ومن الفروض التي يمكن أن تثور في هذا الشأن مدى جواز تحويل اتفاق التحكيم بين (أ) و (ب) لشخص ثالث (ج) . وهنا نميز بين وضعين:
الوضع الأول : أن يتضمن العقد الأصلي بين (أ) و (ب)، اتفاق تحكيم، ويقوم (أ) و (ب) بتحويل هذا الاتفاق إلى (ج) ، دون تحويل أي من التزاماته وحقوقه في العقد الأصلي إلى (ج) . في هذا الفرض النادر، بل الذي لا يتصور وقوعه في الحياة العملية تكون الحوالة باطلة لأن التحكيم مع (ج) يكون غير ذي موضوع ، مادام العقد الأصلي بين (أ) و (ب) لازال سارياً بينهما فقط، ولا يسري بحق (ج) ، فاتفاق التحكيم تابع لهذا العقد وليس العكس.
الوضع الثاني: أن يتم تحويل حقوق والتزامات (أ) العقدية إلى (ج). في هذا الفرض، ينتقل اتفاق التحكيم المكتوب في العقد، أي شرط التحكيم) إلى (ج) ، سواء أقيمت الدعوى التحكيمية منه ضد (ب)، أو أقيمت من (ب) ضده. وبمعنى آخر، فإن (ج) يحل محل (أ) في اتفاق التحكيم، في العلاقة مع (ب) في حدود الحقوق والالتزامات العقدية التي تم تحويلها ، وذلك تطبيقاً للقواعد العامة في الحوالة، التي تقضي بانتقال الحق أو الالتزام لشخص ثالث بما له وما عليه. كما أن لكل من المحال له والمحال عليه أن يثير في مواجهة الآخر، بكافة الدفوع التي كان يمكن إثارتها في مواجهة المحيل، لو لم تتم الحوالة). وفي جميع الأحوال، يشترط مراعاة الأحكام القانونية الخاصة بالحوالة، في القانون الموضوعي المطبقة عليها.
لا يلزم اتفاق التحكيم أطرافه فحسب بما ورد فيه، وإنما يلزم أيضاً هيئة التحكيم. إذ من المتفق عليه أن الهيئة متى قبلت مهمتها ، تعتبر، كمبدأ عام ، ملزمة بالسير بإجراءات التحكيم إلى حين صدور الحكم المنهي للخصومة من جهة، وعليها التقيد باتفاق التحكيم من جهة أخرى، سواء من حيث الموضوع أو من حيث الإجراءات ما دام أنها تستمد سلطتها من هذا الاتفاق. وبخلاف ذلك، يكون حكمها معيباً، ويشكل ذلك سبباً صحيحاً للطعن به أمام القضاء، حسب طريقة الطعن المنصوص عليه قانوناً .
وحسب القواعد العامة، يقتصر أثر اتفاق التحكيم على طرفيه، من حيث الحقوق والالتزامات، فلا يتعداهما إلى شخص ثالث من الغير لم يكن طرفاً في الاتفاق . والمحكم هو الذي يقدر من حيث المبدأ، من هم أطراف الاتفاق الذين يمكن أن يكونوا أيضاً أطرافاً في العملية التحكيمية . ولكن ليس بالضرورة لسريان الاتفاق بحق الغير، أن يكون هذا الغير أحد الأطراف الموقعين على الاتفاق. إذ يدلنا الواقع العملي، على وجود حالات يسري فيها الاتفاق على أشخاص لم يوقعوا الاتفاق، وإنما يعتبرون موافقين عليه حكماً. وعلى سبيل المثال، فإن شرط التحكيم في عقد الشركة الأساسي أو نظامها الداخلي، والذي وبموجبه تتم المنازعات المالية بين الشركاء أو المساهمين مع بعضهم من جهة، أو بينهم وبين الشركة من جهة أخرى يسري على كل الشركاء والمساهمين الذين وقعوا على هاتين الوثيقتين أو أحدهما، وكذلك على الشركاء والمساهمين الذين يوجدون في المستقبل. فمجرد كون الشخص شريكاً أو مساهماً في الشركة، يعني موافقته الحكميـة علـى كـافـة أحكام وشروط عقد تأسيسها ونظامها الأساسي، بما فيها شرط التحكيم. ويمكن القول بتطبيق ذلك أيضاً، على الجمعيات والاتحادات والأندية والأحزاب، وأي شخصية معنوية أخرى من هذا القبيل.