.

     فالمحكم لا يجب أن يمنع بسلطة مطلقة في تحديد التنظيم الإجرائي وإلا أصبح النظام الإجرائي كالكهوف المظلمة بالنسبة للمتعاملين فلا تعرف الإعمال الإجرائية أو آثارها إلا بعد قيام النزاع وطرحه على منصة التحكيم، وهذا من شأنه خلق التوجس في نفوس المحتكمين ويدفع إلى مقاومة الإجراءات أو مقاطعتها كلية، فالأعمال والآثار الإجرائية يجب أن تكون معلومة للكافة قبل نشأة النزاع. وهذا هو مناط تحقيق العدالة.

    فالمشرع يهتم بصياغة الأعمال والأدوات الإجرائية لا لذاتها وإنما لضرورتها الحماية الحقوق الموضوعية وكف الاعتداء عليها وإعادتها لأصحابها بأقل قدر من المصروفات وبأسرع وقت ممكن فإذا كانت هذه هي غاية القضاء فماذا يحول دون إعمالها في خصومة التحكيم؟

     فالتنظيم التشريعي يضمن مراعاة الصلة الإجرائية وتحديد الإجراءات التي تنظم الارتباط الموضوعي بين المراكز القانونية المختلفة وهذا التنظيم المنضبط قد لا يتحقق إذا ما أوكل للمحكم سلطة خلق التنظيم الإجرائي أو تحديد صلة الارتباط بين الأعمال الإجرائية وآثارها على المراكز الموضوعية بعيداً عن أحكام القانون.

    وهذا المفهوم المقيد لسلطات المحكم الإجرائية والموضوعية لا يتعارض مع الدور الإيجابي الذي يمارسه في إطار خصومة التحكيم، وإنما يضعه في إطار قانوني منضبط يتسم بالوضوح والتحديد.

    فعلى سبيل المثال يمارس القاضي دوراً إيجابياً في الخصومة المدنية في مجال الإثبات كرسته المواد 118 124 125 مرافعات على نحو يسمح له بالتدخل في الإثبات وإلزام الخصوم أو الغير بتقديم مستند ، وهذا الدور الإيجابي محدد المعالم فقد حدد المشرع الأعمال الإجرائية التي ارتأى لزومها لقيام القاضي باستخدام هذه السلطات فلا يستطيع القاضي استخدام هذه السلطات إلا من خلال هذه الأعمال.

    فالدور الإيجابي للقاضي في مجال الإثبات لصيقاً بوقائع النزاع المتعلقة بالحق المتنازع عليه لتتكاتف من خلال الصلة الإجرائية المكونة للارتباط الإجرائي مع عناصر الحق الموضوعي المتنازع عليه بغية تحقيق العدالة.

     وكذلك المحكم يتمتع بدور إيجابي لا يختلف في تكييفه أو أساسه وضوابطه عن الدور الإيجابي الذي يتمتع به القاضي في الحالات التي يقرر المشرع فيها منحه هذا الدور الإيجابي خروجاً على مبدأ حياد القاضي وإن اختلف في مداه تبعاً لنطاق السلطات الإجرائية التي يمنحها له النظام القانوني الواجب التطبيق واتساع الدور الإيجابي الذي يمارسه في خصومة التحكيم...

    وأيضاً لا يملك الخصوم الخروج على أحكام التنظيم الإجرائي الذي تضمنه القانون الواجب التطبيق، وتقويض الأطراف للمحكم في وضع التنظيم الإجرائي لا ينصرف بحال من الأحوال إلى ابتداع أو ترتيب آثاراً إجرائية لم ينص عليها القانون لأن الأطراف أنفسهم لا يملكون هذه السلطة.

    فمجال إعمال سلطات المحكم أو إرادة الخصوم في إطار خصومة التحكيم شأنها في ذلك شأن الخصومة القضائية ينحصر في استخدام الأدوات الإجرائية والتخير من بينها أو التنازل عن التمسك بها.

     أما مصادر الارتباط ذاتها فتأتي في المقام الأول من طبيعة النزاع وأحكام التنظيم القانوني الذي يضعه المشرع ويخضع له المحكم والخصوم وتلتزم لوائح مؤسسات التحكيم بعدم الخروج عليه.

     والسبب في غل يد الخصوم عن ترتيب آثار إجرائية نتيجة للارتباط هو استقلال المشرع بتنظيم الأعمال الإجرائية باعتبارها أعمالاً قانونية تولد آثاراً حددها المشرع وجعلها متصلة بآثار المراكز الموضوعية محل الحماية القضائية وأخضع لها الأفراد دون أن يجعلهم مشاركين في صناعة هذه الأدوات ولا يجب أن تختلف الآثار الإجرائية من خصومة لأخرى أو من هيئة تحكيم الأخرى.

    فما يملكه الخصوم من حقوق وواجبات إجرائية أو مكنات وسلطات إجرائية تمنح لهم لاعتبارات تتعلق بالقانون الموضوعي وتهدف إلى حماية الحقوق الموضوعية، هذه الحقوق والواجبات يتم استخدامها بأدوات إجرائية هي الأعمال الإجرائية التي خلقها المشرع وحدد آثارها لحماية الحق الموضوعي.

