وقد عرفه المشرع المصري خطاب الضمان من خلال نص م٣٥٥تجاري مصري حيث نص على أن خطاب الضمان تعهد مكتوب يصدر من البنك بناء على طلب شخص يسمى الأمر بدفع مبلغ معين أو قابل للتعين لشخص آخر يسمى المستفيد إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب ودون اعتداد بأي معارضة ..
ومن خلال هذا التعريف نجد أن أطراف خطاب الضمان ثلاثة أطراف هي :
1)البنك الذي أصدر خطاب الضمان.
2) العميل الذي تقدم للبنك طالباً إصدار خطاب الضمان.
3) المستفيد وهو الذي يصدر خطاب الضمان لصالحه ويكون البنك ملتزما قبله في حدود خطاب الضمان وخلال فترة سريانه.
وقد عرفه القضاء الإماراتي بقوله خطاب الضمان هو تعهد يصدره البنك بناء على طلب عميلة ويلتزم بمقتضاه أن يؤدي إلى المستفيد عند أو طلب منه مبلغاً معيناً من النقود في أجل معين دون اعتبار لاعتراضات العميل. فالتزام البنك إذا هو التزام مستقل تجاه المستفيد أساسه خطاب الضمان ذاته، وهو يلتزم بصفته أصيلاً وليس وكيلاً أو كفيلاً عن العميل، كما أن التزامه بات لعدم ارتباطه بعلاقة البنك بالعميل أو بعلاقة العميل بالمستفيد . ولهذا فلا يجوز للبنك مصدر خطاب الضمان أن يمتنع عن أداء القيمة إلى المستفيد عند طلبها في الميعاد المحدد أو أن يدفع مطالبة الأخير بدفوع مستمده من علاقة المستفيد بالعميل أو علاقة العميل بالبنك على أنه إذا يتضمن خطاب الضمان شروطاً فإنه تجب مراعاة هذه الشروط
وخطابات الضمان قد تكون خطابات محلية وهي التي تصدر من البنوك المحلية وقد تكون خطابات ضمان أجنبية .
العميل الآمر ويقصد به عميل البنك الذي يطلب من البنك إصدار خطاب الضمان لصالح المستفيد، وبصيغة معينه ، تنفيذاً لتعهده بذلك في عقد الأساس.
المستفيد وهو الذي يصدر خطاب الضمان لصالحه من البنك، وهو الطرف في عقد الأساس المبرم مع الأمر ويظل هو غريباً عن الضمان حتى يقبل الضمان صراحة أو ضمناً .
العلاقات الناشئة عن خطاب الضمان
تتنوع العلاقات القانونية الناشئة عن خطاب الضمان بتنوع أطرافها، فعملية إصدار خطاب ضمان تنشأ ثلاث علاقات قانونية في حدها الأدنى وهي: علاقة العميل الآمر بالمستفيد ، وعلاقة العميل الآمر بالبنك ، وعلاقة البنك بالمستفيد. وقد يكون تنشأ علاقة أخرى تتمثل في صورة وجود بنك ضامن ضمان مقابل فتنشأ العلاقة القانونية بين البنك الضمان والبنك الضامن ضمان مقابل، وتتحول بالتالي علاقة المستفيد إلى البنك الضامن ضمان مقابل.
العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد
يحكم العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد العقد المبرم بينهما، وهو المنظم لآلية التعامل فيما بينهما، حيث أنه قد يطلب المستفيد من العميل الآمر (رب عمل أو مشتري من مقال أو مورد إصدار خطاب الضمان من أحد البنوك،كنوع من إثبات الجدية والملائمة والدقة في التنفيذ.
وعقد الأساس يختلف باختلاف نوع العلاقة، فقد يكون عقد توريد أو عقد مقاولة أو عقد أشغال عامة، يشترط فيه المستفيد على العميل تقديم خطاب ضمان لضمان حسن التنفيذ.
