بعد أن إنتهينا من الحديث عن الإيجاب الإلكتروني الذي يصدر بداءة لإبرام اتفاق التحكيم الإلكتروني، فإننا ننتقل الآن إلى الحديث عن الجزء الثاني من إتفاق التحكيم الإلكتروني وهو القبول الإلكتروني.
وعلى ذلك فإن القبول الإلكتروني لاتفاق التحكيم الإلكتروني يتم عن طريق إرسال رسالة إلكترونية من القابل يعبر فيها عن قبوله للإيجاب الذي قد وصل إليه ويتم القبول الإلكتروني في الغالب عن طريق الضغط على الأيقونة المخصصة لإعلان الموافقة Accept، وذلك من خلال الحاسب الآلي الذي كان قد تلقى الإيجاب الإلكتروني، مما يدل على تعبير الموجه له إرادته في قبوله للعرض الخاص باتفاق التحكيم الإلكتروني، بعد أن أطلع على العرض المقدم بياناته وشروطه ورغبته في إتمام الاتفاق بإرادته الحرة.
ولكن بعض الفقه يرى أن مجرد الضغط على الأيقونة المخصصة لايعني الموافقة إلا إذا كان هناك اتفاق من الأطراف على ذلك، أو أن القابل قد أكد حال قيامه بهذا العمل وهو الضغط على أيقونة القبول يتيح له قراءة محتويات عرض اتفاق التحكيم الإلكتروني وقبوله، مما يسمح بانعقاد عقد اتفاق التحكيم الإلكتروني). .
وقد ذهب القضاء الأمريكي إلى اعتبار أن الضغط بواسطة الفأرة يعد بمثابة قبول غير إنه يجب أن يكون حاسماً، والغاية من ذلك أن الضغط على الايقونة يمكن أن يكون مجرد إنزال ذلك الاتفاق من شبكة الإنترنت على الحاسب الألي للأطراف ولا يعني الموافقة على اتفاق التحكيم الإلكتروني. .
ومن هنا يتضح أن هناك أشكال متعددة لطرق القبول الإلكتروني وهذا ما أكدته النصوص القانونية المختلفة ومنها:
المادة 11 من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية الأونيسترال لسنة 1996 على أنه يجوز استخدام رسالة البيانات للتعبير عن القبول، وأن العقد لا يفقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد استخدام رسالة بيانات لهذا الغرض.
ويری جانب من الفقه أن القبول الإلكتروني المتعلق بالعقود الإلكترونية يمكن أن يكون ضمنياً في حالة عدم وجود إرادة صريحة على هذا القبول ويمكن إستخلاص القبول الضمني من خلال التصرف الذي يصدر من الطرف الآخر الذي أرسل القبول الضمنی كأن يقوم من وجه إليه الإيجاب بتنفيذ العقد الذي اقترح الموجب إبرامه، كالدفع مثلا عن طريق بطاقات الائتمان بإعطاء الموجب رقم البطاقة السرى دون أن يعلن صراحة قبوله فيتم العقد وفق هذا القبول الضمني، أو من خلال الاشارة في عقود التجارة الإلكترونية على اتفاق التحكيم وفقاً لما هو وارد في وثيقة آخرى يعلمها الأطراف ويتم قبول العقد الأصلي بأكمله فإن ذلك يعني الموافقة الضمنية على اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني بينهم لتسوية المنازعات وعلم اللجوء إلى القضاء.
توثيق هذا الباحث
ونحن من جانبنا نؤيد الرأى الراجح من الفقه الذي يؤكد على أن التعبير عن إرادة القبول الإلكتروني في اتفاق التحكيم لا يكون إلا صريحاً، فالقبول الإلكتروني يتم عن طريق أجهزة وبرامج إلكترونية تعمل آلياً وهذه الأجهزة لا يمكن إستخلاص أو إستنتاج إرادة المتعاقد منها، ووفق هذا الرأي فإنه لامحل للقول بأن التعبير عن الإرادة بالقبول الإلكتروني يمكن أن يكون من خلال إشارة متداولة عرفة أو بإتخاذ موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه، أو السكوت المقترن بظروف يرجح معها دلالته على القبول.
