لما كان السلف يمثل الخلف في العقد، لذلك سنبين أثر اتفاق التحكيم الذي يبرمه السلف بالنسبة لخلفه سواء أكان هذا الخلف عاماً أم خاصاً.
الخلف العام
إن قاعدة انصراف آثار العقد إلى الخلف العام تُعَدُّ من المبادئ المستقرة في القانون المدني. وهذا ما أكدته المادة (١٤٥) من القانون المدني المصري والمقابلة للمادة (١٤٦) من القانون المدني السوري- والتي تنص على أنه : " ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام، دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، مالم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام".
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها التي قضت فيها بأنه يترتب على انصراف أثر العقد إلى الخلف العام أنه يسري في حقه ما يسري في حق السلف بشأن هذا العقد، فلا يشترط إذن ثبوت تاريخ العقد أو تسجيله حتى يكون التصرف حجة للخلف أو عليه، لأنه يعتبر قائما مقام المورث ويلتزم بتنفيذ ما التزم به مورثه طالما أن العقد قد نشأ صحيحا، وخلصت له قوته الملزمة.
كما قضت في حكم آخر أنه: "يبين من نص المادة (١٤٥) من القانون المدني ومذكرتها الإيضاحية أنها وضعت قاعدة عامة تقضي بأن آثار العقد لا تقتصر على المتعاقدين بل تجاوزهم إلى من يخلفهم خلافة عامة عن طريق الميراث أو الوصية، واستثنى من هذه القاعدة الحالات التي تكون فيها العلاقة القانونية شخصية بحتة، وهي تستخلص من إرادة المتعاقدين صريحة أو ضمنية أو من طبيعة العقد أو من نص في القانون".
وترتيباً على ذلك فقد قُضي بأن: اتفاق التحكيم لا ينصرف أثره إلى المتعاقدين فحسب، وإنما يُلزم أيضاً الخلف العام والخلف الخاص للمتعاقد، مالم يُنص في الاتفاق على خلاف ذلك " .
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية عندما قضت بأن: اندماج الشركة في أخرى، مؤداه زوال شخصية الشركة المندمجة وخلافة الشركة الدامجة لها خلافة عامة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وتكون الشركة الدامجة وحدها و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة هي - الجهة التي تختصم في خصوص هذه الحقوق والالتزامات، لأن الشركة المندمجة التي زالت شخصيتها قد انقضت بالاندماج.
وهذا ما أكده أيضاً القضاء الفرنسي في أحد أحكامه الذي قضى فيه بأن: ادماج شركة في شركة أخرى يترتب عليه انتقال شرط التحكيم مــــن الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة.
أما عن أثر انقسام الشركة على اتفاق التحكيم المبرم بواسطة الشركة المنقسمة فقد بأن: "الشركات السبع الناتجة عن انقسام الشركة التـى كانت طرفا في الاتفاق المنصوص فيه على شرط التحكيم يلتزمن على وجه التضامن بمقتضى هذا الشرط ".
وإذا كان الخلف العام يعتبر كقاعدة عامة طرفاً في العقود التي یبرمها سلفه على اعتبار أن السلف يمثل الخلف العام، إلا أن هذه القاعدة -وحسبما ذهبت إليه المادة (١٤٥) من القانون المدني المصري يرد عليها بعض الاستثناءات التي ترجع إما إلى طبيعة التعامل أو إلى اتفاق الأطراف أو حكم القانون. وفي مثل هذه الحالات يعتبر الخلف العام من الغير، ومن ثم لا تنصرف إليه آثار العقد.
سبق أن ذكرنا أن اتفاق التحكيم ينتقل بكل آثاره من السلف إلــى الخلف العام. ولكن إذا اتفق أطراف العقد الأصلي على انقضاء هذا العقد بوفاة أحد طرفيه، أو نص القانون على انقضائه بالوفاة، أو كانت طبيعة العقد ذلك فإن التساؤل الذي يمكن طرحه:
ما أثر ذلك على اتفاق التحكيم الذي يتضمنه العقد الأصلي، فهل انقضاء هذا الأخير يؤدي إلى انقضاء اتفاق التحكيم الذي يتضمنه؟.
ذهب جانب من الفقه المصري - ونحن نوافقه فيما ذهب إليه- إلى أن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في نص المادة (۲۳) من قانون التحكيم المصري والذي نص على أنه يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلاً عن شروط العقد الأخرى. ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته".
وعليه فإن انقضاء العقد الأصلي بالوفاة إما باتفاق الأطراف أو بحكـم القانون أو إذا كانت طبيعة التعاقد تقتضى ذلك لا أثر له على شرط التحكيم صف الذي يتضمنه. فيبقى هذا الشرط قائماً، ويصبح ملزماً للخلف العام. ويتحـدد نطاق هذا الشرط بالمنازعات المتعلقة بالعقد المنقضي ذاته، وفي حدود هذه المنازعات المتفق بشأنها على التحكيم.