تعد الكفالة المصرفية إحدى أنشطة البنوك التي اقتضتها الحياة التجارية التيسير أمورها، فكثيرا ما تتطلب الحياة التجارية وخصوصا في مجال التجارة الدولية وجود كفيل له امتداد سواء أكان بشكل مباشر أو غير مباشر، بحيث يسهل العملية التجارية لأطراف العلاقة. فالتاجر المستورد وكذا المصنع المصدر يكونان حريصين في أولى عملياتهما التجارية على البحث عن ضمانات معينة لكل منهما، ومن ضمن هذه الضمانات الكفالة المصرفية التي يوفرها التاجر للمصنع عن طريق أحد البنوك المتعامل بها ، وهذه العلاقة قد تكون ثلاثية الأطراف عندما تنحصر بين بنك وتاجر ومصنع وقد تكون رباعية عندما يقوم البنك بكفالة التاجر عن طريق بنك آخر في موطن المصنع.
وقد عرف المشرع المصري الكفالة من خلال نص م۷۷۲ مدني مصري عندما ذهب إلى القول بأن " الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه".
خصائص الكفالة المصرفية
تمتاز الكفالة المصرفية بخصائص تميزها عن غيرها، وهذه الخصائص هي:
أ الكفالة عقد رضائي:
فالكفالة المصرفية كالكفالة بوجه عام عقد رضائي ينعقد بالتراضي بين العميل والبنك دون الحاجة إلى إفراغه في شكل معين ويمكن أن تتم الكفالة بأي طريقة سواء عن طريق اتصال تلفوني أو تلكس من البنك لصالح الدائن.
أما فيما يتعلق بالكتابة فقد نص المشرع المصري في م۷۷۳مدني على انه "لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة فنجد أن المشرع جعل من الكتابة شرط إثبات لا شرط انعقاد
وبما أن الكفالة المصرفية تعد عملا تجاريا وفقاً لنص م٤٨ تجارة مصري التي نصت على أن لا تعتبر كفالة الدين التجاري عملاً تجارياً إلا إذا نص القانون على ذلك أو كان الكفيل بنكاً أو كان تاجراً وله مصلحة في الدين المكفول . " فإن الإثبات في مجال التجارة جائز بكل طرق الإثبات.
ب . عقد الكفالة المصرفية عقد تبعي:
ومن ثم فإنه لا يجوز أن تكون شروط الكفالة أشد من شروط الالتزام الأصلي، وذلك وفقا لما نص علية المشرع في م۷۸۰ مدني مصري حيث نصت على أنه لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين ولا بشرط أشد من شروط الدين المكفول" وقد هدف المشرع من هذا الشرط إلى حماية الكفيل والمدين من تشدد الدائن في الشروط والمبالغة فيها بحيث تتجاوز سقف الالتزام الأصلي للمدين.
إلا أنه ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن مركز الكفيل غير واضح تجاه العقد المكفول، فهل يعد طرفا فيه أم يعد من الغير؟ وبالتالي هل يمكنه التمسك بشرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي، وهل يمكن الاحتجاج بهذا الشرط في مواجهته؟
أثر شرط التحكيم على الكفالة
والتزام الكفيل يجد مصدره في عقد الكفالة لا في العقد الأصلي، حيث إن عقد الكفالة يقوم في أساسه على عقد منفصل عن العقد الأصلي، المبرم بين الدائن والمدين، فالتزام الكفيل يعود في أصل نشوئه إلى عقد الكفالة، حيث يقوم بدفع الدين الأصلي إذا لم يقم المدين بذلك.
ومن خلال نص م ٧٨٤ مدني مصري والتي نصت على أنها تبرأ ذمة الكفيل بقدر ما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات.۲- ويقصد بالضمانات في هذه المادة كل تأمين يخصص لضمان الدين ولو تقرر بعد الكفالة وكل تأمين مقرر بحكم القانون" فإن الدفع بإضاعة التأمينات يكون لكل كفيل سواء أكان متضامنا أو غير متضامن، ولكنه بالنسبة للمدين المتضامن فإنه يكون غير ممنوعا . ويرجع ذلك إلى صفة التبعية لالتزام الكفيل حتى ولو كان متضامنا، أما بالنسبة للمدين المتضامن فهو على العكس يلتزم التزاما أصليا لحسابه الخاص، وحتى لو كان التزامه لمصلحة الغير عندما يكون مدينا متضامنا دون مصلحة له في الدين، فإن شكل وصورة تعهده لا تسمح بمعرفة ذلك، ومن ثم فإنه يعامل في علاقته بالدائن معاملة المدين المتضامن العادي أي صاحب المصلحة في الدين فلا يكون له الدفع بإضاعة التأمينات.
