فكرة الارتباط هي التي تبرر مد مظلة التحكيم الأطراف لم توقع شرط التحكيم ومن هنا تبدو خطورة فكرة الارتباط وضرورة بحث مدى تعارضها مع الطابع الإرادي لاختيار التحكيم كوسيلة لحسم النزاع والذي يعد مناط استبعاد اختصاص القضاء الوطني وتقرير اختصاص هيئات التحكيم ومؤسساته.
وهذا يدعونا لتحديد مفهوم فكرة الارتباط في خصومة التحكيم أشخاصاً وموضوعاً من خلال تتبع مفهوم الطرف في الخصومة في إطار المفهوم التقليدي والمفهوم الحديث ليتضح لنا بمفهوم المغايرة من ليس طرفاً فيها، أو بمعنى آخر صفة الغير الذي لا يخاطب بشرط التحكيم كطرف أصلي أو كطرف منضم لإجراءات التحكيم ثم نتتبع ارتباط موضوع الخصومة التحكيم ذاته مع موضوع منازعات أخرى عرضت على القضاء أو أمام هيئات تحكيم مغايرة في المبحث الثاني.
فنحن وإن كنا لا ننكر وجود تفاوت اقتصادي وتكنولوجي خاصة على المستوى الدولي بين دول الشمال والجنوب ينعكس حتماً على القوة التفاوضية للمتعاقدين ويظهر في صورة شروط تفرض على الطرف الأضعف تعاقدياً ويذعن إليها إذعاناً رغبة في إبرام التعاقد تدفعه إلى ذلك الرغبة في الاستثمار مقيداً بسيطرة الشركات الكبرى على الأنشطة الاقتصادية الهامة.
غير أن مشكلة تفاوت المراكز القانونية والاقتصادية للمتعاملين خاصة على المستوى الدولي زادت صعوية وأخذت أبعاداً أخرى بعد ظهور سلسلة العقود المجمعة أو المجموعات العقدية على اختلاف تفصيلاتها، وما يرتبط بها في غالبية الحالات من عقود نموذجية تفرض على المتعاقد فرضاً، لتصبح حرية مناقشة الشروط العقدية من الناحية الواقعية مستحيلة، بل وتضفي الغموض على حقيقة الأطراف ونطاق الخصومة موضوعاً وأشخاصاً.
وإذا أضفنا إلى ذلك أنه حتى خيار التعاقد أو الإحجام يضحى بلا معنى أمام طغيان المجموعات التي تحتل مركز شبه احتكاري في إدارة العلاقات الاقتصادية فلا يجد المتعامل أمامه سوى خيار وحيد هو قبول الشروط العقدية بلا مناقشة إما لحاجته لإبرام التعاقد لحاجته للسلعة المبيعة خاصة التكنولوجية منها، أو لاحتياجه للتمويل الذي يرتبط منحه بإبرام العقد أو لحاجته لكليهما.
فقد أثبت التقدم التقني أن خللاً في المراكز القانونية قد تحقق بسبب التفاوت البين في التخصص وتوافر المعلومات والقوة الاقتصادية.
وإزاء هذا الواقع المستجد نجد أنه من الضرورة بمكان تولي الفقه والقضاء دوره في دفع المشرع دفعاً إلى تطوير مبدأ حسن النية في التعامل تطويراً يخلق مظاهر جديدة للالتزام بالتعاون بين الطرفين ليكون تعاوناً حقيقياً يفرض على المتعاقد الأقوى والأكثر إحاطة بمعلومات التعاقد التزاماً قانونياً بالإفصاح عن كافة المعلومات التعاقدية وبصفة خاصة حقيقة الأطراف المتعاقدة.
ففي تقديرنا أن الالتزام بالإفصاح وبصفة خاصة في إطار عقود نقل التكنولوجيا وفي عقود المقاولات من الباطن عن حقيقة التعاقد وأطرافه أصبح له أهمية لا يمكن إنكارها تفرض وجودها على الواقع العملي والقانوني على نحو متزايد.
