ولهذا يجب لأن الاتفاق على التحكيم- شرطًا أو مشارطة- يرد على خلاف الأصل العام ويتضمن تنازلا عن الالتجاء إلى قضاء الدولة، فإنه يجب أن يفسر، بالنسبة للمسائل التي يشملها، تفسيرًا ضيقًا بما يتفق مع طبيعته.
وعلى هذا فإنه إذا كان اتفاق التحكيم يتعلق بالمنازعات الناشئة عن تصير العقد فإنه لا يمتد إلى المنازعات الناشئة عن عدم تنفيذه.
وإذا كان شرط التحكيم يتعلق بالنزاع بشأن تفسير أو تنفيذ العقد فإنه لا يغطى المنازعات التي قد تقوم بين الطرفين تأسيسًا على المسئولية غير التعاقدية.
وتطبيقًا لما تقدم، قضى بأنه إذا كانت دعوى الضمان مستندة إلى اتفاق يتضمن شرط تحكيم، فإن هذا الشرط يسرى فقط على هذه الدعوى دون الدعوى الأصلية.
وإنه إذا كانت المشارطة تقصر ولاية المحكمين على بحث المنازعات الخاصة بتنفيذ عقد الشركة، فليس للمحكمين إصدار حكم ببطلان عقد الشركة لعدم مشروعية الغرض منها أو النظر في الكيان القانوني لعقد الشركة. وإنه إذا كان اتفاق التحكيم ينصب على الحق في التعويض وفقًا القواعد المسئولية التعاقدية، فلا يجوز لهيئة التحكيم أن تقضى بالتعويض وفقًا لقواعد المسئولية التقصيرية بناء على خطأ تقصيري- وألا تكون قد فصلت في مسألة لا يشملها اتفاق التحكيم.
وإنه إذا كان اتفاق التحكيم يتعلق بما ينشأ بين الشركاء من نزاع حول عملية معينة، فإنه لا يمتد إلى بطلان العقود المحررة بينهم لانعدام الشركة بينهم إذ يقتضي تصدى الحكم لكيان الشركة ووجودها، الأمر الذي بنصر عنه اتفاق التحكيم وأنه إذا كان العقد المتضمن شرط التحكيم عقد وكالة تجارية ينص على التزام الموكل بعدم بيع المنتجات محل العقد داخل الدولة إلى غير الوكيل، وكانت الدعوى هي مطالبة بثمن منتجات مما يشمله عقد الوكالة مبيعة للوكيل، وانحصر النزاع بين الطرفين في علاقة البيع ولم يتجاوزها إلى شروط عقد الوكالة ذاته أو الالتزامات المترتبة عليه، فإنه لا يسرى عليها شرط التحكيم الوارد في العقد.
وأخذا بالتفسير الضيق لاتفاق التحكيم، إذا كانت العبارة التي تبين المسائل التي يشملها التحكيم تحمل أكثر من معنى، فيجب تصيرها على أساس ترجيح الالتجاء إلى قضاء الدولة وليس إلى التحكيم. وإذا كان هناك غموض بالنسبة إلى قواعد أو إجراءات التحكيم، مما يتعذر معه استخلاص النية المشتركة للطرفين، فيرجح الرجوع إلى ما ينص عليه قانون التحكيم أو نظام مؤسسة التحكيم في حالة التحكيم المؤسسي، من قواعد أو إجراءات.
ويرى البعض أن التفسير الضيق لاتفاق التحكيم انما يكون بالنسبة للتحكيم الوطني، اذ الاصل في المنازعات التي يشملها أن تدخل في ولاية محاكم الدولة. اما في التحكيم التجارى الدولى، فانه يجب اتباع تفسير موسع لاتفاق التحكيم وذلك لأن هذا التحكيم هو الوسيلة العادية للفصل في المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولى. فاذا تأكد أن الطرفين قد اتجهت ارادتهما إلى الفصل في منازعاتهما حول علاقة قانونية معينة بواسطة التحكيم. فانه يجب تفسير الاتفاق تفسيرًا موسعًا بحيث يكون التفسير الصالح من نطاق التحكيم وليس تقييده. وأخذا بهذا الاتجاه حكم بانه اذا اتفق المدين الاصلى مع دائته على التحكيم، فإن الضامن يكون طرفا في هذا الاتفاق.
(111).