الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / نطاق إتفاق التحكيم / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / نطاق اتفاق التحكيم من حيث الموضوع:

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    263

التفاصيل طباعة نسخ

نطاق اتفاق التحكيم من حيث الموضوع:

يتوقف تحديد النطاق الحقيقي لاتفاق التحكيم في بعض الأحيان ليس بالنظر إلى الأشخاص المعنية به فمسألة الأطراف فيه تعد محددة منذ البداية فلا يلحقها أي تغيير، ولكن يتعلق الأمر هذه المرة بالمسائل التي تخضع لاتفاق التحكيم.

فلا يوجد بطبيعة الحال ما يلزم الأطراف في اتفاق التحكيم على إخضاع المنازعات الناشئة بينهم إلى المحكم.

فالتحكيم يقوم أساساً على إرادة الأطراف واتفاقهم وبالتالي فإن المحكم لا يمكن أن يفصل إلا في المسائل والمنازعات التي اتفقت الأطراف على أن يتم الفصل فيها وحسمها بهذا الطريق.

ويحدث من الناحية العملية أن تحدد الأطراف صراحة، أنهم اتفقوا على عدم إخضاع بعض المسائل للتحكيم. بل وكثيراً ما يلجأ الأطراف إلى وسائل أخرى من أجل الفصل في المنازعات المختلفة المتعلقة بالأوجه العديدة للعلاقات القائمة بينهم. فعلى سبيل المثال يتفق الأطراف عادة على العهدة إلى قضاء الدولة بالفصل في الإجراءات الوقتية والتحفظية على الرغم من اتفاقهم على اختصاص المحكم بالفصل في موضوع المنازعة.

علاوة على أنه بالنسبة لبعض العقود التي تشكل إطاراً تعاقديا unique أو حتى بشأن عقد واحد فإن الأطراف قد تختار التعايش بين أكثر من شكل من أشكال التحكيم، تحكيم ad hoe ، وتحكيم مؤسسي، أو تخضع بعض المنازعات للتحكيم والبعض الآخر لقضاء الدولة.

والواقع أن هذه المسألة المطروحة على نطاق البحث تثير مشكلة تفسير اتفاق التحكيم وتتخذ أهمية خاصة في الأحوال الثلاثة التالية:

۱ - تعدد المنازعات المختصة بعقد واحد

يصلح شرط التحكيم الذي تمت صياغته بشكل جيد وعلى نحو شامل وعام لاحتواء كل المنازعات التي يمكن أن تنشأ. والواقع أن تحقيق هذا ما تسعى إلى بلوغه شروط التحكيم النموذجية ولوائح التحكيم المعروفة المتعلقة بالتحكيم.

فشرط التحكيم النموذجي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي يقترح أن يشمل اتفاق التحكيم كل منازعة أو خلاف أو مطالبة تنشأ عن العقد الماثل أو تتصل به أو بفسخه أو إلغائه.

بينما ينص شرط التحكيم النموذجي الذي وضعته غرفة التجارة الدولية بباريس أن الشرط يشكل جميع المنازعات الناشئة عن العقد الماثل.

ولعله من المناسب إذا اختارت الأطراف تحديد طبيعة المنازعات التي يمكن أن تنشأ بشأن العقد المبرم بينهم، والذين اتفقوا على إخضاعها للتحكيم أن تحدد تلك المسائل بشكل تفصيلي مع عدم إغفال أي شكل من الأشكال المختلفة للمنازعات التي من المحتمل نشوئها، وذلك لأن الأطراف بعد أن تحدد خضوع جميع المنازعات المتعلقة أو المتصلة بالعقد الماثل، تضيف أحياناً لا سيما تلك المتعلقة بصحته وتفسيره وتنفيذه. ومثل هذا التحديد ليس شأنه أن يثير مشاكل خاصة.

