ظهر نظام الشركات منذ قرون عديدة للتغلب علي ضعف المشروعات الفردية وعدم قدرتها على تحقيق أرباح ضـخـمة، فضلاً عن عدم تحملهـا للمنافسة التجارية، ثم ظهرت الحاجة في العصر الحديث إلى مزيد من التركز وتجميع رؤوس الأموال الضخمة والتعاون بين الشركات لتحقيق المزيد من الأرباح وتوفير المزيد من الإنتاج وتحقيق قدرة أكبر على المنافسة، خاصة بعد أن اتسعت الأسواق المحلية والعالمية، وتدفقت رءوس الأموال الأجنبية، وتقدمت تكنولوجيا الإدارة والانتاج بشكل لا مثيل له.
ومن الصور الهامة لهذا التركز والتعاون بين الشركات صورة مجموعة الشركات " Le groupe de Sociétés" حيث تتلاقى الشركات وتتعاون بأموالها وإمكانياتها من أجل الوصول إلى أهداف كبيرة مشتركة. سواء أكان هذا التجمع في نفس حقل النشاط أم في حقول أنشطة مكملة، وسواء أكان هذا التجمع داخل نفس الدولة، أم يمتد ليشمل دولاً عدة فيما يعرف بالشركة متعددة الجنسيات Société Multinationale".
ويتم تجمع الشركات "Groupement de Societes" بخضوع مجموعة من الشركات التي تمارس نشاطاً اقتصادياً متماثلاً أو مكملاً لإدارة اقتصادية موحدة، ورقابة على ذممها المالية عن طريق إحدى الشركات التي تأتي على رأس المجموعة، وتسمى «الشركة الأم Societ, Mere"، التي تباشر سيطرتها على الشركات التابعة أعضاء المجموعة من خلال السيطرة على ملكية الأسهم في هذه الشركات، كما يمكن لهذه المجموعات أن ترتبط ببعضها البعض عن طريق فروع مشتركة "Filiales Communes" تدار بإدارة مشتركة تمثل فيها هذه المجموعات وفقاً لاتفاق يجسد إرادة كل مجموعة، وينظم شروط وقواعد تسوية المنازعات التي يكثر وقوعها من الناحية العملية.
أما في حالة تجمع الشركات، فالأمر يتعلق بعدة شركات متميزة لكل واحدة منها شخصيتها القانونية المستقلة، وترتبط فيما بينها بعلاقات مستمرة ناتجة عن الاشتراك في رأس المال والتبعية "Subordination" أو الاعتماد "Dependance" الذي يميز الشركات المدارة فى مواجهة الشركة المديرة، بيد أنها تنضوى جميعاً تحت لواء مجموعة تدار بواسطة الشركة الأم.
وعلى هذا فإن شركات المجموعة يتمتع باستقلال مالي وإداري وقانوني ذاتي من الناحية الشكلية، حيث تظل كل شركة منها محتفظة باسمها وعنوانها وأصولها وعملائها واستقلالها المحاسبي بيد أن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمجموعة في حد ذاتها إذ لا تتمتع المجموعة بالشخصية المعنوية على غرار الشركات المكونة لها.
ورغم أهمية فكرة مجموعة الشركات وتزايد اللجوء إليها، وتنوع المشاكل التي تثيرها ، فإنها لم تحظ بالاهتمام الكافي من التشريعات أو المؤلفات الفقهية، أو لنقل إن الفكرة مازالت في مرحلة البحث والتمحيص. تشكل أساساً لحلول قانونية متباينة سواء في القانون المالي أو القانون التجارى حيث تأخذ فيهما طابعاً وظيفياً يختلف مضمونـه تبـعـاً لـتـعــدد وظائفها.
وهكذا فإن هذه التعريفات تركز على وظيفة المجموعة وغرضها، دون أن تسبر غورها، الأمر الذي يبقى باب الخلاف مفتوحاً حول الأسئلة الكبيرة التي يمكن أن تثيرها هذه التجمعات، وذلك لاختلاف هذه المجموعة عن تلك، فضلاً عن اختلاف النظرة إلى هذه المجموعات من قبل الأنظمة القانونية المختلفة.
والذي يهمنا في هذا المقام أن نجيب على أحد هذه التساؤلات والمتعلق بأثر هذا التجمع الشركاتى على نطاق اتفاق التحكيم، بمعنى هل يتسع اتفاق التحكيم الموجود في عقد موقع من قبل إحدى شركات المجموعة أو الشركة الأم ليشمل، بطريق مباشر أو غير مباشر، شركة أخرى في نفس المجموعة لم توقع على هذا العقد الذي يحتوى على شرط التحكيم ؟ كذلك هل يتسع شرط التحكيم الموجود في عقد أبرمته إحدى شركات المجموعة مع شركة أخرى من الغير ليلزم الشركة الأم التي لم توقع على هذا العقد الذي يحتوى شرط التحكيم؟
بيد أننا نلاحظ، بداءة ، أن التحكيمات الداخلية في المنازعات الناشئة بين شركات نفس المجموعة ليست كثيرة الحدوث أو غير موجودة على الإطلاق، وذلك لأن المنازعات الداخلية من هذا النوع غالباً مايتم حلها وفق طرق سلمية أكثر ودية وسرية من التحكيم، وذلك كالوساطة أو الصلح، وذلك خشية من تأثر مصالح هذه الشركات في نفس المجموعة تأثيراً سلبياً على الأرجح إذا استدعى الأمر اللجوء إلى الدعاوى القضائية أو التحكيمية.
ويبدو لأول وهلة أن الإجابة على هذا التساؤل مآلها النفي، وذلك على أساس استقلال الشخصية المعنوية لكل شركة من شركات المجموعة، فضلاً عن الطبيعة الاختيارية للتحكيم وأصله التعاقدى، بالإضافة إلى نسبية آثار العقود والاتفاقات، بيد أن كثرة مجموعات الشركات وانتشارها على المستوى الدولى، والدور المتعاظم للتحكيم فى المنازعات التجارية الدولية طرح السؤال من جديد، وألغى مسلمة النفى لصالح أفكار جديدة لاتقل جدة عن تجمعات الشركات، أو لصالح إحياء أفكار قديمة لا تقل عن فكرة التحكيم في حد ذاتها.
إن كثيراً من الأحكام القضائية والتحكيمية، والعديد من الفقهاء قد تناولوا هذا الموضوع، ولكن مع التسليم بتعقيده والتضارب بشأنه لصالح اتساع نطاق شرط التحكيم من عدمه، نظراً لغياب النصوص التشريعية التي تعالجه .