وقد نظم المشرع المصرى أحكام الإشتراط لمصلحة الغيـر فـــي المواد ( ١٥٤ - ٥ ١٥٥ - ١٥٦ ) من القانون المدنى المصرى كما يلي : فنصت المادة ١٥٤ على أنه ( ١ يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير إذا كان له فى تنفيذ هذه الإلتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية ، ۲ - ويترتب على هذا الإشتراط أن يكسب الغير حقا مباشرا قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط ويستطيع أن يطالبه بوفائه ، مالم يتفق على خلاف ذلك ، ويكون لهذا المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد -٣- ويجوز كذلك للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترط لمصلحة المنتفع ، إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز له ذلك ) .
ونصت المادة ١٥٥ على أنه ( يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الإستفادة منها ما لم يكن مخالفا لما يقتضيه العقد -۲- ولايترتب علـــى نقض المشارطة أن تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط ، إلا إذا اتفق صراحة أو ضمنا على خلاف ذلك ، وللمشترط إحلال منتفع آخر محل المنتفع الأول كما له أن يستأثر لنفسه بالإنتفاع من المشارطة ) .
ونصت المادة ١٥٦ على أنه ( يجوز في الإشتراط لمصلحة الغير أن يكون المنتفع شخصا مستقبلا أو جهة مستقبلة ، كما يجوز أن يكون شخصا أو جهة لم يعينا وقت العقدمتى كان تعينها مستطاعا وقت أن ينتج العقد أثره طبقا للمشارطة ) .
أما بالنسبة لشروط الإشتراط لمصلحة الغير فهي :
يشترط حتى يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير أن يتعاقد المشترط باسمه وأن يُنشئ حقا مباشرا للمنتفع ( الغير) وأن توجد مصلحة شخصية للمشترط من خلال هذا الإشتراط.
أولا : الشروط المتعلقة بارادة المتعاقدين :
يتم عقد الاشتراط بين المشترط والمتعهد ، أما المنتفع فهو أجنبــــي عن العقد ، وبناء عليه يجب أن تتجه إرادة المتعاقدين (المشترط والمتعهد) إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع ، أما إذا لم تتجه الإرادة إلى ذلك فإننا لا نكون أمام اشتراط لمصلحة الغير ويستوى أن تكون إرادة المتعاقدين في إنشاء حق مباشر للمنتفع صريحة أو ضمنية .
ثانيا : الشروط المتعلقة بشخص المنتفع :
هو أن يكون المنتفع موجودا في الوقت الذي يرتب الاشتراط أثره ، أما إذا لم يكن موجودا فإن الاشراط يبطل ، أما العقد فهو يظل صحيحا .
ومصلحة المشترط فى الاشتراط لمصلحة الغير قد تكون مادية أو ادبية .
ومن أبرز تطبيقات الاشتراط لمصلحة الغير . هو عقد التأمين ، فالمشترط هو المؤمن له ، والمتعهد شركة التأمين ، والمنتفع أو المستفيد ( الغير) هو الذي يتم التأمين لمصلحته . أيضا عقد الهبة والبيع ، فقد يشترط الواهب أو البائع على الموهوب له أو المشترى ترتيب حق ما للغير (المستفيد) كـأن يشترط البائع أن يؤدى المشترى الثمن إلى شخص ثالث ( الغير المستفيد) .
آثار الإشتراط لمصلحة الغير
يترتب على الإشتراط لمصلحة الغير أن المنتفع أو المستفيد وهـو من الغير أن يكتسب حقا مباشرا قبل المتعهد ومصدره عقد الإشتراط الذي لم يكن طرفا فيه وهذا هو ما يعد خروجا على قاعدة نسبية أثر العقد .
وقد أكدت محكمة النقض المصرية هذا المعنى في العديد من أحكامها حيث قضت بأنه ( مفاد نص المادتين ١٥٤ – ١٥٥ من القانون المدني - وكما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدنى ومذكرة المشروع التمهيدى أن الإشتراط لمصلحة الغير أصبح قاعدة عامة ، بعد أن كان استثناء لا يعمل به إلا في حالات بخصوصها ، وهو ينطوي على خروج طبيعي على قاعدة اقتصار منافع العقود على المتعاقدين دون غيرهم فالمتعهد يلتزم قبل المشترط لمصلحة المنتفع الأخير حقا مباشرا ولو أنـه ليس طرفا في التعاقد ، وبهذه المثابة يكون التعاقد ذاته مصدرا لهذا الحق فيجوز له أن يطالب بتنفيذ الإشتراط ) .