وعلى العكس من ذلك فهناك من شروط التحكيم التي يصادفها المرء عادة والتي تهم شروطاً غير قابلة للإعمال وهو ما أطلق عليه جانب من الفقه شروط التحكيم pathologiques والتي لا تستخدم صياغة عامة وتغفل بعض الأنواع من المشاكل المتعلقة بالعقد فهناك بعض الشروط التي تغفل الإشارة إلى المنازعات المتعلقة بصحة العقد وهناك أيضاً الشروط التي لا تخضع للمحكم إلا المنازعات الخاصة بتفسير العقد.

ويحدث الإغفال عادة بعدم الإشارة إلى المنازعات المتعلقة بصحة العقد. ففي الكثير من الأحيان، وفي ظل الحماس السائد أثناء إبرام العقد المنصوص فيه على شرط التحكيم، تكتفي الأطراف بأن تخضع للتحكيم المنازعات المتعلقة بتفسير العقد الماثل وتنفيذه للتحكيم. إذ تتصرف أذهان الأطراف المتعاقدة إلى هذين النوعين من المنازعات دون أن يخالجها أدنى شك حول صحة العقد، وإمكانية التمسك ببطلانه بسبب ما يكون قد اعتراه من عيب.

ولذلك وعند نشأة المنازعة بهذا الشأن فإن للطرف ذو المصلحة في تعطيل السير في إجراءات التحكيم أن يدعي بوجود سبب يحتم بطلان العقد من أجل تعقيد عمل المحكم، فحتى إذا كانت المسألة المعروضة على المحكم تتعلق بتفسير أو تنفيذ العقد، فإن التمسك بأن مسألة الصحة هي مسألة أولية على كل من مسألتي التفسير والتنفيذ، ويتعين عرضها على قضاء الدولة لكي يفصل فيها بوصفه القضاء المختص لعدم اشتمال شرط التحكيم لهذه المسألة.

 ومثل هذه الصياغة في شروط التحكيم يتعين تحاشيها لما تثيره من سفسطة أمام المحكم أو أمام قضاة الدولة المعني بالرقابة على حكم التحكيم ومن الجدير بالإشارة أن محاكم التحكيم وقضاء الدول، في فرنسا، يميلان بصفة عامة إلى تفسير هذه الشروط على اعتبار أنها تشمل أيضاً وبشكل ضمني المنازعات المنصبة على صحة اتفاق التحكيم. فهذا الإغفال من قبل الأطراف لشمول اتفاق التحكيم لمسألة المنازعات المتعلقة بصحة العقد يفسر على أنه إغفال ناجم عن السهو أكثر منه تعبيراً عن إرادة قاطعة تهدف إلى استبعاد اختصاص المحاكم.

وبالمثل فإنه إذا أغفلت الأطراف النص على المنازعات المتعلقة بتفسير العقد، فإنه من السهل على محكمة التحكيم المعترف لها من قبل الأطراف. بمقتضى اتفاق التحكيم بالاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذه، بأن تقضي بأن قيامها بهذه المهمة مرهون بالضرورة بأن تشرع أولاً بتفسير العقد، وأن الأطراف قد أقرت ضمنياً بتخويل المحكمة هذه السلطة.

وإذا كان إغفال الأطراف لمنح المحكمة لسلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بصحة العقد وتفسيره لا تثير صعوبات كثيرة فإن الأمر يبدو أكثر تعقيداً حالة إقرار الأطراف للمحاكم بسلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بتفسير في العقد فقط.

وعلى الرغم من أن هذا الفرض يعد أقل مصادفة من الناحية العملية بمقارنته بالحالة السابقة، فقد يحدث أن تقصر الأطراف نطاق اتفاق التحكيم على المسائل المتعلقة بتفسير العقد الوارد فيه هذا الشرط، وفي هذه الحالة فإنه يبدو من الصعب افتراض أن هذه الصباغة لا تغير عن إرادة قاطعة في قصر اختصاص المحكمين على الفصل في هذه المسألة دون غيرها.