فما يحدث عملاً أن المتعاقد قد يفاجأ بعد إبرام العقد بأنه أمام كيانات مغايرة تماماً لتلك التي تعاقد معها أو يواجه بشروط عقدية لم يفطن إليها في حينه لسعيه لإبرام التعاقد على وجه السرعة تحت ضغوط اقتصادية متعددة، هذه الشروط العقدية قد تفرض عليه التزامات في مواجهة أطراف مغايرة دون أية مناصاً حقوق مقابلة باعتبار أن حقوقه كانت في مواجهة الطرف الأصلي، ولا يجد من الالتزام بأحكام العقد كما فرضت عليه خضوعاً لمبدأ حرية التعاقد في ظاهرها.
فهذه المجموعات العقدية التي تضم عدة عقود متشابكة تتكاتف معاً لإنجاز عملية اقتصادية روجت إليها اعتبارات التخصص والتداول السريع لرأس المال واتساع المجالات الجغرافية لأنشطة المشروعات عبر الدولية لم تتسع لها الأنظمة القانونية خاصة على مستوى الدول العربية ولم تنشط الكتابات الفقهية بعد لاحتواء ظهور هذه المجموعات العقدية التي صدرت إلينا من الدول الغربية كغيرها من الأنظمة التي فرضت على الطرف الأضعف في إطار التبادل الاقتصادي والتكنولوجي.
وتشهد منصة التحكيم الدولي وقاعات المحاكم العديد من القضايا التي تثير هذه الأوضاع المستجدة دون أن تجد لها حلاً قانونياً متطوراً يعالجها فتعالج في ظل مبدأ الحرية التعاقدية الذي لم يعد له وجود حقيقي أو يكاد في إطار هذه المجموعات العقدية فهذه الحرية التعاقدية في حقيقتها تحتم عدم نسبة اتفاق التحكيم لمن لم تتجه إرادته حتماً لاختيار التحكيم، ومع ذلك توسعت في مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم توسعاً غير محمود مسخ الحرية التعاقدية مسخاً.
مما أدى عملاً إلى تراجع مبدأ الأثر النسبي للعقد في مواجهة طغيان المجموعات العقدية التي أضحت من السمات المميزة للحياة الاقتصادية المعاصرة. والتي تتضمن في غالبية الحالات إن لم يكن جميعها شرط تحكيم.
فالعقد كنظام أساسي من أنظمة القانون وإن ظل له الدور الأساسي في التعاملات، إلا أن مفهوم المتعاقد أو الطرف في العقد هو الذي طرأ عليه بعض المتغيرات، فلم يعد الطرف كما كان في إطار المفهوم التقليدي.
ويهمنا استعراض مفهوم الطرف بصفة عامة ومحاولة تقييمها وصولاً للتصور الأقرب للمنطق القانوني لمفهوم الطرف في اتفاق التحكيم.
فمبدأ نسبية الاتفاقات في مفهومة التقليدي يعني حظر امتداد الأثر الملزم للعقد إلى الغير على نحو يؤثر في ذمته المالية ما لم يرتض ذلك، وترتيباً على ذلك يتحدد مفهوم الطرف من خلال التركيز على العنصر الإرادي، ومن ثم استبعاد من لم يرتض الاتفاق فلا يخاطب بآثاره باعتباره من الغير مع ملاحظة أن كل من اتجهت إرادته لقبول الأثر الملزم للتصرف يعد طرفاً بشرط توافر معايير معينة لاعتباره كذلك.
وفي إطار هذا المفهوم التقليدي للطرف واقتصاره على كل من اتجهت إرادته إلى إبرام العقد وجدت بعض الاستثناءات فاعتبر الخلف العام طرفاً رغم عدم توقيعه على الاتفاق، فنجد أن صفة الطرف يكتسبها الخلف العام كأثر قانوني ملزم دون الاعتداد بإرادتهم فتنصرف إليهم آثار العقد حتى ولو كانوا يجهلون بوجوده أصلا .
ومن هنا يثور التساؤل عن مدى تأثر شرط التحكيم بهذه الاستثناءات، فإذا تضمن العقد شرط تحكيم فهل تخاطب هذه الطوائف بشرط التحكيم رغم عدم انطباق وصف الطرف بمفهومه التقليدي عليهم.
فالكفيل مثلاً هل يخاطب بشرط التحكيم أم لا ؟ وهل يخاطب به باعتباره طرفاً أم غيراً أم باعتباره يشغل مركزاً بينهما؟
فالكفيل طبقاً لنص المادة 882 من القانون المدني يملك التمسك بكافة الدفوع المتعلقة بالالتزام المكفول، وتتأثر الكفالة بأسباب انقضاء الالتزام الأصلي وهذا يجعله طرفاً مخاطباً بالعقد أكثر منه من الغير.