أما بالنسبة لآثار الاشتراط لمصلحة الغير :
فإنه يترتب على الإشتراط لمصلحة الغير قيام ثلاثة أنواع من العلاقات القانونية 1- علاقة المشترط بالمتعهد 2- علاقة المشترط بالمنتفع 3- علاقة المنتفع بالمتعهد .
أولا : علاقة المشترط بالمتعهد : هذه العلاقة يحكمها عقد الاشتراط الذي تم بين المشترط والمتعهد : والاشتراط لا ينشئ التزاما على عاتق المتعهد فى مواجهة المشترط فالمتعهد لا يلتزم إلا فى مواجهة المنتفع ، ولكن لما كان للمشترط مصلحة شخصية فى تنفيذ المتعهد لإلتزامه قبل المنتفع ، فإن المشترط له الحق في أن يطالب المتعهد بتنفيذ التزامه ، نما أن له أن يطلب من القضاء الحكم على المتعهد بتعويض المنتفع وتعويضــه هـو شخصيا عن الضرر الذى يترتب على عدم التنفيذ ، ولكن قد يتبين من العقد أن المتعاقدين قد قصدا أن يكون حق مطالبة المتعهد بتنفيذ التزامه للمنتف وحده فى مثل هذه الحالة لا يكون للمشترط أن يطالب المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المتعهد .
ثانيا : علاقة المشترط بالمنتفع : هذه العلاقة لاتكون بعقد ، وإنما تقوم على أساس السبب من الاشتراط ، وذلك لأن المنتفع أجنبي عن العقد ، أى أن العلاقة بين المشترط والمنتفع تقوم في الأساس علــى الـدافـع مـــن الاشتراط ، وهو قد يكون بقصد التبرع من المشترط إلى المنتفع ، أو بقصد إنهاء أو إنشاء علاقة معاوضة بينهما .
فإذا كانت العلاقة بين المشترط والمنتفع هى الهبة ، فلابد أن يتوافر في المشترط أهلية التبرع ، ويلاحظ أنه يجوز لدائني المشترط الطعن فــــي التبرع بدعوى عدم نفاذ تصرفاته ، وذلك حتى لو كان المنتفع شخص حسن النية لا يعلم بأن ديون المشترط قد استغرقت أمواله ) . أما إذا لم يكن القصد من الاشتراط هو التبرع للمنتفع ، فإن العلاقة بين المشترط والمنتفع يحددها عقد المعاوضة الموجود بينهما .
أيضا أنه يجوز للمشترط نقض إشتراطه ولكن بشرط أن يكون ذلك قبل أن يعلن المنتفع رغبته فى الاستفادة من الاشتراط ، وحق نقض الاشتراط يكون خاص بالمشترط ولا يجوز لورثته مباشرة هذا الحق ، ولا لدائنى المشترط هذا الحق أيضا ، ولكنه لايجوز للمشترط استعمال حقه في نقض الاشتراط دون موافقة المتعهد ، ولا يشترط أن يتخذ نقض الاشتراط شكل معين فقد يكون صريحًا أو ضمنيًا
أما إذا قبل المنتفع الاشتراط ، فإنه بذلك ينقضى حق المشترط ، وقبول المنتفع لا يشترط فيه شكلا معينا فهو قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا ، أيضا أن حق المنتفع الناتج من عقد الاشتراط يكون مكتسب له ، من وقت إنعقاد عقد الاشتراط وليس من وقت قبوله ، مع ملاحظة أن سكوت المنتفع لا يجب أن يفهم منه عدم قبوله بل بالعكس يفترض فيـه القبول ، أيضا القبول يجب إعلانه للمشترط والمتعهد . أيضا ليس هناك مدة محددة يجب فيها على المنتفع إبداء رأيه بالقبول أو الرفض ، إلا إذا كان المشترط قد حدد هذه المدة في عقد الاشتراط ، لأنه في حالة تحديد المدة ، فإنه إذا انقضت المدة دون ان يعلن المنتفع قبوله ، في هذه الحالة فهو يعتبر رافضا للاشتراط .
ثالثًا : علاقة المنتفع بالمتعهد : إن المنتفع في علاقته بالمتعهد هي علاقة مديونية ، بمعنى أنه يصبح دائنا شخصيا للمتعهد ، وله مطالبته بتنفيذ التزامه ، والرجوع عليه بالتعويض فى حالة امتناعه ، وكذلك له الإستفادة من التأمينات المقدمة من المتعهد لضمان تنفيذ التزامه، إلا إذا كانت هذه التأمينات قاصرة على ضمان حق المشترط الشخصي قبل المتعهد (يقصد بالتأمينات هى تأمينات الدين كالرهن ) . كما لايجوز للمنتفع أن يطلب فسخ عقد الاشتراط في حالة عدم تنفيذ المتعهد لإلتزامه، لأنه لم يكن طرفا فــــي هذا العقد .
