الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / وجود الإرادة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / النظام القانوني لاتفاق التحكيم ( دراسة مقارنة ) / قانون الاراده

  • الاسم

    أحمد نبيل سليمان طبوشة
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

    469
  • رقم الصفحة

    391

التفاصيل طباعة نسخ

خضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة :

يذهب الرأي الغالب في الفقه المؤيد بالقوانين الوطنية والمعاهدات الدولية إلي أن القانون الذي يحكم موضوع اتفاق التحكيم هو قانون الإرادة المستقلة الذي يختاره الأطراف.

وينطلق هذا الاتجاه من اعتبار اتفاق التحكيم بمثابة عقد ، والعقود تخضع

لقانون الارادة ،الذي يعطي الإرادة دورا هاما وسلطة واسعة في اختيار القانون علي : العقد شريعة المتعاقدين ، ويتميز هذا المعيار بأنه يحقق عنصر الأمان بين الأطراف حيث إنهم يكونون على علم مسبق بالقانون الواجب التطبيق بناء على اختيارهم له.

وقد يكون تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم عند تحرير اتفاق التحكيم ، حيث يتضمن بنوده بندأ يحدد فيها القانون المختص ، ومع ذلك صح للأطراف تحديد هذا القانون بعد إبرام اتفاق التحكيم في محرر مستقل أو حتى شفاهة أمام الجهة التي ستنظر التحكيم.

ويثور التساؤل حول مدي حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ؟ بمعني هل يلزم أن يكون لاختيار الأطراف لهذا القانون صلة باتفاق التحكيم أم أن اختيار الأطراف له متروك لمطلق تقديرهم ؟. ۔

اختلف الفقهاء والتشريعات الوطنية المقارنة في الإجابة علي هذا التساؤل بين اتجاهين : 

الأول : اتجه بعض الفقه ) إلي وضع قيد علي حرية المتعاقدين في اختيار

القانون الواجب التطبيق ، ووجوب أن تكون هناك صلة ولو فنية بين القانون المختار والعقد الأصلي أو موضوع النزاع ، فمثلا يمكن أن يكون قانون احد

طرفي الاتفاق ، أو قانون المكان الذي يجري فيه التحكيم أو قانون المكان الذي أبرم فيه العقد الأصلي ، أو قانون العقد المبرم بشانه اتفاق التحكيم ، أو قانون الدولة التي سيجري فيها التحكيم. أما الاختيار المطلق السائب فغير جائز.

ومن التشريعات الوطنية التي أخذت بهذا الاتجاه قانون التحكيم الأسباني رقم ۲۹ لسنة ۱۹۸۸ حيث نص بالمادة 16 منه على أن " يحكم صحة اتفاق التحكيم وآثاره القانون الذي حدده الأطراف صراحة بشرط أن يكون على صلة بالعملية القانونية الأصلية أو بالنزاع ......" ومقتضى هذا النص أن القانون الذي اختاره الأطراف لابد أن يكون على صلة بالعقد أو العلاقة القانونية غير العقدية أو موضوع النزاع المبرم بشأنه ذلك الاتفاق ، فإن تخلفت تلك الصلة كان للهيئة القضائية ، المطروح أمامها النزاع بشأن وجود اتفاق التحكيم أو صحته ، أن تطرح ذلك القانون جانبا ، وتنهض هي بتعيين القانون الذي تتوفر معه هذه الصلة.

 الثاني : اتجه غالبية الفقهاء ) إلي إعطاء الأطراف حرية كاملة في اختيار القانون واجب التطبيق ، وأنه يجب إسقاط أي قيد يوضع علي حريتهم في الاختيار ، استنادا إلي أن استلزام أية صلة بين القانون واتفاق التحكيم يعد قيدا يتناقض مع التيسير الواجب للأطراف في المبادلات والمعاملات الدولية، وكذلك فإنه في مجال التجارة الدولية غالبا ما يجري العمل علي إبرام عقود البيع بالإحالة إلي عقود نموذجية أو شروط عامة تتضمن شرط التحكيم وتنص علي تطبيق قانون معين على اتفاق التحكيم وقد يكون هذا القانون منقطع الصلة بالاتفاق.

وقد أخذ بهذا الاتجاه أحكام القضاء المقارن وقرارات التحكيم التجاري الدولي.

ويثور تساؤل أخر عن مدي إمكانية اختيار الأطراف لأكثر من قانون ليحكم اتفاق التحكيم ومدي حريتهم في تجزئة اتفاق التحكيم وإخضاعه لأكثر من قانون ؟

ذهب بعض الفقهاء إلي أن القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم وموضوعه وإجراءاته لا يمكن أن يتجزا ، وذلك للحفاظ على الوحدة البنائية لاتفاق التحكيم ، فضلا عن أن إخضاع كل جانب من اتفاق التحكيم الى قانون قد يؤدی  إلى الإخلال بالتوازن والوحدة الموضوعية لذلك الاتفاق.

وذهب الرأي الراجح إلى حرية الأطراف في تجزئة اتفاق التحكيم واخضاعه لأكثر من قانون ، استنادا إلي أن الواقع العملي يجعل تجزئة اتفاق التحكيم أمرا لابد منه ويفرض نفسه ، وذلك لأن معظم الاتفاقيات الدولية التشريعات الوطنية التي واجهت كيفية حل تنازع القوانين في اتفاق التحكيم تعترف بأن هناك مسائل تخضع لقانون آخر غير الذي أراده الأطراف كمسائل الأهلية وشكل التحكيم على التفصيل السابق بيانه. وفضلا عن ذلك فإن اتفاق التحكيم يخضع أيضا إلي القواعد الآمرة في قانون الدولة التي يتصل بها موضوع النزاع أو يطلب فيها التنفيذ.

وبالرغم من ذلك ، ومع التقرير بحرية الأطراف في تجزئة الاتفاق واخضاعه لأكثر من قانون ، يجب الحفاظ علي الوحدة البنائية لاتفاق التحكيم من حيث إبرامه ، وآثاره ، وانقضائه ، وإخضاعه لقانون واحد ؛ وذلك لأن تقطيع أوصال اتفاق و التحكيم واخضاع كل جانب منه لقانون يخل بالتوازن ويعرضه لأسباب البطلان التي قد يقررها أحد القوانين واجبة التطبيق عليه.

واذا كان القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم يتعين تحديده في ظل مبدأ قانون الإرادة ، فإن ذلك لا يثير أية صعوبة عند إعماله في حالة اختيار القانون الواجب التطبيق علي نحو صريح. ولكن تثور الصعوبة في حالة عدم اختيار الأطراف صراحة لذلك قانونا ؟ ففي هذه الحالة يتعين علي المحكم أو القاضي بحسب الأحوال تحديد القانون الواجب التطبيق. وهو ما سنعرض له في المطلب التالي.