وهل يخاطب المستفيد من الحوالة أي المحال إليه عند الانتقال الكلي أو الجزئي للعقد المتضمن شرط التحكيم بهذا الشرط، وما موقف المشترط له في الاشتراط لمصلحة الغير؟
إذ يعتبر نظام الاشتراط استثناء حقيقي على قاعدة نسبية أثر العقد من حيث الأشخاص حيث يرتب العقد حقاً مباشراً في ذمة شخص ثالث لم يوقع عليه وليس خلفاً عاماً أو خاصاً لأي من أطرافه، فالمنتفع يكتسب حقاً مباشراً في مواجهة المتعهد لا يتلقاه من المشترط ويكون لدائني المتعهد التمسك في مواجهة المنتفع بكل الدفوع الواردة في عقد الاشتراط.
فالموكل طرفاً في العقد وتنصرف إليه الالتزامات الناشئة عنه على عكس الغير الذي لا يحتج في مواجهته أو يتمسك بالمركز القانوني المتولد عن العقد، مع ملاحظة أن الأثر الملزم للعقد وإن كان لا يمس الغير إلا أنه يحتج في مواجهة الكافة احتراماً للطابع الاجتماعي للحقوق.
وفي تقديرنا أن الإجابة على التساؤل حول مدى تأثر الخلف العام باتفاق التحكيم ترتبط بتكييف اتفاق التحكيم وهل هو حقاً لأطرافه أم التزاماً عليهم، إذ ينبغي ملاحظة أن ما يرد على مبدأ نسبية أثر العقد من استثناءات يتعلق بالحقوق فقط، وهذا ينطبق على الخلف العام وأيضاً في الاشتراط لمصلحة الغير فتمتد الحقوق فقط دون الالتزامات .
أما بالنسبة للخلف الخاص فينتقل إليه الحقوق وأيضاً الالتزامات وإنما بالشروط التي وضعها القانون فالخلف الخاص يعتبر من الغير ولا ينصرف إليه أثر العقد إلا إذا كان سابقاً على انتقال الشيء إليه، أو إذا كان الحق أو الالتزام الناشئ عنه يعد من مستلزمات الشيء أو كان يعلم به وقت انتقاله إليه.
ونحن نرى أن اتفاق التحكيم يعد التزاماً على أطرافه، وليس حقاً لهم باعتبار أنه يشكل قيداً على حرية التقاضي، ويلتزم أطراف الاتفاق بإعمال أثره ما لم يكن باطلاً أو تم التنازل عنه إذن هو التزام على أطرافه وليس حقاً لهم، ومن ثم لا ينتقل اتفاق التحكيم إلى الخلف العام وإن انتقل للخلف الخاص بالشروط السالفة .
فاتفاق التحكيم لا ينتقل إلى الخلف العام ما لم يرتضوه بينما ينتقل إلى الخلف الخاص بالشروط والأوضاع التي حددها القانون أي إذا كان اتفاق التحكيم سابقاً على انتقال العقد وكان الخلف يعلم به وقت انتقال العقد.
وهذا التصور يتماشى مع الطابع الإرادي لاتفاق التحكيم ومع نصوص قانون التحكيم المصري بل والقوانين المقارنة والتي اجتمعت على قول واحد هو وجوب انصراف الإرادة لاختيار التحكيم.
ويبقى أن نسعى لتفسير انتقال اتفاق التحكيم للخلف الخاص رغم أنه يعتبر من الغير بالنسبة لهذا الاتفاق ومدى تعارض انصرافه إليهم مع مبدأ الحرية التعاقدية.
فانتقال أثر اتفاق التحكيم إلى الخلف الخاص رغم أنهم ليسوا أطرافاً فيه ليس مرجعه إلى أنهم من الغير وإنما غير وهمي، ففكرة الغير الوهمي محض افتراض لا يتسق مع الاعتبارات القانونية التي تقوم على الحقائق وليس على الافتراض.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن القول بانصراف أثر اتفاق التحكيم إلى الغير الوهمي لا يفسر الخروج عن المبدأ الأساسي الذي يدور حوله اتفاق التحكيم وجوداً وعدماً . هو ضرورة وجود الإرادة لترتيب الأثر، وهذا مضمون مبدأ نسبية أثر اتفاق التحكيم.
