والخلف الخاص بعكس الخلف العام لا تنصرف إليه آثار العقود التي يبرمها السلف. ومع ذلك تنصرف إليه أثار هذه العقود إذا توافر الشرطان اللذان حددتهما المادة (١٤٦) من القانون المدني المصري والتي نصت على أنه: "إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه".
وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية بقولها إن: "مفاد المادة (١٤٦) من التقنين المدني أن انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص لا يصادف محلاً إلا إذا كان متعلقاً بالشيء الذي انتقل إليه. وكان عقد السلف سابقا على العقد الذي بموجبه انتقل الشيء إلى الخلف، أما العقود التي يبرمها السلف في شأن الشيء المستخلف فيه بعد انتقاله إلى الخلف، فيعتبر الأخير من الغير بالنسبة إليها ولا يسري أثرها عليه.
كما قضت أيضاً بأن : مفاد" نص المادة (١٤٦) من القانون المدني أنها إذ تقرر قاعدة عامة بشأن انصراف أثر العقد إلى الخلـف الخــاص اشترطت أن يكون انتقال ملكية الشيء إليه قد جاء بعد إبرام العقد الذي ينصرف أثره إلى الخلف، وأن يكون الخلف الخاص عالما بالعقد وقت انتقال الملكية إليه. وإذ لم تتطلب هذه المادة أن يكون العقد ثابت التاريخ، فذلك لأن العلم من جانب الخلف الخاص يقوم مقام ثبوت التاريخ، ويُعدُّ طريقا من طرق إثبات تاريخ الورقة العرفية فتصبح الورقة حجة عليه من وقت علمه بها بوصفه خلفاً خاصاً .
إذا لم يكن الحق أو الالتزام من مستلزمات الشيء الذي انتقل إلى الخلف الخاص فإن هذا الأخير لا يكتسب هذا الحق ولا يتحمل هذا الالتزام. حتى تنصرف آثار اتفاق التحكيم إلى الخلف الخاص يجب أن يتوافر الشرطان التاليان:
أولاً: يجب أن يكون اتفاق التحكيم من مستلزمات العقد الأصلي. وهذا الشرط متحقق على اعتبار أن اتفاق التحكيم إنما ينصب على المنازعات الناشئة عن العقد الأصلي وليس غيره .
ثانياً: يجب أن يكون الخلف الخاص على علم باتفاق التحكيم. وهنا نميز بين حالتين:
1- أن يكون اتفاق التحكيم وارداً ضمن بنود العقد الأصلي الذي انتقل إلــى الخلف الخاص بمقتضى قواعد الخلافة أو مشاراً إليه فيه. وفي هذه الحالة يكون العلم بشرط التحكيم متحققا بالضرورة تبعا لتحقق العلم بالعقد الأصلي.
2- أن يكون اتفاق التحكيم منفصلا عن العقد الأصلي وغير مشار إليه فيه.
في هذه الحالة يكون بمقدور الخلف التمسك بعدم انتقال اتفاق التحكيم إليه رغم انتقال العقد الأصلي إليه.
وتتعدد صور انتقال اتفاق التحكيم مع العقد الأصلى: فقد تأخذ صورة حوالة حق أو حوالة دين أو حوالة عقد، كما قد تتم بصورة حلول سواء حلول قانوني أو حلول اتفاقي.
أولا: حوالة الحق:
وتتلخص وقائع القضية التي صدر فيها الحكم في أن الشركة الألمانية المنتجة للأفلام، تعاقدت في ۱۹۵۸/۲/۱۸ مع الشركة الفرنسية ( Les films modernes) لإنتاج فيلم مشترك بعنوان (Madchen in uniform). وتضمن العقد توزيع واستثمار الفيلم في العالم وبنسبة ٧٠٪ للشركة الألمانية، ٣٠٪ للشركة الفرنسية، وتضمن العقد المذكور شرطاً ورد في البند ١٤ منه مفاده أن جميع الخلافات التي يمكن أن تثار عن تفسير العقد أو تنفيذه تعرض على هيئة التحكيم، فضلا عن أن العقد تضمن كيفية تشكيل هيئة التحكيم. تم تصفية الشركة الفرنسية في ۱۹۷۲/۲/۱۱، تنازلت الشركة المذكورة في ۱۹۷٧٤/١/٢٤ عن جميع حقوقها إلى شركة E.D.I.F وهي شركة توزيع الأفلام أيضاً في ليشتشتاين، ومن تلك الحقوق ستة عشر فيلماً من بينها الفيلم المذكور أعلاه، وعلى إثر بيع هذه الشركة الأخيرة حقوق استغلال الفيلم المشار إليه، ثار بينها وبين الشركة الألمانية نزاع، فطلبت شركة E.D.I.F اتخاذ الإجراءات الخاصة بالتحكيم مستندة إلى الاتفاق الذي تم في ١٩٥٨/٢/١٨ مع الشركة الألمانية.
