الإتفاق على التحكيم يعتبر عقدا من عقود القانون الخاص يسوده مبدأ سلطان الإرادة، وتسرى عليه القواعد العامة في العقود؛ التـى تعرفها النظرية العامة للعقد.
وبناء على ذلك فلابد لقيام الاتفاق على التحكيم من وجود الرضا وإلا كان الاتفاق غير قائم. أى يجب أن تتجه إرادة الأطراف المتطابقة إلى اللجوء إلى لايد التحكيم كبديل لقضاء الدولة العام.
ووجود التراضى على التحكيم يفترض صدور هذه الإرادة من الأطراف، ام وأن تكون الإرادات متطابقة، وأن تتلاقى على هدف واحد هو اخضاع النزاع للتحكيم بالشروط المتفق عليها.
فشرط التحكيم يقع باتفاق بين طرفيه، لذا يجب أن تتوافر في هذا الاتفاق الشروط التي تتطلبها القواعد العامة الواجبة التطبيق على العقود فيما يتعلق يقحبه برضاء المتعاقدين وأهليتهما للتعاقد ففيما يتعلق بالرضاء يجب إتجاه إرادة المتعاقدين إلى إخراج النزاع من ولاية القضاء العام وتخويل محكم أو أكثر مهمة الفصل فيه، ويجب أن يكون هذا الرضا خالياً من العيوب التي تفسده وهي الغلط والتدليس والإكراه. فإذا لم يوجد الرضا أو شابه عيب من هذه العيوب كان شرط التحكيم باطلاً بطلانا مطلقاً أو بطلاناً نسبياً حسب الأحوال. ولا ينعقد الشرط إلا بالتقاء الإيجاب والقبول، ويجب أن يكون الإيجاب والقبول متطابقين حول جميع المسائل التي تضمنها الشرط، فإذا اختلف الإيجاب عن القبول في أية مسألة من. هذه المسائل بأن زاد أو نقص عنها فإن العقد لا ينعقد.
ويطبق فى هذا الشأن كافة القواعد العامة في الرضا التي يعرفها القانون المدني.
وتنص المادة ۱۱ من قانون التحكيم المصرى الحالى على أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعى أو الاعتبارى الذى يملك التصرف في حقوقه. فالأهلية اللازمة لصحة الرضا هى أهلية التصرف بالنسبة للحق المتفق على التحكيم بصدده، فلا تكفى أهلية الاختصام الإجرائية بل لابد من توافر أهلية الأداء.
وهذه الأهلية لازمة أيا كانت صورة التحكيم شرطا أو مشارطة ويشترط ما أن تتوافر فى الواعد نفس الأهلية اللازمة لصحة العقد الموعود به وبالذات فــــي شرط التحكيم الذي يعتبر لدى البعض بمثابة وعد بالاتفاق على التحكيم كما سوف نرى من بعد وبالتالى فالقاصر الذى له أهلية التصرف في بعض حقوقه يجوز له الإتفاق على التحكيم بالنسبة لهذه الحقوق والجزاء على تخلف الأهلية هو البطلان.
والاتفاق على التحكيم ليس ضار ضررا محضا ولا نافع نفعا محضا، وإنما يدور بين النفع والضرر وبالتالي يكون باطلا بطلانا نسبيا إذا صدر الرضى به من قاصر ناقص الأهلية وهذا البطلان يزول بالإجازة بعد اكتمال أهلية القاصر .
ويتصور أن يوجد تدليس يعيب الرضا في إتفاق التحكيم أيا كانت صورته؛ كذلك يتصور وقوع الإكراه أيضاً وبذات الشروط والقواعد المعمول بها في نظرية العقد.
ويتميز شرط التحكيم بخصوصيات معينة فى نطاق بحث عيوب الإرادة الخاصة به، فإبطال شرط التحكيم لعيب في إرادة أحد الطرفين لا يمتد إلى العقد الأصلى الملحق به هذا الشرط والذى يبقى صحيحاً رغم إبطال شرط التحكيم " وذلك نظرا لإستقلال شرط التحكيم عن الاتفاق الوارد به هذا الشرط.
أما إذا كان العقد الأصلى باطل لعيب فى الإرادة، فإن هذا البطلان لا يكون له أثر على شرط التحكيم إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته، وهذا هو حكم المادة ۲۳ تحكيم .مصرى.