أما من الناحية الموضوعية فإن دور الإرادة ومضمونه يتلخص في أنه يتم تمييز الطرف عن الغير من خلال مبدأ حرية التعاقد وانطلاقاً من مبدأ سلطان الإرادة. فالأطراف يلتزمون بإرادتهم ومن ثم لا يلتزم شخص بعقد لم يكن طرفاً فيه ولم تتوافر لديه نيه التعاقد.
مع ملاحظة أن مجرد ذكر اسم الشخص في اتفاق التحكيم لا يجعله طرفاً، فوصف الطرف لا ينطبق على كل من يرد ذكره في الاتفاق كأحد أطرافه طالما لم نتجه إرادته للالتزام به حتى ولو كانت إجازته ضرورية لإبرامه كالوصي، والسلطة الوصائية كالوزير بالنسبة للهيئات الخاضعة لرقابته.
فالطرف يتطابق مع لفظ العاقد، ويعتبر من الغير كل من لم يكن عاقداً أي موقعاً على العقد، وقد أكدت محكمة النقض أن إسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على إنشاء أو تعديل أو زوال في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه دون أن يعتد بإطلاق على كل من يرد ذكره بالعقد أنه أحد أطرافه طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني .
فإنه وضعاً للأمور في نصابها الصحيح يتعين معالجة مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم من خلال بحث طبيعة شرط التحكيم ذاته باعتباره التزاماً، وتكييف الدفع بوجود اتفاق التحكيم بأنه دفع إجرائي يسقط بالكلام في الموضوع أي بالتنازل عنه ضمناً لا يتعارض مع كونه التزاماً.
فالمدعي قد يتنازل عنه ضمناً بمقتضى لجوئه للقضاء، إلا أن هذا التنازل لا ينتج أثره إلا إذا تنازل المدعى عليه عن حقه في التمسك به صراحة أو ضمناً بالرد على موضوع الدعوى.
وقد أكدت نصوص قانون التحكيم المصري ذات المفهوم عندما تطلب المشرع أن يعبر الأطراف عن إرادة اختيار التحكيم كتابة واعتبر الكتابة شرط لوجود الاتفاق وليس لإثباته، كما اشترطت توقيع الأطراف عليه، فلا ينصرف آثار اتفاق التحكيم لأشخاص لم يوقعوا عليه واعتبرهم من الغير وإزاء هذا الوضوح في صيغة النص نرى أنه لم يعد هناك محل للتساؤل حول مفهوم مغاير للطرف في اتفاق التحكيم سوى مفهوم العاقد أما عن التساؤل عن أثر التوقيع على اتفاق التحكيم دون أن تتجه النية للارتباط به فهو أمر آخر فالقانون يعول على الإرادة الظاهرة التي ظهرت في صورة التوقيع على شرط التحكيم وما يرتبه القانون على ذلك من التزام بآثاره .
وفي ضوء ما تقدم يتضح أن الإرادة في إطار قانون التحكيم المصري مازالت هي قوام اتفاق التحكيم كتصرف قانوني ومبعثاً لترتيب آثاره، غير أننا تنبه إلى ضرورة توافر إرادة حقيقية تدلل عليها عبارات العقد في ضوء معايير موضوعية مستمدة من العرف والثقة المفروضة بين المتعاقدين وطبيعة التعامل، شريطة ألا تتخذ من هذه المعايير عند تطبيقها عملاً ذريعاً لافتراض وجود اتفاق التحكيم فرضاً لا يستند إلى إرادة حقيقية عبر عنها أطراف الاتفاق.
فعند وجود التعبير الصريح والصحيح عن الإرادة لا يكون هناك مجالا للتشكيك في وجودها أصلاً، وفي غيابها لا مجال لمحاولة البحث عنها في ظروف التعامل أو ملابساته، ليظل دور الثقة وحسن النية في التعامل محصوراً في إطار تفسير نطاق ما اتجهت إليه الإرادة وليس لإثبات وجود الإرادة ذاتها.
