الاختصاص بالنظر في بطلان او صحة او نطاق اتفاق التحكيم:
يكون هذا الاختصاص لاى من الهيئات التالية حسب الاحوال : أولًا : هيئة التحكيم التي تنظر النزاع محل التحكيم ( الاختصاص بالاختصاص ) : من المبادئ التي استقرت في التحكيم مبدأ الاختصاص بالاختصاص. ومفاده أن هيئة التحكيم هي التي تختص بالنظر فيما اذا كانت مختصة بالنزاع المعروض عليها ام لا وقد ارست محكمة النقض الفرنسية هذا المبدأ بحكم شهير لها جاء به انه كأي جهة قضائية ، ولو كانت استثنائية، يدخل في سلطة المحكمين وواجبهم التحقق مما إذا كانوا
طبقًا لنصوص اتفاق التحكيم الذى يتمسك به ذوو المصلحة - مختصين بالنظر في النزاع المطروح عليهم». ويكون لهيئة التحكيم هذا الاختصاص، ولو دفع امامها بانعدام اتفاق التحكيم أو ببطلانه ، او بسقوطه.
وقد ذهبت بعض الحكام النقض الفرنسية القديمة الى انه اذا كانت المسألة لا تتعلق بحدود اختصاص المحكمين وانما بانعدام ولاية المحكمين اصلًا ، فإن الأمر يتعدى مسألة الاختصاص إلى مسألة الولاية ، اذ يتطرق إلى البحث حول وجود اتفاق تحكيم وليس حول نطاقه. وعندئذ ينعقد الاختصاص للمحاكم وليس لهيئة التحكيم.
والصحيح أن المحكم لكي ينظر ما يعرض عليه من نزاع لابد له ان يقرر أولًا اختصاصه بنظره، ولو اقتضى هذا البحث في وجود وصحة وبقاء اتفاق التحكيم الذى يستند اليه طالب التحكيم، اذ هو يستمد ولايته من ارادة الطرفين ، أى من هذا الاتفاق. ولهذا فهو يختص بالنظر في مسألة اختصاصه ومبدأ الاختصاص بالاختصاص يشمل ليس فقط ما يتعلق ببطلان اتفاق التحكيم وانما ايضًا ما يتعلق بوجوده ، وكذا ما يتعلق بتحديد نطاق ولاية هيئة التحكيم أو بعبارة اخرى شمول اتفاق التحكيم أو عدم شموله للمسائل المطروحة امام هيئة التحكيم .
وقد قننت المادة ۱/۲۲ من قانون التحكيم هذا المبدأ بنصها على ان « تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم او سقوطه او بطلانه»
وقد اثير امام محكمة استئناف القاهرة دفع بعدم دستورية نص المادة ۲۲ تحكيم بزعم مخالفته للمواد ١٦٥ و ١٦٦ الخاصة باستقلال السلطة القضائية ، وكذا المادة ٦٨ الخاصة بحق المواطن فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي . وذلك على اساس ان النص يفقد هيئة التحكيم استقلالها اذ يجعل للمحكمين مصلحة شخصية في رفض الدفع بعدم الاختصاص حرصًا منهم على الحصول على اتعابهم كاملة . وقد رأت المحكمة ان هذا الدفع غير جدى اعتبارًا منها أن اختصاص هيئة التحكيم بالفصل في اختصاصها لا يخل بحياده واستقلاله، ولا يجعل الامر موكولًا كليًا الى هيئة التحكيم إذ انها ان فصلت في مسألة لا تدخل في اختصاصها فان حكمها يتعرض للبطلان برفع دعوى البطلان في حكمها المنهى للخصومة . فضلًا عن ان وجود المحكم غير الصالح الذى لا يهمه سوى اتعابه امر استثنائی ، وان اختصاص هيئة التحكيم باختصاصها يتفادى طرح مسألة اختصاصها على القضاء مما يطيل أمد النزاع، وهو ما يتنافى مع اختيار الاطراف للتحكيم كوسيلة لحسم خلافاتهم دون اطالة أو لدد.