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة ١٨ من القانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۷ بإنشاء بنك فيصل ال إسلامى، وبسقوط فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة وكذلك ماورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقا بهيئة التحكيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل اتعاب المحاماة
(القضية رقم ١٣ لسنة ۱٥ ق دستورية جلسة ۱۹۹۷/۱۲/۱۷)
221
وأفصحت فى هذا الحكم عن الطبيعة الرضانية للتحكيم :
وحيث إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية أمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع نزاعا قائما أو محتملا، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه وفقا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافيه التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم، التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملا وفقا لفحواه. فإذا لم يكن القرار الصادر في نزاع معين بين طرفين منهيا للخصومة بينهما، أو كان عاريا عن القوة الإلزامية، أو كان التحكيم إنفاذه رهن وسائل غير قضائية، فإن هذا القرار لا يكون عملا تحكيميا . وحيث إن التحكيم بذلك يختلف عن أعمال الخبرة، ذلك أن قوامها ليس قرارا ،ملزما، بل مناطها آراء يجوز أطراحها أو تجزئتها والتعديل فيها. كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض، إذ هو تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادر في شأنها قوة الأمر المقضى بل يكون معلقاص إنفاذها على قبول أطرافها فلا تتقيد بها إلا بشرط انضمامها طواعية إليها. ومن ثم يئول التحكيم إلى وسيلة فنيه لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع محدد مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة.
وحيث إنه وإن كان قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم ٦٠ لسنة ۱۹۷۱ قد نظم صوراً بذاتها كان التحكيم فيها إجبارياً، هي تلك التي تقوم بين الدولة - بتنظيماتها المختلفة – وبين وحداتها الاقتصادية، إلا أن النزاع بين هذه الجهات لا يثور بين أشخاص اعتبارية تتناقض مصالحها أو تتعارض توجهاتها، إذ تعمل جميعها باعتبار أن ثمار نشاطها عائدة في منتهاها - إلى المرافق العامة التى تقوم الدولة على تسييرها، وتكفل انتظامها وتطويرها لضمان وفائها بالأغراض التى ترمى إلى إشباعها. ولا كذلك الأمر إذا كان أحد الأشخاص الطبيعيين طرفا في ذلك النزاع، إذ لا يجوز أن يدخل في هذا النوع من التحكيم وعلى ما كان ينص عليه هذا القانون ذاته إلا بقبوله.
وحيث أن الطبيعة الرضائية للتحكيم تبلور تطوراً تاريخيا ظل التحكيم على امتداده عملا إراديا، فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تاليا لنزاع بين طرفين يلجنان إليه إما لأن المحكم محل ثقتهما، أو لأن السلطة التي يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلا ملائما. وكان ينظر إلى المحكم بالتالي باعتباره صديقا موثوقا فيه، أو رجلا حكيما أو مهيبا. بيد أن هذه الصورة التقليدية - ومع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا - جاوزها التطور الراهن في العلائق التجارية والصناعية، لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها، ذلك أن التحكيم اليوم - في صوره الأكثر شيوعا لا يعود إلى اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد، ولكنها تتمثل فى شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بنيهما. ولم يعد المحكم في إطار هذا التطور، مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين. وإنما غدا التحكيم تنظيما مهنيا تقوم عليه أحيانا جهة تحكيم دائمة تكون أقدر على تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة. بل إن نطاق المسائل التي يشملها التحكيم بات متباينا ومعقداً، ولم يعد مقصورا على تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخيا أو مشوبا بسوء النية أو مخالفا من أوجه أخرى – للقانون، وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة، بل توخى التحكيم إلى جانبها - وعلى نحو متزايد - إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التى لا يمكن عرضها على القضاء، أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم كتلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ في عقد غير مكتمل أو تعديل أحكام تضمنها العقد أصلا لتطويعها على ضوء الظروف الجديدة التي لابستها، وإن ظل الاتفاق دائما - وباعتباره تصرفا قانونيا وليد الإرادة ناشنا عنها - منبسطا على أعمال التحكيم، سواء فى صورتها التقليدية، أو في أبعادها الجديدة، ليكون مدخلا إليها وطريقا وحيدا لها.