وقد أكدت محكمة النقض حتى قبل صدور قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 على ضرورة الاعتداد بدور الإرادة في خلق التصرف القانوني وترتيب آثاره بقولها إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها إذ يجب اعتبارها تعبيراً صادقاً. عن إرادتهما المشتركة، وذلك رعاية المبدأ سلطان الإرادة وتحقيقياً لاستقرار التعامل .
كما أوضحت قبل صدور قانون التحكيم أيضاً أن آثار العقد العقد لا تنصرف إلى الغير الذي لم يكن طرفاً فيه. وإذا كانت الطاعنة المشترية، قد اتفقت مع الشركة البائعة بمقتضى عقد البيع المبرم بينهما على أن كل نزاع ينشأ عن هذا العقد يكون الفصل فيه من اختصاص هيئة التحكيم، وإذا لم تكن الشركة الناقلة طرفاً في هذا وتتجدد حقوقها والتزاماتها على أساس عقد النقل المبرم بينها وبين الشركة البائعة فإن شرط التحكيم الوارد في عقد البيع لا يمتد أثره إلى الشركة الناقلة تطبيقاً لمبدأ القوة الملزمة للعقود .
وهذا معناه أن الشركة الناقلة تعتبر من الغير بالنسبة لعقد البيع الذي تضمن اتفاق التحكيم لأن إرادتها لم تنتجه إلى الالتزام به وهذا المفهوم لم يتغير في إطار قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994.
وترتيباً على ذلك يتعين وضع حداً فاصلاً بين الطرف في اتفاق التحكيم والغير هو وجوب توافر الإرادة الحقيقية التي تتجه يقيناً إلى قبول الالتزام بالتحكيم، ويعبر عنها بالتوقيع عليه، وهذا مؤداه رفض الاتجاه المعاصر الذي يروج للأخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف في اتفاق التحكيم تماشياً مع نظرية الثقة فيقر انصراف أثر الاتفاق إلى كل من انصرفت إرادته إلى الارتباط به حتى ولو لم يوقع عليه، ثم يفترض وجود هذه الإرادة افتراضاً نظرياً لا يستند إلى إرادة حقيقية.
إذ يلزم الإستيثاق من اتجاه إرادة الأطراف للارتباط بشرط التحكيم، حتى ولو تبين ذلك من وثيقة أخرى غير العقد، إذ يصح الالتزام بشرط التحكيم ولو ورد هذا التعبير في وثيقة أخرى خلافاً للعقد مادامت موقعة من كلا الطرفين.
فطبقاً لنص المادة 10 / 3 من قانون التحكيم المصري يعتبر اتفاقاً التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد وفي هذا الفرض يتعين الحذر في على التعويل على الظروف المحيطة بالاتفاق، لأن الظروف المحيطة قد تفسر الإرادة ولكنها لا تخلق الرضا ما لم يوجد رضاء موقع من كلا الطرفين معاً.
فالإحالة التي ترد في العقد إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط تحكيم يقتضي حتماً وعلى سبيل اللزوم التثبت من أن الإحالة التي وردت في العقد الأصلي إلى الوثيقة الأخرى التي تتضمن شرط تحكيم انصبت مباشرة على قبول شرط التحكيم وانصراف إرادة الطرفين لاعتباره جزء من العقد إذ لا يفترض قبول الطرفين لشرط التحكيم الذي لم يرد في العقد الأصلي الموقع من الطرفين.
أما في حالة الاتفاق على التحكيم في وثيقة وخلو الوثيقة أو الوثائق الأخرى المرتبطة من وجود اتفاق مغاير في هذا الفرض يكون هناك محلاً للبحث في ظروف التعاقد وملابساته والأخذ بحسن النية في تنفيذ الالتزام والتي قد ترجح امتداد اتفاق التحكيم للنزاع برمته، وهذا يحقق ميزة عملية هامة هي عدم تعارض الأحكام الصادرة، وهو ما سنتناوله عند الحديث عن ضم التحكيمات.
وعند وجود بيانات متعارضة فيما يتعلق بتحديد جهة الاختصاص بنظر المنازعات يكون هنالك محلاً للبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، ومع ذلك يتعذر تقرير وجود اتفاق صريح على الالتجاء للتحكيم في حالة التعبير عن الإرادة على نحو متعارض لا يقطع بحقيقة اختيار الأطراف للتحكيم سواء أكان التنازع بين التحكيم والقضاء أم بين جهتي تحكيم متعارضتين.
