أما عن امتداد شرط التحكيم للخلف باعتباره من الغير، فقد فرض القانون معنى محدد للغير كالوارث والخلف العام والخاص حماية لمصلحته ولذا يعد الوارث نموذجاً للمصلحة كمناط لاعتبار الغير طرف بنص القانون أي أن المصلحة المعتبرة قانوناً غيرت وصف الغير ليصبح طرفاً.
غير أن هذا الاستثناء لا ينطبق إلا حيال الواقعة التي حددها القانون فقط، وقصد من ورائها حماية حق معين وهذا الوضع له خصوصيته لأن الوارث أجنبي عن تصرف موروثه، ويكون الوارث استثناء من الأصل العام طرفاً بالنسبة لتصرفات مورثه وذلك حماية لحقه.
لذلك اعتبرته محكمة النقض من الغير عندما قررت أن حق الوارث في الطعن على تصرف المورثه في حقيقته وصية لا بيع قصد به التحايل على أحكام الإرث المقررة شرعاً هو حق مصدره القانون وليس حقاً يتلقاه من مورثه، ومن ثم يكون الحكم الصادر في حكم الغير فيما يختص بتصرفات مورثه الضارة والماسة بحقه في الإرث .
هذا ويشترط لانتقال الحق أو الالتزام الناشئ عن العقد ألا تتعارض طبيعة هذا الحق أو الالتزام مع انتقاله إلى الخلف العام لمانع أدبي أو قانوني وألا يرد نص قانوني يقضي صراحة بعدم انصراف أثر العقد إلى الخلف العام كالمادة 528 مدني التي تقضي بانقضاء الشركة بموت أحد الشركاء، والمادة 1714 التي نقضي بانقضاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل وينتقل إلى الوارث شرط التحكيم المتضمن في العقد.
أما عند انتقال شرط التحكيم إلى الخلف الخاص، ويقصد به من يتلقى من سلفه حقاً معيناً سواء أكان حقاً عينياً أو شخصياً أو يرد على شيء مادي كالمشتري والمحال إليه، أو عند الاستخلاف في حق شخصي كالناشر الذي يعد . خلفاً للمؤلف في حق النشر.
فقد اعتبرت المادة 146 من القانون المدني الخلف الخاص من الغير بالنسبة لعقود سلفه، ووضعت شروطاً لاعتباره طرفاً وانتقال الحقوق والالتزامات إليه فنصت على أنه إذا نشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف يعلم به وقت انتقال الشيء...
وطبقاً للمادة السالفة يتعين أن يكون عقد السلف سابقاً على التصرف الذي انتقل به الحق إلى الخلف الخاص، فإذا كان العقد لاحقاً على التصرف فإن الخلف الخاص يكون أجنبياً العقد ولا ينصرف أثره إليه وهذا يقتضي أن يكون عقد عن السلف ثابت التاريخ .
وأن يكون الحق أو الالتزام ناشئ عن عقد السلف من مستلزمات الشيء الذي انتقل إلى الخلف الخاص، ويعتبر الحق من مستلزمات الشيء إذا كان مكملاً له، أو إذا كان محدداً له، ويكون الحق مكملاً للشيء إذا كان من شأنه حفظه وتقويته أو درء الخطر عنه.
كما يتعين أن يكون الشيء وليس المالك هو محل الاعتبار في تقرير هذا الحق. وأن يكون هذا الحق لا يمكن أن يستعمله إلا مالك الشيء، كحق الارتفاق والتأمين الشخصي والعيني وعقد التأمين فهذه الحقوق تنتقل إلى الخلف الخاص باعتبارها مكملة للشيء الذي انتقل إليه.
فإذا لم يكن مكملاً للشيء فلا ينتقل إلى الخلف الخاص كعقد مقاولة البناء الذي يبرمه مالك الأرض قبل بيعها وعقد وديعة السيارة الذي يبرمه المالك قبل بيعها، ومن هذا المنطلق لا يعد المستأجر خلفاً خاصاً للمؤجر بل دائناً له، لأن حقه الشخصي نشأ مباشرة في مواجهته.
أما بالنسبة للالتزام فإنه ينتقل إلى الخلف الخاص إذا كان محدداً للشيء. أي إذا كان يضيق أو يحدد سلطات المالك على الشيء، ويجب ألا يكون في استطاعة غير المالك تنفيذه عيناً، وأن يكون الشيء هو محل الاعتبار في تقريره وليس شخصية المالك، كالتزام صاحب المتجر بعدم المنافسة أو بعدم ممارسة نشاط معين.