مجموعة العقود

ويتعلق هذا الفرض بالحالة التي ترتبط فيها مجموعة من العقود بعضها بالبعض الآخر إما بسبب موضوعها أو بسبب الأطراف التي أبرمتها، والتي تضمن بعضها فقط شرط التحكيم بينما لم تتضمن العقود الأخرى شروطاً مماثلة وفي هذا الفرض فإنه يحق التساؤل عما إذا كانت إرادة الأطراف قد انصرفت إلى خضوع المنازعات المحتملة النشوء عن هذا الكل التعاقدي إلى التحكيم؟

وبعبارة أخرى، فإن التساؤل المطروح يثور بشأن مجموعة العقود التي تساهم في تحقيق ذات العملية وأيضاً بشأن العقود المتتابعة أو المتلاحقة المبرمة بين نفس الأطراف.

العقود التي تساهم في تحقيق ذات العملية

لا يتم تحقيق العمليات الكبيرة المتصلة بالتجارة الدولية عن طريق إبرام مجرد عقد واحد بين الأطراف المعنية بهذه العمليات ولكن تبرم العديد من العقود. فيبرم الإطار الاتفاقي التعاقدي أو ما يُعرف بـ Contrat cadre ويتبع إبرام العديد من العقود التنفيذية اللازمة لتحقيق وإنجاز هذه العملية وتتعلق بجوانبها المختلفة. وأحياناً يتم إبرام عقد يهدف إلى إنشاء مشروع مشترك مصحوب بملاحق مرتبطة به وعقود أخرى متنوعة متصلة بعمل هذا المشروع، وتتصل هذه العقود جميعاً بالعديد من الأطراف غير الأطراف الأصلية الموقعة على الإطار الاتفاقي.

وحيث أنه سبق أن تعرضنا للمشاكل بأثر مد اتفاق التحكيم على الأشخاص غير الموقعة عليها فإننا سوف نقصر دراستنا الآن على مشكلة مد سريان اتفاق التحكيم الوارد في أحد العقود على العقود الأخرى المبرمة بين ذات الأطراف الموقعة على العقد الوارد فيه الشرط المذكور.

ويتعين التفرقة في هذا الشأن بين ثلاثة فروض:

 الفرض الأول: ويتعلق بالحالة التي يكون فيها العقد الأساسي Le contrat

وحده ودون سائر العقود الأخرى التي تساهم في تحقيق العملية التعاقدية، متضمناً شرط التحكيم. وهذا الفرض لا يثير صعوبة، فإرادة الأطراف صريحة في الإعلان عن رغبتها في إخضاع جميع المنازعات أن تنشأ المحتمل أن تنشأ في إطار العملية التعاقدية بأكملها إلى التحكيم، وفي خضوع هذه المنازعات إلى محكمة تحكيم واحدة يتم تشكيلها وفقاً للنصوص الواردة في العقد الأساسي الذي يشكل إطار العملية التعاقدية في مجملها.

أما الفرض الثاني، ففيه يتضمن كل عقد من العقود المبرمة بين الأطراف والتي تساهم في تحقيق العملية التعاقدية شرطاً تحكيمياً مستقلاً وحتى إذا كررت الأطراف في هذه العقود نفس الشرط التحكيمي حرفياً، فقد يؤدي ذلك إلى إثارة التساؤل الآتي: هل يتعيَّن اختيار هيئة تحكيم واحدة من أجل أن تفصل في المنازعات المحتملة النشوء عن هذه العقود أم أنه يتعين تشكيل هيئات تحكيم بمقدار ما يوجد من عقود؟

وإذا لم يوجد اتفاق صريح من قبل الأطراف حول مواجهة هذه المشكلة فإنه عند نشأة المنازعة تتوقف الإجابة على هذا التساؤل على تفسير إرادة الأطراف الأصلية.

وكقاعدة عامة، فإنه يمكن القول بأن تكرار الأطراف لذات الشرط التحكيمي في جميع العقود يعني انصراف إرادتها في إخضاع جميع. المنازعات المتصلة بهذه العلاقة التقليدية إلى ذات محكمة التحكيم.