مدى امكانية امتداد آثار اتفاق التحكيم إلى المستفيد (الغير)
بعد عرض أحكام الإشتراط لمصلحة الغير والقواعد العامة الخاصة به ، فإذا ما كان هناك عقدًا من العقود تم إبرامه بين طرفين وتضمن اشتراطا لمصلحة الغير ، على سبيل المثال عقد تأمين أبرمه مدين على حياته مع شركة التأمين لصالح دائنه ، وكان هذا العقد يتضمن اتفاق علـــى التحكيم ، السؤال هنا هو هل يمتد اتفاق التحكيم المنصوص عليه في العقد إلى الدائن الذي تم الإشتراط لصالحه على الرغم أن هذا الإتفاق تــم بــين المؤمن له المدين وشركة التامين وحدهما دون أن يكون هو طرف في هذا الإتفاق أى أنه يكون من الغير بالنسبة لإتفاق التحكيم .
أو بمعنى آخر إذا كان عقد الإشتراط لمصلحة الغير يتضمن اتفاقــــا على التحكيم فهل آثار اتفاق التحكيم تمتد إلى المنتفع الذي يعتبر من الغيـر بالنسبة للعقد ، أم أن آثار هذا الإتفاق تقتصر على طرفي العقـد وهمـا المشترط والمتعهد ؟
إن الإجابة على هذا السؤال وفقا للقاعدة العامة لنسبية آثار العقد تجاه الغير : فإن آثار اتفاق التحكيم تلزم أطراف عقد الإشتراط وهما المشترط والمتعهد ، إلا أنه مع التطور في الحياة الإجتماعية والإقتصادية بدأ الإعتراف بأن المتعاقدين يستطيعوا بإرادتهم أن يشرطوا حقا للغير وهذا هو ما جاء به المشرع فى نص المادة (١٥٢) من القانون المدنى .
وتطبيقا لذلك قضت هيئة التحكيم على أنه ( ينصرف أثر اتفاق التحكيم بين المؤمن والمؤمن له إلى المستفيد الذي قبله ، إذا كان عقد التأمين يتضمن اشتراطا لمصلحة الغير ، وكان هو المستفيد الوحيد ولا يشاركه أحد في مزايا العقد وآثاره ) .
وفي نفس الإتجاه أيضا نجد أن هناك جانب من الفقه الفرنسي يتفق على أن الإشتراط المقرر لمصلحة المنتفع ، إنما هو مقرر جملة واحدة بما يتضمنه من فائدة، وما يترتب عليه من أعباء، حيث أنه لا يمكن القول بأن المنتفع يستطيع أن يأخذ ما ينفعه ويترك ماقد يمثل عبئ
عليه ، وبناء عليه فإنه إما أن يأخذ بالكل أو يترك الكل ولا يأخذ شيئا ، فإذا أراد الإستفادة من الإشتراط فإنه يتعين عليه أن يأخذ في نفس الوقت شرط التحكيم المنصوص عليه في عقد الإشتراط ، أو أن يرفض الإشتراط ، ويترتب على ذلك أنه يمكن الإحتجاج بشرط التحكيم قبل المستفيد من الإشتراط.
يوجد فرضين بالنسبة لإمتداد آثار اتفاق التحكيم إلى الغير هما :
الفرض الأول هو أن يكون اتفاق التحكيم واردا في العقد الأصلى (عقد الإشتراط ) :
وأنه لابد من صدور إقرار المنتفع بحقه حتى يتم إثبات الحق له في عقد الإشتراط ، وذلك لأنه لا يمكن أن يتم إثبات حق له لم يرضى عنه ، وبالتالى بناء على هذه الموافقة فإن (الغير) يجب عليه أن يلتزم بما جاء في العقد من شروط ومن بينها اتفاق التحكيم، بالإضافة إلى ذلك فإن قبول المنتفع لعقد الإشتراط يمكن أن يعد قبولا ضمنيًا لإتفاق التحكيم الذي تضمنه عقد الإشتراط .
الفرض الثاني هو أن يكون اتفاق التحكيم واردا في اتفاق مستقل عن عقد الإشتراط :
وفقا لهذا الفرض لا يمكن القول بأن المنتفع يعلم بوجود اتفاق التحكيم الذى تم بين المشترط والمتعهد وذلك لأنه لم يكن منصوص عليه في العقد وإنما مستقل عنه ، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يلتزم باتفاق التحكيم المبرم بينهما ، لأن إرادته لم تنصرف صراحة أو ضمنا إلى قبول اتفاق التحكيم وإن كان ذلك لا يمنع من أن يتمسك المنتفع (الغير) باتفاق التحكيم الذي أبرمه المشترط ، وعندئذ يصبح طرفا في اتفاق التحكيم ويلتزم به .