الأصل أن العقد يتمتع بقوة الإلزام في مواجهة أطرافه ولا تقوم في مواجهة الغير إلا فى أحوال خاصة يقررها القانون خروجــا علـى هـذا الأصل، وهذا ما يعرف بأثر العقد من حيث الأشخاص.
وكما ذكرنا مُسبقاً فإن العقد لا يلزم سوى طرفيه اللذين نشأ بينهما، إلا أن الإنسان كثيراً ما يتدخل لإبرام عقد أو اتفاق في شأن من شئون غيره، وهنــا يثور التساؤل عمن يكون طرف العقد أو الاتفاق؟ وتتوقف الإجابة على ما إذا كان الشخص الذي أبرم العقد قد أبرمه بصفته الشخصية رغم أنه يتعلق بشأن غيره أو أنه أبرمه بصفته نائباً عن صاحب الشأن. كما في حالة الوكالة، والتعهد عن الغير وحالة تعدد أصحاب الحق المتنازع عليه أو تعدد المسئولين عنه على نحو ما نجده في التضامن وفى كفالة الدين وخاطب الضمان.
إلا أن نظرة الفقه الحديث لمفهوم الطرف قد تغيرت واتسع نطاق هذه الفكرة ليضم تحت لوائه الغير الوهمي أو الغير القريب.
أن محكمة النقض المصرية قد عبرت عن هذه الطائفة من الغير بالأطراف ذو الشأن في العقد ومن هؤلاء المرسل إليه فى عقد الشحن ، وبمعنى أشمل يمكن القول أنهم "الغير صاحب المصلحة" كما سنتحقق من ذلك في حينه.
وكما أن لمفهوم نفاذ العقد التزام سلبى تجاه الغير بعدم انتهاك عقود الآخرين إلا أن لمفهوم النفاذ جانب آخر عندما يأخذ واجب الاحترام الناشئ عنه شكلاً إيجابياً داخل المجموعات العقدية .
ومن ثم فإن عدم الخلط بين مبدأ نسبية العقود ومبدأ نفاذها يؤدى بنا إلى القول أن العقد من منطلق نفاذه بصفته واقعة يتولد عنه أثر خارجي هام مفاده التزام الغير باحترام عقود الآخرين، إذا استوفت شروط نفاذها في مواجهته وخاصة شرط العلم، وفى حالة الإخلال بهذا الإلتزام تتقرر مسئولية الغير، وهذه المسئولية مترتبة على الإخلال بواجب عام قوامه احترام عقود الآخرين وعدم انتهاكها بتصرفات لاحقة، وبالطبع فإن مصدر هذا الواجب ليس العقد ولكن نفاذ هذا العقد.
هذا وإذا كان الغير وبناءً على مبدأ النفاذ مُلزماً باحترام العقد القائم من منطلق كونه واقعة قانونية، فإن أطراف هذا العقد أيضاً وبناءً على نفس المنطق يقع عليهم واجب احترام مقتضى العلاقة القائمة بينهما، ليس فيما يتعلق بعلاقتهما المتبادلة وفي نطاق الأثر الملزم للعقد فحسب ولكن علاوة على ذلك بالنسبة لعلاقتهم بالغير وفي إطار نفاذ العقد كواقعة قانونية. والغير في هذه الدرجة من النفاذ يبدو بالضرورة ذو رابطة قانونية بأحد أطراف علاقة عقدية قائمة إذا ما تحقق فرض حدوث الإخلال بهذا الواجب العام بالاحترام، وواجب الاحترام المتولد عن هذه الدرجة من النفاذ يقيم مسئولية من أخل وفقا للمبادئ القانونية العامة وهى مسئولية مصدرها نفاذ العقد، وليس العمل غير المشروع.
وإذا ما حاولنا توضيح الكلام السابق من خلال التعرض لأحد أحكام محكمة النقض المصرية والصادر في ١٧ يونيو ١٩٦٥ والذي جاء في حيثياته.
".....إن قانون التجارة يجعل من المرسل إليه طرفاً ذا شأن في سند الشحن باعتباره صاحب المصلحة فى عملية الشحن يتكافأ مركزه حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل ومركز الشاحن وأنه يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن ومنذ ارتباط هذا الأخير به، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى في نطاق سلطته الموضوعية إلى أن سند الشحن قد تضمن الإحالة إلى شرط التحكيم الوارد في مشارطة الإيجار فإن مقتضى هذه الإحالة أن يعتبر شرط التحكيم ضمن شروط سند الشحن فيلتزم به المرسل إليه لعلمه به من نسخة سند الشحن المرسلة إليه".