والفرض الأخير وفيه تزداد الأمور تعقيداً عندما تختلف الشروط التحكيمية الواردة في كل عقد من العقود، وهو ما يحدث عادة من الناحية العملية، على الرغم مما تثيره هذه الشروط من مشاكل. فبعض العقود التي تساهم في تحقيق ذات العملية التعاقدية، تتضمن شرطاً تحكيمياً يشير إلى التحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية في باريس ويتم عقد الجلسات الخاصة به في جنيف. فبينما ينص عقد آخر من نفس مجموعة العقود التي تساهم في تحقيق ذات العملية إلى التحكيم وفقاً لقواعد الغرفة ولكن تعقد جلساته في باريس، ولعل قضية Sofidif ضد الحكومة الإيرانية من أبرز الأمثلة التي ظهر فيها هذا الاختلاف والتنوع في شروط التحكيم الواردة في صلب العقود التي تساهم في تحقيق ذات العملية التعاقدية.

ونظراً لأهمية هذه المنازعة ولأهمية ما صدر فيها من أحكام سواء من جانب محكمة التحكيم أو من المحاكم الفرنسية، وما أثارته من تعليقات على نحو يفيد في استخلاص المبادئ والحلول التي تحكم هذه النوعية من المنازعات القائمة على سبب التنوع في شروط التحكيم الواردة في العقود المنصبة على تنفيذ ذات العملية ا

لتعاقدية الواحدة، فإننا سنعرض لها بشيء من التفصيل.

قضية Sofidif

٢٧ يناير ١٩٧٤ وقعت الحكومة الإيرانية مع الحكومة الفرنسية اتفاق تعاون بغرض الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. ومن أجل تطبيق نصوص هذا الاتفاق تم إبرام بروتوكول في ٢٣ ديسمبر ١٩٧٤. وفي إطار هذه الآلية القانونية، تم إبرام العديد من العقود بين الشركات التي أنشئت لتحقيق الهدف المذكور.

في ٢٣ فبراير ١٩٧٤، تم إبرام اتفاق بين هيئة الطاقة النووية (CEA) والمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية (A.I. E.O)، بغرض إنشاء الشركة الفرنسية الإيرانية من أجل تخليق اليورانيوم والمعروفة باسم شركة Sofidif فرنسية تملك هيئة الطاقة النووية (C.E.A) %٦٠ من رأسمالها، وتملك الهيئة وهي شركة الإيرانية للطاقة الذرية ٤٠٪ منه.

ولقد نص في العقد المبرم في ٢٣ فبراير ١٩٧٥ والموقع بين (CEA) و (OEAL) على شرط التحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس والذي لم يحدد فيه لا مقر انعقاد جلسات التحكيم ولا القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة.

بينما نص في العقد المبرم في ١٣ نوفمبر (۱۹۷۵) بين Eurodify Sofidif الذي تم إبرامه بين الشركة الأولى بصفتها مساهمة بنسبة %٢٥ رأسمال Eurodif وهي شركة فرنسية تم إنشاؤها عام ۱۹۷۳ من قبل هيئة الطاقة النووية) على شرط التحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس والذي تعقد جلساته في جنيف ويُطبق فيه القانون الفرنسي ومن المعروف أن شركة Eurodir وفقاً للعقود المبرمة بينها وبين Sofidif تحتجز %٢٥ من أصولها لصالح هذه الأخيرة.

وفي ١٣ نوفمبر ۱۹۷۵ أيضاً تم إبرام بروتوكول بين Sofidif و O.EAL Seru (شركة الدراسات والأبحاث الخاصة باليورانيوم) وتضمن هذا البروتوكول شرط تحكيم وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس، يخضع للقانون الفرنسي ويصدر حكم التحكيم في باريس.

