أن المبدأ الذي يحكم مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم ومن ثم خصومة خصومة التحكيم هو ضرورة توافر إرادة قبول التحكيم كمناط لتوافر صفة الطرف إذ يلزم توافر رضاء صحيح بشرط التحكيم حتى يكون الغير مخاطباً به ملتزماً بأحكامه ، ويصبح طرفاً في خصومة التحكيم وإجراءاتها.
ولكن يثور التساؤل وبحق حول التوقيت الذي يتعين أن يتوافر فيه وصف الطرف، وبمعنى آخر ما مدى إمكانية الاعتراف بتوافر وصف الطرف لمن كان من الغير لحظة تكوين العقد، ثم أصبح طرفاً في مرحلة لاحقة بمقتضى المساهمة في تنفيذه، أو صدر عنه رضاء صحيح بشرط التحكيم، ولكن رضاء منفرد لم يشارك فيه الطرف الأصلي الموقع على العقد، أو أحيل إليه العقد من أحد المتعاقدين دون قبول المتعاقد الآخر أو دون علمه.
فقد اتجه القضاء الفرنسي إلى اعتبار أن تنفيذ العقد يعادل الرضاء بما ورد به وقبول ما تضمنه من شروط، وأوضحت محكمة النقض الفرنسية أن الغير الذي يتدخل في تنفيذ العقد المبرم بشأنه شرط التحكيم يعتبر من جانبه بمثابة تصديق عليه ويكون ملتزماً به حتى ولو لم يوقع على العقد الذي ورد به هذا الشرط .
وفي تقديرنا أن هذا يتعارض مع نصوص قانون التحكيم المصري التي تتطلب ضرورة قبول شرط التحكيم صراحة بل والتوقيع عليه، فقيام الغير بتنفيذ العقد لا يعول عليه كرضاء بشرط التحكيم الذي تضمنه العقد، ومن ثم لا يجعله طرفاً في اتفاق التحكيم، أو مخاطباً بأحكامه إلا بقبوله صراحة والتوقيع عليه، ليس هذا فقط وإنما يتعين قبول الأطراف ذلك احتراماً للطابع الإرادي لخصومة التحكيم.
فبتوقيع الطرفين لاتفاق التحكيم ينشأ حق مشتركاً لهما باللجوء للتحكيم والتزاماً منفرداً على كل منهما، وقد لا يقبل أحدهما لسبب أو لآخر انضمام طرف ثالث إلى هذا الاتفاق.
وهذه الخصوصية من السمات التي تميز اتفاق التحكيم وإجراءاته وبغيرها يتلاشى الفارق الهام بين التحكيم والقضاء.
ومن ثم نجد أن مناط اعتبار الغير طرفاً منضماً لاتفاق التحكيم وإجراءاته هو قبوله صراحة بل وكتابة أيضاً، ليس هذا فقط وإنما يتعين رضاء الأطراف بذلك، وفي هذه الحالة يعتبر قبوله منتجاً لآثاره، ولكن من لحظة صدور هذا القبول وليس من تاريخ تحرير الاتفاق الأصلي مع ما يرتب على ذلك من آثار.
ويقترب من هذا ما انتهى إليه البعض من أن الطرف الثالث في الأنظمة الثلاثية يتلقى أثر التصرف الذي أجراه المتعاقدان بسبب تعبيره الإرادي وليس بسبب تلاقي إرادتي المتعاقدين الذين أجريا العقد ومن ثم يكون لإرادة هذا الطرف دور هام وفعال في إنتاج العلاقة لآثارها بالنسبة له.
ويترتب على ذلك نتيجة هامة أن آثار العقد لا تنتج في حق الطرف الثالث من نشأة العقد وإنما من وقت التعبير الإرادي له، والتي يترتب على تخلفها عدم إنتاج هذه العلاقة القانونية لآثارها في مواجهته.
وتماشياً مع ما تقدم قد يصعب التسليم بتوافر مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم كقاعدة مطلقة في بعض التطبيقات العملية كما في حالة امتداد شرط التحكيم في المجموعات العقدية وانتقال القوة الملزمة الشرط التحكيم كأثر الحوالة العقد وامتداد شرط التحكيم للخلف، وسريان شرط التحكيم على عقد المقاول من الباطن.