واذا كان سبب عدم الاختصاص هو بطلان الاتفاق على التحكيم لمخالفته النظام العام، فيكون لهيئة التحكيم تحديد مدى تعلق المخالفة بالنظام العام، وأثرها في صحة الاتفاق على التحكيم . كما يكون لها اذا كان البطلان متعلقًا بالنظام العام، ان تنظر في هذا البطلان من تلقاء نفسها . دون حاجة الى دفع به وتقضى بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها .
ويخضع نظر هذا الدفع بعدم الاختصاص المبني على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلاته لجميع الأحكام التي يخضع لها الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم وفقًا للمادة ٢٢ من قانون التحكيم مما سنبينه تفصيلًا في حينه.
ويلاحظ أن هيئة التحكيم لا تقضى ببطلان أو صحة الاتفاق، إذ هي ليس لها ولاية الفصل في صحة اتفاق التحكيم أو ببطلانه ما لم ينفق الأطراف صراحة على تحويلها هذه الولاية، فالأطراف لا يقولونها باتفاق التحكيم وحده الاختصاص بهذه المسألة. كما أن المشرع وفقًا للمادة ٢٢ من قانون التحكيم يحولها فقط الفصل في الدفع بعدم اختصاصها المبنى(... على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع)، دون أن يخولها سلطة الحكم بوجود الاتفاق لو بسقوطه او ببطلانه. فالمشرع المصري شأنه شأن المشرع الإيطالي (مادة ۸۱۷ معدلة بلائحة بقانون رقم ٤٠ لسنه ۲۰۰٦)، ولائحة ال ICC (مادة ۲/ ۱)، ولائحة مركز القاهرة الإقليمي (مادة 1/21)، لم يأخذ بالفكرة التي أخذت بها بعض التشريعات والنظم الأخرى، وهي منح هيئة التحكيم سلطة الفصل في عدم وجود أو سقوط أو بطلان اتفاق التحكيم .
ولهذا فإن هيئة التحكيم تبحث الوجود أو الصحة أو البطلان من حيث الظاهر للنظر في اختصاصها أو عدم اختصاصها. فإن ظهر لها وجود الاتفاق وصحته، رفضت الدفع بعدم الاختصاص ومضت في نظر الدعوى التحكيمية. ولا يكون حكمها برفض الدفع وباختصاصها قابلًا للطعن فيه بدعوى البطلان فورًا إذ هو حكم يصدر قبل الحكم المنهى للخصومة كلها، بل يطعن فيه بدعوى البطلان مع الحكم المنهي للخصومة كلها.
وفي الحالتين لا يجوز حكم هيئة التحكيم بالاختصاص بعد رفض الدفع، أو حكمها بعدم الاختصاص بعد قبول الدفع، حجية الأمر المقضي بالنسبة لوجود اتفاق التحكيم أو صحته أو بطلانه أو سقوطه أو انقضائه وذلك مع ملاحظة أنه إذا صدر حكم باختصاص هيئة التحكيم على أساس وجود اتفاق تحكيم أو صحته، وفصلت الهيئة في الدعوى التحكيمية وانقضى ميعاد دعوى بطلان الحكم، فلا يقبل رفع نفس الدعوى مرة أخرى أمام نفس هيئة تحكيم أو هيئة تحكيم أخرى أو أمام المحكمة استنادًا إلى بطلان اتفاق التحكيم، أن الحكم في موضوع الدعوى التحكيمية يحوز قوة الأمر المقضي. ونفس الأمر إذا رفعت دعوى البطلان في الميعاد وصدر حكم فيها برفضها أو عدم قبولها.
أما إذا صدر حكم من هيئة التحكيم بعدم الاختصاص على أساس عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو سقوطه، فإن هذا الحكم- إذ لا حجية له بالنسبة لوجود الاتفاق أو صحته- لا يمنع من التمسك بوجود الاتفاق أو صحته سواء أمام هيئة تحكيم أخرى أو أمام المحكمة حسب الأحوال.
(111).