فصلت أحكام تحكيمية وقضائية عديدة في مسألة اتساع شرط التحكيم المبرم بين إحدى شركات المجموعة وأحد الأغيار ليشمل شركة أخرى من شركات المجموعة لم تكن طرفاً في العقد لصالح فكرة "الاتساع"، وذلك تأسيساً على أسباب متعددة، ونعرض فيما يلى لبعض من هذه الأسباب في بعض من هذه الأحكام .
1- فكرة الحلول (حكم التحكيم الصادر في 1 يوليه (۱۹۷۳)
كان النزاع في هذا التحكيم يتعلق بعقد بين شركة وليدة تابعة لشركة Holiday Inn والحكومة المغربية، بيد أن الشركة الأم لم تكن قد وقعت علـــى هذا العقد المتضمن شرط التحكيم، فلما نشب النزاع أرادت الشركة الأم التمسك بشرط التحكيم الوارد في هذا العقد رغم عدم توقيعها عليه، فأجابتها محكمة التحكيم على طلبها استناداً على نظرية الحلول "Subrogation" حيث كانت الشركة الأم ضامنة لفرعها فى تنفيذ الاتفاق المتضمن شرط التحكيم ومن ثم يمكنها التمسك بشرط التحكيم الوارد في هذا الاتفاق.
2- فكرة الظاهر حكم التحكيم الصادر في الدعوى رقم ١٤٣٤ / ١٩٧٥)
كانت هذه القضية تتعلق بعقدين يحويان شرطا تحكيم تم إبرامهما بين شركات من المجموعة (A) وشركة من خارج المجموعة هي الشركة (B)، وبعد نشوء النزاع حول تنفيذ هذه العقود، رفعت الشركة (B) دعوى تحكيم ضد جميع شركات المجموعة (A) حتى التى لم توقع على العقدين المشار إليهما.
وقد قررت محكمة التحكيم أن العقود محل النزاع كانت تحيل بعضها إلى بعض، وكانت تشير إلى أطرافها بمرونة كبيرة ، وبدون شكلية، حيث كان ممثل الشركة (B) عند التفاوض يذكر أحياناً الطرف الآخر على أنه "الشركات Y,X من المجموعة A" ، وأحيانا "المجموعة A"، وأحياناً أخرى "المؤسسة A" فمسلك ممثل الشركة (B) أثناء التفاوض على العقد المتضمن شرط التحكيم يخلق لدى المتعاقد الآخر الاعتقاد بأن العقد وما تضمنه ملزم لكل أعضاء المجموعة، وأن القول بغير ذلك يأتى على خلاف كل مبدأ للتفسير المعقول، كما يخالف الإرادة المشتركة للأطراف، ويناقض الصياغة التي تمت بها هذه العقود".
ثم اختتمت المحكمة بضرورة اللجوء إلى فكرة المطابقة مع روح العقود كحقيقة اقتصادية تنفى أن تكون المجموعة (A) ، أو رئيسها، أو هذه الشركة أو تلك من الشركات الداخلة فيها، قد أرادوا التهرب خلف صياغة مثل هذا الشرط من نزاع يتعلق مباشرة بالمجموعة A".
وهكذا فإن هيئة التحكيم فى هذه الدعوى قد وسعت شرط التحكيم ليسمح بإدخال شركات أخرى من المجموعة لم تكن قد وقعت على العقد الذي يحتويه وذلك استناداً على فكرة الظاهر L'apparance"، حيث ربطت الأمر بالإرادة الحقيقية للأطراف حسنى النية، وروح العقد محل النزاع.
3- فكرة الاشتراط لمصلحة الغير حكم التحكيم في الدعوى رقــم :(١٩٧٥/٢٣٧٥
قضى المحكمون فى هذا التحكيم باختصاصهم بنظر الدعوى المرفوعة من أحد المحتكمين ضد فروع الشركتين الأم رغم أنهم لم يكونوا أطرافا في البروتوكول الموقع بين المحتكم والشركتين الأم الذى كان يتضمن شرط التحكيم وذلك تأسيساً على فكرة الاشتراط لمصلحة الغير la stipulation pour" autrui؟، حيث إن: "القواعد الأصيلة لمجتمع التجار الدولى تقضى باختصاص المحكمة في مواجهتهما، لأن الشركتين الأم بتوقعيهما على البروتوكول تكونا قد اشترطتا لنفسهما وللفروع المعنية بهذا البروتوكول".