فشرط التحكيم الوارد في أحد العقود لا يمتد إلى أطراف عقد آخر عندما لا يتضمن هذا العقد الأخير إحالة صريحة إلى شرط التحكيم الوارد في العقد الأول. ولا يجوز بحال من الأحوال اعتبار أطراف العقد الثاني أطرافاً في اتفاق التحكيم الذي تضمنه العقد الأول، وأن ارتبط معه برابطة تبعية أو تجمعها رابطة اقتصادية واحدة، كما هو الحال في المجموعات العقدية أو سلسلة العقود.
ولتحديد المفهوم الفني والقانوني للطرف في المجموعات العقدية نوضح أن العقود التي تبرم متزامنة أو متتابعة كسلسلة واحدة بغية تحقيق هدف واحد هو تنفيذ عملية عقدية واحدة وإن ارتبطت فيما بينها بمصلحة اقتصادية واحدة إلا أن هذه الوحدة الاقتصادية ليس من شأنها أن تجعل حتماً من كل طرف بأي من هذه العقود طرفا في عقد الآخر ما لم يعبر أطراف هذا العقد صراحة عن اختيار التحكيم اختياراً صريحاً وصحيحاً.
ولا محل لافتراض أن من يدخل في تجمع عقدي يعتبر أنه ارتضى ضمناً كل النتائج المترتبة على كل ما أبرم من عقود بما في ذلك الاتفاق على التحكيم، إذ يعتبر طرفاً فيها في حدود ما يلتزم به فقط في مواجهة الآخرين التزاماً صريحاً وصحيحاً .
فالمجموعات العقدية تعد ظاهرة اقتصادية وقانونية حديثة إذ تمثل معاً وحدة اقتصادية وتنظيماً اقتصادياً متكاملاً تتعدد فيه الأشخاص القانونية فتظهر الشركة الأم والشركات الوليدة التابعة لها، وقد تأخذ شكل مشروع مشترك يعبر عن ارتباط بين مصلحتين أو أكثر لكل منهما استقلالها القانوني ويتفقا على تقديم أصول أو تسهيلات أو خدمات في مشروع واحد لتحقيق مصلحة مشتركة.
وتأخذ هذه المجموعات العقدية مسميات مختلفة في الدول فيطلق عليها في فرنسا مجموعة المصالح الاقتصادية وفي إنجلترا نظام الشراكة، وفي القانون الإيطالي الكونسورثيوم، وهذا النوع من المشروعات له شخصية اعتبارية وعلى الأرجح يتخذ شركة محاصة.
وعندما يرد شرط التحكيم في عقد بين شركة تنتمي إلى مجموعة شركات و شخص من الغير فإن هذا الشرط لا يمتد إلى الغير لضرورة توافر إرادة حقيقية في اختيار التحكيم.
فالشركة التي لم توقع على العقد المبرم من أحد شركات المجموعة لا تعد طرفاً فيه، ولا تلتزم باتفاق التحكيم الوارد فيه حتى ولو تدخلت في المفاوضات السابقة على العقد، فكل شركة تتمتع باستقلال قانوني ولا يمتد أثر التعهدات التي تتعهد بها أي منها إلى الغير.
وقضت هيئة التحكيم في إطار غرفة التجارة الدولية بأنه إذا بدأت إجراءات التحكيم فإنها لا يمكن إدخال الشركة الأم أو أي من الفروع الأخرى في المجموعة.
ويرى البعض أن هذا المسلك يعبر عن الأخذ بتفسير ضيق الشرط التحكيم لأن الطبيعة الإرادية لاتفاق التحكيم تحول دون الأخذ بمفهوم واسع له، وفي تقديرنا أن هذا مرجعه إلى ضرورة ثبوت اتجاه الإرادة إلى اختيار التحكيم ومن هذا المنطلق لا نشايع الاتجاه نحو فرض فكرة الامتداد الأفقي لشرط التحكيم، إذ لا محل لإلزام من لم يثبت إن إرادته اتجهت لاختيار التحكيم.
وإن كان هذا الأمر يختلف عن الفرض الذي يخلق فيه مسلك ممثل مجموعة الشركات أثناء التفاوض على العقد المتضمن شرط التحكيم اعتقاداً لدى المتعاقد الآخر بأن العقد وما تضمنه ملزم لكل المجموعة، فهذا أمر يتعلق بشروط القبول ويدور في فلك الإرادة ويخضع لقواعد الإثبات.
