اتفاق التحكيم / الإتجاه الثاني امتداد شرط التحكيم في مجموعة الشركات / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / امتداد شرط التحكيم فى مجموعة الشركات
ووفقا لهذا الاتجاه، فإن قيام إحدى شركات المجموعة بالاتفاق على التحكيم يجعل الشركات الأخرى تلتزم بهذا الاتفاق على أساس اتصالها بالمعاملة التجارية الدولية، وقد يتكشف هذا الاتصال إما من خلال المشاركة في المفاوضات أو المساهمة في تنفيذ العقد.
وتكشف لنا أحكام التحكيم التجارى الدولى عن فروض عديدة لتطبيق امتداد شرط التحكيم فى مجموعة الشركات، يمكن أن نلخصها في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: أن تتولى الشركة الوليدة إبرام العقد التجاري الدولي، بينما يقف دور الشركة الأم عند مرحلة المفاوضات أو تنفيذ العقد.
وتجسد هذه الحالة دعوى شهيرة عرضت على القضاء الفرنسى أمام محكمة استئناف (Pau) تعرف باسم قضية شركة Sponsor A تتلخص وقائعها في قيام الشركة المذكورة وهي إحدى الشركات الوليدة التابعة لمجموعة شركات ( Sponsor) السويدية بالتعاقد على شراء بعض أسهم شركة (Sodilest) وشركة (Lestrade) وهما شركتين تنتميان إلى مجموعة الشركات الفرنسية.
وعلى أثر إخلال الشركة الوليدة بتنفيذ تعهداتها، لجأت مجموعة شركات ( Lestrade) إلى إتخاذ إجراءات التحكيم ضد كل من الشركة الوليدة وكذلك ضد شركتها الأم ، غير أن الشركتين المدعى عليهما لم تشاركا في إجراءات التحكيم، فقامت مجموعة شركات (Lestrade) حسبما يقضى به شرط التحكيم باللجوء إلى محكمة (Tarbes) التجارية لتعين محكم عن الشركة الأم وعن الشركة الوليدة.
وبتاريخ ۲۸ من إبريل ،۱۹۸٦ ، أصدر رئيس المحكمة أمرا مستعجلا بإحالة مجموعة شركات سينسور (Sponsor) - الشركة الوليدة وكذلك الشركة الأم - إلى التحكيم بالسويد. طعنت الشركة الأم في هذا الحكم أمام محكمة استئناف (Pau) تأسيسا على أنها لم تكن طرفا في اتفاق التحكيم بين شركاتها الوليدة والشركة المدعية.
وحسما لهذه المشكلة، أصدرت محكمة استئناف (Pau) حكما هاما في ٢٦ من يونيه ١٩٨٦ يقضى بادخال الشركة الأم طرفا في إجراءات التحكيم. وقد جاء في حيثيات الحكم: إنه إذا كان مما لاشك فيه أن الشركة الوليدة تعد طرفا في هذا النزاع ، فإن الشركة الأم بما لعبت من دور هام في مرحلة المفاوضات وحتى تمام إبرام العقد، وكذلك بما كان لها من دور في عدم تنفيذ الشركة الوليدة لتعهداتها، يتضح أنها كانت الرأس المفكر Latte ensante) للشركة الوليدة».
فإن الحكم قد قرر صراحة أن شرط التحكيم الذي يتم قبوله بواسطة بعض شركات المجموعة يجب أن ترتبط به الشركات الأخرى للدور الذي تلعبه في إبرام أو تنفيذ أو فسخ العقود المتضمنة تلك الشروط، وتعتبر كما لو كانت أطرافا حقيقية في هذه العقود، أو معنية في المقام الأول بها وبالمنازعات التي يمكن أن تنتج عنها.
وفي حكم تحكيم حديث ( Ad hoc) صادر تحت إشراف مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجارى الدولى فى ١١ من مارس ۱۹۹۹ ، تقرر هذا المبدأ بخصوص نزاع يتعلق بعقد وكالة تجارية دولية اختصمت فيه الشركة المدعية وهي شركة مصرية - الطرف الوكيل بالعقد – الشركة الأم الأمريكية بجانب الشركة الوليدة وهى شركة قبرصية لمطالبتهما معا على سبيل التضامن بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من جراء إنهاء عقد الوكالة بالإضافة إلى مصاريف وعمولات لم تدفع إليها . نازعت الشركة الأم فى اختصامها أمام التحكيم لأنها لم تكن طرفا في عقد الوكالة الذي تضمن شرط التحكيم والمبرم أساسا بين الشركة المدعية والشركة القبرصية مما لا يجوز إدخالها كطرف في الدعوى، واستندت إلى أن القانون المصرى وهو القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع يعترف بمبدأ استقلال الشخصية المعنوية للشركات، ولكل من الشركتين الأطراف في المجموعة شـخـصـيـة معنوية مستقلة عن الأخرى، كمالا ينصرف أثر العقد إلى الغير، إذ ينصرف إلى المتعاقدين والخلف العام (المادة ١٤٥مدنى ) ولا تعد الشركة الأم خلفا عاما ولا طرفا فى اتفاق التحكيم، كما أنها غير مسئولة عن الالتزامات التي أبرمتها الشركة القبرصية لأن العقد لايرتب التزاما في ذمة الغير (المادة ١٥٢ مدنى).