وقد جاء في حكم للمحكمة الإدارية العليا ما يعزز هذا الاتجاه فقد ذهبت إلى أن "خطاب الضمان ليس مثل الشيك أداة وفاء وإنما هو أداة ضمان، فطبيعة خطاب الضمان تختلف عن طبيعة الشيك إذ أن خطاب الضمان شخصي ولا يجوز للمستفيد تظهيره أو التنازل عنه لأي شخص بأي طريق وبالتالي فليست له أية قيمة ذاتية إلا لشخص المستفيد.
وقد نص المشرع المصري على ذلك من خلال نص م ٣٥٨ من قانون التجارة بقوله " لا يجوز للبنك أن يمتنع عن الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة البنك بالأمر أو إلى علاقة الأمر بالمستفيد".
ومبدأ استقلال خطاب الضمان عن عقد الأساس أمر لا خلاف عليه، حيث ذهبت محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها إلى القول بذلك وقد جاء في أحد أحكامها أن خطاب الضمان وإن صدر تنفيذاً للعقد المبرم بين البنك والمدين المتعامل معه إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان هي علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل . إذ يلتزم البنك بمقتضى خطاب الضمان وبمجرد إصداره ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا لصالحه الأخير باعتباره حقاً له يحكمه خطاب الضمان ما دام في حدود التزام البنك المبين به. ويكون على المدين عميل البنك أن يبدأ هو بالشكوى إلى القضاء إذا قدر أنه غير مدين للمستفيد أو أن مديونيته لا تبرر ما حصل عليه المستفيد من البنك".
وقد جاء في حكم آخر لذات المحكمة قولها بأن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه منفصلة عن علاقته بالعميل وأن التزام البنك بالوفاء التزام أصيل مستقل بالوكالة عن العميل.
اتفاق التحكيم الوارد في عقد الأساس
يحدث من الناحية العملية أن يتضمن عقد الأساس المبرم بين العميل الآمر والمستفيد على شرط تحكيم، والسؤال الذي يثور في هذا الجانب هو هل يستطيع العميل الآمر التمسك بشرط التحكيم في مواجهة البنك للحيلولة بينه وبين الوفاء بقيمة الضمان إلى المستفيد ؟ وهل يمكن للبنك بدوره أن يحتج بشرط التحكيم في مواجهة المستفيد ويجعله ذريعة لعدم الوفاء بقيمة خطاب الضمان؟
الأساس القانوني لعدم الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس
ظهر اتجاهان لتحديد الأساس القانوني لعدم الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس هما:
الاتجاه الأول استقلالية الضمانات البنكية عن عقد الأساس كسبب لعدم الاحتجاج بشرط التحكيم:
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن خطابات الضمان تتميز بأن التزام البنك المصدر لخطاب الضمان التزام مجرد ومستقل عن أي علاقة سابقة، سواء أكانت هذه العلاقة هي علاقة العميل الآمر بالمستفيد، أو العلاقة فيما بين العميل الآمر والبنك مصدر خطاب الضمان، وقد أشرنا إلى أنه يترتب على التزام البنك بناء على إرادته المنفردة قبل المستفيد، أنه لا يعتبر وكيلاً عن العميل في الوفاء للمستفيد بقيمة خطاب الضمان، بل إن التزام البنك في هذا لحسابه التزام أصيل.
وهذا الحكم صدر عن محكمة النقض الفرنسية في المنازعة التالية: بتاریخ ۱۲ اکتوبر ۱۹۷۰ أبرمت شركة Creusot-loire والمكلفة بتشييد مصنع للصلب في العراق، عقداً من الباطن مع شركة أخرى تدعى شركة Sieyfried والتي أوكلت إليها القيام ببعض الإعمال المتصلة بعقد التشييد المشار إلية. وفي ١٢ أغسطس ١٩٧٦ تم تعديل هذا العقد الأخير (العقد من الباطن) بملحق أطلق علية البرتوكول رقم ٧ ، وفي ذات التاريخ سلم بنك باريس وهولنداparibas إلى شركة Creusot-loire خطاب ضمان يتعهد بموجبه بأن يدفع بمجرد الطلب كل المبالغ التي سوف تقوم هذه الشركة بالمطالبة بها وفقاً لشروط ونصوص العقد المعدل بمقتضى البروتوكول المشار إليه، وذلك في حدود مبلغ ( ١١,٧٥٠,٠٠٠ فرنك). وفي ذات اليوم قامت شركة -Creusot loire،مستندة في ذلك إلى البرتوكول رقم ٧ وإلى التعهد الصادر عن بنك Paribas ، وإلى الإخلال من قبل شركة Siegfried بالالتزامات الواقعة على عاتقها ، بمطالبة البنك المذكور بتسيل خطاب الضمان والحصول على قيمته.
