لقد ارتبط نمو المعاملات التجارية الدولية والمحلية في القرن الحالي بتزايد اللجوء إلى التحكيم كطريق لحل المنازعات حتى أنه أصبح سمة بارزة في نمو تلك المعاملات ، والذي ساعد على انتشاره هو رغبة المتعاملين في التحرر بقدر الإمكان من القيود التي تفرضها النظم القانونية للتقاضي ، وذلك بالقدر الذي يحقق لهم سرعة الفصل في المنازعات عموماً ، وخصوصا في المنازعات التجارية .
تلك المنازعات التي يتعين الفصل فيها في أقصر وقت ممكن حتى. تستقر المراكز القانونية بين المتنازعين وبأقل قدر ممكن من العلانية والنشر، وبإجراءات مبسطة تتيح فى مجملها احتواء النزاع في أضيق نطاق ، بالإضافة إلى ذلك توافر التخصص المهني لدى الأشخاص الذين يعهد إليهم بحل تلك المنازعات التي تتسم بالتعقيدات المدنية والتجارية ، وأعراف ومصطلحات تحتاج للوقوف عليها والكشف عن مقدار تعلقها بالنزاع ومدى أثرها على حقوق المتنازعين إلى تخصصات فنية دقيقة ، وهولاء الأشخاص يتم اختيارهم عادة بمعرفة الأطراف أصحاب الشأن فـــي النزاع ، وهم يرتضون بما ينتهون إليه من أحكام تحسم النزاع .
ونظرا لهذه الأهمية للتحكيم فقد سارعت الدول العربية إلى الأخذ بنظام التحكيم نظرا للتطور السريع للتجارة الدولية ، وأيضا لمسايرة هذه السرعة في التبادل التجارى ، وأصدرت قوانين التحكيم خاصة بهــا ويلاحظ أن الدول العربية اختلفت في إصدار قوانين التحكيم الخاصة بها ، وقد كان المنهج الذي انتهجته هذه الدول في إصدار قوانين التحكيم الخاصة بها ، ينقسم إلى ثلاث مجموعات وذلك على النحو التالي:
المجموعة الأولى : هي تلك المجموعة التي تأثرت بالقانون الفرنسي وحذت حذوه ، ومن الدول التي أخذت به الجزائر والمغرب ولبنان .
المجموعة الثانية : وهي تلك المجموعة التي أخذت بالقانون النموذجي لليونسيترال ومن الدول التي أخذت به مصر والأردن وسلطنة عمان وسوريا وتونس والبحرين والسودان .
ويلاحظ أن هذه القوانين تتفق جميعها ، على أن المصدر الأساسي للتحكيم هو اتفاق التحكيم وبغير هذا الاتفاق لا يوجد تحكيم ، كما أنها تتفق على أن تشكيل هيئة التحكيم يتم أيضا كقاعدة عامة باتفاق الأطراف سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، كما أن إجراءات التحكيم تخضع لإتفاق الأطراف ، بل أن الاتفاق قد يتدخل أيضا في حكم التحكيم ، كأن يتفق الأطراف على ضرورة صدور هذا الحكم بالإجماع وليس بالأغلبية ولكن بالمقابل تختلف قوانين الدول العربية فيما بينها حول بعض تفاصيل التحكيم وسوف نعرض لذلك بالتفصيل لاحقا .
مما يترتب عليه حكما هو اختلاف التطبيق في بعض الدول عنه في دول أخرى . ونظرا لأهمية اتفاق التحكيم بالنسبة للعملية التحكيمية ككل ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة للتحكيم فإننا سوف نتعرض لأهم جزء في التحكيم ، وهو اتفاق التحكيم ومدى نسبيته ونفاذه في القانون المصرى وقوانين دول الخليج العربي محل -البحث الكويت والإمارات والبحرين - لأنه في الواقع هو الأساس الذى يُبنى عليه موضوع التحكيم نفسه بل هو دستور التحكيم .