ونظراً للتغيرات السياسية والاقتصادية التي أعقبت قيام الثورة الإيرانية فإن الحكومة الإيرانية قامت بإلغاء اتفاق التعاون المبرم بينها وبين الحكومة الفرنسية بغرض الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولقد قامت الشركات الفرنسية بالشروع في اتخاذ إجراءات التحكيم لمطالبة الشركات الإيرانية المعنية بالتعويض الناشئ عن الإنهاء بالإرادة المنفردة للعقود المبرمة بين الطرفين.

ولقد تقدمت كل من الشركات Sofidir. Eurodif والشركة العامة للمواد الذرية Cogema باسمها ونيابة عن شركة RU... وشركة CEA ضد الهيئتين الإيرانيتين OEAL و OLAETL.

ولقد أشار طلب التحكيم إلى كل من شرط التحكيم الوارد في العقد الموقع في ٢٣ فبراير ١٩٧٥ بين EAL, CE.A. وأيضاً الاتفاق الموقع ۱۳ نوفمبر ۱۹۷۵ المبرم بين Sofidif, Durodif.

ولقد احتجت الشركات الإيرانية على شرعية مثل ذلك الضم للإجراءات وطلبت ضرورة تعين محكم مختلف ليفصل في المنازعات الخاصة بكل عقد على حدة.

ولقد تمسكت الشركات المدعية بالصلة الوثيقة القائمة بين العقود المختلفة وبتكامل شروط التحكيم فيما بينها وذلك من أجل أن تكون محكمة تحكيم واحدة، وهو ما وافقت عليه محكمة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بباريس،Sotidif، وأيضاً محكمة التحكيم فيما بعد.

وعلى إثر قرار محكمة التحكيم، قامت الشركات الإيرانية، مع التحفظ بشأن حقوقها في هذا الشأن بتعيين محكم هو الأستاذ Jacques Roben وقامت الشركة المدعية بتعيين العميد Georges Vedel وقامت هيئة التحكيم بتعيين الأستاذ Pierre avin رئيساً.

وفي ۲۵ أبريل ۱۹۸۵، أصدرت هيئة التحكيم حكماً يفصل في كل من مسألتي الاختصاص والموضوع، إذ أقرت باختصاصها بالفصل في المنازعات الناشئة عن العقود المذكورة على الرغم من أن كل هذه العقود المختلفة يتضمن شرط تحكيم مستقل ومختلف.

من ولقد سببت محكمة التحكيم حكمها بأنه أيا ما كانت الأهمية التي يحتلها كل اتفاق من الاتفاقات المبرمة بين الأطراف فإن هذه الاتفاقات المختلفة، لا تحتل، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى برهان مكانة مماثلة في الإطار الاتفاقي العام. فالواقع من الأمر أن الاتفاق المبرم في ۲۳ فبراير ١٩٧٥ والبروتوكول الموقع في ١٣ نوفمبر ۱۹۷۵ هما اللذان يكرّسان الالتزامات الأساسية للأطراف المتعاقدة. فالاتفاق الموقع في ٢٣ فبراير ١٩٧٥ الذي بمقتضاه شركة Sofidif يحدد مبادئ وأوصاف التعاون بين الأطراف المتعاقدة في مجال تخليق اليورانيوم ويحدد البروتوكول الموقع في ۱۳ ديسمبر ١٩٧٥ شروط إعمال الحقوق التي تتمتع بها الأطراف.

لما لها من مصلحة قانونية واضحة، جديرة بالحماية.

ولقد طعن الطرف الإيراني على الحكم المتقدم أمام محكمة استئناف باريس التي قامت بإلغائه في حكمها الصادر في١٩ ديسمبر ١٩٨٦، وعلى الرغم من أن محكمة استئناف باريس قد ألغت هذا الحكم لتجاوز محكمة التحكيم لمهمتها الواردة في وثيقة المهمة نظراً لفصلها في موضوع الدعوى مع الدفع بعدم اختصاصها، على الرغم من أنه يظهر من وثيقة المهمة المذكورة أن محكمة التحكيم كان عليها أن تفصل فقط في مسألة اختصاصها وبالتالي يتعين إبطال الحكم، فإنه مع ذلك تعرضت بشكل ثانوي للموضوع المطروح على نطاق البحث.