بالإضافة إلى شرط أساسي هو أنه يجب أن يكون الخلف الخاص عالماً وقت انتقال الشيء إليه بالعقد الذي أبرمه سلفاً، وهذا ما يهمنا أن نركز عليه فيما يتعلق بانتقال شرط التحكيم للخلف الخاص هو أنه يجب أن يكون الخلف الخاص عالماً وقت انتقال الشيء إليه بالعقد الذي أبرمه سلفه، ويرى البعض أن هذا العلم ضرورياً بالنسبة للالتزامات فقط ولا أهميه لعلمه بالحقوق حتى يستفيد منها.
ونحن نؤكد تأييداً لهذا الرأي على أنه بالنسبة لامتداد اتفاق التحكيم للخلف الخاص باعتباره التزاماً عليه وليس حقاً له يلزم توافر الإرادة الصحيحة والتي تتحقق بالعلم بوجود اتفاق التحكيم وعدم الاعتراض عليه لأن العلم الحقيقي دون اعتراض يفيد انصراف إرادته إلى قبوله.
فالدائن يتأثر بالعقود التي يبرمها مدينه وقد أسبغ عليه القانون هذه الحماية بشروط معينة حفاظاً على حقه، وهذه الحماية لا تجعله طرفاً في العقد وخاصة بالنسبة لاتفاق التحكيم الذي يتضمنه.
فالإرادة هي مصدر التصرف القانوني وجوهره والمرجع لتحديد مداه ويكفي آثاراً قانونية أن تتدخل الإرادة المقابلة إيجابياً بالقبول أو سلبياً. لكي تنتج بعدم الاعتراض في حالة العلم اليقيني، فالإرادة هي مصدر التزام الطرف وهي المحدد لنطاق التزاماته عندما ترتبط الإرادة بأخرى أو أكثر في العقد.
امتداد شرط التحكيم في عقود المقاولة من الباطن
أما عن امتداد شرط التحكيم الوارد في عقود المقاولة إلى عقد المقاولة من الباطن، فإنه بالنسبة للمركز القانوني للمقاول من الباطن فإن العبرة تكون بما اتجهت إليه إرادته للالتزام به، فإذا تضمن عقد المقاولة من الباطن شرط تحكيم التزم به مقاول الباطن وكذا إذا أحال عقد المقاولة من الباطن صراحة إلى شرط التحكيم الوارد في التعاقد الأصلي مع جهة الإدارة.
مع ملاحظة وجود صعوبة عملية تعوق إعمال شرط التحكيم في عقد المقاولة من الباطن حتى رغم توافر الإرادة هي اصطدام اتفاق التحكيم بمبدأ عدم جواز تجزئة النزاع عندما يخضع العقد الأصلي لاختصاص القضاء الإداري، إذ أن غالبية عقود المقاولة تعتبر عقوداً إدارية ويختص القضاء الإداري دون غيره بنظر المنازعات الناشئة عنها.
فإذا كان المقاول من الباطن ليس طرفاً في التعاقد مع جهة الإدارة فإنه لن يكون طرفاً في النزاع الذي يعرض على القضاء الإداري، وفي حالة وجود شرط تحكيم في التعاقد من الباطن قد تهدد أواصر الخصومة بالتمزق بين التحكيم والقضاء الإداري، وقد يكون من الملائم أن تأمر هيئة التحكيم بوقف خصومة التحكيم إذا ما رفعت إليها الدعوى بالفعل انتظاراً لصدور حكم القضاء تفادياً التعارض الأحكام وتيسيراً للإثبات.
مع ملاحظة أنه لا يوجد تماثل بين العقد الأصلي والتعاقد من الباطن فعندما تقرر جهة الإدارة إجراء تعديلات عقدية بما لها من سلطة عامة وانطلاقاً من احتياجات المرفق العام يلتزم بها المقاول الأصلي ولكنها لا تلزم المقاول من الباطن ما لم يتم التفاوض والوصول لاتفاق عقدي بشأنه من خلال إجراء تعديل مماثل للتعاقد من الباطن بموافقة أطرافه وليس بالإرادة المنفردة للمتعاقد الأصلي ما لم يحرص المقاول الأصلي على النص في التعاقد من الباطن على التزام المقاول من الباطن بكافة التعديلات التي تجريها جهة الإدارة.
أو يتضمن التعاقد من الباطن إحالة للشروط العامة والقواعد التي تضمنها العقد الإداري، وفي هذا الفرض تكون هذه الإحالة التي تضمنها التعاقد من الباطن هي مصدر التزام المتعاقد من الباطن وليس تعديل العقد الإداري من قبل الإدارة لأنه ليس طرفاً فيه.
