إن السلطات المخولة للمديرين لإبرام اتفاقات التحكيم، ونطاق هذه السلطات ومدى اتساعها وتقييدها، يحددها القانون الحاكم للشركة تطبيقا لمنهج التنازع، والذي قد يكون قانون مقر الشركة أو قانون مركز تأسيسها تبعا للحلول المقررة في الأنظمة القانونية المختلفة.
ففي فرنسا: رفض القضاء الفرنسي في البداية تخويل السلطة للمديرين لإبرام اتفاقات التحكيم إلا في حالة وجود تفويض خاص حيث إن: "الوكالة المبرمة في عبارات عامة لا تكفي إلا لسلطة إدارة أموال الغير، أما بالنسبة لإبرام اتفاقات التحكيم فإن الوكيل يجب أن يعهد إليه بساطات خاصة.
ثم تطور القضاء الفرنسي، واستقر على أن مديرى الشركات بجون لهم إبرام اتفاقات التحكيم دون وكالة خاصة حيث إن: "التحكيم
طريقا من الطرق المعتادة لتسوية المنازعات بين التجار، والتوقيع على اتفاق التحكيم في المواد التجارية بعد عملا من أعمال الإدارة العادية".
هذه الحرية في إبرام اتفاق التحكيم المخولة لمديري ورؤساء الشركات في القانون الفرنسي مقيدة بقيود قانونية وأخرى اتفاقية ففيما يتعلق بالقيود القانونية نجدها تتمثل في قيدين:
((الأول): هو القيد المتمثل في عرض الشركة: وفيه تختلف شركات الأشخاص عن شركات الأموال: ففي شركات الأشخاص بحدد غرض الشرطة سلطة مديرها في إبرام اتفاق التحكيم، فلا يمكنه إبرام اتفاق التحكيم إلا بصدد نزاع متعلق بغرض الشركة. وفي شركات الأموال. وعلى العكس. لا يحدد غرض الشركة من حيث المبدأ سلطة المديرين في إبرام اتفاق التحكيم إلا في العلاقات الداخلية لهذه الشركات أي في العلاقة بين المديرين والشركات أو الشركة، وأما في العلاقة مع الغير: فلا يضع غرض الشركة على عاتق المديرين أية قيود بشان إبرام اتفاق التحكيم، ولذلك يستطيع المدير إبرام اتفاق التحكيم باسم شركة لكل الأغراض حتى ولو تجاوز غرض الشركة لأن سلطته يصعب على الغير معرفتها بسبب الصفة الطبيعية للتحكيم كعمل من أعمال إدارة الشركات، باستثناء حالة ثبوت سوء نية الغير الذي كان يطم بتجاوز المدير لغرض الشركة.
والثاني يتمثل فيما قد يخوله القانون بوضوح من سلطات الأعضاء آخرين في الشركة كما في عدم السماح للمدير في شركة المساهمة بممارسة بعض الأنشطة الهامة كالأنشطة البنكية وتقديم الكفالة إلا بترخيص من مجلس الإدارة، وبالتالي فإن اتفاق التحكيم المبرم بشأن مثل هذه الأمور يجب أن يرخص له أيضا بنفس الشروط.
وفي إنجلترا يفرق القانون الإنجليزي بين نوعين من الشركات:
النوع الأول): هو الشركات التي يطلق عليها "Partnerships" وهي التي تنشأ على نطاق ضيق من حيث أعضائها ورءوس أموالها، وأعضاؤها جميعا وكلاء بعضهم لبعض، وتقوم علاقاتهم على الثقة المتبادلة.
(والنوع الثاني) : هو الشركات التي يطلق عليه "companies وهي الشركات ذات التجمعات الكبيرة فليس لأعضائها عدد محوں ورأس مالها كبير وتحمل عادة اسما خاصا بها لا يكشف عن أسماء المشاركين فيها.
ففيما يتعلق بسلطة مديرى الشركات من النوع الثاني Companies: فإنه لا يمكنهم إبرام اتفاق التحكيم إلا بموجب توكيل خاص وارد بمقتضى القانون الأساسي للشركة، فالشركاء سيلتزمون باتفاق التحكيم فقط إذا رخصوا بذلك وبصراحة ووضوح قبل إبرامه، أو أقروه بعد ذلك بأن حضروا الجلسات التحكيمية مثلا ولم يعترضوا على التحكيم. إن حقيقة أن الشريك المدير عندما يبرم أي اتفاق فإنه يفعل ذلك عن نفسه وعن باقي الشركاء الآخرين لا تنطبق على اتفاق التحكيم، وإذا تعهد المدير بإلزام شركاته بهذا الاتفاق وفشل في ذلك فإنه سيتحمل مسئولية هذا الفشل لأنهم غير ملتزمين به.
وأما بالنسبة للشركات من النوع الأول "Partnerships" فالموقف أكثر دقة: فإذا كان أحد الشركاء قد تصرف بموجب وكالة خاصة عن باقي الشركاء فلا مشكلة، فهو هنا بمثابة مدير الشركة من النوع الثاني، وأما في غياب هذه الوكالة الخاصة فهل تكفي الوكالة العامة؟ جرى العرف هنا على تعلق إبرام اتفاق التحكيم بحياة الشركة وبإدارتها المعتادة في حالة إبرامه في صورة شرط تحکیم کبند ضمن بنود الاتفاق الأصلي قبل حدوث النزاع، وعلى العكس فيما يتعلق بمشارطة التحكيم، والمبرمة بعد حدوث النزاع فلا يستطيع الشريك المدير إبرام اتفاق التحكيم دون وكالة خاصة.
إن فكرة الظاهر وحسن النية المبنية على أسباب معقولة تلعب من الآن فصاعدا دورا لافت للنظر لإلزام الشركة بالتحكيم المبرم اتفاقه عن طريق المدير.
وهكذا فإن إقرار مثل هذه القاعدة الموضوعية المأمول تطبيقها على سلطة مديرى الشركات في إبرام اتفاق التحكيم في المواد الدولية قد تضع نهاية لاختلاف الحلول الواردة في هذا الشأن في القوانين المختلفة الحاكمة للشركات، مزيلة إحدى العقبات عن طريق التحكيم الدولي.