وقد أقرت محكمة استئناف باريس امتداد شرط التحكيم إلى المحال له استناداً إلى أن حقوق المحيل بما في ذلك شرط التحكيم تنتقل إلى المحال له باعتبار أن شرط التحكيم لا ينفصل عن اقتصاديات العقد. وهذا معناه أنها اعتبرت شرط التحكيم حقاً وليس التزاماً عليه.
ونحن نرى أنه لا يعتبر جزء من العقد، ولا ينتقل إلى المحال إليه إلا في حوالة الدين، أما إذا اقتصرت الحوالة على حوالة الحق فإن شرط التحكيم لا ينتقل إلا بموافقة كل من المحيل والمحال إليه فشرط التحكيم التزاماً وليس حقاً ولا ينتقل إلا بقبول أطرافه الالتزام به قبولاً صحيحاً.
والتزام المرسل إليه بشرط التحكيم الوارد في سند الشحن رغم عدم توقيع الشاحن عليه لا بعد خروجاً على ذلك، شريطة أن تتم الإحالة لشرط التحكيم الوارد في المشارطة في سند الشحن إحالة صريحة غير مجهلة، ولا تكفي الإحالة العامة لكافة شروط وبنود مشارطة إيجار السفينة .
ومع ذلك اعتبر المحكمون في حالات أخرى الشركة الأم ضامنة لفروعها في تنفيذ الاتفاق المتضمن شرط التحكيم ويمكنها التمسك بشرط التحكيم الوارد في الاتفاق، وقد حاول بعض الفقه تفسير ذلك بفكرة الامتداد الأفقي وأرجعه البعض الآخر لفكرة الحلول أو الاشتراط لمصلحة الغير.
ونرى أنه يتعذر مسايرة هذا الاتجاه لأنه يستند إلى فكرة التضامن وهو لا يفترض بل أنه في حالات أخرى اعتبر المحكم الغير طرفاً في شرط التحكيم الوارد في بروتوكول لم يوقع عليه وافترض أن الشركة الأم بتوقيعها على البروتوكول المتنازع عليه يفترض أنها اشترطت لنفسها وللفروع المعنية العمل بهذا البروتوكول.
وهذا التكييف يتعذر قبوله ففضلاً عن أنه يقوم على محض افتراض، فإنه لا يتسنى التسليم به حتى تأسيساً على فكرة الاشتراط لمصلحة الغير، فطبقاً لقواعد الاشتراط يلزم موافقة المنتفع، ويلزم أن يكون شرط التحكيم شرطاً ملحوظاً في التعاقد بين الغير والشركة التابعة حتى يتصور انصراف إرادته إليه.
كما لا يستساغ قبوله استناداً لفكرة الوحدة الاقتصادية للمجموعة، وما ورد بالحكم من أنه ليس من المعقول ولا من مقتضيات العمل استبعاد طلبات الشركة ذات الشأن في النزاع والتي تعتبر عضو في نفس المجموعة.
كما انتهت هيئة التحكيم في إطار غرفة التجارة الدولية إلى تقرير اختصاصها بنظر النزاع المثار بين إحدى الشركات وبين الشركة الأم وإحدى فروعها رغم أنهما لم يوقعا على شرط التحكيم. إذ تم التعاقد بين الشركة مع فرع آخر لهذه المجموعة..
وقد استندت هيئة التحكيم في قضائها إلى الإرادة المشتركة للطرفين وحاجات التجارة الدولية رغم تمتع كل من الفروع بالشخصية القانونية المستقلة استناداً إلى الوحدة الاقتصادية وعند الطعن على هذا الحكم أمام محكمة استئناف باريس قررت نفس المبدأ وهو وحدة الرابطة التي تربط مجموعة الشركات .
أما عن اعتباره من قبيل الاشتراط لمصلحة الغير فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه في حالة اتفاق الطرفين على الاشتراط لمصلحة الغير فإن هذا الاشتراط لا يرتب للغير سوى حقوق وليس التزامات واللجوء إلى التحكيم بناء على شرط التحكيم في الاشتراط لمصلحة الغير لا يلزم هذا الغير، وإن كان يمكنه الاستفادة من شرط التحكيم إن رغب في ذلك .
