عند البحث عن القانون الذي يحكم العقد من الطبيعي أن يرجع إلى إرادة الطرفين؛ لأن لهما حرية اختيار القانون الذي سيطبق على عقدهم. ولذلك يحرص أطراف العلاقة التعاقدية في عقود الدولة على تحديد القانون لضمان ما قد يحدث من منازعات بعد التعاقد. فهم بمقتضى هذا الاختيار يضمنون هذا القانون الذي يمكن لهم الرجوع إليه ويتوقعون القواعد التي ستطبق على النزاع.
ويندر أن تخلوا عقود الدولة ذات الطابع الدولي من تحديد القانون الواجب تطبيق.
على الرغم من ذلك فإنه لا يمكن لأحد أطراف العقد أن يستقيل بهذا الاختيار أن إلا في حالات استثنائية يكون فيها تحديد القوانين المعمول في الدول التي تتبعها الأطراف المتعاقدة.
- أنه ليس هناك قانون قد تم تحديده سلفا لحكم العقد، وإنما تنفرد إرادة الأطراف في تحديد القانون الأقرب صلة بالرابطة التعاقدية.
- إن لإرادة الأطراف قوة تعادل القوة الملزمة للقانون، لأن آثار اتفاقهم محكوم بإراداتهم بالرغم من التعاون في العلاقة بين الأطراف الدولة والشخص الخاص الأجنبي.
وتكمن أهمية اختيار الأطراف المتعاقدة للقانون الواجب التطبيق في أنه يعطي النصوص التعاقدية القوة التنفيذية، ويعمل على تكملة النقص الوارد في هذه العقود حدد القواعد التي يتم بمقتضاها تفسيرها ويشكل حماية المصالح كلا الطرفين". لأن قانون العقد الذي اختاره الطرفان يحكم وجود التراضي وصحته ومشروعيته كل ومشروعيته، ووجود السبب وتخضع له، حالات البطلان والقابلية هذا البطلان ومن له حق التمسك به، وكذلك التقادم وسقوط دعوى.
البطلان كل ذلك يخضع لهذا القانون، ومن حيث آثار العقد فتخضع له سواء كانت بالأشخاص أو تلك المتعلقة بالموضوع حيث يخضع له تفسيره وتحديد نطاق وبيان الحقوق والالتزامات ووسائل تنفيذ هذه الالتزامات.
والمحكمون ملزمون باحترام اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق وذلك أية ما كان التكييف الذي يعطى لقاعدة الإرادة سواء كانت قاعدة تنازع بالمعنى التقليدي، أم قاعدة مادية أم قاعدة تنازع ذات مضمون مادي، ويمتنع عليهم تعين هذا القانون إلا في حالة عدم الاختيار من قبل الأطراف.
للأطراف مكنة اختيار أكثر من قانون واحد لحكم الرابطة
العقدية حيث أن لهم تجزئة العقد وإخضاع كل جزء منه إلى قانون يختلف عن القانون الذي يحكم الجزء الآخر.
ولقد جرى العمل في قضايا هذا النوع من التحكيم كما حدث في التحكيم ترین المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو Aramco الأمريكية على إخضاع بعض المسائل لقانون الدولة الطرف في النزاع، وإخضاع البعض الآخر للمبادئ العامة للقانون الذي ترى المحكمة تطبيقها.
ولقد أقرت هذا المبدأ اتفاقية روما لسنة (1980 بشأن القانون الواجب التطبيق على الالتزامات العقدية في المادة (3) فقرة (1)، وأقر ذلك أيضا القانون المصري رقم (27) لسنة 1994 في المادة (39) فقرة (1) وتنص على أنه (تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الأطراف)، فمثل هذه الصياغة نسمح بإمكان اختيار المتعاقدين لقواعد قانونية الحكم العقد تنتمي لقوانين دولة مختلفة، وهو ما يؤدي إلى تجزئة العقد وإخضاعه لأكثر من قانون واحد.
وهناك عدة قيود يفرضها البعض على حرية المتعاقدين في اختيار القانون الواجب التطبيق منها إلا يصطدم هذا القانون بالنظام العام في الدولة، والمعتبر هذا هو النظام العام الداخلي وليس الدولي.