فقد يحدث أن اتفاقاً على التحكيم في وثيقة ثم يرد في وثيقة أخرى برد مرتبطة بها يحيل إليها العقد شرطاً يقرر اختصاص القضاء بنظر أية منازعات تنشأ عنه، أو شرطاً للتحكيم أمام جهة أخرى مغايرة، وقد يوقع الطرفان العقد خالياً من شرط تحكيم ثم يبرم أحدهما اتفاقاً مع الغير كضامن لتنفيذ هذا العقد يتضمن شرط تحكيم ويحيل للعقد الأصلي.
هذا الفرض رغم تكرار وقوعه عملاً إلا أنه يصعب تصور تحققه رضاء المتعاقد الأصلي بشرط تحكيم لم يوقع عليه لأنه من الغير بالنسبة لهذا الاتفاق الثاني، وهذه الإحالة للعقد الموقع منه ليس من شأنها أن تنسب إليه قبول شرط التحكيم في وثيقة أخرى لم يوقع عليها، ولم يشر العقد الموقع بين الطرفين إلى قبول شرط التحكيم صراحة .
وفي تقديرنا أنه عند وجود تعارض على نحو يشكك في حقيقة انصراف إرادة الأطراف إلى اختيار التحكيم، فلا مناص من الاتفاق مجدداً على عرض كافة المنازعات على التحكيم وتحديد جهة التحكيم التي تتولى حسم النزاع وإلا فلا محل للقول بوجود اتفاق تحكيم ويتعذر تبعاً لذلك السير في إجراءات التحكيم.
ففضلاً عن الاعتبارات العملية التي تعوق سير إجراءات التحكيم في مثل هذه الفروض لولوجه على غير رغبة الأطراف لا يصح التعويل على ملابسات وظروف التعاقد وحدها لتقرير اتجاه الإرادة لاختيار التحكيم في حالة عدم وجود اتفاق صريح مكتوب ففي حالة وجود شكوك حول حقيقة وجود اتفاق التحكيم يحسم الأمر الصالح اختصاص القضاء وليس التحكيم باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل.
مع ملاحظة أن التحكيم المؤسسي قد يساهم جزئياً في حل هذه الإشكالية. ليس بافتراض وجود الإرادة افتراضاً وهمياً بلا أساس حقيقي لما في ذلك من افتئات على إرادة الأطراف، وإنما يتأتى الحل من إتاحة الفرصة للأطراف للاجتماع في إطار مؤسسة التحكيم طبقاً لما تتيحه لوائحها من تنظيم إجرائي يتسم بالمرونة ليعيد الأطراف صياغة اتفاقهم وإعادة ترتيب أوراقهم في جو من الود بعيداً عن الدد الخصومة من خلال جلسات تمهيدية يعقدها القائمون على مؤسسات التحكيم ما لم تكن هناك عقبة قانونية أو مادية تحول دون ذلك وفي هذه الحالة تعلن مؤسسة التحكيم تعذر اللجوء للتحكيم حسماً لهذا النزاع.
وهذا هو الدور الحقيقي المنوط بهذه المؤسسات والتي تقاعست أغلبها إن لم يكن جميعها عن القيام به لتجعل من إجراءات التحكيم سلسلة روتينية من الإجراءات الباهظة التكاليف ولا تختلف عن الإجراءات أمام المحاكم إلا في توخي السرعة ولو على حساب العدالة الموضوعية.
فما تعكسه ممارسات هيئات التحكيم من افتراض وجود اتفاق التحكيم فرضاً وإجبار الخصوم على البدء في إجراءات تحكيم قد لا تتوافر لها عناصر الصحة مما يعرض الحكم الصادر للبطلان أو عدم الاعتراف به أو رفض تنفيذه، وما قد يرتبط به من التحيز للمدعي الذي يبادر باللجوء للتحكيم ودفع مصروفاته لتصبح عملية التحكيم في مثل هذه الفروض سلباً للحقوق وليس اقتضاء لها، وهو ما يجب أن تحذر له مؤسسات التحكيم وتعدل من مسارها على نحو ما فعلت غرفة التجارة الدولية في مناسبات مشابهة حرصاً على الثقة التي يوليها لها أطراف العقود الدولية.