4- فكرة الوحدة الاقتصادية حكم التحكيم فى الدعوى رقم ١٩٨٠/١٥١٠):
سمح المحكمون في هذه الدعوى لشركة في المجموعة بأن تمثل باقي شركات المجموعة التي تنتمى إليها، وذلك تأسيساً على فكرة الوحدة الاقتصادية سمح المجموعة الشركات Tanité du groupe" ، حيث قررت المحكمة: "أنه ليس من المعقول، ولا من مقتضيات العمل استبعاد طلبات الشركات ذات الشأن في النزاع من اختصاص المحكمين وهم الأعضاء في نفس المجموعة".
دعوى "Roussel":
وفي هذه الدعوى أخذ القضاء الانجليزى بنفس الاتجاه الذي يمد شرط التحكيم إلى شركة لم توقع على العقد الذي يحتويه، وذلك على أساس فكرة الوحدة الاقتصادية لمجموعة الشركات حيث كانت الوقائع تتعلق بعقد استغلال براءات اختراع في مجال الصناعات الدوائية بين الشركة الأم ومتعاقد آخر، وكان هذا العقد يحوى شرط تحكيم.
بيد أن هذا المتعاقد الآخر رفع دعوى قضائية أمام القضاء الانجليزي للمطالبة بحقوقه قبل الشركة التابعة فدفع هذه الأخيرة بوقف الدعوى القضائية بسبب وجود شرط التحكيم في العقد المبرم بين المدعى وشركتها الأم، وانعقاد إجراءات هذا التحكيم بالفعل في دولة أخرى حول نفس النزاع وفي نفس الوقت فأمرت المحكمة بوقف الدعوى القضائية تأسيساً على وجود شرط التحكيم الذى يلزم الشركة التابعة انطلاقا من فكرة الوحدة الاقتصادية لمجموعة الشركات.
5 - فكرة الإرادة المشتركة للأطراف والوحدة الاقتصادية المجموعة الشركات دعوی Dow Chemical
تتلخص وقائع هذه الدعوى فى أنه، بمقتضى عقدين متعاقبين منحت الشركة (A) ونائب عن الشركة (B) وهما أعضاء في مجموعة شركات Dow Chemical الأمريكية، ثلاث شركات فرنسية التي أصبحت فيما بعد شركة "Isovre-saint-gobain الحق فى توزيع منتجاتها من العوازل الحرارية lsolations termiques". وكان العقدان يشتملان على شرط تحكيم أمام غرفة التجارة الدولية.
ثم نشأت المنازعات بشأن تنفيذ العقدين حيث قامت الشركتان (A) و (B) فضلاً عن الشركة الأم وأحد فروعها (C) بتسليم بعض البضائع حيث ثار الخلاف بشأن هذا التسليم، فتمسكت الشركة الأم وفرعها الشركة (C) بشرط التحكيم المبرم بين الشركات الفرنسية والشركتين الأمريكيتين (A) و (B) بالرغم من أنهمـا لـم يوقعاً على شرط التحكيم.
وقد فصلت هيئة التحكيم في اختصاصها حيث قررت أن القانون هو الذي يحدد فحوى ونطاق اتفاق التحكيم وآثاره واستطردت المحكمة أن الإرادة المشتركة للأطراف، وعادات وأعراف التجارة الدولية خاصة في ظل وجود مجموعة شركات هى فى هذه القضية مصادر القانون الأصلي لتحديد نطاق وآثار شرط التحكيم.
