امتداد شرط التحكيم إلى المنتفع من الاشتراط المصلحة الغير وإلى الغير المتعهد عنه:
وهو عقد يمر يبرم بين طرفين "المتعهد" و "المشترط" يتعهد بمقتضاه الطرف الأول تجاه الطرف الثانى بأن يؤدى التزاما إلى شخص ثالث "المنتفع" ولمصلحته. ويجب بوجه عام أن يكون للمشترط مصلحة شخصية فى الاشتراط مادية كانت أو أدبية. ويكتسب المنتفع حقاً مباشرا من العقد وله أن يطالب المتعهد بأدائه دون أن هذا الحق بذمة المشترط وينشأ حق المنتفع مباشرة من العقد الذي تضمن الاشتراط، فلا يلتزم المتعهد قبله بموجب عقد جديد، كما لا يعد المنتفع خلفا للمشترط، فالحق لا ينتقل إليه ولكنه ينشأ مباشرة فى ذمته ولا تتوقف نشأة الحق على قبول المنتفع، وإنما ينشأ الحق بمجرد إبرام العقد بين المتعهد والمشترط.
وهنا يبدو الاستثناء على قاعدة نسبية أثر العقد، فالمنتفع يكتسب حقاً من عقد دون أن يكون طرفاً فيه بل ودون حاجة إلى قبوله، فضلاً عن أن المشترط والمتعهد يتعاقدان باسمهما لا باسم المنتفع وإعلان المنتفع عن رغبته في الاستفادة من الاشتراط (إقراره لا يترتب عليه أن يصبح طرفاً في العقد المتضمن الاشتراط.
وهكذا يقتصر أثر الاشتراط لمصلحة الغير بالنسب للمنتفع على أنه جعله دائنا بموجب العقد المتضمن الاشتراط وخوله دعوى يمكنه من خلالها المطالبة بحقه ولا يترتب عليه اكتسابه صفة الطرف المنضم للعقد المبرم بين المشترط والمتعهد.
وما يهمنا في هذا المقام هو أن المنتفع لا يصبح طرفاً في العقد المتضمن الاشتراط فهو لا يستمد حقه إلا من المشارطة ولا شأن له بالعقد لأنه ليس طرفاً فيه، فهو مجرد مستفيد من المشارطة" وهو دائن" دون أن يكون متعاقداً". وعلى هذا، فلا يجوز للمنتفع إلا المطالبة بتنفيذ الاشتراط الذى تقرر لمصلحته دون أن يكون له الحق فى المطالبة بتنفيذ العقد أو بطلانه أو فسخه. ويكون للمتعهد أن يتمسك أمام المنتفع بكافة الدفوع الناتجة عن العقد الذي نشأ منه حقه ونتيجة لما سبق ولكون المنتفع من الغير بالنسبة إلى العقد المتضمن الاشتراط، فإنه لا يجوز له التمسك ببنود العقد المختلفة، ومنها شرط التحكيم.
وفي كل الأحوال، فإنه فى ظل حكم المادة ١٥٢ من التقنين المدني المصرى، فإن العقد لا يمكنه أن يرتب التزاما في ذمة الغير. ولما كان اتفاق التحكيم يفرض التزامات، فإننا نرى أنه لا يمكن إلزام المنتفع بشرط التحكيم الوارد في العقد المتضمن الاشتراط إلا إذا قبله صراحة كالتزام يقع على عاتقه. وعلى هذا، يجوز له التمسك به في مواجهة المتعهد . ومع ذلك، فإن المادة ١٥٤ من التقنين المدني قد خولت له التمسك فى مواجهة المتعهد بكافة الدفوع العقد، فلا يمكننا إلا التسليم بما ذهب إليه جانب من الفقه من أن شرط التحكيم يدخل ضمن هذه الدفوع، وتبدو المشكلة هنا فى أن المنتفع لم يقبل شرط التحكيم الناشئة عن ولم يرض به.