وحيث إن من المقرر أنه سواء كان التحكيم مستمدا من التفاق بين طرفين أبرماه بعد قيام النزاع بينهما، أم كان ترقبهما لنزاع محتمل قد حملهما على أن يضمنا عقدا من العقود التي التزما بتنفيذها، شرطا يخولهما الاعتصام به فإن التحكيم لا يستكمل مداه.
وحيث إن الشريعة العامة للتحكيم فى المواد المدنية والتجارية - المعمول بها فى جمهورية مصر العربية وفقا لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، والتي يفصح عنها كذلك ما جاء بمضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس الشعب المعقوده في 20 من يناير 1994 ابان دور الانعقاد العادى الرابع للفصل التشريعي السادس – قوامها أن التحكيم في المسائل التي يجوز فيها الصلح وليد الاتفاق، سواء أكان تحكيما داخليا، أم دوليا، مدنيا ، أم تجارياً، وأن المحتكمين يجوز أن يكونوا من أشخاص القانون الخاص أو العام. كذلك يؤكد هذا القانون أن التراضى على التحكيم والقبول به هو المدخل إليه، وذلك من جهتين أولاهما ما تفيده المادة ۲۲ من هذا القانون ضمنا من انتفاء ولاية هيئة التحكيم وامتناع مضيها فى النزاع المعروض عليها، إذا قام الدليل أمامها على انعدام أو سقوط أو بطلان اتفاق التحكيم، أو مجاوزة الموضوع محل بحثها لنطاق المسائل التي اشتمل عليها . ثانيهما ما تنص عليها المادتان ٤ ، ۱۰ من هذا القانون من أن التحكيم فى تطبيق أحكامه – ينصرف إلى التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة وذلك سواء كانت الجهة التي اتفق الطرفان على توليتها إجراءات التحكيم، منظمة أو مركزا دائما أو لــم تكن كذلك، وسواء كان اتفاق التحكيم سابقا على قيام النزاع أم لاحقا لوجوده، وسواء كان هذا الاتفاق قائما بذاته، أم ورد في عقد معين. ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد. بل إن المادة ٢٢ من هذا القانون صريحة في نصها على أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، وأن بطلان العقد الذى أدمج هذا الشرط فيه، أو زوال هذا العقد بالفسخ أو الإنهاء ليس بذى أثر على شرط التحكيم الذى يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته.
وحيث إن الأحكام التي أتى بها قانون التحكيم سالف البيان، لا ينافيها التنظيم المقارن، بل يظاهرها ويقوم إلى جوارها ولا سيما بالنسبة إلى ما كان من صوره دوليا، ومرجعها بوجه خاص إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في ٢١ يونيو ١٩٨٥. فقد نص هذا القانون على أن المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية محددة بين طرفين، أو التي يمكن أن تتولد عنها، يجوز بناء على اتفاق إحالتها إلى محكمين سواء أكان اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم وارد في عقد أم في شكل اتفاق منفصل. وتعتبر الإحالة فى عقد ما إلى وثيقة تشتمل على شرط تحكيم بمثابة اتفاق تحكيم إذا كان هذا العقد مكتوبا، وكانت الإحالة كاشفة بدلالتها عن أن هذا الشرط بجزء من العقد.
وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر ،وجوده هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى (۲۱) أبريل (١٩٦١) وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها في شأن كل اتفاق يتغيا تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية، ويكون مبرما بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يقيمون على وجه الاعتياد وقت هذا الاتفاق بإحدى الدول المتعاقدة أو تتخذ مقرا لها فيها. ويقصد باتفاق التحكيم - في تطبيق أحكام هذه الاتفاقية – كل شرط بالتحكيم يكون مدرجاً في عقد، وكذلك كل اتفاق قائم بذاته يلجأ الطرفان بمقتضاه إلى التحكيم، على أن يكون كلاهما موقعا عليه منهما أو متضمنا في رسائلها أو برقياتهما أو غير ذلك من وسائل الاتصال بينهما.
وهذه القاعدة ذاتها هى التى رددتها اتفاقية نيويورك (١٠ يونيو ١٩٥٨) التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولى في شأن تقيد الدول - كـــل في نطاق إقليمها وفى مجال اعترافها بقرارات المحكمين وتنفيذها - بالاتفاق الكتابي الذى يتعهد الأطراف فيه بعرض نزاعاتهم ما كان منها قائما أو محتملا على التحكيم، وذلك كلما كان موضوعها مما يحوز التحكيم فيه، وبشرط نشونها عن علاقة قانونية محددة، ولو لم يكن العقد مصدراً لها.
