تنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون التحكيم على أن "... تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع.
كما جاء بالعنوان الذى يحمله القانون ذاته "قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية" . وبالتنسيق بين النص المذكور وعنوان القانون ذاته ، يرتسم النطاق الشخصى لتطبيق أحكام القانون ، والذي يندرج فيه :
أولا ، المنازعات الناشئة عن العلاقات التي تتم بين أشخاص القانون الخاص ، بالمفهوم الذى أوردناه سلفا (1) . . وباختصار يخضع الأحكام قانون التحكيم المنازعات كافة الناشئة عن العلاقات المدنية والتجارية ذات الطابع المالي ، والتي تحكمها وتنظمها أفرع القانون الخاص عموما ، عدا ما كان منها لا يقبل التسوية بطريق التحكيم ، حسب ما جاء بنص المادة ۱۱ من القانون .
وكما هو بين ، فإن أحكام القانون تسرى على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص .... القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع" كما تنص المادة الأولى .. ثانيا ، المنازعات الناشئة عن العلاقات بين أشخاص القانون
العام. وهنا يجب أن نشير إلى أمرين هامين :
الأول ، أنه إذا كنا قد قلنا أن أحكام القانون تسرى على كل تحكيم في المنازعات المدنية والتجارية ، فهذا يعنى بداهة أنه يدخل في نطاق تطبيق القانون المنازعات الناشئة عن العلاقات بين أشخاص القانون العام، مادامت من نوع العلاقات التي تتم بين أشخاص القانون الخاص ، أى معاملات مدنية وتجارية .
وليس يلازم أن يكون الطرف الآخر في العلاقات التي تجريها أشخاص القانون العام أحد أشخاص القانون الخاص . لأنه من الجائز، بل والمعروف ، أن تبرم أشخاص القانون العام فيما بينها تصرفات ومعاملات ذات طبيعة مدنية أو تجارية ، مبتعدة بذلك عن تصرفات ومعاملات القانون العام . كما أن نص المادة الأولى من القانون صريح فى كلامه عن تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص . فالنص لم يقل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام " و" القانون الخاص ، مما قد يقال معه بضرورة أن تكون العلاقة الناشئ عنها النزاع ، المعروض على التحكيم ، تمت بين طرفين أحدهما من أشخاص القانون العام والآخر من أشخاص القانون الخاص .
ويزداد الأمر وضوحا بالأمر الثاني .
، أن أحكام القانون تسرى على كل تحكيم في منازعات العقود الإدارية ، ومعروف أن العقود الإدارية هي تلك التي تبرمها أشخاص القانون العام مع بعضها البعض، أو بينها وبين أشخاص القانون الخاص ، بغرض خدمة وتسيير المرافق العامة ، وتنطوى على شروط استثنائية غير مألوفة في معاملات القانون الخاص .
وقد كان نص المادة الأولى من قانون التحكيم ، عند صدوره ، واضحا جليا في جواز التحكيم الاختياري في العقود الإدارية . فالنص يتكلم من ناحية ، عن التحكيم في المنازعات الناشئة بين من أشخاص القانون العام ، وهو من أخرى ،
عن التحكيم فى المنازعات بين أطراف من أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع" .
وتفاعل هاتين الناحيتين، قاطع في أن التحكيم جائز في العقود الإدارية ( وإذا كان هناك شك قد يثور في شأن بعض العلاقات التي تكون أشخاص القانون العام طرفا فيها ، بحيث يقال إنه لا توجد مشكلة بشأن التحكيم في العقود المدنية والتجارية التي تتم مع أشخاص القانون العام، إلا أن المشكلة تقوم بشأن العقود الإدارية التي تبرمها تلك الأخيرة، فهى تدخل قصرا في اختصاص محاكم مجلس الدولة عملا بنص الفقرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ إلا أننا نؤكد أن تلك المشكلة لا وجود لها لسببين :
السبب الأول ، هو أن نص المادة الأولى صريح في جواز التحكيم في المنازعات التى تتم بين أشخاص القانون العام أيا كانت طبيعة العلاقة التي يدور حولها النزاع . فتلك عبارة عامة لا يسوغ تقييدها بدون مقتض، وبغير نص .
أما السبب الثاني ، فهو أن فلسفة القانون ذاته تقود إلى حتمية قبول التحكيم في منازعات العقود الإدارية ، لاسيما ما كان منها ذي طابع دولي. فالحاجة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية واجتذابها إلى مصر ، تستلزم البحث عن ضمانات لطمأنة أصحاب تلك الاستثمارات ، ومنها الضمانات القضائية ، أي توفير وسيلة تقاضي ملائمة لحسم المنازعات التي تنشب معهم . وقد ثبت أن المستثمرين الأجانب لا يثقون إلا فى قضاء التحكيم ، وهم لا يبغون عنه حولا ..
وقد سبق أن رأينا العديد من عقود التنقيب عن البترول والثروات الطبيعية الأخرى التي أبرمت منذ الستينات من القرن العشرين ، مع شركات أجنبية ، قد احتوت على شرط التحكيم في عقود يتجه الرأى الغالب إلى اعتبارها عقودا إدارية .
ورغم هذا الوضوح فى نص المادة الأولى من قانون التحكيم ، إلا أن بعض الآراء التي طرحت في مجلس الشعب ، وبعض أحكام القضاء ، قد أثارت ضبابا وغبارا عكر من صفو هذا الوضوح ، مما دعى المقنن إلى التدخل ثانية ليضيف فقرة ثانية إلى المادة الأولى ، وذلك بموجب القانون رقم ۷ لسنة ۱۹۹۷ ، ليقطع دابر كل خلاف حول جواز التحكيم في العقود الإدارية . فقرر وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك " .
ونحن نعتقد أنه ، فيما خلا اشتراط موافقة الوزير المختص على اتفاق التحكيم في شأن منازعات العقود الإدارية ، فإن ما أضافه المقنن بالفقرة الثانية المذكورة ، يعد تزيدا لا . له ، وإثقالا لنص المادة الأولى بإيضاح يمكن الوصول إليه بإعمال أبسط مبادئ وقواعد مبرر تفسير القانون .