يعد نطاق تطبيق مبدأ سلطان الإرادة طبقاً لقواعد التحكيم التحاري الدولي هو الأوسع مقارنة بقواعد التحكيم الأخرى، فهذا المبدأ شاخصاً في أهم ما يميز العملية التحكيمية وهو اختيار المحكمين، إذ أنه طبقاً للمواد الخامسة والسادسة والسابعة من قواعد التحكيم التجاري، يكون للأطراف مطلق الحرية في تعيين محكميهم دون أية قيود أو محظورات تتعلق بالجنسية، باستثناء ما للمادة السادسة تلك القواعد من أنه الفقرة الرابعة من عليه تنص من المستحسن أن يكون رئيس هيئة التحكيم أو المحكم الفرد من جنسية غير جنسيات أطراف النزاع.
وبالتالي، وعلى خلاف ما يجري عليه العمل طبقاً لقواعد بعض المؤسسات التحكيمية، فإن ترشيح المحكم لا يخضع لأية قيود غير تلك التي تتعلق بالحيدة والاستقلال لتفادي تعارض المصالح، كما لا يخضع ترشيح الأطراف لمحكميهم لأدنى تأكيد من جانب أي جهة ولا يحرم الأطراف من المشاركة في تعيين المحكم الرئيس. وهكذا لا يكون اختيار الأطراف محلاً للطعن إلا يقع بالمخالفة لاتفاق التحكيم أو للمتطلبات المنصوص . في القانون واجب التطبيق.
– مرونة أكبر في سير إجراءات التحكيم عليها
تتميز قواعد اليونسترال بأنها لا تلزم الأطراف بها كحزمة واحدة تأخذ أو تترك، إذ يجوز لأطراف التحكيم طبقاً للمادة الأولى من تلك القواعد تعديلها كيفما يرون. وبالتالي يكون للأطراف مطلق الحرية في إملاء الإجراءات التي يتم إتباعها لحسم خلافاتهم فيضيفون أو يحذفون منها ما يريدون الآجال وتشكيل هيئة التحكيم مروراً بإجراءات التحكيم بدءاً ووصولاً إلى حكم التحكيم.
ولعل من أهم مظاهر مرونة قواعد اليونسترال أنها تمنح هيئة التحكيم في مادتها الخامسة عشر أوسع نطاق ممكن من الحرية في سبيل ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة دون أية قيود أو محظورات، اللهم إلا ضرورة احترام القواعد الآمرة في القانون الواجب التطبيق وشريطة أن يعامل الطرفان على قدم المساواة» وأن تهيئ هيئة التحكيم لكل منهما في جميع مراحل الإجراءات فرصة كاملة لعرض قضيته.
وقد أثبت الواقع العملي ما لهذه المادة . أهمية مكنت من العديد من هيئات التحكيم المشكلة للفصل في منازعات الاستثمار من حسن إدارة العملية التحكيمية والتعامل معها وفقاً لظروف كل دعوى وما يقتضيه تطورها، فضلاً عن مواجهة ما يطرأ من مشاكل إجرائية مرتبطة بطبيعة هذا النوع من المنازعات.
احترام أكبر للتوقعات المشروعة للأطراف تضمن جميع قواعد التحكيم احترام مبدأ سلطان الإرادة في مجال القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ولا تخرج قواعد اليونسترال عن هذه القاعدة، إذ تنص المادة الثالثة والثلاثون يعينه الطرفان. منها على أن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفين.
بيد أن هناك اختلاف كبير في موقف قواعد المؤسسات التحكيمية عندما لا يحدد الأطراف القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع. فبينما تُجمع تلك القواعد على ترك أمر تحديد هذا القانون لتقدير هيئة التحكيم، إلا أنها تتأرجح بين تلك التي تمنح المحكمين حرية مطلقة وتلك التي تقيد هذه الحرية.
فمن قواعد التحكيم ما يسمح لهيئة التحكيم بأن تطبق بطريق مباشر قواعد القانون التي تراها مناسبة (المواد ۱/۱۷ من قواعد غرفة التجارة الدولية و ۱/۲۸ من قواعد الجمعية الأمريكية للتحكيم و ٣/٢٢ من قواعد محكمة التحكيم بلندن [LCIA])، في حين توجد قواعد أخرى تلزم هيئة التحكيم بتبرير اختيارها للقواعد أو القانون واجب التطبيق وتوضيح مدى اتصاله بالنزاع (المادة ٣٩/ من قانون التحكيم المصري).
أما قواعد اليونسترال، فقد تبنت موقفاً منحازاً لتوقعات الأطراف، إذ تنص مادتها الثالثة والثلاثون على أنه إذا لم يتفق الطرفان على تعيين القانون واجب التطبيق، وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى أنها الواجبة التطبيق في الدعوى.
