تذهب بعض التشريعات إلى تنظيم قواعد للتحكيم التجاري الدولي مختلفة عن تلك التي تنظم التحكيم الداخلي ويستند هذا الاتجاه إلى سببين:
الأول أنه يوجد نظام عام دولي يختلف عن النظام العام الداخلي، والثاني أن مقتضيات التجارة الدولية، وغياب قضاء دولي في المنازعات الخاصة يوجب وجود تنظيم خاص بالتحكيم التجاري الدولي على نحو يتسم بالمرونة لتلبية حاجات التجارة الدولية.
ومع ذلك، تذهب تشريعات أخرى إلى وضع قواعد موحدة للتحكيم تحكم التحكيم سواء كان داخليًا أو كان دوليًا خاصًا. وهذا هو الاتجاه الذي أخذ به قانون التحكيم المصري الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنه ١٩٩٤. وأخذ به حديثًا القانون الإيطالي بموجب اللائحة بقانون رقم ٤٠ لسنه ٢٠٠٦ الصادر في ٢ فبراير سنه ۲۰۰٦.
وقد كان مشروع قانون التحكيم المصري في صيغته الأصلية يقصر سريانه على التحكيم التجاري الدولي، ولكننا اقترحنا- عند مراجعته أن تعاد صياغة المشروع بحيث يكون هناك قانون مصري واحدا يطبق على التحكيم سواء كان تحكيمًا مدارًا أو تجاريًا وسواء كان تجاريًا دوليًا لم لم يكن تحكيمًا تجاريًا دوليًا وهو ما أخذ به في النهاية واضعو المشروع، وتمت إعادة صياغة القانون على هذا الأساس. فصدر قانون التحكيم باعتباره القانون العام في مسائل التحكيم سواء كان تجاريًا أو غير تجاري دوليًا أو داخليًا» فهو «الشريعة العامة التي تحكم شئون التحكيم في مصر أيا كانت طبيعة المنازعة التي يدور بشأنها التحكيم وأيا كان أطراف تلك المنازعة». ولقيت هذه الخطوة ترحيبًا كبيرًا. وعلى هذا فإن قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنه ١٩٩٤ يسرى على كل من:
1- التحكيم الداخلي: وفقًا للمادة الأولى من قانون التحكيم، تسري أحكام هذا القانون «إذا كان التحكيم يجرى في مصر»، وذلك سواء كان موضوع التحكيم مادة مدنية أو تجارية أو إدارية، وسواء كان أطرافه من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص
ولم يحدد المشرع معنى جريان التحكيم في مصر. كما لم يرد في الأعمال التحضيرية أي تحديدًا لهذا المعنى. وترى أن العبرة هي بصدور حكم التحكيم في مصر. فتخضع إجراءات التحكيم لقواعد قانون التحكيم المصري، أيا كان المكان الذي تبدأ أو تتم فيه هذه الإجراءات سواء في مصر أو في الخارج ما دام حكم التحكيم يصدر في مصر. فمكان صدور حكم المحكمين هو الذي يحدد ما إذا كان التحكيم يعتبر أنه قد جرى في مصر أم خارجها. فإن صدر في مصر فهو تحكيم داخلي، وان صدر في خارجها فهو تحكيم خارجي.
على أنه يلاحظ أن قانون التحكيم المصري لا يسري على التحكيم الداخلي إلا إذا لم يتفق الأطراف على خضوعه لقانون تحكيم آخر. فإن حدث مثل هذا الاتفاق، فإن التحكيم يخضع- رغم جريانه في مصر للقانون الإجرائي الذي اتفق الأطراف على إخضاعه له، وليس لقانون التحكيم المصري ولو كان هذا التحكيم ليس تحكيما تجاريًا دوليًا.
ويعتبر حكم التحكيم الصادر في مصر حكم تحكيم مصري، ولو كان التحكيم قد جرى وفق قانون تحكيم أجنبي أو وفق لائحة مركز تحكيم يوجد في الخارج. ولهذا فإنه إذا أريد تنفيذه في مصر، فإنه ينفذ وفقا لنصوص تنفيذ أحكام المحكمين في قانون التحكيم المصري.
كما يلاحظ من ناحية أخرى، أنه إذا جرى التحكيم في مصر، واتفق الأطراف على خضوعه لغير القانون المصري فإن هذا الاتفاق لا يحول دون تطبيق نصوص قانون التحكيم المصري إلا بالنسبة لما يجوز الاتفاق على مخالفته ولهذا فإنه رغم ذلك الاتفاق يخضع هذا التحكيم للنصوص الإمرة في القانون المصري. وهو ما تشير إليه المادة ٢/١ من قواعد مركز القاهرة الإقليمي بنصها على أن «تنظم هذه القواعد التحكيم إلا إذا تعارض نص قاعدة فيها ونص من نصوص القانون الواجب التطبيق على التحكيم لا يجوز للطرفين مخالفته إذ تكون الأرجحية عندئذ لذلك النص».
٢- التحكيم الأجنبي أو الخارجي: وهو التحكيم الذي يجرى خارج مصر بالمعنى سالف الذكر.
ووفقًا للمادة (1) من قانون التحكيم المصري لا تسري أحكام هذا القانون على هذا التحكيم إلا إذا كان تحكيمًا تجاريًا دوليًا واتفقت اطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون». فالتحكيم الذي يجرى في الخارج لا يخضع لقانون التحكيم المصري إلا إذا كان تحكيمًا تجاريًا دوليًا واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. ويكون أساس تطبيق القانون المصري عندئذ هو إرادة الطرفين
أما إذا لم يحدث هذا الاتفاق أو كان التحكيم ليس تجاريًا دوليًا، فإن إجراء التحكيم خارج مصر يعنى اتجاه إرادة الطرفين إلى إخضاعه لقانون البلد الذي اتفقوا على إجراء التحكيم فيه ما داموا لم يصرحوا بإخضاعه لقانون آخر.
ورغم نص المادة (۱) تحكيم على ضرورة توافر شرطين لإخضاع التحكيم الخارجي لقانون التحكيم المصري وهما أن يكون التحكيم تجاريًا دوليًا وأن يتفق الطرفان على إخضاعه للقانون المصري فإن البعض يرى أن الشرط الوحيد هو اتفاق الطرفين على إخضاع التحكيم لهذا القانون. ولهذا فإن التحكيم الذي يجرى في الخارج والذي اتفق أطرافه على إخضاعه للقانون المصري يخضع لهذا القانون ولو كان تحكيمًا مدنيًا وليس تجاريًا، أو كان تحكيمًا وطنيًا (بالنظر إلى البلد الأجنبي) وليس دوليًا. فيكفي لإعمال القانون المصري بالنسبة لتحكيم يجرى خارج مصر أن يتفق أطرافه على سريان القانون المصري على هذا التحكيم. وهذا الرأي جدير بالتأييد، مع ملاحظة أن المحكمة المختصة في التحكيم غير التجاري الدولي الذي يجرى في الخارج بمسائل التحكيم، التي يحيلها قانون التحكيم إلى القضاء المصري لن تتحدد وفقًا للمادة ٩. أي لن تكون محكمة استئناف القاهرة إذ التحكيم ليس تجاريًا دوليًا. كما أنها لن تكون المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع، إذ لا توجد محكمة مصرية مختصة أصلًا بالنزاع، بل تكون محكمة أول درجة المصرية المختصة وفقًا للقواعد العامة في الاختصاص على أساس انعقاد الاختصاص للقضاء المصري باتفاق الطرفين وفقا للمادة ٣٢ مرافعة.
(111).