وللاشتراط لمصلحة الغير تطبيقات عملية كثيرة أهمها نجده في عقد التأمين على الحياة، حيث يتم التأمين لمصلحة الغير إما على سبيل التبرع وهو الغالب، كما إذا أمن شخص على حياته لمصلحة أولاده أو مصلحة زوجه.... وإما أن يكون التأمين لمصلحة الغير معاوضة، كما إذا أمن المدين على حياته لمصلحة دائنه ضماناً لوفاء الدين المترتب بذمته له.
على أن الاشتراط لمصلحة الغير لا يقتصر على عقد التأمين، ففي البيع مثلاً قد يشترط البائع على المشتري أن يؤدي الثمن إلى شخص ثالث.
هذا ويعتبر الاشتراط لمصلحة الغير تطبيقاً لما سبق أن ذكرناه من أن العقد يجوز أن يكسب الغير حقاً. وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية بقولها إن : مفاد نص المادتين (۱٥٤) (۱۰۰) من القانون المدني وكما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني ومذكرة المشروع التمهيدي- أن الاشتراط لمصلحة الغير أصبح قاعدة عامة، بعد أن كان استثناءاً لا يُعمل به قاعدة إلا في حالات بخصوصها، وهو ينطوي على خروج طبيعي علی اقتصار منافع العقود على المتعاقدين دون غيرهم، فالمتعهد يلتزم قبل المشترط لمصلحة المنتفع ، فيكسب الأخير حقا مباشرا ولو أنه ليس طرفا في التعاقد، وبهذه المثابة يكون التعاقد بذاته مصدراً لهذا الحق. ولهذا أوجبت أن يكون للمشترط مصلحة شخصية مادية أو أدبية في تنفيذ الالتزام المشترط لمصلحة الغير. وأباحت له أن ينقض الاشتراط ما دام الغير لم يعلن رغبته في الاستفادة منها إلا أن يكون ذلك منافياً لروح التعاقد. فإذا قبل المنتفع الاشتراط أو كان الشرط التزاما على المشترط أصبح حقه لازما أو غير قابل للنقض، وهو حق مباشر مصدره العقد، فيجوز له أن يطالب بتنفيذ الاشتراط .
ويشترط لتحقق الاشتراط لمصلحة الغير توافر شروط ثلاثة :
۱- أن يتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع، ودون أن يدخل المنتفع طرفاً في التعاقد. وقد عبرت محكمة النقض المصرية، عن ذلك بقولها: "بأن المادة (١٤٥) من القانون المدنى تجيز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترطها لمصلحة الغير، وتجيز للمشترط أن يطالب بتنفيذ ما اشترطه لمصلحة المنتفع إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع وحده هو الذي يجوز لــه ذلك ".
وهذا ما يُميز المشترط عن النائب الذي يتعاقد باسم الأصيل لا باسمه. ومن ناحية أخرى إن الأصيل لا النائب يُعَدُّ الطرف في التعاقد، وذلك بخلاف الحال بالنسبة للاشتراط لمصلحة الغير حيث إن المشترط لا المنتفع هـو الطرف في التعاقد.
وعليه إن المشترط يختلف عن الفضولي. فالفضولي نائب عن رب العمل بخلاف المشترط حيث لا يُعَدُّ نائبا عن المنتفع.
ومن ناحية أخرى يجب في الاشتراط لمصلحة الغير أن تكون هناك مصلحة شخصية للمشترط سواء أكانت مصلحة مادية أم أدبية، لأنه يتعاقد باسمه، أما الفضولي فيجب ألا تكون له مصلحة شخصية في إدارته لشؤون رب العمل.
2- يجب أن يشترط المشترط على المتعهد حقاً مباشراً للمنتفع. وعليه لا محل للقول بوجود عقد الاشتراط إذا كان الحق الذي اشترطه الشخص إنمـا اشترطه لنفسه، ولكن يعود بالفائدة على الغير.
3- يجب أن يكون للمشترط مصلحة شخصية مادية أو أدبية من وراء عقد الاشتراط.
ولما كان الاشتراط لمصلحة الغير يفترض وجود أشخاص ثلاثة هم: المشترط والمتعهد و المنتفع ، فإن علاقاتهم بعضهم البعض تتحدد على النحو الآتي:
1- علاقة المشترط بالمتعهد:
2- علاقة المشترط بالمنتفع: قد تكون هذه العلاقة علاقة تبرع، وقد تكون علاقة معاوضة . وآياً كانت هذه العلاقة فإن للمشترط نقض الاشتراط وحرمان المنتفع من الاستفادة منه، طالما أن المنتفع لم يعلن عن رغبته بعد الاستفادة من الاشتراط.
3- علاقة المنتفع بالمتعهد :
ولما كان حق المنتفع مستمداً من عقد الاشتراط، فإن ذلك مفاده أن حق المنتفع يتبع عقد الاشتراط من حيث وجوده وزواله، فإذا كان عقد الاشتراط باطلاً، فإن هذا الحق لا ينشأ . كما أن للمتعهد أن يتمسك في مواجهة المنتفع بكافة الدفوع الناشئة عن عقد الاشتراط، والتى كان يمكنه التمسك بهـا في مواجهة المشترط كالبطلان والفسخ والدفع بعدم التنفيذ وغيرها .
وعلى الرغم من أن حق المنتفع ناشئ عن عقد الاشتراط، إلا أنه لا يعتبر طرفاً فيه إذ يظل أجنبياً عن هذا العقد.
وإذا كان هناك عقد يتضمن اشتراطاً لمصلحة الغير، وفي الوقت ذاته يتضمن اتفاقاً على التحكيم فإن التساؤل الذي يمكن طرحه:
هل تمتد آثار اتفاق التحكيم إلى المنتفع؟ أم أن آثار هذا الاتفاق تقتصر على المشترط والمتعهد ؟
تجدر الإشارة بداية إلى أن آثار اتفاق التحكيم تلزم أطراف عقد الاشتراط أي المشترط والمتعهد، استنادا لقاعدة نسبية أثر العقد. أما بالنسبة لأثر اتفاق التحكيم الذي يتضمنه عقد الاشتراط - بالنسبة للمنتفع فقد ثار خلاف فقهي بشأنه، وذلك على النحو الآتي:
وتطبيقاً لذلك فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ۱۹۸۷/۱۰/۲۰ بأنه: "في حالة اتفاق الطرفين على الاشتراط لمصلحة الغير، فإن الاشتراط المذكور لا يرتب بالنسبة للغير سوى حقوق وليس التزامات ولهذا فإن قرار التحكيم المبني على شرط التحكيم في الاشتراط لمصلحة الغير لا يلزم هذا الغير.
مما تقدم نجد أن اتفاق التحكيم الذي يتضمنه عقد الاشتراط لا يلزم المنتفع، استناداً إلى أن الاشتراط لمصلحة الغير، وإن كان من شأنه أن يكسب الغير حقوقاً إلا أنه لا يرتب في ذمته أي التزام. والقول بغير ذلك معناه تخويل الغير مكنات الطرف في اتفاق التحكيم وهو ليس بطرف.
وإذا كان اتفاق التحكيم لا يلزم المنتفع ، إلا أن ذلك ليس من شأنه منع الغير من الاستفادة من هذا الاتفاق متى قبل ذلك، وعندئذ يصبح طرفا في اتفاق التحكيم الذي يتضمنه عقد الاشتراط .