فبغير الإحالة لهذه الشروط لا سبيل لتطبيق النصوص الواردة في دفتر الشروط العامة أو التعديلات العقدية التي تطرأ على التعاقد، فالمتعاقد من الباطن لا يخضع وهو بصدد تنفيذ التزاماته بمقتضى عقد الباطن إلى القواعد التي تحكم التعاقد الأصلي في تنفيذ التزاماته سواء من حيث طريقة التنفيذ أو مدته وشروطه أو الجزاءات التي توقع عليه في حالة التنفيذ المعيب أو التأخر فيه.
فعندما يحرص المتعاقد الأصلي على تضمين التعاقد من الباطن كافة الشروط التي تضمنها عقد الإدارة، وفي هذه الحالة تعتبر شروطاً عقدية تستمد قوتها من عقد الباطن وليس من عقد المقاول الأصلي مع الإدارة، ونرى أنه حتى في حالة عدم تضمين العقد من الباطن هذه الشروط فيمكن تطبيق الشروط التي تضمنها العقد الإداري في الحدود التي لا تتعارض مع شروط عقد الباطن، وبشرط إثبات علم المتعاقد من الباطن بها علماً تفصيلياً كأن يرفق بالعقد أو يشار فيه إلى اطلاعه عليه، وذلك باعتبارها شرطاً ملحوظاً في التعاقد.
ويرى البعض أنه عند حدوث نزاع بين المتعاقد الأصلي والمتعاقد من الباطن حول تفسير شروط العقد أو العكس أي عند اختلاف المتعاقد الأصلي مع جهة الإدارة حول تفسير شروط العقد الإداري فيمكن الاستعانة بالعقد الإداري لتفسيره.
إلا أننا لا نؤيد هذا الرأي لاستقلال كلا العقدين كما أن التعاقد من الباطن يصعب تفسير أحكامه في ضوء العقد الإداري وما تضمنه من التزامات متشابكة ومتكاتفة تخلق في مجموعها كياناً متميزاً من القواعد قد لا تفيد في تفسير التزامات المتعاقد من الباطن التي تقتصر على جانب من العقد.
وقد يثور التساؤل حول مدى التزام المتعاقد من الباطن بما يضمنه المتعاقد الأصلي في العقد أو يحيل إليها من شروط غير مألوفة فرضتها الإدارة عليه بما لها من سلطة عامة واستهدافاً للمصلحة العامة كحق الانفراد بتعديل العقد دون حاجة لموافقته أو حقها في توقيع جزاءات مالية عليه دون اللجوء إلى القضاء أو ما شابه ذلك لحسم النزاع.
ويرى البعض أن مبدأ الحرية التعاقدية يجيز للأفراد أن يضمنوا عقودهم ما يشاءون من شروط مادامت لا تخالف النظام العام والآداب، وفي حالة تضمنها للتعاقد من الباطن تسري على مقاول الباطن رغم كونها شروطاً استثنائية غير مألوفة.
وترى أن الصعوبة في قبول هذا الرأي هو اصطدام هذه الشروط الاستثنائية المألوفة التي تملك جهة الإدارة فرضها بما لها من سلطة عامة على المتعاقد معها ، ولا يتسنى للمقاول الأصلي فرضها على المتعاقد معه من الباطن، أو الاحتجاج بها عليه.
فتضمين التعاقد من الباطن هذه الشروط الاستثنائية غير المألوفة كالحجز الإداري والمصادرة يعد في ذاته مخالفاً للنظام العام، لذلك يفرق البعض بين حالتين عندما يكون المتعاقد الأصلي شخصاً أشخاص القانون العام، ففي هذه الحالة يجوز للمتعاقد الأصلي أن يضمن اتفاق التعاقد من الباطن شروطاً استثنائية غير من مألوفة في نطاق القانون الخاص.
والثانية أن يكون المتعاقد الأصلي شخصاً من أشخاص القانون الخاص فيرى وجوب النظر إلى كل شرط من الشروط الاستثنائية التي تضمنها اتفاق التعاقد من الباطن على حد حيث لا يملك المتعاقد الأصلي صلاحية مطلقة في إدراج الشروط الاستثنائية التي يملك إدراجها في العقد الأصلي.
فهناك طائفة من الشروط الاستثنائية لا يجوز للمتعاقد الأصلي باعتباره شخصاً من أشخاص القانون الخاص أن يدرجها في اتفاق التعاقد من الباطن وهي تلك الشروط التي لها طابع السلطة العامة وذلك حتى في الحالات التي يتم فيها التعاقد من الباطن بموافقة الجهة الإدارية المتعاقدة.
أما عن شرط التحكيم ومدى اعتباره شرطاً استثنائياً ومن ثم انتقاله من العقد الأصلي إلى التعاقد من الباطن فلا يجوز ما لم تكن هناك إحالة صريحة إليه في عقد الباطن أو إحالة عامة لكافة شروط العقد. وفي هذه الحالة يحق لجهة الإدارة الاعتراض على انضمامه أو تدخله في خصومة التحكيم.