ولما كان بنك باريس وهولندا قد تحصل على ضمان من آخرين لضمان تعهده الصادر لصالح شركة Creusot-loire ، فإنه قام بمقاضاتهم وأيضاً مقاضاة شركة Siegfried في الدعوى المقامة ضد شركة Creusot-loire.
ولقد أثارت Siegfried عند طعنها بالنقض، على الحكم الصادر ضدها لصالح شركة Creusot-loire بالزام بنك فرنسا وهولندا بدفع قيمة الضمان إلى هذه الشركة، وبإلزام الآخرين الضامنين للبنك وكذلك شركة Siegfried ، بدفع المبالغ المحكوم بها إلى البنك لصالح شركة Creusot-loire ، بأن الحكم قضى بأن شرط التحكيم المدرج في عقد المقاولة من الباطن عقد لا صلة له بالالتزامات الواقعة على بنك باريس هولندا في مواجهة الشركة المستفيدة -Creusot loire، في حين أن العلاقة الوثيقة بين كل من عقد الأساس وخطاب الضمان تكشف عن إرادة البنك الموقع على هذا الخطاب في الخضوع لشرط التحكيم.
فما ينطبق على الضمان يطبق على الضمان المقابل، والذي تكون بالنسبة له عدم نفاذ الدفوع أكثر وضوحاً، حيث أن علاقات البنوك فيما بينها تكون غريبة كلية عن العلاقة بين معطي الأمر والمستفيد.
ومع ذلك فإنه يبدو أن المحكمة عندما ذهبت إلى عدم امتداد شرط التحكيم إلى الضمان المقابل فهي قد بنت حكمها على استقلال شرط التحكيم وليس على استقلال الضمان المقابل عن الضمان الأصلي وعن عقد الأساس.حيث أنها ذهبت إلى أن نطاق شرط التحكيم لا يمتد إلى النزاع المتعلق بتنفيذ اتفاقات الضمان المقابل.
إذا وبعد أن رأينا إن الأساس القانوني القائم على استقلال خطاب الضامن والنقد الموجه له بقي لنا أن نتناول الاتجاه الآخر والقائم على أساس طبيعة شرط التحكيم كسبب لعدم الاحتجاج به.
الاتجاه الثاني طبيعة شرط التحكيم ذاته كسبب لعدم الاحتجاج:
وتتعلق الوقائع التي صدر فيها هذا الحكم بالتالي :في ٢٩ ديسمبر ١٩٨٢ أبرمت شركة C.S.E.E عقدين مع ولايتي الجزائر وبوير بشأن إقامة مجموعات ووحدات سكنية. ولقد نص في كل عقد من هذه العقود على أن تتعهد شركة C.S.E.E بتقديم خطابات ضمان لصالح الأطراف الجزائرية المتعاقد معها. وبناء على التعليمات الصادرة من هذه الشركة إلى بنك B.N.Pقام هذا الأخير بمطالبة البنك الشعبي الجزائري بإصدار خطاب الضمان لصالح الأطراف الجزائرية (ولايتي الجزائر وبوير) وتعهد البنك الفرنسي بالضمان المقابل غير المشروط وغير القابل للرجوع فيه للبنك الشعبي الجزائري، وبأن يدفع له بمجرد الطلب قيمة خطابات الضمان التي سوف يقوم بدفعها إلى الأطراف الجزائرية وتعهد أيضاً بأن لا يتمسك بأي دفع يستمد من العقد المبرم بين الأطراف الجزائرية وشركة C.S.E.E.
