الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / النطاق الموضوعي لإتفاق التحكيم / الكتب / التحكيم في الشريعة الاسلامية / أن يكون (المحكم فيه) مما يصح أن يدخله التحكيم

  • الاسم

    د. عبدالله بن محمد آل خنين
  • تاريخ النشر

    1420-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة فؤاد بعينو للتجليد
  • عدد الصفحات

    447
  • رقم الصفحة

    47

التفاصيل طباعة نسخ

لقد اختلف العلماء فيما يجوز فيه التحكيم، وما لا يجوز فيه؛ ونظراً للاختلاف فيه المذاهب ووجود تفاصيل في كل مذهب فإنني سوف أذكر ما ورد في كل مذهب من المذاهب الأربعة مستقلاً، وإليك بيان ذلك: 

أولاً: مذهب الحنفية:-

ولهم في ذلك قولان:

القول الأول: يجوز التحكيم في كل شيء إلا في حدود والقصاص، وهو قول الخصاف (ت: 261 ه)، واختيار القدوري (ت: 428ه) والمرغيناني ( ت: 593 ه)، وزاد بعضهم: أن قتل الخطأ وللعان لا يصح التحكيم فيهما. 

وعللوا: 

1- بأن الحدود حق الله - تعالى -، واستيفاؤها خاص بالإمام. 

2- أنه ليس للمحكمين ولاية على دمهما ولا يستباح برضاهما. 

3- أن حكم المحكم بمنزلة الصلح، فكل ما يجوز استحقاقه بالصلح يجوز التحكيم فيه، وما لا فلا، والحدود والقصاص لا يجوز استيفاؤها بالصلح. 

4- أن الحدود تدرأ بالشبهات، وحكم المحكم ليس بحجة على غيرهما، فكان ذلك موجباً لعدم جواز التحكيم فيها؛ لأنها لا تستوفى بالشبهات. 

5- وعللوا منع التحكيم في القتل الخطأ: بأنه إن قضى بالدية على العاقلة لم ينفذ حكمه؛ لأن العاقلة لم تحكمه، وإن قضى بها على القاتل من غير إقرار كان حكماً مخالفاً للشرع. 

6- وعللوا منع التحكيم في اللعن: بأنه قائم مقام الحدود. 

القول الثاني: 

يجوز في حد القذف والقصاص، ولا يجوز في الحدود الواجبة لله - تعالى - .

1- بأن حد القذف والقصاص حقهما، والاستيفاء إليهما. 

2- أن ولي المقتول لو استوفى القصاص من غير رفع للإمام كان الاستيفاء صحيحاً. 

ثانياً: مذهب المالكية: 

أن التحكيم جائز في الأموال وما في معناها، ولا يكون في الحدود، وللعان، والقصاص، والطلاق، والعاتق، والنسب، والولاء. 

وعللوا لما فيه المنع بما يلي:

1- أن الحكم فيها يتعدى إلى غير المتحاكمين. 

2- أن إقامة الحدود ونحوها للإمام. 

3- أن الأمور المنهي عن التحكيم فيها لها قدر، فيحتاط لها ولا يحكم فيها إلا ذو ولاية. 

قال الماليكة: لو حكم المحكم في المسائل الممنوع منها بالحق جاز حكمه ونفذ، ومضى ما كان صواباً، ونهي أن يعود لمثله، ولو أقام ذلك بنفسه - يعني الحكم - فقتل أو اقتص أو ضرب الحد أو أدب وزجر مضى ما كان صواباً من حكمه وصار المحدود بالقذف محدوداً والتلاعن ماضياً.

ثالثاً: مذهب الشافعية:-

وقد اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: 

القول الأول: يجوز التحكيم في كل شيء يجوز التحاكم فيه إلى قاضي الإمام. 

وعللوا بما يلي: 

1- أن الحكم كالمولى من جهة الإمام. 

2- أم من صح حكمه في مال صح غيره. 

القول الثاني: يجوز في كل شيء إلا العقوبات التي الله من حد أو تعزير، وحق الله المالي الذي لا طالب له معين، والولاية على الأيتام، وإيقاع الحجر على مستحقه.

وهو قول الأكثر منهم. 

وعللوا : بأن حق الله - تعالى - لا طالب له معين، فلا يمكن لأحد التحكيم فيه؛ لأنه غير مفوض بذلك. 

القول الثالث: يجوز في الأموال وكل ما يصح فيه الإبراء والعفو، دون النكاح، واللعن، وحد القذف، والقصاص. 

وعللوا: بأن النكاح، واللعن، وحد القذف، والقصاص حقوق وحدود يختص بإقامتها الولاة.

رابعاً: مذهب الحنابلة:-

اختلف الحنابلة فيما يجوز فيه التحكيم على أربعة أقوال، هي:

القول الأول: يجوز التحكيم في كل شيء يجوز فيه حكم من ولاه الإمام أو نائبه من الأموال، والحدود، واللعن، وغيرها، وهذا هو المذهب.

واستدلوا بحديث شريح بن هانئ: (أن أباه هانئاً كان يحكمه قومه، فيحكم بينهم ويرضون بحكمه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا!). 

فقد استحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صنع هانئ من غير استفسار من غير استفسار منه عما يحكم فيه، فدل ذلك على عمومه لجميع ما يدخله حكم من ولاه الإمام.

القول الثاني: يجوز في الأموال، دون النكاح، واللعان، والقذف، والقصاص، وهو قول القاضي (ت: 458ه).

وعللوا: بأن لهذه الأحكام من النكاح، واللعان، والقذف، والقصاص مزية على غيرها، فاختص بالنظر فيها الإمام أو نائبه.

القول الثالث: يجوز في كل شيء إلا الفروج، قال ابن مفلح (ت: 763ه): (وظاهر كلامه - يعني الإمام أحمد - ينفذ في غير فرج).

وعللوا: بأن ذلك مثل تصرف الإنسان عند الضرورة في تركة الميت في غير فرج. 

القول الرابع: يجوز التحكيم في كل شيء، لكن لا ينفذ إلا بعد حكم المحكم الإمام.

وهذا قول ابن تيمية (ت: 738 ه) من الحنابلة.

ولم أقف على ما استدل به.

رأيي في الموضوع: 

والذي يظهر لي: أن التحكيم يجوز في الأموال وما في معناها مما يجوز بذله والعفو عنه والصلح عليه من دون اشتراط إذن الإمام، وهذا مما لا خلاف فيه بين الفقهاء في الجملة.

ولا يجوز التحكيم في العقوبات من الحدود والتعازير والقذف، ولا في الأموال العامة، ولا في القصاص واللعن والنكاح ونحوه مما لا يجوز بذله ولا العفو عنه ولا الصلح عليه، إلا إذا أذن فيه الإمام بخصوص الواقعة المتنازع فيها، أو كان الإمام أحد طرفي الخصومة؛ لأن ذلك منه إذن وتولية للحكم بخصوص هذه القضية، وقصة تحكيم النبي -صلى الله عليه وسلم- واليهود لسعد بن معاذ، دلالة على ذلك.

وإذا كان المسلمون ببلد لا سلطان لهم فيه ولا قاضي جاز لهم التحكيم في كل شيء إلا حدود والتعازير الواجبة لله - تعالى -، والقصاص؛ لأنه يجوز في حال الضرورة ما لا يجوز في حال الاختيار، يقول ابن حزم (ت: 456ه): (لا يجوز الحكم إلا ممن ولاه الإمام القرشي الواجبة طاعته، فإن لم يقدر على ذلك فكل من أنفذ حقاً فهو نافذ، ومن أنفذ باطلاً فهو مردود).