ولقد ذهبت إلى أن الطلب المثار أمام المحكم يظهر عدم وجود إطار تعاقدي أو عقد متعدد الأطراف، وبالتالي ووفقا للعقود المطروحة على محكمة التحكيم، فإنه كان يتعين على هذه الأخيرة أن تفصل في مسألة اختصاصها بالنسبة لكل عقد على حدة.

فالقواعد التي تحكم التحكيم والقائمة على الطابع الاتفاقي لشرط التحكيم لا تسمح بامتداد آثار الإنفاق المتنازع عليه على الغير والاحتجاج بها في مواجهة من ليسوا هم أطراف فيه وتعوق السير في أية إجراءات جبرية أو إدخال الضامن في الدعوى. وبهذه المثابة فإن حلول المشاكل المتولدة عن الارتباط بين العقود وعدم قابليتها المتجزئة، يتعين أن يتم من خلال البحث عن إرادة الأطراف.

ولقد أضافت محكمة استئناف باريس أن محكمة التحكيم قد واجهت مجموعة من العقود تهدف إلى تحقيق ذات المشروع وكان يجب عليها أن تحدد المسائل التي يمكنها أن تباشر اختصاصها ومهمتها بصددها، وتسعى إلى إيجاد حل متجانس من أجل أن تتحاشى تفتيت المنازعة وتعدد الإجراءات.

ومن الواضح أن المنهج الذي اقترحته محكمة استئناف باريس يختلف عن ذلك الذي اتبعته محكمة التحكيم والتي أدمجت شروط التحكيم المختلفة، مستندة إلى اعتبارات مثل فكرة الإنصاف ووجود مصلحة جديرة بالحماية من أجل أن تقر لنفسها بالاختصاص بنظر المنازعات الخاصة بأحد المدعين المرتبط بالمدعى عليهم بعقد يتضمن شرط التحكيم.

ولعله من الجدير بالملاحظة في هذا الصدد وهو ما نوه إليه الفقه الفرنسي أن هناك عاملاً وحيداً يتعين على الجهة المعنية أن تأخذه وحده بعين الاعتبار، سواء كانت هذه الجهة هي محكمة التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية، هيئة التحكيم أو قضاء الدولة، وذلك عند فحصها لمسألة ضم consolidation إجراءات التحكيم المتعددة، وذلك العامل هو إرادة الأطراف.

ففي ظل المعطيات السائدة الآن القانون الفرنسي، فإن الوسيلة الوحيدة من أجل ضم إجراءات التحكيم أو التقريب من شروط التحكيم هي البحث عن نية جميع الأطراف المعنية، من أن تتم إجراءات التحكيم على هذا النحو وفي حالة عدم التثبت من وجود هذه النية المشتركة للأطراف جميعها فإن أي منها له الحق في أن يتمسك بأن محكمة التحكيم، قد أصدرت حكم التحكيم في مواجهته، دونما اتفاق على التحكيم. ومما لا شك فيه أن ليس هناك ما يمنع من أن تكون نية الأطراف في هذا الصدد قد عبر عنها بشكل ضمني طالما كان هذا التعبير مؤكداً لا يشوبه أي لبس.

فعلى الرغم من الرغبة في عدم تجزئة المنازعات المركبة التي تتصل بمسائل مرتبطة بعضها على نحو وثيق، فإنه لا يمكن تغليب اعتبارات حسن أداء العدالة على اعتبارات احترام إرادة الأطراف، وذلك بسبب الطابع الإرادي للتحكيم، والذي يستند كقضاء خاص على إرادة الأطراف التي يتعين احترامها، وهو ما حرصت محكمة استئناف باريس إلى الإشارة إليه على نحو ما ذكرنا.