وبتطبيق هذه المبادئ كان على المحكمين أن يفحصوا بإمعان ظروف المفاوضات التي تمت بشأن إبرام العقود، فضلاً عن الظروف التي تم فيها تنفيذ العقود، بالإضافة إلى الظروف التي أدت إلى نسخها، ومن هنا قررت المحكمة أن الشركة (C) رغم أنها لم توقع على العقود التي تحوى شرط التحكيم، إلا أنها اشتركت في المفاوضات السابقة لإبرامها كما اشتركت بنفسها في التسليم المتفق عليه مرات عديدة للشركات الفرنسية، أما بالنسبة للشركة الأم فقد لاحظت المحكمة أنها هي المالكة للعلامات التجارية للمنتجات موضوع العقود، وأنها كانت تمارس رقابة مطلقة على كل الشركات التابعة لها التي كانت تتدخل أو كان بإمكانها أن تتدخل في إبرام وتنفيذ وفسخ عقود التوزيع محل النزاع.
ثم أضافت المحكمة أنه بالرغم من الاستقلال" القانوني للشركة الأم والشركات التابعة لها، وأن كلا منها يتمتع بشخصية قانونية مستقلة، إلا أنه يجمعها جميعاً وحدة اقتصادية، فهي تشكل حقيقة واحدة من الناحية الاقتصادية". وعلى ذلك فإن شرط التحكيم الذى قبلته بعض الشركات دون البعض يلزم الطائفة الأخيرة بالنظر إلى الدور الذى قامت به في إبرام وتنفيذ وفسخ العقود المتضمنة شرط التحكيم، حيث إنها تبدو وكأنها أطراف أصلية في العقود ومعنية بالدرجة الأولى بها، وبالنزاع الناشئ عنها".
كما استندت محكمة التحكيم إلى العديد من الأحكام التحكيمية السابقة التي صدرت حول هذا الموضوع، والتى تقرر اتساع نطاق شرط التحكيم ليشمل شركات أخرى غير موقعة على العقد الذي يحتويه، خاصة حكم التحكيم في الدعوى رقم ١٤٣٤ / ۱۹۷٥ السابق الإشارة إليه على أساس أن "هذا الاتجاه الذي قررته هذه الأحكام ينسجم مع الواقع الاقتصادى ويلبي حاجات التجارة الدولية".
ثم بعد ذلك رفضت محكمة استئناف باريس الطعن بالإبطال على هذا الحكم والمقدم من الشركة الفرنسية "Isover" تأسيساً على صحة الحكم المتقدم فيما ذهب إليه من اتجاه الإرادة المشتركة للأطراف للارتباط بشرط التحكيم، وعلى وحدة الرابطة التي تربط مجموعة الشركات. وفى ذلك تقول المحكمة: "إن المحكمين قد توصلوا بواسطة تفسيرات قاطعة للاتفاقات إلى قضاء منتج في أسبابه ولا يدع مجالاً للخلاف بأن الشركة الأم، والشركة التابعة (C) كانوا أطرافـاً فــــي هذه الاتفاقات بالرغم من عدم توقيعهم المادى عليها، كما استشهدوا بفكرة مجموعة الشركات وهى فكرة لا خلاف عليها من الأفكار المنبثقة عن عادات التجارة الدولية".
وهكذا قررت كل من محكمة التحكيم ومحكمة استئناف باريس توسيع اتفاق التحكيم ليشمل شركات لم توقع عليه، وذلك استناداً على فكرتى الإرادة المشتركة للأطراف، والوحدة الاقتصادية التى تربط مجموعة الشركات.
6- فكرة الإرادة الضمنية للطرف دعوى Korsnas)
أخذت محكمة استئناف باريس بصدد هذه الدعوى المنظورة في ٣٠ نوفمبر ۱۹۸۸ موقفا فى نفس الاتجاه الذي سار فيه القضاء في دعوى Dow Chemical، ووضعت للمرة الأولى، كما يبدو، قاعدة عامة تتعلق بتحديد الأشخاص المرتبطين بشرط التحكيم في عقود التجارة الدولية.
وتتلخص وقائع هذه الدعوى فى أن الشركة (K) قد عهدت عامی ١٩٥١، ١٩٦٠ إلى الشركة (B) بأن تكون متعهداً لمنتجاتها، وذلك بموجب عقدين يحويان شرط تحكيم ، عدا في فرنسا حيث تتعهد بهذا الأمر الشركة (D) وهي شركة تابعة للشركة (B).
