ينصرف النطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم للموضوعات التي يمكن أن يتعلق بها اتفاق التحكيم، فهل يمكن أن يمتد اتفاق التحكيم لكافة المنازعات المدنية والتجارية والجنائية؟
الواقع أن التحكيم هو استثناء على القضاء، وأنه يترتب على اتفاق التحكيم التزام الأطراف من الناحية الإيجابية بالالتجاء للتحكيم أو الاستمرار فيه والتزامهم سلبياً بعدم الالتجاء للقضاء دون أن يترتب على ذلك سلب اختصاص الدولة بنظر النزاع، والقاعدة أن التحكيم لا يجوز في كل ما لا يجوز فيه الصلح، وقد نصت على هذه القاعدة معظم التشريعات القانونية في العالم. وفي ضوء ذلك، فإن اتفاق التحكيم ينحصر نطاقه الموضوعي في كل المنازعات التي يجوز فيها الصلح، سواء أكان ذلك في المسائل المدنية أو التجارية أو في المنازعات والعقود الإدارية.
جدير بالذكر، فإن القابلية للتحكيم هي الأصل وأن التحكيم هي الاستثناء.
وقد قيدت بعض التشريعات من نطاق هذه القاعدة فنصت على استبعاد الاتفاق على التحكيم في مسائل بعينها، حيث نصت المادة 5 من قانون التحكيم اليمني على ألا يجوز التحكيم فيما يلي:
1- الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح.
2- رد القضاة ومخاصمتهم.
3- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ الجبري.
4- سائر المنازعات التي لا يجوز فيها الصلح.
5- كل ما يتعلق بالنظام العام".
ونصت المادة 7 من قانون التحكيم التونسي على أن لا يجوز التحكيم : أولاً- في المسائل المتعلقة بالنظام العام، ثانياً في المنازعات المتعلقة بالجنسية، ثالثاً: في المنازعات المتعلقة الحالة الشخصية باستثناء الحالات المالية الناشئة عنها، رابعاً: في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، خامساً: في النزاعات المتعلقة بالدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والجامعات المحلية إلا إذا كانت هذه النزاعات ناتجة عن علاقة دولية اقتصادية كانت أو تجارية أو مالية ..."، ونصت المادة 1 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الصادر بالأمر الملكي رقم م/ 46 بتاریخ1403/7/12، على أن - لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح كالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما يتعلق بالنظام العام"، ونصت المادة 442 من قانون المرافعات الجزائري على أنه يجوز لكل شخص أن يطلب التحكيم.
يستفاد مما سبق أن التشريعات العربية تكاد تتفق على إجازة التحكيم في كل المنازعات التي يجوز فيها الصلح ولا تتعارض مع النظام العام للمجتمع، وفي إطار ذلك يتحدد موضوع ومحل اتفاق التحكيم، وهذا على المحل الذي ينصب عليه اتفاق التحكيم يتميز عدا برتبه هذا الآفاق من آثار برتبها القانون ويحددها بمجرد توقيع الأطراف على اتفاق التحكيم، فإذا خالف أحد الأطراف هذا الاتفاق على التحكيم والنية للقضاء، كان الطرف الأخر التمسك بوجود اتفاق التحكيم قبل الكلام في الموضوع، فيترتب على اتفاق التحكيم بمجرد توقيعه من الأطراف عدم جواز التجاء الأطراف تلقائياً للقضاء، والالتزام بالالتجاء للتحكيم وقول الحكم الصادر من هيئة التحكيم في هذه الحالة، والتمسك بوجود اتفاق التحكيم لا يترتب تلقائياً لعدم تعلق اتفاق التحكيم بالنظام العام، فلا يجوز للمحكمة القضاء به من تلقاء نفسها، بل يتعين على الخصم التمسك بوجوده قبل الكلام في الموضوع وإلا عد متنازلاً عن التحكيم، بخلاف موضوع ومحل اتفاق التحكيم و يتعين على الأطراف تحديد موضوعات اتفاق التحكيم .
أساس ذلك أن المسائل التي يجوز فيها الصلح تتعلق بالصالح الخاص بالأفراد ولا تتعلق بالنظام العام للمجتمع أو مصالحه العليا ويتمثل هذا الموضوع أو المحل في موضوع من موضوعات العقد الذي ورد شرط التحكيم كبند من بنوده، أو ما ثار النزاع بشأنه بالنسبة للاتفاق اللاحق على العين أو ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف بعد قيام النزاع بين الأطراف سواء أكان ذلك بمناسبة نزاع مطروح أمام القضاء أو قبل قيام هذا النزاع.