ومما سبق يتضح لنا أن التضامن في الكفالة لا يحول الكفيل إلى مدين متضامن في مواجهة الدائن بل أنه يظل كفيلا، وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية حيث قضت بأنه".. لا يجوز أن يسوى في الحكم بين الكفيل المتضامن والمدين المتضامن لأن تضامن الكفيل مع المدين يصيره مدينا أصليا بل يبقى التزامه تبعيا وإن كان لا يجوز له التمسك بإلزام الدائن بمطالبة المدين بالوفاء أو بالتنفيذ على أمواله أولا، وينبني على كون التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين أن تنقضي حتما بانقضائه ولو كان التقادم قد انقطع بالنسبة إلى الكفيل، ولا فرق في هذا الحكم بين الكفيل المتضامن والكفيل غير المتضامن".
إذا ومن خلال ما سبق فإن شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي لا يمتد إلى الكفيل وفقا لتبعية عقد الكفالة، كون استقلالية الشرط تعطيه نوعاً من الحصانة الخاصة، وبالتالي فلا يمكن الاحتجاج به على الكفيل.
إلا إن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الجزئية يتعلق بحالة إذا ما توافر العلم لدى الكفيل بوجود شرط التحكيم في العقد الأصلي وخصوصا إذا ما كان عقد الكفالة لاحقا للعقد الأصلي فهل يمتد إليه شرط التحكيم؟ لاسيما وأن العقدين يهدفان إلى تحقيق غاية اقتصادية واحدة.
رأي الباحث
ونحن بدورنا نميل إلى ذات الاجتهاد الذي ذهب إليه أستاذنا الدكتور رضا السيد حيث أن التحكيم كما سبق وأن وضحنا يؤدي إلى نزع اختصاص وحق من الحقوق المكفولة دستوريا لهذا الغير، وهو حق الاختصام أمام القضاء الوطني،ومن ثم فأن التنازل عن هذا الحق لابد أن يكون صريحا، وقد سبق الإشارة إلى الشروط التي حددها المشرع الاتفاق التحكيم ومن ضمنها اتجاه إرادة الأطراف صراحة إلى اللجوء إلية سواء عن طريق النص المباشر أو الإحالة.وبالتالي فأنه في حالة انعدام الرغبة لدى الغير وعدم وجود ما يثبتها ، فأننا نرى بأنه يكون غير ملزم بشرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي
ثانيا الاشتراط لمصلحة الغير كأساس لتمسك الكفيل بشرط التحكيم:
أجاز المشرع للأشخاص التعاقد بأسمائهم بالتزامات يشترطونها لمصلحة الغير، حيث جاء في م١٥٤ مدني مصري أنه ( ۱ ) يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية عادية كانت أو أدبية.
( ۲ ) ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حقا مباشرا قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه، ما لم يتفق على خلاف ذلك. ولكون لهذا المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد ". ويعد هذا النص استثناء من ضمن الاستثناءات التي نص عليها المشرع في القانون المدني على مبدأ نسبية أثر العقد . وقد ذهب القضاء العماني إلى القول بأن الغير لا يستفيد من شرط التحكيم الوارد في العقد إلا متى ما كان هناك اشتراط لمصلحته، حيث جاء في أحد أحكامه وحيث أن الرضا بالتحكيم اياً كانت صورته له أثر نسبي وذلك لأن الاتفاق على التحكيم هو عقد شأنه شأن سائر العقود ولا يلزم إلا الأطراف الأساسية ومعلوم أن أطراف العقد هو من يصدر منه التعبير عن إرادة الالتزام فيساهم في تكوين العقد... والأصل كقاعدة عامة أن الغير لا ينصرف إليه آثار العقد حقاً كان أو التزاماً، واستثناءاً من ذلك قد يستفيد الغير من العقد كما في حالة الاشتراط لمصلحة الغير ..".
إلى أن اشتراط التحكيم لمصلحة الغير لا يرتب لهذا الغير إلا أثراً إيجابيا يتجلى من خلال إعطائه الحق في اللجوء إلى التحكيم إذا أراد، ولا يرتب عليه أثراً سلبيا حيث أنه لا يجبر على اللجوء إلى التحكيم. وعليه فإذا كانت ثمة هناك التزامات تقع على عاتق الغير من جراء هذا الاشتراط، فما هي إلا نتاج استعماله لحقه في هذا اللجوء.