وأصداء هذه القاعدة تعكسها كذلك الاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية (۳۰ يناير ۱۹۷۵) بإعلانها صحة كل اتفاق يتعهد بمقتضاه طرفان أو أكثر بعرض نزاعاتهم الحالية أو ما يظهر مستقبلا منها - على محكمين يعينون بالكيفية التي يبينها أطراف النزاع، ما لم يفوضوا في ذلك طرفا ثالثا. كذلك تلتزم بالأحكام السالف بيانها، الاتفاقية المبرمة في شأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى. (۱۷مارس ١٩٦٥)
وحيث إن القوانين الوطنية فى عدد من الدول ، تقرر كذلك أن الاتفاق مصدر للتحكيم. فقد عقد قانون المرافعات المدنية الفرنسى عدة فصول ضمنها كتابه الرابع منظما بها شرط التحكيم واتفاق التحكيم ومحددا القواعد التي تجمعهما، ومقرراً بموجبها أن شرط التحكيم هو كل اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد بعرض نزاعاتهم التي يمكن أن تتولد عنه، على التحكيم. ويجب أن يكون هذا الشرط مدونا فى العقد الأصلي، أو في وثيقة يحيل هذا الشرط إليها، وإلا كان باطلا. ويبطل هذا الشرط كذلك إذا خلا من بيان أشخاص المحكمين أو أغفل تعيينهم بأوصافهم. ويعني بطلان شرط التحكيم أن يعتبر كما لو كان غير مدون. ويجوز باتفاق مستقل، أن يحيل طرفان نزاعا قائما بينهما إلى محكم أو أكثر للفصل فيه، ولو كان عين النزاع منظوراً بالفعل أمام جهة قضاء. وكلما كان الفصل فى النزاع موكولا إلى محكمين وفقا لاتفاق ،تحكيم، فإن عرضه على جهة قضاء، يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره. ويكون الأمر كذلك ولو كان هذا النزاع لا يزال غير معروض على المحكمين ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهر البطلان. وإذا عارض أحد الطرفين المتنازعين في أصل الولاية التي يباشرها المحكم أو فى مداها ، كأن لهذا المحكم أن يفصل في صحة إسنادها إليه، وكذلك في نطاقها.
كذلك عدل القانون رقم ٥٩ لسنة ۱۹۹۳ الاصدر في رومانيا - بعد زوال التأثير الشيوعى من تنظيماتها القانونية - أحكام الباب السابع من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، متبنيا نظاما للتحكيم يخول الأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم حرية الدخول فيه لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التي لا يجوز التعامل فيها، ومقررا كذلك أن التحكيم لا يتم إلا بمقتضى اتفاق يدون كتابة، وأن هذا الاتفاق إما أن يكون تفاقهما قائما بذاته بين طرفين لمواجهة نزاع شجر بينهما بالفعل Compromise وإما أن يكون متخذا شكل شرط بالتحكيم Compromissory Clause مندمجا في عقد نافذ بين الطرفين المتنازعين، ويستقل فى صحته عن العقد الذى يتضمنه، على أن يتناول هذا الشرط تخويل المحكمين فض ما قد يثور بينهما مستقبلاً من نزاع يكون ناشنا عن ذلك العقد أو مرتبطا به. ويعتبر إتفاق التحكيم مانعا من مباشرة جهة القضاء لاختصاصها بنظر المسائل التي أحالها ذلك الاتفاق إلى التحكيم. ويكون لأعضاء هيئة التحكيم السلطة الكاملة التى يحددون من خلالها ما يدخل في اختصاصهم من المسائل، وذلك بقرار لا يجوز الطعن فيه إلا وفق الأحكام المنصوص عليها في المادة ٣٦٤ من هذا القانون.