وبناء على ما تقدم تعهد البنك الشعبي الجزائري، بتقديم الضمانات المقابلة من الدرجة الأولى إلى الأطراف الجزائرية وعلى أثر قيام المنازعات بين الأطراف في عقد الأساس، قام البنك الشعبي الجزائري بمطالبة البنك الفرنسي بقيمة خطابات الضمان بناء على طلب الشركة الجزائرية المستفيدة من الضمان.وقد توجهت الشركة الفرنسية إلى قاضي الأمور الوقتية وطلبت منه إصدار أمر على عريضة بمنع البنك الفرنسي من الدفع للبنك الجزائري.
ولقد تمسكت الشركة الفرنسية من أجل تأييد طلبها بمنع البنك الفرنسي من الدفع للبنك الجزائري مستندة في ذلك إلى أن المطالبة بقيمة الخطاب من قبل الأطراف الجزائرية المستفيدة ليس له ما يبرره إذ أن الالتزام بالوفاء بتلك القيمة قد انقضى وهو ما يجعل مطالبة الأطراف المستفيدة تنطوي على غش وتعسف من جانبها، ولقد تمسكت أيضاً الشركة الفرنسية بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس والذي يعطي الاختصاص لهيئة تحكيم يتم تشكيلها وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس.
إذا فمن خلال ما سبق نجد أن شرط التحكيم الوارد في عقد الأساس لا يمكن أن يمتد إلى البنك الضامن وذلك بسبب طبيعة شرط التحكيم، وبالتالي فإن البنك الضامن والبنك الضامن ضمان مقابل يعدان من الغير بالنسبة لعلاقة التحكيم ولا يجوز الاحتجاج في مواجهتهما بشرط التحكيم من جانب العميل الأمر، كما أنه لا يجوز لهما التمسك بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس.
لاشك أن لمبدأ النسبية التي يمتاز بها اتفاق التحكيم دوراً بارزاً في عدم امتداد هذا الاتفاق لغير أطراف علاقة عقد الأساس، فكما اشرنا فيما مضى بأنه طبقاً لهذا المبدأ فإن هذا الاتفاق يظل محصوراً بين طرفي العلاقة. إلا أن الواقع العملي يطرح لنا تساؤلاً عن دور هذا الاتفاق على تنفيذ البنك لالتزاماته،حيث انه قد يسعى العميل الآمر من خلال هذا الاتفاق إلى تجميد قيمة خطاب الضمان أو إيقاف الفصل في الخصومة بين البنك والمستفيد بشأن الضمان إلى حين الفصل في النزاع القائم بينه وبين المستفيد ، فهل لاتفاق التحكيم أثر على ذلك.
إلا أن التساؤل الذي يفرض ذاته في هذا المجال من هي الجهة المختصة بمثل هذا الطب، هل هي هيئة التحكيم أم هو القاضي الوطني ؟ وهل سيجاب على مثل هذا الطلب ؟
نصت التشريعات الوطنية بشكل عام، وكذا المعاهدات الدولية ولوائح التحكيم على منح القضاء الوطني صلاحية اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية، على الرغم من وجود اتفاق التحكيم بين الأطراف، حيث نص المشرع المصري على ذلك من خلال نص م ١٤ تحكيم على أنه يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون أن تأمر بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواءً قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها. وتنص المادة ۹ على ما يلي ۱- يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى في مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر ۲۰- وتظل المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم." إذا ومن خلال هذا النص فهل محكمة المادة ٩ هي المحكمة المختصة باتخاذ إجراء تجميد خطاب الضمان؟