رفضت هيئة التحكيم هذا الدفع مقررة امتداد شرط التحكيم إلى الشركة الأم تطبيقا لما هو سائد في مجال التجارة الدولية وخاصة في مجال التحكيم التجارى الدولى، واستندت إلى ما جاء في حكم التحكيم رقم ٤١٣١ لسنة ۱۹۸۲ الصادر عن غرفة التجارة الدولية بباريس، والذي قرر أن شرط التحكيم الذي يرد في أحد العقود، يمكن أن يلزم شركات أخرى من أعضاء مجوعة واحدة بالرغم من عدم توقيعها على العقد الذي تضمن شرط التحكيم مادامت قد شاركت في تكوين العقد وتنفيذه وانهاءه.
وأوضحت هيئة التحكيم فى هذا الخصوص أن الثابت من المستندات المقدمة أن الشركة الأم كانت تتعامل مباشرة مع الشركة المحتكمة وتتفاوض معها من آن لآخر في بعض العمليات المتعلقة بعقد الوكالة، كما أن خطاب عدم تجديد عقد الوكالة المؤرخ في ١٩٩٧/٢/٢١ والمرسل إلى الشركة المحتكمة صادر عن الشركة الأم ولم يصدر عن الشركة الوليدة (...) ويؤكد كل ما تقدم أن مجموعة شركات (X) ويأتي على رأسها الشركة الأم الأمريكية ( المحتكم ضدها الثانية ) تكون كيانا قانونيا واحدا وإن تعددت الشخصية المعنوية التى تتمتع بها كل شركة، ويؤكده كذلك أن الشركة الأم قد شاركت فى إعداد العقد وتنفيذه وإنهائه على النحو الذي تعتبر معه، وهى الشركة الأم لشركة قبرص (المحتكم ضدها الأولى طرفا في عقد الوكالة الذي يتضمن شرط التحكيم ، ومن ثم يمكن للشركة أن توجه إليها هذه الدعوى.
وانتهت هيئة التحكيم إلى رفض الدفع بعدم صحة اختصام الشركة الأم (المحتكم ضدها الثانية) وبقبول التحكيم الماثل قبل هذه الشركة، وبإلزامها والشركة الوليدة متضامنين بإداء مبلغ (...) دولار إمريكي إلى الشركة المدعية تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من جراء إنهاء عقد الوكالة شاملا ما تستحقه من مصاريف وعمولات لم تدفع إليها .
الحالة الثانية: أن تتعاقد أكثر من شركة وليدة مع الغير، ثم تشارك عدة شركات أخرى من نفس المجموعة فى تنفيذ العقد أو الاستفادة منه.
وتمثل دعوى مجموعة شركات Dow Chemical International الأمريكية مثالا شهيرا لهذه الحالة، إذ تعاقدت شركتان وليدتان من مجموعة الشركات المذكورة مع شركة فرنسية (Boussion - Isolation) على توزيع منتجاتها من العوازل الحرارية بفرنسا، وقد نص في عقد التوزيع على أن يتم تسليم المنتجات من أى شركة وليدة تنتمى إلى مجموعة الشركات الأمريكية. وبعد فترة من توزيع المنتجات ،قامت إحدى الشركات الوليدة الأمريكية الموجودة بفرنسا (Dow chemicalFrance ) بفسخ العقد مع الشركة الفرنسية الموزعة، ومنحتها تعويضا عن الأرباح التي كانت تستحقها حتى نهاية العقد، غير أن الشركة الفرنسية استمرت مع ذلك في استخدام المنتج التجاري، فقامت مجموعة الشركات الأمريكية باتخاذ إجراءات التحكيم ضدها، مطالبة إياها بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء ذلك.
دفعت الشركة المدعى عليها بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالنسبة لطلب الشركة الأم والشركة الوليدة الفرنسية لأن أيا منهما لم يكن طرفا في عقد التوزيع الوارد به شرط التحكيم.
الحالة الثالثة: أن يمتلك شخص طبيعى مجموعة شركات تخضع لرقابته المباشرة. وفي هذه الحالة، يمتد شرط التحكيم من الشركة إلى الشخص الطبيعي نفسه.
وتطبيقا لذلك، فقد أصدرت محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس في ٢٤ من اغسطس ۱۹۸۸ حكما يقضى بإلزام رجل أعمال سعودي بدفع مبلغ (...) دولار أمريكي تعويضا لإحدى الشركات الفرنسية نتيجة مخالفة إحدى شركاته لالتزاماتها التعاقدية.