وحيث إن النصوص القانونية السالف بيانها تؤكد جميعها أن التحكيم وفقا لأحكامها لا يكون إلا عملا إراديا، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم، ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما، ما كان منها قائما عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده، إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى - بإرادتهما - الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقة ميسرة فى إجراءاتها وتكلفتها وزمنها، ليكون التحكيم بذلك نظاما بديلا عن القضاء، فلا يجتمعان يؤيد ذلك أن الآثار التى يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التي يشتمل عليها على محكمين، وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها. وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل جهة القضاء ويمنعها من الفصل فى المسائل التي أحيلت إلى المحكمين. بل إن الاتجاه السائد اليوم يخولهم عند إنكار ولايتهم، تقرير الاختصاص بما يدخل في نطاقها la competence de leur competence وإن كان ذلك لا يحول بين جهة القضاء وبين أن تفرض رقابتها - فى الحدود التي يبينها القانون على قراراتهم التي تنتهى بها الخصومة كلها، سواء فى مجال الفصل في ادعاء بطلانها، أو بمناسبة عرضها عليها لضمان التقيد بها. وأكدت هذه الطيبعة الرضائية من حكمها الصادر بجلسة ۱۹۹۹/۷/۳ القضية رقم ١٠٤ لسنة ۲۰ ق دستورية وانتهت لعدم دستور الماده ٥٧ من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٦٦ لسنة ١٩٦٣ وانظر حكمها فى القضية رقم ۳۸۰ لسنة ۲۳ ق دستورية جلسة 2003/5/11
ولما كانت الرضائية هي أساس التحكيم على نحو ما سلف وذكرنا فإن ذلك يدفعنا إلى طرح التساؤل الآتي:
هل يتناقض والطبيعة الرضائية للتحكيم أن يتم فى إطار مراكز تحكيم دولية دائمة لها لوائحها الخاصة التى تكون واجبة التطبيق بمجرد اختيار مركز تحكيم معين للفصل في النزاع.
في هذا الشأن أوضحت المحكمة الدستورية العليا أنه وإن كان الأصل في التحكيم أن يكون تالياً لنزاع بين طرفين يلجأ إليه، إما لأن المحكم محل ثقتهما، أو لأن السلطة التي يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلا ملائماً، وكان ينظر إلى المحكم بالتالي باعتباره صديقاً موثوقاً فيه، أو رجلاً حكيماً أو مهيباً. بيد أن هذه الصورة التقليدية ومع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا جاوزها التطور الراهن في العلائق التجارية والصناعية، لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها، ذلك أن التحكيم اليوم - فى صورة الأكثر شيوعاً لا يعود إلى اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد، ولكنها تتمثل في شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما. ولم يعد المحكم في إطار هذا التطور، مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين. وإنما غدا التحكيم تنظيماً مهنيا تقوم عليه أحياناً جهة تحكيم دائمة تكون أقدر على تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة بل إن نطاق المسائل التي يشملها التحكيم بات متبايناً ومعقداً، ولم يعد مقصوراً على تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخياً أو مشوباً بسوء نية أو مخالفاً - • أوجه أخرى - للقانون، وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية - من البحتة، بل توخى التحكيم إلى جانبها - وعلى نحو متزايد إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التي لا يمكن عرضها على القضاء أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم، كتلك التى تتناول فى موضوعها ملء فراغ في عقد غير مكتمل، أو تعديل أحكام تقضمنها العقد ، أصلاً، لتطويعها على ضوء الظروف الجديدة التى لابستها، وإن ظل الاتفاق دائماً وباعتباره ن تصرفاً قانونياً وليد الإرادة ناشئاً منها - منبسطاً على أعمال التحكيم سواء في صورتها التقليدية أو في أبعادها الجديدة ليكون مدخلاً إليها وطريقاً وحيداً لها".
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم ١٣ لسنة ١٥ ق دستورية جلسة ١٩٩٤/١٢/١٧)
ولكن هل هناك قيود تشريعية يمكن أن تحد من هذه الرضائية ؟
أرست المحكمة الدستورية العليا مبدأ هاماً في خصوص عقود نقل التكنولوجيا جعلت في إمكان المشرع التدخل للحد من هذه الرضائية في هذه العقود فقد كانت الدعوى الدستورية تدور حول مدى دستورية المادة (۸۷) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم ۱۷ لسنة ۱۹۹۹ والتى يجرى نصها على النحو الآتي
1 - تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا المشار إليه فى المادة (۷۲) من هذا القانون، ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع ودياً أو بطريق تحكيم يجرى في مصر وفقاً لأحكام القانون المصرى.