    وهذا القيد لا يتعارض مع فلسفة التحكيم التي تطلق يد المحتكم في أن يقيم لنفسه عدالته الخاصة، فمنع أطراف خصومة التحكيم من خلق الارتباط الإجرائي بين الأعمال الإجرائية أو ترتيب آثارها مرجعه إلى أن العدالة التي تمنحها الأحكام الواجبة التنفيذ يجب أن تكون منظمة ثابتة الضوابط مستقرة التطبيق في قواعدها الأساسية.

    كما أن عدم إطلاق يد المحكم في خلق وإدارة خصومة التحكيم ليس لأنه يفتقد مقدرة خلق النسيج الإجرائي للخصومة أو يعجز عن تقدير عدالة الدعوى وإنما لأن بنيان التحكيم كنظام قضائي يفرز أحكاماً قضائية واجبة النفاذ يفترض وجود نظام قانوني يحدد الأشكال الإجرائية ويخلق صلة الارتباط بينها ويقان آثاراً إجرائية ثابتة.

    فعلى سبيل المثال من يدعي حق الملكية قد يلجأ للقضاء لحماية حقه إذا حدث اعتداء عليه، ومن يملك الحق الموضوعي يملك في الوقت ذاته حقاً إجرائياً هو الحق في الدعوى مصدره نصوص القانون، ولكي يستخدم هذا الحق الإجرائي يلزم إتباع سلسلة . الأدوات الإجرائية المتتابعة زماناً ومكاناً تسمى بالأعمال الإجرائية التي صاغها المشرع وأدخلها ضمن منظومة إجرائية على نحو يحقق مضمون الحق للتوصل لحماية فعالة للحقوق الموضوعية.

    وبعد الوقوف على حدود سلطة المحكم بشأن خلق أو ابتداع الأشكال الإجرائية وآثارها بقى أن نناقش حالات الارتباط وآثارها الإجرائية والموضوعية ومدى انطباقها على خصومة التحكيم ونطاق سلطة المحكم والخصوم إزاءها، ونسبية آثار اتفاق التحكيم كعقبة تحول دون تدخل الغير أو إدخاله أو ضم الإجراءات رغم ما تثيره أنماط الدعاوى التي تعرض على التحكيم من وجود ارتباط قد يفرض آثاره فرضاً على إجراءات الخصومة.

    ففي المجموعات العقدية قد يتعدد الضمان نتيجة للضمان الاتفاقي بينهم كما في المشروع المشترك والكونسيورثيوم ، وفي عقود المقاولات قد يتعدد أطراف التعامل في مرحلة التنفيذ عند الاستعانة بمقاولي الباطن فتنشأ علاقات قانونية متعددة دون تضامن وينعكس هذا التعدد على إجراءات التحكيم فقد يعرقل تتابع مراحل خصومة التحكيم وجود بعض العقبات الإجرائية كوجود نزاع آخر يرتبط به ارتباطاً لا يقبل التجزئة إما أمام القضاء أو أمام هيئة تحكيم أخرى.

     ومن هنا يثور التساؤل حول إمكانية ضم الإجراءات المرتبطة ومدى تعارض ذلك مع الطابع الإرادي لخصومة التحكيم باعتبارها جوهر التحكيم وقوامه وأيضاً مع الاعتبارات السرعة التي ينشدها المتعاملون عند اختيار التحكيم.

    وإن كان لا يجوز كقاعدة قبول إدخال أو تدخل الغير في الخصومة لتعارض ذلك مع الأصل الاتفاقي للتحكيم، والذي يحول دون إعمال قواعد الإدخال والتدخل، إلا أن تعدد إجراءات التحكيم أمراً وارداً سواء قبل بدء الخصومة كأثر لوجود عقد متعدد الأطراف، أو أثناء نظرها عند اتساع نطاقها نتيجة لتغير صفة الطرف فضلاً عن إمكانية تعدد الإجراءات بين التحكيم والقضاء.

      ولا يصلح شرط المصلحة كمعيار لقبول أو رفض تدخل الغير خاصة وأن طلب تدخل خصم تزكيه اعتبارات مصلحة من يطلب التدخل وهو من الغير وبالتالي لن يكون محققاً لمصلحة الأطراف أو على الأقل لن يكون . محققاً الأطراف بينما طلب إدخال الغير يزكيه مصلحة أحد الخصوم دون الآخر، مصلحة جميع وضم الإجراءات قد يكون لصالح بعض الخصوم أو الخصوم مجتمعين، لذلك لا يكفي في ذلك توافر عنصر المصلحة.

     كما لا يفيد في هذا الصدد تطلب مشروعية المصلحة وهو وصف يلحق بها بالنظر إلى مخالفتها للقانون ولقواعد النظام، ويرجع في تقدير جدية المصلحة إلى أهميتها وقيمتها بالموازنة بين الأضرار التي تصيب الغير من جراء التصرف والموازنة بينها وبين المصالح المتعارضة .