ومع ذلك، فإن نص المادة ١٥٤ ، بوصفه يعالج نتائج الاشتراط لمصلحة الغير، وهو كما رأينا استثناء على فكرة الأثر النسبي للعقود لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره فإننا نرى وجوب تفسير مفهوم "الدفوع التي يجوز للمنتفع التمسك بها في مواجهة المتعهد تفسيراً ضيقاً. وينتج عن ذلك أن المنتفع لن يجوز له التمسك إلا بالدفوع التى تتعلق بالحق الذى اشترط لمصلحته وترتبط به ارتباطا وثيقاص. وهكذا، فإذا كان يظهر من شرط التحكيم، وفقاً لصياغته، أنه يشمل المنازعات التي قد تنشأ عن الاشتراط، فيمكن القول بأنه يجوز للمنتفع التمسك به، وسود بحيث يعد تمسكه به قبولا له.
القانون واجب التطبيق :
أما عن القانون واجب التطبيق للنظر في مدى سريان شرط التحكيم على المنتفع من الاشتراط لمصلحة الغير، فإن ذلك يخضع إلى قانون القاضي، إذا أثيرت المسألة أمام القضاء الوطنى. أما إذا أثير هذا التساؤل أمام المحكمين، فإننا نرى أن هذا الأمر يخضع للقانون واجب التطبيق على شرط التحكيم وإلى القانون الذي ينظم أثار الاشتراط لمصلحة الغير. وقد نكون بصدد قانون واحد إذا طبقنا على شرط التحكيم قانون العقد الأصلى الذى تضمن الشرط وتضمن الاشتراط لمصلحة الغير.
التعهد عن الغير
نظمت المادة ١٥٣ من التقنين المدنى المصرى التعهد عن الغير. وهو عقد يلتزم فيه المتعهد بالحصول على موافقة شخص من الغير بأن يلتزم بأمر معين تجاه المتعهد له، وهو الطرف الثانى فى التعهد. وهكذا يتضح لنا أن المتعهد يتعاقد باسمه هو لا باسم الغير وهو يقصد أن يلزم نفسه لا أن يلزم الغير. وهو يلزم نفسه بالحصول على رضاء الغير المتعهد عنه للالتزام بأمر معين والتزام المتعهد التزام بتحقيق غاية وليس التزاما ببذل عناية. ويترتب على قبول الغير للتعهد الذى يعتبر إيجابا موجها إليه) قيام عقد جديد بينه وبين المتعهد له يختلف عن عقد التعهد الذي أبرم بين المتعهد والمعهد له فيختلف العقدان من حيث أطراف كل منهما: فبينما يكون طرفا عقد التعهد المتعهد والمتعهد له، يكون طرفا العقد الجديد الغير المتعهد عنه والمتعهد له. كما يختلف العقدان من حيث الالتزامات الواردة فى كل منهما، فينشئ عقد التعهد التزاماً ذمة المتعهد بالحصول على موافقة الغير، أما العقد الجديد فإن ما يرد به من التزامات يختلف بحسب الأحوال. ووفقاً لنص المادة ١٥٣ ، فإن قبول الغير المتعهد عنه ينتج أثره من وقت صدوره، فهو لا يلتزم بأثر رجعى وذلك ما عدا الحالة التي يقصد فيها صراحة أو ضمنا - أن يستند أثر القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد. أما إذا لم يقبل الغير المتعهد عنه فإن مسئولية المتعهد تنعقد، ويكون ملتزما بتعويض المتعهد له ما لم يقم هو نفسه بتنفيذ الالتزام الذى تعهد به إذا كان ذلك ممكنا.
فالقانون المصرى يقرر أن قبول الغير للتعهد ينتج عنه عقد جديد بينــه وبين المتعهد له. وعلى هذا، فإن الغير قابل التعهد لا طرفا في العقد الأصلى ولا يصبح ملزما بكل ما ورد فيه بمجرد قبوله . ولذلك نرى أن شرط يصبح التحكيم لا ينفذ في حق الغير قابل التعهد إلا إذا قبله عند قبوله إبرام العقد مع المتعهد له، بحيث يصبح ضمن البنود الواردة في العقد الجديد المبرم. ويعد قبوله للعقد قبولا لشرط التحكيم الوارد فيه.