2 - وفى جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصرى وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلاً". وقد انتهى تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة فى استفاضة إلى رفض الدفع بعدم دستورية هذه الماده.
فقد جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن "المشرع له أن يورد فى شأن كافة العقود حتى ما يكون وقاعا منها فى نطاق القانون الخاص - قيوداً يراعى على ضوئها حدود للنظام العام لا يجوز اقتحامها ، فقد يخضعها لقواعد الشهر أو لشكلية معينة ينص عليها، وقد يعيد إلى العقود توازنا اقتصاديا اختل فيما بين أطرافها، وهو يتدخل إيجابيا في عقود بذواتها محوراً من التزاماتها انتصافا لمن دخلوا فيها من الضعفاء، مثلما هو الأمر في عقود الإذعان والعمل ، ولازال يقلص من دور الإرادة في عقود تقرر تنظيما جماعيا ثابتا، كتلك التي تتضمن تنظيما نقابيا، بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدوداً لا يجوز أن يتخطاها سلطانها، ليظل دورها واقعا فى إطار دائرة منطقية، تتوازن الإرادة في نطاقها، بدواعى العدل وحقائق الصالح العام، ومن ثم لا تكون حرية التعاقد - محددة على ضوء هذا المفهوم - حقا مطلقا بل ،موصوفا، فليس إطلاق هذه الحرية وإعفاؤها من كل قيد، بجائز وإلا آل أرمها سرابا أو انفلاتاً .
وأيا ما كانت الاعتبارات التي حدت بالمشعر إلى سن النص الطعين فإن استبعاد إرادة الأطراف في اختيار قانون آخر خلافا للقانون المصرى الواجب التطبيق لا يوجد له ما يبرره بالنظر للضمانات الكافية التي يوفرها التنظيم التشريعي لنظام التحكيم فى مصر والتي يموجبها يكفل إقرار بطلان أحكام التحكيم إذا خالفت النظام العام الوطنى (مادة ٥٣ / ۲ من قانون التحكيم المصرى ) وكذلك عدم تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة بالمخالفة للنظام العام (مادة ۲/۵۸) من قانون التحكيم المصرى)، ومن ثم فإنه لا مبرر لأخذ المشرع بقاعدة أمرة مقتضاها وجوب إجراء التحكيم في مصر وتطبيق القانون المصرى أجرائيا وموضوعيا على المنازعات المتعلقة بعقود نقل التكنولوجيا بما يجهض اتفاق التحكيم ذاته ويعدم إرادة إطرافه.
ورداً على ذلك نرى أن أعمال مفهومى النظام العام الوقائي والحمائي معـاً يفترض. تكاملاً لمفهوم النظام العام فى القانون الدولي الخاص، ففكرة النظام العام الحمائي تمثل خط الدفاع الأخير، حال حصول اختراق لأى من القواعد النظامية الفوقية التى لم يتمكن النظام العام الوقائي من صدها، فى حين يظل للنظام العام الاستبعادى دور أصيل في حماية النظم القانونية الوطنية طبقاص لما سلف ذكره، ومن ثم فلا وجه للقول بالاكتفاء بفكرة النظام العام الاستبعادى المعبر عنها بفكرة الدفع بالنظام العام كصمام أمان للمجتمع، فالمشرع له أن يكفل كافة الوسائل التي يراها محققة الصالح العام.
وهناك شرط التحكيم بالإحالة
ولا يجوز الاعتذار بالجهل بشرط التحكيم بالإحالة، حيث تصبح الوثيقة المحال إليها جزءاً لا يتجزأ من العقد أى تعتبر مندمجة فيه كما لو كان منصوص عليها بالكامل فى العقد وليس بمجرد الإشارة إليها وقد أيد ذلك القضاء الفرنسي أنه تم حيث قضى بصحة شرط التحكيم بالإحالة فى قضية تتلخص وقائعها في إبرام عقد بين مرفق بترول تونسی و بين شركة هولندية تدعى Bomaroil وقد تم الاتفاق عن طريق التليكسات التي أشير فيها إلى أعمال الشروط العامة الملحقة من جانب تونس والتي تضمنت في البند السادس عشر منها شرط التحكيم وفقا لغرفة التجارة الدولية بباريس.