أما القيد الآخر فيتمثل بألا يكون التحكيم لا ضابط له وإنما يجب وجود صلة بين القانون الذي اختاره الأطراف وبين اتفاق التحكيم، فيكون مثلا قانون أحد طرفي الاتفاق أو القانون الذي يجري العرف الدولي على تعنته.
أما الاختيار المطلق من قبل الأطراف فهو غير جائز، وهذا الرأي غير مقبول الذي قضاء التحكيم ويجب إسقاطه وخصوصا في المعاملات الدولية.
ولا خلاف في أنه ليس هناك ثمة ما يحول دون اتجاه إرادة الأطراف النية صراحة إلى اختيار قانون معين.
ولا يوجد ما يمنع الدولة من اختيار القانون الواجب التطبيق على عقود القانون العام ذلك أن مصالحها لا تتأثر بالرجوع إلى قانون أجنبي يطبق على عقودها.
إن معظم التشريعات الوطنية أخذت بالاتجاه المتسم باحترام مبدأ سلطان الإرادة، وكان من أول التشريعات التشريع الفرنسي الصادر عام 1981 حيث نص في المادة (1496) من قانون الإجراءات المدنية على أن (يفصل المحكم في النزاع وفق للقواعد التي يقدر وملاءمتها في حالة عدم اتفاقهم، وفي جميع الأحوال يأخذ العادات التجارية في الاعتبار).
وتخول هذه المادة للأطراف المتعاقدة اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ودون التقيد بأي قانون أو بأي قواعد قانونية معينة، فيملكون اختيار القواعد المشتركة في القوانين المتصلة بالموضوع أو تطبيق المبادئ العامة للقانون أو القانون الدولي العام. وفي حالة عدم الاتفاق يكون للمحكم اختيار أي من القوانين الملائمة الموضوع النزاع، على أن يراعي في كلا الحالتين العادات التجارية المتصلة بموضوع النزاع.
أما المشرع المصري فقد أخذ بمبدأ سلطان الإرادة في اختبار القانون الواجب: على موضوع النزاع حيث أعطى الأولوية لتطبيق قانون الإرادة في المادة (39) من رقم (27) لسنة (1994) حيث نصت الفقرة (1) على أنه (نطبق هيئة التحكيم موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفاق على تطبيق قانون دولة مدينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك).
ويعد النص على القواعد التي تسري على موضوع النزاع أعم من تحديد قانون دولة معينة، إذ أنه كما تحتوي القواعد المتفق على تطبيقها تحديد قانون دولة معينة، فإنها قد تعني أيضا تحديد الأطراف لقواعد خاصة أو شروط تعاقدية معينة أو الإشارة على أحكام عقد نموذجي أو قواعد موضوعية موحدة وضعتها مثلا UNCTRAL أو ICC أو FIDC.
إن المشرع قد استخدم اصطلاح اتفاق طرفا النزاع على قواعد الحكم نزاعهم، ولم يستخدم اصطلاح قانون يحكم نزاعهم، وهذا يفيد أنه قد اعطى للأطراف المتعاقدة حرية كبيرة في صياغة هذه القواعد كيفما يشاؤون مع جواب مراعاة ما يتعلق بقواعد النظام العام.
وحرص قانون التحكيم على ضرورة أن تلتزم هيئة التحكيم بالقواعد التي اتفق عليها طرفا النزاع ليحكم نزاعهم بحيث لا يجوز لها أن تتجاوز ذلك عند الحكم على النزاع والحكم بغيره.
صياغة نص المادة (39) أ المصري إلى تطبيق القواعد 11 والمادة (39) أكثر عمومية من نص القانون النموذجي إذ بشير نص القانون إلى تطبيق القواعد المتفق على تطبيقها من قبل الأطراف المتعاقدة دون أن يقين من هذه القواعد بأنها قواعد قانون معين.