والأساس الجوهرى الذى يقوم عليه اتفاق التحكيم هو وجود الإرادة الحرة والصريحة لأطرافه وأهم مقومات هذه الإرادة الحرة الاتفاق وذلك عن طريق اختيارهم التحكيم كوسيلة لحسم المنازعات التي تثور بينهم بشأن علاقاتهم الأصلية ، وذلك سواء كانت عقدية أو غير عقدية وذلك وفقا لنص المادة ١/٤ من قانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ التي تنص على أنه : ( ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة ) .
بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من التعريفات المختلفة لاتفاق التحكيم وجميعها تركز على أن اتفاق التحكيم هو اتفاق الأطراف على حل المنازعات التى تنشأ بينهم سواء في الحاضر أو المستقبل عن طريق التحكيم بل أنه يمكن القول أنه بدون اتفاق التحكيم لا يوجد تحكيم من الأساس . ويلاحظ أن معظم هذه التعريفات ركزت على أن اتفاق التحكيم هو عبارة عن عقد من العقود وبالتالي فهو ينطبق عليه القواعد التي تطبق على العقود الموجودة في نظرية العقد في القانون المدنى وقد كان هذا هو الدافع لمعرفة مدى نسبية اتفاق التحكيم باعتباره عقد من العقود وأثر ذلك على الغير
وذلك من خلال عرضنا لنظرية العقد في القانون المدني والقواعد التي تُطبق عليها وتطورها من النظرية التقليدية التي تأخذ بالنسبية والمتمثلة في نظرية التصرف القانوني إلى النظرية الحديثة التي تأخذ بالواقعة القانونية .
وعلى الرغم من تعرض هذه الإستثناءات إلى انتقادات عديدة مثال ذلك توسيع آثار العقد في مجموعات العقود، إلا أنها حتمية وقائمة ، خاصة وأن بعضها خاص بنفاذ العقد وليس بالقوة الملزمة له ، وبالتالي جاء مبدأ نفاذ العقد مكملا لمبدأ نسبية العقد ، حيث أن الأول خاص بالآثار الخارجية للعقد ، والثاني يتعلق بالآثار الداخلية للعقد ، أى أن عدم إلزام الغير بعقد لم يكن طرفا فيه يعتبر أساس وجوهر مبدأ النسبية ، ( مبدأ نسبية العقد ) ،
وهو الذي يختص بالآثار المباشرة للعقد .
ويلاحظ أنه كلما تجاوزنا هذا المبدأ ( مبدا نسبية العقد ) ويكون ذلك بزيادة الإستثناءات عليه ، فإننا نقترب من مبدأ نفاذ العقد وهو يختص بالآثار غير المباشرة للعقد .
وبناء عليه فإن ضمان فعالية تنفيذ العقد اتفاق التحكيم يستلزم بالضرورة نفاذه ، وهذا يقتضى الأخذ بمبدأ نفاذ العقد (اتفاق التحكيم ) كمبدأ مكمل للقوة الملزمة للعقد الاتفاق (التحكيم أى ) مبدأ نسبية آثار العقد أي مبدأ نسبية أثار اتفاق التحكيم .
وبناء عليه تصبح القاعدة هى أنه كلما أصبح الغير ملتزمـا بالتزامات تعاقدية فإنه يكون فى مركز المتعاقد ) وبالتالي فإنه يجب لتحديد مركز الغير هل هو غيرا أم هو طرف متعاقد الإعتماد على مدى التزامه الشخصى بالإلتزامات التعاقدية ، ومدى منحه سلطات المتعاقد ، فإذا لم يتوفر فيه ذلك ، فإننا نكون أمام شخص من الغير .
إلا أن هذا الغير قد يتأثر بالعقد (اتفاق التحكيم ) كما سبق القول باعتباره واقعة قانونية ، أيضا ومن خلال تطبيق مبدأ نفاذ العقد عليه وهذا ينطبق على جميع الصور التي سوف نتعرض لها عند تحديد مركز الغير بين القوة الملزمة للعقد ونفاذه .