ثم فى ۱۲ ، ۱۵ مارس ١٩٨٤ وبموجب اتفاقات تمت بين الشركة (K) والشركة (B) تم وضع نهاية لاتفاقاتهما السابقة عامى ١٩٥١، ١٩٦٠، بيد أنهما قد اتفقا أيضاً على عدم إنهاء العلاقات الموجودة بين الشركة (K) والشركة (DA). إلا أنه بعد ذلك وفى ۲۷ نوفمبر ۱۹۸۵ أعلنت الشركة (K) الشركة (DA) بوقف تعاملاتهما، مما جعل الشركة الأخيرة ترفع الأمر إلى المحكمة التجارية للمطالبة بالتعويض عن هذا الفسخ. وقد دفعت الشركة (K) أمام المحكمة التجارية بعدم اختصاص هذه الأخيرة على أساس وجود شرط تحكيم في العقدين المبرمين بين الشركة (K) والشركة (B) ، إلا أن المحكمة التجارية رفضت الدفع، وقبلت الاختصاص بنظر الدعوى.
بيد أن محكمة استئناف باريس قد ألغت هذا الحكم وقررت أن شرط التحكيم الوارد في العقد الدولى له من الصحة والفاعلية بحيث يتسع للتطبيق على أطراف يشتركون مباشرة فى تنفيذ العقد والمنازعات الناشئة عنه، متى كان مركزهم وأنشطتهم تدلل على أنهم على علم بوجود شرط التحكيم فضلاً عن محتواه ونطاقه، وذلك بالرغم من أنهم لم يوقعوا على العقد الذي يحتويه".
وهكذا فإن محكمة استئناف باريس قد وضعت شرطاً لاتساع نطاق شرط التحكيم ليشمل أشخاصاً لم يوقعوا عليه، وهو أن يكون هؤلاء الأشخاص على علم بشرط التحكيم الموجود ضمن شروط أخرى في العقد الذى يقومون بتنفيذه، وقد استشفت المحكمة هذا العلم فى حق الشركة (DA) من خلال حقها في الاشتراك في الاتفاقات المبرمة بين شركتها الأم (B) والشركة (K) التي لا يمكنها ممارسة نشاطها إلا بتنفيذ هذه الاتفاقات هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى من خلال كون الشركة (DA) تابعة للشركة (B) ومن ثم فإنها تعمل وتتصرف باسمها.
ولاشك أن معيار العلم بشرط التحكيم كشرط لاتساع نطاقه ليشمل أشخاصاً لم يوقعوا على العقد الذي يحتويه هو فكرة واقعية جديدة لا شأن لها بالمعايير القانونية أو الاقتصادية السابق الاستناد إليها من كل من القضاء التحكيمي والقضاء العادى، حيث إن الحكم لم يسبب نتيجته باللجوء إلى إرادة الأطراف في الحلول أو الاشتراط لمصلحة الغير أو فكرة الظاهر أو غيرها، كما لم يلجأ إلى فكرة الوحدة الاقتصادية التى تربط مجموعة الشركات، ولا إلى عادات وأعراف التجارة الدولية La lex Mercatoria".
7- فكرة "Alter ego" الأمريكية"
ظهرت هذه فى القضاء الأمريكي، وتعنى أن تكون هناك شركة أو شخص معنوى يديره شخص أو يسيطر عليه كما لو كان من ممتلكاته الشخصية، فيتجاهل القضاء الأمريكى هذا الكيان المعنوى، ويمسك الشخص الذي يديره على أنه هو صاحب الشأن المسئول عن الالتزامات والتعويضات الخاصة بالشخص المعنوى. وإذا كان الشخص المعنوى قد وقع اتفاق تحكيم التزم هذا الشخص بالمثول أمام التحكيم باعتباره "Alter ego" . وهذه الفكرة تشبه فى القانون الفرنسي نظرية سيد المشروع "Maitre d'entreprise.