وترتيباً على ذلك، فإنه يمتنع على محكمة التحكيم أن تقوم بضم المنازعات بشأن العقود المركبة والتي يتضمن كل منها شرط تحكيم مستقل ينص على أن إجراءات التحكيم يتعين أن تتم كل منها في دول مختلفة، إلا أن مثل هذه الشروط تتعارض مع بعضها ولا يمكن التوفيق فيما بينها.

فاعتبار دولة ما، كمقر للتحكيم ليس مجرد بيان تفصيلي لا أهمية له ومبعثه اعتبارات راحة المحكمين، إذ أن العديد من النتائج القانونية الخطيرة تترتب على مثل ذلك الاختيار كالنظام القانوني الواجب التطبيق على طرق الطعن على حكم التحكيم، والاستفادة من المعاهدات الدولية التي تكون دولة المقر طرفاً فيها، وتدخل قضاء الدولة من أجل مساعدة هيئة التحكيم.

ولذلك يبدو من غير المتصور أن يتم ضم إجراءات التحكيم التي تتم في دولتين مختلفتين، فمثل ذلك المسلك فيه إهدار لإرادة الأطراف.

ولعل هذه الحقيقة المتقدمة تتأكد أيضاً في ظل القانون الهولندي الجديد بشأن التحكيم. فعلى الرغم من أن هذا القانون قد سمح بإمكانية ضم إجراءات التحكيم، إلا أنه على هذه الإمكانية على أن تكون جميع إجراءات التحكيم المختلفة تتم في هولندا.

وإذا كانت إرادة الأطراف هي العامل الوحيد الذي بالرجوع إليه يتعين على محكمة التحكيم أن تفصل في مسألة اختصاصها بالمنازعة المعروضة في حالة اتصال هذه المنازعة بالعديد من العقود المرتبطة بتنفيذ عملية واحدة والتي يتضمن كل منها شرط تحكيم مختلف في صياغته عن شروط التحكيم الأخرى، الواردة في جانب من هذه العقود، فإن هذه الإرادة اعترفت لها محكمة استئناف Versailles في حكمها الصادر في ۷ مارس في 1990. في قضيةO.I.A.E.T.I Sofidif,ضد كل من  C.E.A., Cogema Serv Eurodif JS وذلك بعد أن أحالت إليها محكمة النقض الفرنسية للفصل في المنازعة القائمة بين الأطراف المذكورة بعد إلغائها لحكم محكمة استئناف باريس المشار إليه سابقاً، بسبب تفسير هذا الحكم للشروط الواردة في وثيقة المهمة تفسيراً خاطئاً بدور رائد.

فلقد ذهبت محكمة استئناف Versailles إلى ملاحظة أن قضاء التحكيم يستمد ولايته من اتفاق الأطراف على منحه الاختصاص بالفصل في المنازعة المتفق بشأنها على التحكيم. وإنه يتعين على محكمة التحكيم أن تفصل في مسألة اختصاصها بالرجوع إلى هذا الاتفاق سواء تعلق الأمر بتحديد ولايتها من حيث الأشخاص الخاضعين أو تعلَّق الأمر بالفصل في تحديد موضوع ونطاق المنازعة المعروضة عليها.

ولذا، وفي حالة عدم وجود إرادة مشتركة للأطراف المتعاقدة سواء كانت هذه الإرادة صريحة أو ضمنية، في أن ترتبط الأطراف فيما بينها بشروط التحكيم الواردة في الاتفاق والبروتوكول، وفي حالة وجود شرط في أحد العقود يتعارض مع ذلك الوارد في البروتوكول، ويعبر عن إرادة مغايرة للأطراف، فإن محكمة التحكيم لا يمكن أن تفصل في المنازعة في ظل إجراءات تحكيم واحدة فبالنظر للطبيعة الاتفاقية لقضاء التحكيم، ولتعدد العقود واختلافها، وأيضا لاختلاف الأطراف في عقد منها، والاختلاف في شروط التحكيم ونظراً لغياب أي تحديد أو بيان من بين هذه الشروط يسمح باستخلاص إرادة مشتركة تفيد إمكانية وجود إجراءات تحكيم واحدة، وذلك على الرغم من وحدة الهدف الذي تسعى جميع العقود المعنية إلى تحقيقه، فإنه يتعين على المحكمين الإشارة إلى كل عقد من أجل الفصل في مسألة اختصاصهم بشأن كل مسألة متنازع عليها.

