من المستقر عليه قانوناً أن القاعدة العامة هي نسبية أثار العقد ، أي أن آثار العقد لا تنصرف إلى غير المتعاقدين والخلف سواء كان عام أو خاص ، وأيضا الدائنين الذين تنتقل إليهم آثار العقد بطريق غير مباشر عن طريق زيادة أو نقص الضمان العام لهم .
وهذا هو مانصت عليه المادة ١٥٤ من القانون المدنى ( ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ، دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام ) ، ونصت المادة ١٤٦ على أنه ( إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص فإن هذه الإلتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشئ إذا كان من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشئ إليه ) .
مما سبق يتضح لنا أن الغير هو كل من لا ينصرف إليه أثر العقد وهو ينقسم إلى فرضين أو طائفتين :
الطائفة الأولى : وهى طائفة الخلف والدائنون فهم يصبحون من الغير في أحوال استثنائية :
قد سبق لنا القول بأن الخلف والدائنون قد يكونوا من الغيـر فــي أحوال استثنائية ، فلا ينصرف إليهم أثر العقد .
أولاً: بالنسبة للخلف الخاص : أيضا يكون الخلف الخاص من الغير إذا أثبت أن هذا العقد سابق على انتقال الشئ إليه ، وأن الحق الناشئ عن العقد مكمل للشئ ، وهنا أيضا يقع عبء الإثبات على الخلف في وقت انتقال الحق إليه ، وعلى عاتق الغير في انتقال الإلتزام.
ثانياً: بالنسبة للدائن فهو يكون من الغير فى الدعوى البوليصية ، وفي الصورية ، فإذا تمسك بأحد العقدين فإنه يكون من الغير بالنسبة للعقد الآخر ويكون عليه هو عبئ الإثبات.
مما سبق يتضح لنا أن الخلف العام ، والخلف الخاص والدائنين يكونوا من الغير في أحوال معينة ، وبالتالي فهم بهذه الصفة لايمكن أن يتم الإحتجاج عليهم بالعقد إلا إذا كان العقد ثابت التاريخ .
أما بالنسبة للطائفة الثانية من الغير فهو ذلك الغير الأجنبي تماما عن العقد :
أى أنه ليس طرفا في العقد ولا خلفا عاما أو خاصا أو دائنا لأحد من طرفي العقد ، أى أنه لا ينصرف إليه أثر العقد وذلك لأنه بعيد تماما عن دائرة العقد.
وهناك أمثلة عديدة لعدم انصراف أثار العقد إلى الغير نعرض بعض منها كما يلي :
1- الصلح الذى يقع بين الدائن واحد الورثة فهو عبارة عن عقد بينهما ولايسرى في حق باقي الورثة ، وبالتالي فإن باقي الورثة يكونوا من الغير بالنسبة لهذا العقد .
2- عقد يصدر من أحد الشركاء على الشيوع ، فهذا العقد لايفيد بقيــة الشركاء إلا في حدود عمل الفضولي .
3- في حالة وجود اتفاق جديد بين المدين والدائن ، فهذا الإتفاق لايؤثر في حق الكفيل الذي لم يشترك فيه .
أيضا فى حالة التعاقد بالنيابة فإن النائب يكون من الغير ولاتنصرف إليه آثار العقد ، بل إن آثار العقد تنصرف إلى الأصيل وهو الطرف في العقد .
إلا أنه يجب ملاحظة أن هذه القاعدة ليست مطلقة ، فكما رأينا أن آثار العقد أحيانا وفى ظروف استثنائية قد لا تنصرف إلى الخلف والدائنين وذلك بالنسبة للطائفة الأولى من الغير.
فإنه كذلك بالنسبة للطائفة الثانية من الغير الأجنبي أصلا عن العقد والتي لا تنصرف إليها آثار العقد فهو أيضا قد ينصرف أليه أثار العقد على سبيل الإستثناء فى حالات معينة هذه الحالات هي :
1- في حالة إذا ما كانت إعتبارات العدالة تقتضى انصراف آثار العقد إلى الغير الأجنبى عن العقد .
2- إذا كانت المصلحة العامة تقتضى أن تنصرف أثار العقد إلى الغيـر الأجنبي عن العقد .
أولاً : انتقال آثار العقد إلى الغير تحقيقا للعدالة : هناك حالات استثنائية يتم فيها انتقال أثار العقد إلى الغير وذلك وفقا لما تتطلبه مصلحة العدالة ، فقد يحدث إن يكون للغير فى بعض الأحوال دعوى مباشرة فـــــي عقد لم يكن طرفا فيه .
ثانيًا : انتقال آثار العقد إلى الغير عندما تقتضى مصلحة العدالة ذلك : أحيانا تقضى مصلحة العدالة بوجوب استقرار المعاملات بين الأفراد ، وهذا بطبيعة الحال يقتضى في بعض الأحوال أن ينصرف أثر العقد إلى من لم يكن طرفا فيه ، وذلك سواء كان هذا العقد من أعمال التصرف أو من أعمال الإدراة .