ذهبت محكمة النقض المصرية إلى عدم اختصاص محكمة المادة 9 في ذلك حيث قضت بما يلي المقرر - في قضاء هذه المحكمة - ان الأوامر على العرائض - وعلى ما يبين من نصوص الباب العاشر من الكتاب الأول لقانون المرافعات - هی الأوامر التي يصدرها قضاة الأمور الوقتية بما لهم من سلطة ولائية وذلك على الطلبات المقدمة إليهم من ذوى الشأن على العرائض، وهي على خلاف القاعدة في الأحكام القضائية تصدر في غيبة الخصوم ودون تسبيب بإجراء وقتي أو تحفظي في الحالات التي تقتضى السرعة أو المباغتة لما كان ذلك وكان الأصل أن القاضي لا يباشر عملا ولائيا إلا فى الأحوال التي وردت في التشريع على سبيل الحصر، وتمشيا مع هذا الأصل وحرصا من المشرع على عدم الخروج بهذه السلطة الوقتية إلى غير ما يستهدف منها قضى في المادة ١٩٤ من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم ۲۳ لسنة ۱۹۹۲ بتقييد سلطة القاضي في إصدار الأمر على عريضة بحيث لا يكون له وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - أن يصدر هذا الأمر في غير الحالات التي يرد فيها نص خاص يجيز له إصداره، وإذا كان لا يوجد نص في القانون يجيز انتهاج طريق الأوامر على عرائض لوقف تسبيل خطابات الضمان فإن الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الأمر على عريضة الصادر بوقف تسييل خطابي الضمان محل النزاع لصالح الجهة المستفيدة " الطاعنة وبإيداع قيمتها أمانة لدى البنك المطعون ضده الثاني يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن ولا ينال من ذلك الاعتصام بما نصت عليه المادة ١٤ من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ من أنه " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة "9" من هذا القانون أن تأمر، بناء على طلب أحد طرفي التحكيم، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها "، إذ أن سلطة المحكمة في هذا الشأن مرهون أعمالها بوجود نص قانوني يجيز للخصم الحق في استصدار أمر على عريضة فيما قد يقتضيه النزاع موضوع التحكيم من اتخاذ أي من هذه التدابير وذلك إعمالا للأصل العام في طريق الأوامر على العرائض الوارد في المادة ١٩٤ من قانون المرافعات بحسابه استثناء لا يجرى إلا في نطاقه دون ما توسع في التفسير، وإذ لم يرد في القانون - وعلى ما سلف القول نص خاص يبيح وقف تسييل خطاب الضمان عن طريق الأمر على عريضة فإنه لا يجدي الحكم المطعون فيه الركون إلى المادة ١٤ من قانون التحكيم المشار إليه سندا لقضائه. ".
إذا ومن خلال هذا الحكم نجد أن محكمة ما غير مختصة باتخاذ هذا الإجراء المتعلق بتجميد خطاب الضمان، ومن ثم فإنه على ضوء ذلك لا يتبقى سوى قاضي الأمور المستعجلة، فهو القاضي المختص باتخاذ إجراء التجميد ، ويتوقف هذا الاختصاص بطبيعة الحال على توافر شروط الاستعجال المقررة قانونا.
مدى خضوع حق المستفيد من الضمان للتحكيم
العلاقة ما بين البنك والمستفيد تقوم في أساسها على خطاب الضمان الصادر من البنك ، ومن ثم فإن التساؤل الذي يضع ذاته هو ما مدى تأثر هذا الضمان بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس بين المستفيد والعميل الآمر،بمعني هل يحق للمستفيد في حالة حدوث نزاع بينه وبين البنك التمسك بشرط التحكيم الوارد في عقد الأساس أو العكس بأن يتمسك البنك بذاك الشرط ، وذلك بحجة أن الخطاب قام في أساسه على ضوء هذا العقد؟
إلا أن الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى ما قد تحدثنا عنه سابقا من نسبية اتفاق التحكيم وعدم خضوعه إلا لأطراف العلاقة التحكيمية، وبما أن البنك في خطاب الضمان يعد من الغير فبالتالي لا يمتد إليه هذا الشرط .