ولقد حرصت محكمة استئناف Versailles إلى الإشارة إلى أنه إذا كانت الأطراف المدعى عليها قد أشارت إلى الاتجاه القضائي الذي يقرر أن المحكمين باستنادها إلى الإرادة المشتركة لجميع الأطراف المعنية، يمكنهم التمسك باختصاصهم في مواجهة الأطراف غير الموقعة على شرط التحكيم، أو بصدد طلب على ارتباط وثيق بالمنازعة على الرغم من عدم شمول شرط التحكيم أنه لا محل لقبوله في واقع الحال، إذ أن الأمر لا يتعلق بالنعي على محكمة التحكيم بأنها قامت بتطبيق شروط التحكيم الواردة في البروتوكول والاتفاق على المدعيين ولكن يتصرف النعي عليها بأن قامت بدمج شرطي التحكيم وتقرير اختصاصها، على الأقل جزئياً، بنظر طلبات لا تدخل في نطاق هذه الشروط، وناجمة عن عقد آخر يتضمن شرط تحكيم مغاير ويعبر عن عدم نطاق وجود إرادة مشتركة للأطراف المعنية.

ونخلص مما تقدم إلى أنه بالنسبة للعقود المرتبطة والتي تهدف إلى تحقيق مشروع موحد والذي يتضمن كل منها شرطا تحكيميا يختلف عن الشروط الواردة في العقود الأخرى، فإن تحديد المحكم لاختصاصه بنظر المنازعة المعروضة عليه لن يتم بإعمال ذات القواعد التي تحكم الدعوى المدنية أداء العدالة من أمام قضاء الدولة من مد القاضي لاختصاصه على جميع المسائل المرتبطة بالمنازعة المعروضة عليه وضمها للفصل فيها تحت ولايته نظرا للارتباط وعدم القابلية للتجزئة، فهذا المبدأ المقرر في الأنظمة القانونية الوضعية المعاصرة والذي تفرضه اعتبارات حسن أداء العدالة من جهة وتحاشي تضارب الأحكام في المسائل المرتبطة ارتباطا وثيقا، ويطبقه القاضي الوطني تلقائيا، لا محل لإعماله بشأن التحكيم حيث يتمتع كل طرف في المنازعة بالحرية في تعيين محكمة ويتقيد هذا الأخير بحدود ونطاق شرط التحكيم ولا يمكنه أن يخرج عنه وإلا تعرض حكمه للإبطال.

ففكرة ضم الطلبات المرتبطة أمام قضاء التحكيم مرفوضة كأصل عام إلا إذا ظهر من الظروف المحيطة بالمنازعة ومن شروط التحكيم المختلفة المدرجة العقود المرتبطة والتي تهدف إلى إنجاز مشروع واحد أن الإرادة المشتركة للأطراف سواء كانت صريحة أو ضمنية طالما كانت مؤكدة، تقبل مثل ذلك الضم وهو ما لم يكن متحققا في واقعة الحال.

وإذا كانت فكرة رفض ضم المنازعات المرتبطة الناشئة عن عقود يتضمن كل منها شرطا تحكيميا مختلفا تشكل المبدأ العام في بعض الأنظمة القانونية إلا في الحدود السابقة، فإن هناك جانبا آخر من هذه الأنظمة يقرر إمكانية ضم المنازعات المرتبطة ويخول للقاضي الوطني مسألة الفصل في تقرير إمكانية هذا الضم ولعل قانون الإجراءات المدنية الهولندي في صياغته الجديدة والتي أشرنا إليها سابقا يقرر هذا الحل من أجل احترام حسن سير العدالة.

119