الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الرضا / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / بطلان العقد الأصلي لانعدام الرضا

  • الاسم

    أشرف محمد محسن خليل الفيشاوي
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    403
  • رقم الصفحة

    229

التفاصيل طباعة نسخ

بطلان العقد الأصلي لانعدام الرضا

    يترتب على صدور حكم بإبطال العقد زواله بأثر رجعي واعتباره كأن لم يكن وزوال كل أثر له. فالحكم القضائي في هذا الصدد يكون كاشفاً وليس منشئاً لحالة البطلان، ويعني الأثر الرجعي عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. ويلتزم كل منهما بأن يرد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد الذي تم إبطاله ويستوي في ذلك العقد الباطل والعقد القابل للإبطال. وعادة ما يثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كليا أو جزئياً من أحد الطرفين أو منهما معاً ثم يتقرر البطلان بعد ذلك. هنا يتعين، إعمالا للأثر للرجعي للبطلان، إعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.

    وقد ذهب جانب فقهي إلى أنه من الثابت أن انعدام الرضاء في الاتفاق الأصلي يفترض الغياب الكامل لرضاء الأطراف، وهذا الانعدام في الرضا يشمل كلاً من الاتفاق على التحكيم والعقد الأصلي، فكيف يمكن أن نتصور أن الأطراف قد اتفقوا على التحكيم في المنازعات الناشئة بينهم عن عقد لم يتم التراضي عليه من الأساس، فمن المنطقي أن انعدام الإرادة يؤدي بالتبعية إلى عدم وجود العقد الأصلي وشرط التحكيم، فقد ذهب هذا الاتجاه إلى أن انعدام التعبير عن رضاء الأطراف بالعقد الأصلي يؤدي لانعدام اتفاق التحكيم، إلا إذا كان شرط التحكيم قد تم الاتفاق عليه في ملحق للعقد وليس في أصل العقد وكان هذا الملحق قد أبرم صحيحا.

    ومفاد ذلك أنه إذا أبطل العقد بطلانا مطلقا وأعيد أطراف العقد إلى الحالة ما قبل التعاقد وكان هذا العقد يتضمن شرط تحكيم، أو قام الأطراف بإبرام مشارطة تحكيم قبل أن يثور موضوع البطلان وعند صدور حكم التحكيم للفصل في النزاع ادعى أحد الأطراف أن مشارطة التحكيم باطلة لبطلان العقد الأصلي بطلانا مطلقا، وعليه يثار التساؤل حول اختصاص الجهة التي تقرر هذا البطلان ما إذا كان قضاء الدولة ومحاكمه المختصة على سند من أن تقرير بطلان العقد سيؤدي إلى نزع الاختصاص من المحكم للفصل في النزاع لأن اتفاق التحكيم أو مشارطة التحكيم هما أساس سلطة المحكم، فكيف يمكن تبرير سلطته إذا انعدم مصدر التحكيم ببطلان العقد لانعدام الرضاء. 

    فإذا كان قانون العقد يبطل العقد الأصلي لعيب في الرضا مثلا، أو لاختلاف صفة الأطراف، أو لطبيعة الالتزامات التعاقدية الوارد بشأنها، أو يمنعه في بعض العقود إلى غير ذلك، فإن ذلك لا أثر له على صحة شرط التحكيم.

    وتوضيحاً لذلك؛ إذا تم إبطال العقد لانعدام الرضا على سبيل المثال، فهل يمس هذا الانعدام شرط التحكيم الوارد بنفس العقد المبرم وأحد أطرافه عديم الأهلية؟ وإذا قلنا بصحة اتفاق التحكيم فهل هذا يعني أن انعدام الأهلية لا يمس اتفاق التحكيم؟ فإذ اتضح أن عدم الأهلية يمس العقد واتفاق التحكيم فمن المفترض أن يلحق البطلان بالعقدين، وإذا كانت الأهلية منعدمة في العقد واتفاق التحكيم فما الجهة التي يلجأ لها لحل النزاع هل هو القضاء أم الدائرة التحكيمية.