لكن تبقى هناك إشكالية أخرى تفرزها الحياة العملية وتتمثل هذه الإشكالية في حالة إذا ما حدث نزاع بين العميل الآمر والمستفيد حول الضمان، كتمسك العميل الآمر ببطلان الضمان أو سقوطه، فهل يمتد شرط التحكيم لضمان في هذه الحالة، أم أن استقلال عقد الأساس عن الضمان يقف حائلا دون ذلك؟
اشرنا في المبحث السابق أن مما يميز خطاب الضمان و يعطيه قوة لدى أطراف العلاقة وخصوصا المستفيد هو ما يتمتع به من استقلالية تامة عن عقد الأساس، فالمستفيد تمثل له هذه الميزة عامل قوة لكي يقوم بإعطاء التسهيلات الموعودة لشخص العميل الأمر، حيث أنه ومن خلال هذا الخطاب يعلم أن العميل الأمر ليس له على خطاب الضمان، فهو يتعامل مع طرف آخر وفق شروط وقواعد محدده مسبقا بينه وبين البنك، وبالتالي فإن أي محاولة من قبل العميل لعرقلة تسيل خطاب الضمان تصطدم دوما باستقلالية هذا الخطاب، لقوة الاستقلال التي يتمتع بها خطاب الضمان، وهذا الأمر هو ما استقر عليه الفقه والقضاء أنظر تفصيلا في ذلك
إلا أنه قد يتبادر إلى الذهن سؤال حول ما هي الإمكانيات لدي العميل الآمر في الحفاظ على حقوقه، وخصوصا في حالة إذا ما قام بكافة المسائل التي تقع على عاتقة في عقد الأساس، ثم قام بعد ذلك المستفيد بتسييل خطاب الضمان ؟وما هي الجهة المختصة بنظر النزاع بينهما حول تسيل خطاب الضمان؟
لاشك أن تسيل الخطاب من قبل المستفيد لا يعني أنه قد صار ملكاً له لا يحق للعميل الآمر منازعته فيه، لأن طبيعة الاستقلال التي يتمتع بها الخطاب ومصدر قوته في التعامل التجاري ، لا تعني بتاتا أنها تحجب حق العميل الآمر بالمطالبة بحقوقه قبل المستفيد، فنتاج هذا الاستقلال ينصب في العلاقة فيما بين المستفيد والبنك، بعيداً عن العميل كطرف رئيس في عقد الأساس،وبالتالي فمتى ما قام العميل الآمر بتنفيذ كافة التزاماته، وقام أو بدأ المستفيد بإجراء تسيل خطاب الضمان، فإن العميل الأمر يكون له حق في اللجوء إلى القضاء، حيث يكون للعميل الحق في استعادة حقه المسلوب من قبل المستفيد إذا ثبت عدم أحقيته بها.
إذا فالنزاع هنا يقوم بين العميل الآمر والمستفيد بعيداً عن البنك، ويثور النزاع بينهما حول مدى أحقية هذا الأخير في قيمة الضمان الذي قبضه؟ ومن ثم فالسؤال الذي يبرز أمامنا في هذا الفرض من هي الجهة المختصة بنظر مثل هذا النزاع ؟ لاسيما وأن عقد الأساس منطوي على شرط تحكيم وأن أطراف النزاع هم أطراف عقد الأساس ؟
فهل ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم ؟ أم أن النزاع الدائر حول الضمان لا علاقة له بعقد الأساس وبالتالي فالقضاء هو المختص في ذلك ؟
الإجابة على هذه الاستفسارات تحتم علينا النظر فيما ذهب إليه الفقه حيث أننا نؤيد ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور رضا السيد عبد الحميد في هذا الشأن .
إذا ذهب إلى القول :
أن المنازعات الناشئة بين العميل الآمر والمستفيد حول الضمان المستقل تخضع للتحكيم المنعقد لنظر المنازعات الناشئة بينهما بخصوص عقد الأساس، وقد استند في اتجاه هذا لعدة أسانيد وهي :
1- أن استقلال الضمان عن عقد الأساس إنما هو استقلال في التزام البنك بدفع قيمة الضمان وليس فيما يتعلق بحق المستفيد في تلك القيمة. فالتزام البنك هو المستقل عن علاقة الأساس، أما فيما يتعلق بحق المستفيد فليس مستقلا عنها.