بالإضافة إلى ماسبق هناك حالات أخرى ينصرف فيها أثر العقد إلى الغير هي :
الحالة الأولى : هي انصراف أثار العقد إلى الغير ولكن دون قصد المتعقدين :
1- حالة الصلح الواقى من الإفلاس : فإذا اتفق أغلب الدائنين على الصلح مع المفلس وكان لهم ثلاثة أرباع الديون ، فإن هذا الإتفاق يسرى علــى الأقلية الذين لم يرضوا بهذا الصلح ، ولم يكونوا طرفا فيه ، في هذه الحالة فإنه تنتقل أثار العقد إلى الغير الذي لم يكن طرفا فيه .
2 - أيضا يتحمل الغير أثر العقد في الإتفاقيات الجماعية ، وفي النقابات والجمعيات ، فإنها تسرى في حق الغير الذي لم يكن طرفا فيها في حالة انضمامه إليهم فهو ينطبق عليه جميع شروط الإتفاقية بما في ذلك اتفاق التحكيم إذا كان منصوص عليه في العقد .
الحالة الثانية : هي الحالة التى يتمسك فيها الغير بعقد لم يكن طرفا فيه كعنصر من عناصر الإثبات :
مثال ذلك : اتفق صاحب أرض مع شخص أخر على أن يستغل هذا الأخير منجما في الأرض المملوكة له ، وذلك مقابل مبلغ معين من المال وتم تحديد مقداره في العقد .
ويلاحظ أن أثر العقد الذى انصرف إلى الغير في الأحوال المتقدمة أثر غير مقصود أى لم يقصده المتعاقدان وقت التعاقد ، وإنما هو مبنى على اعتبارات لا دخل لإرادة المتعاقدان فيها .
الحالة الثالثة : هي تلك الحالة التي ينتقل فيها أثر العقد إلى الغير الذي لم يكن طرفا في العقد ولكن بإرادة المتعاقدين ( أى أن انتقال أثار العقد إلى الغير يكون بناء على إرادة المتعاقدين ) .
مع تطور الحياة الإقتصادية وزيادة التعاملات بين الناس وأصبحت العلاقات التجارية متشعبة بينهم كل هذا أدى إلى اعتراف المتعاقدين بأهمية انتقال أثار العقد إلى الغير .
وأنهم يستطيعون بإرادتهم أن يشترطوا حقا للغير في العقد واقتصر المشرع على نقل الحقوق ، ويلاحظ أنه إلى وقتنا هذا لم يعترف المشرع بأن المتعاقدين يستطيعوا بإرادتهم أن ينشأوا التزامات في ذمة الغير ، على الرغم أن المنطق القانونى لم يمنع أن يتفق شخصين على إنشاء حق لشخص ثالث (الغير) أو توليد التزام في ذمته ، وهذا لا يعنى أن هذا الشخص الثالث (الغير) سوف يصبح صاحب حق أو محمل بالإلتزام دون إرادة منه على ذلك ، وإنما قبوله ضروري في الحالتين وذلك حتى لا يكون دائنا أو مدينا دون إرادته ، ولكنه إذا ما قبل فإنه يعتبر الحق الذى اكتسبه أو الإلتزام الذي تعلق فى ذمته قد نشأ من نفس العقد الذي لم يكن طرفا فيه .
وقد نص القانون على أن الغير من الممكن أن يكتسب حقا من العقد ، ولكن لا يمكن أن يتحمل بالإلتزام منه وهذا هو ما نص عليه القانون في المادة ١٥٢ من القانون المدني .
والخلاصة : هي أن المقصود بالغير هو ذلك الشخص الأجنبي عن العقد تماما والذى لا تربطه صلة بأحد المتعاقدين أي صلة .
والقاعدة في هذا الشأن هي أن الغير الذى لا ينتقل إليه أثار العقد لا يمكن أن يكتسب حقا أو يثبت على عاتقه التزاما ، إلا أن هذه القاعدة كما قلنا ليست مطلقة فى شقيها ، فهي مطلقة فقط بالنسبة للالتزامات ، حيث أنه لا يجوز أن يُنشئ العقد التزاما في ذمة الغير.
أما بالنسبة للحقوق فهي من الممكن أن يرد عليها استثناء ، مؤداه هو أن العقد قد يكسب الغير حقا ، وهذا هو ما نصت عليه المادة ١٥٢ من القانون المدنى وذلك بقولها أن ( العقد لايرتب التزاما في ذمة الغير ولكـــن يجوز أن يكسنه حقا ) وبتحليل هذا النص نجد أنه يحتوى على شقين :
الشق الأول : فهو يشير إلى التعهد عن الغير والذي يعتبر تطبيقا لقاعدة عدم انصراف اثار العقد إلى الغير بالنسبة للالتزامات .
الشق الثاني : فهو يشير إلى الإشتراط لمصلحة الغير والذي يعتبر استثناء من القاعدة المذكورة ، وذلك فيما يتعلق بالحقوق .