ويدعم هذا أن قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 كان قد أعد أصلا ليطبق على التحكيم التجاري الدولي دون التحكيم الداخلي، إلا أنه روی سن مرحلة متقدمة وقبل أن يصدر القانون، أن توحد الأحكام التي تسري على نوعي التحكيم ودون أن ينتبه المشرع إلى أن نص الفقرة (1) من المادة (39) لا يتصور تطبيقه إلا على التحكيم الدولي وكان ينبغي النص على ذلك صراحة.
ويجوز لهيئة التحكيم أن تطبق قواعد العدل والإنصاف وفق لنص المادة (39) فقرة (4) من قانون التحكيم رقم (27) لسنة 1994 وهذا ما يتنافى مع نظرية العقد اقداري وهذا ما يؤيد الاتجاه الذي يرى أن هذه العقود ليس عقود إدارية، وتحول هذه العقود إلى عقود ذات طبيعة خاصة جديدة.
لقد خرج المشرع المصري عن حكم المادة (39) فقرة (1) في مجال عقود نقل التكنولوجيا حيث اشترط تطبيق حكم القانون المصري كقانون واجب التطبيق على ما ينشأ من منازعات بمناسبة تفسير أو تنفيذ عقود نقل التكنولوجيا وذلك سواء كان النزاع مرفوع أمام المحاكم الوطنية أو هيئات التحكيم حيث نصت المادة (87) من القانون التجاري المصري رقم (17) لسنة 1999 على أنه (1- تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا المشار إليه في المادة (72) من هذا القانون ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع ودية أو بطريق تحكيم يجري في مصر وفقا لأحكام القانون المصري.
وبهذا النص يكون المشرع المصري قد وضع حكما خاصة فيما يتعلق بمكان وقانون التحكيم في المنازعات التي تتعلق بعقود نقل التكنولوجيا، يتمثل في ضرورة نظر التحكيم بمصر وأن تطبق أحكام القانون المصري على موضوع النزاع.
ويكمن الهدف من وراء وضع هذه القاعدة - والتي تتعلق بالنظام العام - حماية الطرف المتلقي في عقود نقل التكنولوجيا.
أما المشرع الأردني فقد أخذ بقاعدة سلطان الإرادة في اختيار القانون الواجب التطبيق في المادة (36) فقرة (1) حيث جاء فيها (تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين).
واستخدم المشرع اصطلاح القواعد القانونية " ويعد ذلك تقيد للأطراف باختيار قانون دولة معينة، على العكس تماما من المشرع المصري الذي أطلق لفظ القواعد ولم يقيد وصف هذه القواعد بأنها قواعد قانون معين، ويعد اتجاه المشرع المصري أفضل من اتجاه المشرع الأردني في هذا الشأن، ويعطى للأطراف حرية أكبر في اختيار قواعد قانون دولة معينة أو غيره مثل الإشارة إلى أحكام عقد نموذجي أو قواعد موحدة، وهذا يتفق مع اتجاه أطراف عقود التجارة الدولية.
وكرست الاتفاقيات الدولية هذا المبدأ، وذلك بسبب أهميته، حيث تقر اتفاقية نيويورك 1958 بحرية إرادة الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ولكن بطريقة غير مباشرة، حيث أشارت الاتفاقية إلى ذلك بمناسبة حديثها عن تنفيذ قرار التحكيم، حيث عددت المادة (5) الحالات التي يجوز فيها رفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم ومنها الحالة الواردة في الفقرة (1/1) وهي ما إذا كان اتفاق التحكيم غير صحيح وفقا للقانون الذي أخضعه له الأطراف.
وأخذت الاتفاقية الأوروبية المعقودة في جنيف 1961 بهذا المبدأ وذلك في المادة (7) فقرة (1) حيث جاء فيها أن الفرقاء أحرار في تحديد القانون الذي يقتضي على الحكام تطبيقه بصدد أساس النزاع.
وأقرت اتفاقية واشنطن 1965 مبدأ سلطان إرادة الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق، حيث جاء في المادة (42) فقرة (1) (تحكم المحكمة في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان…).
وأخذت بذلك أيضا قواعد التحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولية UNCITRAL في المادة (33) فقرة (1) حيث جاء فيها (تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان …).