   ففي حالة بطلان العقد بطلانا مطلقا يكون القضاء كاشفاً وليس منشئا للبطلان لأن العقد الباطل بطلانا مطلقا ليس له وجود قانوني؛ لذلك ليس هناك حاجة إلى استصدار حكم قضائي لتقرير البطلان، ويكون على القضاء الحكم من تلقاء نفسه بالبطلان، فلماذا لا يعطى المحكم الاختصاص بالفصل في موضوع بطلان العقد الأصلي، فإن كان العقد الأصلي باطلا فعلاً لانعدام الأهلية فدور المحكم في هذه الحالة لن يختلف كثيراً عن دور القاضي، ومنح المحكم سلطة الفصل في موضوع بطلان العقد الأصلي هو الأمر الأنسب للعقود الوارد بها اتفاق التحكيم والتي يختص بها للفصل في نزاعاتها، فانتزاع الاختصاص من المحكم في كل مرة يقوم أحد الأطراف بالزعم بأن العقد الأصلي باطل سوف يؤدي إلى التأثير على المنظومة التحكيمية كاملة بالسلب من إضراره لمميزات التحكيم الأساسية من سرعة الفصل في النزاعات واستقلالية اتفاق التحكيم.

    أما حال البطلان النسبي فإن المشرع قرر قابلية الإبطال لأحد المتعاقدين وربطها بسبب يخص هذا العاقد لذلك يكون له وحده حق التمسك بإبطال العقد، وذلك لكون القابلية للإبطال ترتبط بنقص أهلية أحد المتعاقدين أو عيب شاب إرادته ولذلك يكون حق التمسك بالإبطال مقصوراً على المتعاقد ناقص الأهلية أو المتعاقد الذي لحق إرادته العيب.

 

   الخلاصة أنه يعد اتفاق التحكيم المبرم بين الأطراف سواء كان شرطاً أو مشارطة عقدا رضائيا كسائر العقود له خصائصه ومميزاته ويتضمن حقوقاً والتزامات بين طرفيه ويخضع لقواعد المشروعية وعيوب الإرادة، فقد يكون صحيحاً كما قد يكون باطلاً أو قابلاً للبطلان، لأنه عقد من العقود الرضائية المسماة والملزمة للجانبين، فإذا تم بالشكل الصحيح وتوافر فيه الرضا والمحل والسبب والأهلية، فإنه لا يجوز لأي من طرفيه الرجوع فيه أو فسخه أو تعديله إلا بموافقة الطرف الآخر ومن ثم ينأى عن البطلان، أما إذا خالف ذلك جاز لأي من طرفيه أو الغير الدفع ببطلانه. ورغم كل ما تقدم إلا أن الواقع العملي يؤكد وجود العديد من الأسباب التي تؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم في بعض الحالات، مثل انعدام الرضا أو الإكراه، أو الغلط في الشخص إلخ.

 

   إذن؛ تتوافر هذه الحالة إذا كانت الإرادة صادرة من شخص عديم الأهلية (مجنوناً كان أو معتوهاً أو صبياً دون السابعة من عمره)، أو في حاله انعدام توافق الإرادتين أو عدم اقترانهما، وقد يكون سبب انعدام إرادة أحد الأطراف تعرضه لإكراه مادي، وقد استقرت محكمة النقض المصرية في حكمها على أن تصرفات المجنون والمعتوه لا تأخذ حكم تصرفات الصبي غير المميز إلا بعد تسجيل قرار الحجر أو تسجيل طلب الحجر، وتكون باطلة بطلاناً مطلقاً تصرفاته متى كانت حالة الجنون أو العته معلومة للمتعاقد الآخر أو شائعة قبل التسجيل.

  وعلى ذلك إذا تم بطلان العقد لانعدام الرضاء فإن العقد يبطل بما فيه شرط التحكيم الذي تضمنه.