وذلك احتراماً للدور الذي تلعبه إرادة الأطراف في خصومة التحكيم بدءاً من صياغة شرط التحكيم أو مشارطته مروراً بإجراءات التحكيم التي قد يستقل الأطراف بصياغتها أو يشتركا مع المحكم في ذلك، وقد تتولى مؤسسة التحكيم إدارة الإجراءات طبقاً للوائحها.
والعكس في حالة موافقة جهة الإدارة على التعاقد من الباطن وأثر ذلك على امتداد شرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي إلى المتعاقد من الباطن، إذ لا يحق لجهة الإدارة الاعتراض على تدخل مقاول الباطن في الخصومة القائمة بينها وبين المقاول الأصلي.
وقد يتم الاتفاق في العقد الأصلي على انضمام مقاول الباطن لإجراءات التحكيم المنعقدة بين المقاول الأصلي ورب العمل، وهنا يصبح المقاول من الباطن طرفاً أصيلاً في خصومة التحكيم بمقتضى هذا الاتفاق وليس بمقتضى عقد المقاولة من الباطن في ذاته. وإن كانت هذه المسائل تقتضي تدخل المشرع لحسمها بتنظيم تشريعي ليضع الضوابط التي تحكمها، ونأمل ألا يغفل قانون القضاء التجاري والاستثماري والذي سيعرض على المجلس التشريعي والمنتظر صدوره هذه المسائل الهامة حتى يأتي متوافقاً مع احتياجات الواقع العملي ويسد الثغرات التي خلفتها أحكام قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994.
فالتعاقد من الباطن أصبح ضرورياً لإتمام غالبية العمليات التجارية وهذا يتطلب إطاراً قانونياً جديداً من أجل تيسيرها وإحكام السيطرة عليها، كما صارت العقود النموذجية كثيرة الاستخدام وارتبط بظهورها ظهور فكرة المسئولية عن فعل الغير في إطار المسئولية العقدية، وهذا يثير مسألة ضم الدعاوى أو إدخال خصومة جدد في خصومة التحكيم كأثر لهذا الارتباط وهو ما ستناوله في الفصل الثاني من هذا البحث.
وننوه في هذا المقام إلى اتجاه التشريعات المقارنة لتعديل قواعد المسئولية في أنماط معينة من التعاملات تماشياً التطورات الاقتصادية وظهور أوضاع مستجدة يهمنا الإشارة إليها، فعلى سبيل المثال تضمن القانون الألماني والسويسري نصاً عاماً فرض بمقتضاه على المدين الذي يستعين بغيره أو يحله محله في تنفيذ التزاماته أن يتحمل المسئولية التي تنشأ عن الإخلال بالعقد من قبلهم، وهذا ينطبق على مسئولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن.
وترتيباً على ذلك عندما نثار مسئولية المقاول من الباطن في إطار خصومة تحكيم يحق للغير أن يطلب إدخال المقاول الأصلي باعتباره مسئولاً بمقتضى هذا النص عن الإخلال الذي يرتكبه المقاول من الباطن في مواجهة الغير.
ورغم أن القانون الفرنسي لم يتضمن مبدأ عاماً يقرر المسئولية العقدية عن فعل الغير إلا أنه حرص على تقرير هذه المسئولية في عقود معينة كالمقاولة والوكالة والنقل بنصوص متفرقة تضمن القانون المدني بعضها وتضمن القانون التجاري البعض الآخر، فتجد المادة 1797، تقرر مسئولية المقاول عن فعل الأشخاص الذين يستخدمهم، والمادة 1831/ 1 والمعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 1978 تجعل متعهد البناء ضامناً لتنفيذ الالتزامات التي تعهد بها الأشخاص الذين تعاقد معهم باسم رب العمل ، والمادة 99 من قانون التجارة التي تجمل وكيل النقل الرئيسي مسئولاً عن الناقلين الوسطاء الذين يعهد إليهم بتنفيذ أجزاء الرحلة.
وهذه المسئولية التعاقدية عن فعل الغير لم تتقرر كمبدأ عام، وفيما عدا الحالات التي نص عليها القانون يظل الأساس الوحيد هو المسئولية الشخصية المبنية على خطأ شخصي يتمثل في الخطأ في اختيار الأشخاص الذين عهد إليهم بتنفيذ التزاماته، وهذا يجعل له صفة في الدعوى تبرر اعتباره طرفاً في إجراءات التحكيم، وطلب إدخاله في الخصومة إذا ما قبل ذلك.