بموجب هذا النص، فإنه في غياب اتفاق بين طرفي التحكيم حول اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، يكون من المنطقي أن يتوقع الأطراف تطبيق قانون وطني، إذ اختارت قواعد اليونسترال مصطلح «قانون» بدلاً من مصطلح «قواعد القانون كما تشترط المرور بقواعد تنازع القوانين التي تحيل دائماً وأبداً إلى قانون وطني.
في ضوء ما تقدم، نجد أنه طبقاً لتجربة مركز القاهرة، لا مجال اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع توجد في أية مفاجآت غير سارة للأطراف، ذلك أن اختيار هيئة التحكيم لهذا القانون لم يخرج أبداً عن إطار التوقعات المشروعة للأطراف، كما لم نجد في أحكام التحكيم الصادرة عن المركز ما يشير إلى تطبيق مبادئ أو قواعد غير معلومة المصدر.
مناخ أكثر ملاءمة للتوصل إلى تسويات ودية يساهم النطاق الواسع لسلطان الإرادة والمرونة في ممارسة إجراءات التحكيم فضلاً عن احترام التوقعات المشروعة للأطراف - وهو ما يحققه تطبيق قواعد تحكيم اليونسترال - في تخفيف حدة الخصومة ومن ثم خلق استعداد أكبر للتفاهم فيما بين الأطراف، مما يوفر مناخاً أكثر ملائمة للتوصل لتسويات ودية وأحكام تحكيم بشروط متفق عليها.
وهذا ما تؤكده تجربة مركز القاهرة، إذ تم التوصل إلى تسوية ودية في حوالي %٦٪ من قضايا الاستثمار المنظورة أمامه وذلك بعد تحريك الإجراءات وقبل إصدار الحكم المنهي للخصومة .
وقد تم إقرار بعض هذه التسويات الودية في أحكام تحكيم بشروط متفق عليها Consent Awards طبقاً لنص المادة (١/٣٤) من قواعد المركز علماً بأنه في بعض الحالات الأخرى عاد الأطراف إلى مزاولة نشاطهم المشترك بعد صدور الحكم المنهي للخصومة، وهو ما يتناسب مع طبيعة وأهداف الاستثمارات طويلة الأجل، إذ يتفادى التأثير السلبي على كل من سمعة المستثمر ومناخ الاستثمار في الدولة المضيفة للاستثمار.
تتميز منازعات الاستثمار بطبيعة خاصة تختلف عن غيرها من المنازعات التجارية التقليدية سواء من ناحية أطرافها أو على هيئات التحكيم للبت فيها. من ناحية المسائل الموضوعية والإجرائية التي تثيرها ويتم عرضها
وباستثناء قواعد تحكيم الإكسيد ذات الطبيعة الخاصة والمعتمدة بموجب اتفاقية دولية لا توجد في مجال التحكيم- فيما نعلم قواعد خاصة بالتحكيم في منازعات الاستثمار، بل تتبنى معظم المؤسسات التحكيمية قواعد تسري على تسوية منازعات كل من التجارة والاستثمار دون تمييز.
و من متابعة لتجربة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في مجال تسوية منازعات الاستثمار، نستطيع نؤكد ملاءمة قواعد تحكيم اليونسترال - التي يطبقها المركز - لمـ هذا النوع من المنازعات بفضل ما تتيحه من مزايا قلما تتوافر في قواعد أخرى. وهذا ما نلمسه من الزيادة المطردة لعدد منازعاء الاستثمار المعروضة على مركز القاهرة وغيره من المؤسسار التحكيمية التي تبنت قواعد تحكيم اليونسترال.
وإذا كانت قواعد اليونسترال قد أثبتت صلاحيتها في مجال تسوية منازعات الاستثمار، فإن هذا يقتضي تعزيز مكانتها في هذا المجال الهام عن طريق إدخال بعض التعديلات لمعالجة مسائل مثل مدة إصدار حكم التحكيم والتحكيم متعدد الأطراف وسري إجراءات وأحكام التحكيم.
وقد كان مركز القاهرة سباقاً في التصدي لمعظم هذه المسائل، إذ تناولتها التعديلات المتتالية لقواعده. وتبقى بعضر المسائل الأخرى عرضة للتعديل في ضوء ما يفرزه التطبيق العملي وما تسفر عنه مناقشات مجموعة العمل الخاصة بالتحكيم بلجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي. ومن شأن هذه التعديلات. المرتقبة تعزيز دور كل من مركز القاهرة وقواعد اليونسترال في مجال تسوية منازعات الاستثمار