من هنا يثير القبول الإلكتروني سؤلا في غاية الأهمية وهو هل يعد السكوت قبوة أم لا في إبرام عقد اتفاق التحكيم الإلكتروني؟
الأصل وفقا للقواعد العامة لا يصلح السكوت أن يكون تعبيراً عن انشاء الإيجاب، فإنه على العكس من ذلك قد يصلح أن يكون قبولاً وهذا ما نصت عليه المادة 18 من القانون المدنى المصرى على إعتبار السكوت قبولاً على سبيل الاستثناء في عدة حالات وهي: .. 1. إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول، فإن العقد يعتبر قد تم، وإذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب.
2. يعتبر السكوت عن الرد قبولاً، إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل، أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه. .
لذا فإن الموافقة أو القبول لايمكن أن ينتج من صمت المرسل إليه حيث إن هذا الصمت أو السكوت لايعني ولايساوي الموافقة، وهكذا فإنه لايمكن اعتبار السكوت عن الإيجاب الإلكتروني من خلال عقد التحكيم الإلكتروني قبولاً، بل يجب أن يكون هناك قبولاً على هذا الاتفاق وأن يكون الرد صريحاً بما يفيد القبول.
هذا الجانب من الفقه يطرح إفتراض أن الرسالة الإلكترونية هي الوسيلة الأمثل للتعبير عن إرادة أحد الأطراف في الإيجاب الإلكتروني الاتفاق التحكيم الإلكتروني، وقد تسلم أحد الأطراف الرسالة الإلكترونية بالإيجاب ولم يقم بالرد عليها خلال مدة معينة متفق عليها فإن ذلك يعد قبولاً وقد جرى العرف على ذلك.
ولكن يؤخذ على هذا الرأي أن هذا جائز في المعاملات التقليدية من العقود و إتفاق التحكيم التقليدي، إلا إنه لايصلح في المعاملات الإلكترونية وخصوصاً إتفاق التحكيم الإلكتروني، وهذا يرجع إلى أن تلك العقود الإلكترونية التي يتم إبرامها على شبكة الإنترنت لها طبيعة خاصة، ويجب التأكد فيها من أن الطرف الموجه إليه الإيجاب قد قبل فعلاً إبرام تلك العقود ومنها اتفاق التحكيم الإلكتروني وبالنظر إلى هذا الاتجاه فإن الاتفاق المسبق على مرور فترة معينة من الزمن ولم يتم فيها القبول فيعتبر ذلك السكوت قبولاً لا يعد دليلاً كافياً على ذلك لصعوبة إثباته في المعاملات الإلكترونية.
ونخلص مما سبق أنه يصعب إعمال تلك الاستثناءات التقليدية في مجال المعاملات الإلكترونية فمن جهة لم تعد بعد في قوة العرف لكي يتم العمل بها، ومن جهة أخرى لا تكفي حالة التعامل السابق في التعاقد عبر الإنترنت لاعتبار هذه الحالة من حالات السكوت الملابس بل يجب أن تقترن بهذا السكوت ظرف آخر يرجح دلالة السكوت على قبول اتفاق التحكيم الإلكتروني، كما يتضح أيضاً أن القبول الإلكتروني يجب أن يتم صراحة وذلك لصعوبة أن يكون ضمنياً أو بالسكوت لأنه يتم عن طريق أجهزة وبرامج إلكترونية تعمل آلية وبالتالي يصعب معها استنتاج إرادة الموجه إليه الإيجاب الخاص باتفاق التحكيم الإلكتروني وخصوصاً أن القبول الإلكتروني يتم عن طريق الضغط على أيقونة القبول في الحاسب الآلى لذلك فبعض الفقه يشترط للتأكد من صدور القبول الضغط على الأيقونة المخصصة للقبول أكثر من مرة للتأكد من صحة القبول الإلكتروني.