اعترضت الشركة الألمانية على ذلك، ودفعت بعدم اختصاص هيئة التحكيم لعدم وجود اتفاق التحكيم بينها وبين ،E.D.I.F، وأن هذه الأخيرة لا تتمتع بأي حق على الفيلم رغم ذلك تم تشكيل هيئة التحكيم، وقد رفضت الطعن في عدم اختصاصها، في قرارهـا الذي صدر بتاريخ ٩٨٦/٣/٧ ا و اعتبرت أن شركة E.D.I.F خلفا للشركة الفرنسية، ويثبت حقها على الفيلم المذكور، وكذلك حقها في التمسك بشرط التحكيم.
طعنت الشركة الألمانية في الحكم أمام محكمة استئناف باريس طالبة إبطاله. قضت المحكمة برفض الطعن ١٩٨٦/٧/٣٠ تأسيساً على أن الحوالة من الشركة الفرنسية إلى شركة E.D.I.F تتضمن انتقال جميع الحقوق، ومن بينها حق اللجوء إلى التحكيم الذي ورد في الاتفاق مع الشركة الألمانية، حيث ورد بالحكم أن مثل هذه الحوالة تتضمن بالضرورة حوالة شرط التحكيم من المحيل إلى المحال له، لأن مثل هذا الشرط لا ينفصم عن اقتصاديات العقد .
ثانياً: حوالة الدين:
تتم حوالة الدين بالاتفاق. وهذا الاتفاق يأخذ إحدى صورتين :
1 - الصورة الأولى: تتم باتفاق بين المدين الأصلي وشخص من الغير يقبل أن يتحمل الدين بدلاً منه.
٢ - الصورة الثانية: تتم باتفاق بين الدائن وشخص من الغير، أن يتحمل هذا الأخير الدين بدلاً من المدين الأصلي.
وإذا كانت حوالة الدين تنعقد دون حاجة إلى رضا الدائن بها، إلا أنها لا تنفذ في مواجهته إلا إذا أقرها.
وعليه يمكن طرح التساؤل التالي:
هل يمكن الاحتجاج باتفاق التحكيم المبرم بين الدائن والمدين الأصلي في مواجهة المحال عليه؟.
يمكن القول - على غرار ما هو عليه الحال بالنسبة لحوالة الحق - بانصراف آثار اتفاق التحكيم المبرم بين الدائن والمدين الأصلي في مواجهة المحال عليه، على اعتبار أن اتفاق التحكيم يُعد من مستلزمات الدين المحال به. بشرط ثبوت علم المحال عليه بوجود هذا الاتفاق.
ثالثاً:حوالة العقد :
ففي حوالة العقد يتم التنازل عن الاتفاق الأصلي برمته بكل ما ينبثق عنه من حقوق والتزامات.
وإذا كان العقد الأصلي يتضمن اتفاقاً على التحكيم، فقد جرى القضاء على أنه في حالة حوالة العقد فإن آثار هذا الاتفاق تمتد إلى المحال إليه بوصفه طرفا في العقد.
رابعاً: الحلول:
تنص المادة (۳۲۹) من القانون المدني المصري على أنه: "من حلّ قانوناً أو اتفاقاً محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص، وما يلحقه من توابع، وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع، ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من ماله من حل محل الدائن".
وإذا كان هناك اتفاق تحكيم مبرم بين الدائن والمدين فإن التساؤل الذي يمكن طرحه:
هل ينتج هذا الاتفاق أثره في حق الغير الموفي عند رجوعة على المدين بما أوفاه عنه؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل تتوقف على تحديد الدعوى التي يرجع بها الغير الموفي على المدين بما أوفاه عنه .
فإذا كان قد رجع عليه بالدعوى الشخصية (دعوى الفضالة، دعوى الإثراء بلا سبب ...) ، كان غير ملزم باتفاق التحكيم المبرم بين الدائن والمدين لأنـه يرجع عليه بحق شخصي، وليس بحق للدائن الذي أوفاه.
أما إذا كان قد رجع عليه بدعوى الحلول وفي هذا الفرض يحل الغير الموفي محل الدائن المستوفي في ذات الحق الذي أوفاه بما يتمتع بــه مـن خصائص وتوابع وغير ذلك فإن اتفاق التحكيم باعتباره من مستلزمات هذا الحق، فإن آثاره تنصرف إلى الغير الموفي بشرط ثبوت علمه به، إعمالاً للقواعد العامة في انتقال الالتزامات إلى الخلف الخاص.