فإن فكرة التحكيم ذاتها، وكذلك مبدأ اللجوء إليه، أساسهما الإرادة والاتفاق فلو عزم أحد طرفي النزاع علي عرض الأمر علي شخص من الغير، وهو المحكم فليس يستطيع وحده ذلك، إذا يلزم أن يتفق مع خصمه ويرتضيا كلاهما ولوج ذلك الطريق سواء عند تكوين علاقتهما القانونية وقبل نشأة النزاع أو بعده ذلك بموجب اتفاق التحكيم.
ومن ناحية سير عملية التحكيم، فإن اتفاق الأطراف هو عماد تلك العملية فهؤلاء يتفقون علي كيفية تشكيل هيئة التحكيم وتنصيب أعضائها، ومن هذا الاتفاق تستمد تلك الهيئة سلطتها وفي الفصل في النزاع وبموجب يكمن تقييد أو إطلاق هذه السلطة وبه يتحدد مكان التحكيم، ولغته، واختيار القواعد التي تحكم مختلف جوانبه الإجرائية وباتفاق الأطراف يتحدد مضمون الحكم الصادر، حيث يحددون القواعد القانونية التي تحكم موضوع النزاع...
ومن ناحية نهائية عملية التحكيم، فإن باتفاق الأطراف يمكن الإنهاء المبكر للتحكيم، وذلك بالوصول في أية مرحلة من إجراءات التحكيم، إلى تسوية ودية تنتهي النزاع أو باتفاقهم علي إنهاء التحكيم لأي سبب يرونه، أو بترك المدعي خصومة التحكيم وطلب المدعي عليه إنهاء الإجراءات. ليس هذا وحسب بل إن حكم التحكيم ذاته هو الذي يضع النهاية الطبيعية لعملية التحكيم، يمكن إهداره بالطعن عليه بالبطلان، وهو بطلان ترجع أسبابه في عمق فلسفتها، إلى مخالفة حكم التحكيم لاتفاق الأطراف سواء من قريب أو من بعيد.
من ذلك مثلًا صدور الحكم دون أن يوجد اتفاق تحكيم، أو كان هذا الاتفاق باطلًا أو قابًلا للإبطال أو يسقط بانتهاء المدة، أو يكون أحد طرفي
اتفاق التحكيم وقت إبرام فاقد الأهلية أو ناقصها، وفقا للقانون الذي يحكمه أهليتها أو تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكم علي وجه مخالف لاتفاق الأطراف أو فصل حكم التحكيم في مسألة لا يشملها ذلك الاتفاق أو استبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف علي تطبيقه علي موضوع النزاع.
أضف إلى ذلك أن الأطراف يستطيعون الاتفاق علي إعلاء وتعظيم فعالية حكم التحكيم باتفاقهم علي ن يكون ذلك الحكم نهائيًا لا يجوز الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن ولن يكون ذلك غريبًا حيث إن قضي به الحكم قد ارتضياه واعتقدوا في عدالته مسبقاً باتفاقهم علي مبدأ اللجوء إلى التحكيم .
بل قد وصل الأمر بأنصار تلك النظرية إلى القول ليس فقط إن نظام التحكيم ككل هو نظام تعاقدي بل أيضًا أن حكم التحكيم ذاته لا يعدو أن يكون عقدًا كسائر العقود يتم الالتزام به وتنفيذه كما يتم تنفيذ العقود وهذا ما وجد صدى في أحكام القضاء المقارن والمصري.
(111).