وفي الفرض العكسي قررت محكمة استئناف باريس أيضاً بأنه يحق للمتعاقد مع الشركة الأم أن يتمسك بشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بينهما في مواجهة الفرع الذي ينتمي للشركة الأم وبررت قضائها بأن شرط التحكيم الوارد في العقود الدولية من الصحة والفعالية مما من شأنه أن يمتد تطبيقه إلى الأطراف المعنيين مباشرة بتنفيذ العقد والمنازعات الناجمة عنه متى كان مركزهم ونشاطهم يفترضان العلم بوجود ومدى شرط التحكيم رغم أنهم لم يوقعوا على العقد المتضمن شرط التحكيم .
ولعل اختلاف هذه الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم والقضاء الفرنسي مرجمه عدم اتخاذ الإرادة معياراً حاسماً لقبول أو امتداد شرط التحكيم الذي تضمنه عقد موقع من أطرافه إلى عقود أخرى لم تتضمن شرط التحكيم وغير موقعه من هؤلاء الأطراف وإن كانت تنتمي لإحدى الطرفين اقتصادياً، ولأن هذه الإرادة لا وجود لها في الواقع تحايلت عليها بفكرة الحلول والوكالة الظاهرة.
ونحن نتساءل هل يحق لمتعاقد مع إحدى فروع المجموعة مطالبة فرع آخر أو الشركة الأم بمطالبات ناشئة عن العقد الذي لم توقعه، أم أن الاستقلال القانوني لها يقف حائلاً دون ذلك فإذا كانت هذه مسألة اقتصادية بحتة فما بال المسائل القانونية بصفة عامة واتفاق التحكيم بصفة خاصة والذي يتطلب طبقاً للقانون توافر الإرادة الحقيقية لتدلل على انصراف نية الأطراف لاختيار التحكيم كوسيلة الحسم المنازعات الناشئة عنها.
وبصفة خاصة في ضوء ما كشف عنه جانباً من أحكام هيئات التحكيم وبعض الأحكام القضائية من تأييد حق الشركة الأم والفروع في التمسك بشرط التحكيم رغم عدم توقيعها عليه، في حين يتردد في الاحتجاج بشرط التحكيم عليها وكأنه حق لها إن شاءت تمسكت به وإن شاءت تنازلت عنه، وهذا قطعاً. يضر بمصلحة الغير المتعاقد مع هذه المجموعات الاقتصادية.
ومن الناحية القانونية البحثة تنصح هذه المجموعات بأن تحرص على تضمين كافة العقود شرط التحكيم ويكون للمتعاقد معها حرية القبول أو الرفض اختياراً، وعلى الفروع والشركات الوليدة أن تفصح عن طبيعة علاقاتها بالشركة الأم ومدى تداخل أنشطتها في حدود موضوع العقد المبرم والإفصاح عن رغبتها في مد شرط التحكيم للفروع أو للشركة الأم.
غير أن هذا يصطدم مع الاعتبارات العملية إذ أنها تتفادى هذا الإفصاح خشية إحجام الأطراف دولاً وأفراد عن التعاقد رغبة في عدم اختيار التحكيم وسيلة لحسم النزاع بالنظر لما كشف عنه الواقع العملي من تجاوزات عديدة من قبل المحكمين .
كما أن الإفصاح لا يكون دائماً في صالح المجموعات الاقتصادية الكبرى لأن إعمال هذا الاتجاه قد يرغم الشركة الأم على المشاركة في إجراءات تحكيم لا ترغب فيها لمجرد أن الشركة الوليدة ضمنت عقدها مع الغير شرط تحكيم وتمسك هذا الغير بشرط التحكيم واحتج به في مواجهة الشركة الأم.
على أن تستخلص الإرادة الحقيقية بعيداً عن الاصطناع والتحكم، مما يحقق الأمان القانوني وهو أمر له أهميته على صعيد التعامل بين الكيانات الاقتصادية الكبرى سواء اقتضت مصالحها التمسك بشرط التحكيم أم تم الاحتجاج به في مواجهتها .
وإذا كنا قد انتهينا إلى إمكانية انتقال أثر شرط التحكيم إلى الغير ومن ثم اعتباره طرفاً فيه ومن ثم في خصومة التحكيم شريطة توافر الإرادة توافراً صحيحاً، بقي أن تتتبع أبعاد هذا المعيار في الصور المختلفة لانتقال الحقوق والالتزامات لترى مدى توافر هذا المعيار في التطبيقات العملية المختلفة والتي تثير كثيراً من الخلط والغموض في الواقع العملي.