وتستخلص وقائع الدعوى فى هذا الحكم فى قيام واحدة من شركات مجموعة رجل الأعمال المذكور ، وهي شركة (Saudia Europe Lines) والتي تعمل فى مجال الملاحة البحرية، بالتعاقد مع شركة فرنسية تدعى Lubrifiants Elf Aquit على تزويدها بالوقود أثناء رحلاتها المختلفة في العالم. وبعد أن قامت الشركة السعودية بعدة رحلات، تقاعست عن دفع الفواتير المستحقة عليها ، فاستطاعت الشركة الفرنسية أن تتحفظ على إحدى السفن التابعة لها ، لحين الوفاء بديونها.
وعلى الرغم من توصل الطرفين إلى اتفاق جديد يقضى بتقسيط مبلغ الدين ورفع التحفظ عن السفينة وتنظيم التعامل بينهما في المستقبل، إلا أن الشركة السعودية لم تنفذ التزاماتها وتراكمت عليها فواتير جديدة الأمر الذي قامت معه الشركة الفرنسية باللجوء إلى التحكيم للمطالبة بقيمة الفواتير التى لم تسدد والفواتير الجديدة، مختصمة في ذلك كل من رجل الأعمال السعودى والشركة المتعاقدة معها، فأصدرت محكمة التحكيم حكمها المتقدم ضد رجل الأعمال السعودي.
وعلى أثر الطعن المقدم منه على أساس أنه لم يكن طرفا في العقد الوارد به شرط التحكيم أيدت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر بتاريخ ۱۱ من يناير ۱۹۹۰ حكم التحكيم فيما ذهب إليه من امتداد شرط التحكيم إلى رجل الأعمال السعودى، على أساس أنه كان يعلم بهذا الشرط ونال قبوله بوصفه رئيسا لمجموعة الشركات ، وإذا كانت كل شركة تدير عددا معينا من السفن، إلا أنهما تشكلان فى النهاية وحدة اقتصادية تخضع لسلطة واحدة يمارسها رجل الأعمال السعودي بنفسه.
وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 11 من يونيه ۱۹۹۱ هذا الحكم الاستئنافي، مقررة بدورها امتداد شرط التحكيم في هذه الدعوى، وهو ما انتهى إليه القضاء اليوناني أيضا عند طلب الشركة الفرنسية تنفيذ حكم التحكيم على أموال رجل الأعمال السعودي الموجودة باليونان.
تأييدنا للاتجاه الرامی لامتداد شرط التحكيم في مجموعة الشركات
والواقع أن الاتجاه الرامي إلى امتداد شرط التحكيم في مجموعة الشركات هو الاتجاه الأرجح فقها وقضاء.
ونحن نناصر هذا الاتجاه، ونراه الأولى بالتأييد دائما، باعتباره هو الذي يعطى الأمان القانونى للعلاقات التجارية الدولية.
فلا شك أن امتداد شرط التحكيم يحقق للمتعاملين في التجارة الدولية ميزة كبيرة عند تعاقدهم مع شركات وليدة قد تنكث فيما بعد عن تنفيذ التزاماتها التعاقدية، فيكون الرجوع على الشركة الأم بما لها من ملاءة (Solvabilite) ضمانا قويا لهم ، ينعكس في النهاية على مصالح التجارة الدولية وازدهارها .
وإذا كان الفقه يتحدث لتبرير امتداد شرط التحكيم عن وجود حقيقة اقتصادية واحدة تجمع بين شركات المجموعة، إلا أن هذه الحقيقة ما كانت لتتقرر بسهولة بدون وجود شرط التحكيم ذاته، بمعنى أنه ليس كل تعاقد لإحدى شركات المجموعة يسحب أثاره على بقية الشركات المكونة لها، وإنما لابد أن يتضمن هذا التعاقد شرط التحكيم حتى تنشأ الحاجة للدفاع عن مصالح التجارة الدولية والقول من ثم بامتداده إلى بقية الشركات الأخرى، وآية ذلك أن قضاء الدولة لا يسير على نفس النهج إذا ما عرض عليه نزاع يتعلق بإحدى شركات المجموعة ، إذ ينتهى إلى إلزام الشركة المتعاقدة وحدها بآثار العقد مهما كان اندماجها في المجموعة، ولا يستثنى من ذلك سوى حالة أن يكون إنشاء الشركة المتعاقدة قد جاء لأغراض تدليسية، كما لو كانت شركة وهمية (Fictive)، أو كان ظاهرها يحمل الغير على الاعتقاد بأنه يتعامل مع الشركة الأم.
وهذا الاستثناء - كما هو واضح - لم يقصد به في الأصل سوى حماية الغير حسنى النية، دون أن يأخذ فى الاعتبار مصالح التجارة الدولية. وتختلف نظرة القضاء تماما، حينما يعرض عليه نزاع مماثل وارد بشأنه شرط التحكيم، إذ نجد أن مسلكه يميل إلى تأييد أحكام التحكيم في تقريرها للحقيقة الاقتصادية الواحدة لمجموعة الشركات، بصرف النظر عما إذا كان الاستثناء السابق ذكره قد توافر من عدمه.