2- یری بأن دور المحكمين سينحصر في تقدير إذا ما كان طلب المستفيد القيمة الضمان المستقل - في العلاقة بينه وبين العميل الأمر - لها سند في الواقع والقانون أم لا.
3- وذهب الدكتور رضا في تعزيز هذا الاتجاه الذي تبناه إلى القول بأن حجة المستفيد بأن اتفاق التحكيم بينه وبين العميل الأمر لم تتضمن المنازعات الناشئة عن الضمان المستقل وهي محصورة في إطار منازعات عقد الأساس،وبالتالي فإنه وفق صريح القانون لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في مسألة لم يعرضها عليها الخصوم، وإلا كان الحكم عرضه للبطلان وبالتالي تثور أمامنا إشكالية مدى اختصاص هيئة عرضه التحكيم بالنظر في المسائل الفرعية للنزاع. حيث أننا نجد أن القضاء المصري قد ذهب إلى أن ولاية المحكم لا تمتد للمسائل الفرعية، لعدم انطباق قاعدة قاضي الأصل هو قاضي الفرع .
وذهب في توضيح هذا السند إلى وضع التساؤل التالي هل يمثل حق المستفيد في قيمة الضمان المستقل من عدمه مسألة أوليه أو فرع بالنسبة لعقد الأساس ومن ثم لا تخضع المنازعات المتعلقة بتلك القيمة للتحكيم الذي ينظر منازعات الأصل وهي المتعلقة بعقد الأساس؟
وقد ذهب الدكتور في الإجابة على هذا التساؤل بالقول بأنه يصعب في الواقع القول بأن قيمة الضمان المستقل تعد فرعا لعقد الأساس، إذ أنها تعد جزء لا يتجزأ منه ومن الصعب الفصل بينهما، فالضمان من حيث الأصل يعتبر تنفيذاً لأحد بنود العقد، وبالتالي فإن ثبوت أحقية المستفيد في قيمة الضمان من عدمه تتوقف على وجود أو عدم وجود دين في ذمة العميل الآمر، وهذه المسألة لا يمكن تبنيها إلا إذا نظر إلى جميع عناصر عقد الأساس مجتمعه ، لأن ذلك سيمكن الهيئة التحكيمية من وضع تسوية نهائية لاستحقاقات هذا العقد. فقيمة الضمان- في العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد - تعتبر إحدى الوقائع المؤثرة في عقد الأساس وأحد مستلزماته الضرورية.
وقد ذهب القضاء إلى القول بأنه يشترط لعدم امتداد التحكيم إلى عقد آخر عدم وجود رباط لا ينفصم بحيث لا يستكمل دون الجمع بينهما اتفاق أو يقضي مع الفصل بينهما خلاف فمن خلال هذا الحكم نجده ينطبق على علاقة الضمان المستقل بعقد الأساس الذي نشأ هذا الضمان بمناسبته خصوصاً في العلاقة بين المستفيد والعميل الآمر بخصوص الضمان المذكور فقيمة الضمان تمثل أحد عناصر التسوية النهائية لآثار واستحقاقات عقد الأساس، ولا يمكن الوصول لحل للمنازعات القائمة بين المستفيد والعميل الآمر بخصوص عقد الأساس دون الجمع بين تلك المنازعات ومنازعات الضمان.
4- كما عزز وجهة نظره باعتبار عملي يجب أن يوضع في الحسبان، وهذا الاعتبار يتمثل في أن طرح المنازعات التي يربط بينها روابط وثيقة أمام جهة واحده من شأنه تجنب إصدار أحكام متعارضة. فتقطيع أوصال تلك المنازعات وعرض بعض منها على التحكيم والبعض الآخر على القضاء قد يؤدي إلى التناقض في الأحكام التي تصدر من التحكيم والقضاء.
وهذا التعارض سيجعلنا نبحث عن من يحق له الفصل في مثل هذا التعارض ، في ظل عدم وجود جهة مختصة بذلك .
