الاستثمار بمثابة إيجاب من الدولة يتضمن موافقتها على اللجوء إلى التحكيم في أي نزاع متعلق بالاستثمار فإذا ما لجأ المستثمر الأجنبي إلى التحكيم وفقا لهذه الاتفاقية فهنا يكون قد تم تلاق بين الإيجاب والقبول وقد استند هذا الاتجاه إلى تأييد قضاء التحكيم له في العديد من القضايا ومنها .
في الواقع أن حقبة التسعينيات قد سجلت شيئا غريبا إذ أخذت مراكز التحكيم الأوربية والأمريكية تعلن نفسها مختصة بالنظر في النزاع علي الرغم من عدم وجود عقد تحكيمى معتمدة في ذلك علي الاتفاقيات الدولية الموقعة بين الدول لتشجيع الاستثمار والتي تحيل إلى التحكيم من دون أن يكون هناك عقد بين طرفي النزاع.
واخذت الأحكام ضد الدول المضيفة للاستثمار تتكاثر رغم اعتراض هذه الدول علي هذا النوع من التحكيم الذي ليس فيه تراض ولا عقد تحكيمي بين الطرفين.
وقد استندت هذه الأحكام إلى البند الذي يتم إدراجه عادة في اتفاقيات الاستثمار وينص علي أن الطرفين الموقعين يعطيان الحق لكل مستثمر من أي من الجهتين بتقديم مراجعة تحكيميه أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في حاله نشوء أي خلاف بين المستثمر والطرف المتعاقد الذي يجري علي أرضه الاستثمار بشرط عدم التوصل لحل هذا الخلاف في خلال ثلاثة شهور من تاريخ وقوعه .
هذا هو النص الذي أدي إلى إعلان مراكز التحكيم الأوربية والأمريكية اختصاصها بنظر النزاع الذى يثور بين الدولة والمستثمر الأجنبي .
علي الرغم من عدم وجود عقد تحكيمي وقد أوضح مركز ICSID أن اختصاص المركز يصبح آليا دون حاجة لعقد تحكيمي لأنة يبني اختصاصه علي اتفاقية حماية الاستثمار والتي تحيل إلى حل المنازعات بواسطة التحكيم لدي مركز ICSID .
في الواقع أنه لا يمكننا أن نساير هذا الاتجاه ونري مع بعض الفقه أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون معدوما لأنه إذا كانت الدولة قد قبلت في اتفاقية حماية الاستثمار بالتحكيم، فإن هذا التحكيم لا يوضع موضع التنفيذ إلا بالاتفاق عليه ويبقي التحكيم معطلا في حالة غياب العقد التحكيمي ويؤيد ذلك أيضا مقدمة اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى الموقعة في 18 مارس 1965 والتي تتضمن قواعد تؤكد الحاجة إلى وجود عقد تحكيمي حيث تشير مقدمة الاتفاقية إلى أنه:
تقديرا لضرورة التعاون الدولي في العمل علي التنمية الاقتصادية ولأهمية الدور الذي تؤديه الاستثمارات الدولية في هذا المجال ونظرا إلى أنه من الممكن أن تنشب منازعات متعلقة بهذه الاستثمارات من وقت لآخر بين الدول المتعاقدة ومواطني الدول الأخرى المتعاقدة، ومع التسليم بأن هذه المنازعات يمكن حلها بالطرق القانونية الوطنية إلا أنه من الأفضل أن يتم تسويتها عن طريق أداة دولية خاصة لهذا الغرض وهذه الأداة هي التحكيم وتستطيع الدول المتعاقدة ومواطني الدول الأخرى أن يطرحوا ما نشب بينهم من منازعات علي قضاء التحكيم إذا ما أرادوا ذلك ولا بد من توافر رضا الطرفين المشترك علي عرض هذه المنازعات علي قضاء التحكيم مع ملاحظة أن الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية لا تعتبر بمجرد التصديق عليها أو إقرارها أو قبولها ملزمة بعرض أي نزاع علي التحكيم .
يتضح من مقدمة الاتفاقية أن اللجوء إلى التحكيم لا بد أن يتم النص عليه صراحة سواء في العقد المبرم بين الطرفين أو في وثيقة لاحقة علي هذا العقد واكدت علي ذلك لائحة تحكيم محكمة ICSID والتي نصت علي ضرورة أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا حتى ينعقد لها الاختصاص وعلي ذلك فهذه اللائحة تؤكد على ضرورة وجود اتفاق خاص يتعلق بإمكانية اللجوء إلى التحكيم لحل المنازعات التي تنشأ بين الطرفين .