ونحن نتفق مع وجهة النظر التي ذهب إليها الدكتور رضا السيد فالضمان أنما هو انبثاق لاتفاق سابق في عقد الأساس بين العميل الآمر والمستفيد،ومن ثم فإن تسيل مثل هذا الخطاب من قبل المستفيد أنما يعود أما لإخلال من قبل العميل ألآمر لالتزاماته أو أن المستفيد سيل ما لم يكن له بحق، وبالتالي فإن النزاع هنا حول الضمان الذي تم تسيله من قبل المستفيد ، يرتبط من حيث الإطار العام بعقد الأساس ومن ثم فإن العميل الآمر في استناده للمطالبة بحقه فإنه يستند في ذلك إلى عقد الأساس المبرم بينهما والمحدد دور كل منهما فيه، كما أنه يجب الإشارة أيضا أن أطراف العلاقة هم ذاتهم أطراف علاقة عقد الأساس ومن ثم فنحن نتفق مع هذا الاتجاه وذلك بامتداد التحكيم ليشمل المنازعات الدائرة بين العميل الأمر والمستفيد حول خطاب الضمان.
اتفاق التحكيم الوارد في خطاب الضمان
أما فيما يتعلق هل لشرط التحكيم الوارد في خطاب الضمان أثر على العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد، فإنه كما اشرنا سابقاً فيما يتعلق بأثر شرط التحكيم الوارد في عقد الأساس على خطاب الضمان، فإن ذات الحال ينطبق على هذه الصورة فالعميل الأمر يعتبر الغير بالنسبة لشرط التحكيم الوارد في خطاب الضمان المبرم بين المستفيد والبنك، وفقاً لمبدأ النسبية فإن شرط التحكيم لا يمتد إلى الغير ولا يحق له التمسك به .
وفيما يتعلق بأثر هذا الاتفاق على العلاقة بين المستفيد والبنك، حيث أن هذا الفرض يقوم على وجود اتفاق تحكيم في خطاب الضمان، وبالتالي فهل يحق للبنك الامتناع عن الوفاء بالضمان وتسيلة حتى صدور حكم من هيئة التحكيم بذلك .في واقع الأمر أنه يجب أن ننظر إلى الهدف من وجود شرط التحكيم . فكما هو معلوم أن الهدف منه هو تسوية النزاع الدائر بين الطرفين نتيجة لبعض الإشكاليات التي ظهرت ومن ثم فإنه بناء على ذلك فإن طبيعة الاتفاق هنا ليست شرط وفاء وبالتالي فإنه لا يحق للبنك الامتناع عن الوفاء بالضمان . هذا هو الاتجاه الفقهي حيث يرى الفقه بأن امتناع البنك عن الدفع لوجود شرط التحكيم يفتقر لأي أساس في الواقع أو القانون وقد أورد سببين هما:
السبب الأول: إن طلب البنك من المستفيد اللجوء إلى التحكيم أولاً والحصول على حكم لصالحه حتى يوفي بقيمة الخطاب من شأنه أن يجعل حكم التحكيم متنداً وشرطاً للوفاء بالخطاب، أي أن البنك يحول الخطاب بإرادته المنفردة من خطاب غير مشروط إلى خطاب مشروط وهذا يعد مخالفة للقاعدة القانونية العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاقهما.
السبب الثاني:إلا أن التساؤل الذي قد يضع ذاته أمامنا وهو متى يحق للبنك إذا اللجوء إلى
شرط التحكيم ؟ بطبيعة الحال فإن البنك يحق له اللجوء إلى هذا الشرط في حالة إذا ما امتنع عن الدفع وذلك لسبب يعود إلى أي سبب من الأسباب كالغش أو التعسف الظاهر من قبل المستفيد . لأن التحكيم هو الطريقة التي اتفق عليها الطرفان لفض منازعاتهما.
أما بخصوص شرط التحكيم الوارد في الضمان المقابل والذي يشمل النزاعات الناشئة بين الضامن الأصلي والضامن المقابل فإنه لا يمتد لغير طرفيه، ولا أثر لاتفاق التحكيم الوارد في عقد الأساس علي هذا الضمان كما اشرنا إلى ذلك سابقاً .