وكرس القانون النموذجي هذا المبدأ في المادة (28) فقرة (1) حيث جاء فيها تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع، وأي اختيار القانون دولة ما أو نظامها القانوني يجب أن يؤخذ على أنه إشارة مباشرة إلى القانون الموضوعي لتلك الدولة وليس إلى قواعدها الخاصة بتنازع القوانين، ما لم يتفق الطرفان صراحة على خلاف ذلك).
أما اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار العربية لعام 1974 لم تقر بمبدأ سلطان الإرادة في اختيار القانون الواجب التطبيق بصورة صريحة، بالإضافة إلى أن الإشارة إلى القواعد التي يتضمنها هذا الاتفاق غير واضحة، وذلك لأن الاتفاقية لم تشير أحكامها صراحة إلى القانون المطبق على موضوع النزاع.
ونصت اتفاقية عمان العربية لعام 1987 على هذا المبدأ في المادة (21) فقرة (1) حيث جاء فيها:
تفصل الهيئة وفقا للعقد المبرم بين الطرفين وأحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا إن وجد وإلا فوفق أحكام القانون الأكثر ارتباط بموضوع النزاع على أن تراعي القواعد والأعراف التجارية الدولية المستقرة).
وأخذ مجمع القانون الدولي في دورته المنعقدة في أثينا عام 1979 والتي خصصها الدراسة عقود الدولة في المادة الأولى بمبدأ حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع حيث جاء فيها (العقود بين دولة وشخص خاص أجنبي تخضع لقواعد القانون المختار بواسطة الأطراف).
ولقد كرست أحكام القضاء الدولي وقرارات التحكيم الدولي هذا المبدأ في شأن العقود الدولية سواء تم تكيفها كعقد إداري أو عقد خاص ومن أهم الأحكام الصادرة في هذا المجال حكم محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية القروض تربية والبرازيلية.
وفي 12 يوليو 1972 حكم محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية الديون العربية (بأنه لا يمكن أن نفترض أن الدولة بما لها من سيادة ترتضي أن تسند التزاماتها إلى قانونها الخاص.... وأن الدولة تستطيع اختيار قانون أخر غير قانونها بشرط أن يثبت هذا الاختيار.....).
وفي حكم صادر عن اللويدز في بريطانيا بين شركة vita fod products v unus shlpping جاء فيه أن للأطراف الحرية الكاملة في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع وعملت على تطبيق اختيار الأطراف.
وفي قرار آخر المركز تسوية منازعات الاستثمار في واشنطن CIRDI في قضية والمصرية الصادر في 22 مايو 1992 بين مصر وشركة PSS حيث جاء في شاته "إن عدم اتفاق الأطراف حول تطبيق المادة (42) من الاتفاقية قليل الأهمية من الناحية العملية، إن لم يكن عديم الأهمية على الإطلاق من هذه الزاوية، فالطرفان متفقان حول أن القانون رقم (43) لسنة 1974 واجب التطبيق على المنازعة الناشئة بينهما.
وهناك بعض الأحكام التي خرجت فيها هيئات التحكيم عن هذا المبدأ وتنكرت له مع وجود إرادة الأطراف الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع في ذات العقد ومن أشهرها: قرار تحكيم ARMCO ضد السعودية.
وفي قرار آخر هو قرار تحكيم تكساكو TcXaCO ضد الحكومة الأممية الصادر في 1977 حول عقد الامتيازات البترولي.
وفي قرار تحكيم ليامكو liaimco الصادر سنة 1977 في النزاع الذي شجر بين الحكومة الليبية وشركة lianco.
والأحكام السابقة تعرضت لنقد شديد من جانب الفقه لأنها تقدم النموذج السيئ الذي عمل فيه المحكم على مخالفة إرادة الخصوم الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع.
وفي قرار تحكيم chromalloy في النزاع الذي شجر بين شركة كرومالوي الأمريكية وهيئة تسليح القوات الجوية التابعة لوزارة الدفاع المصرية.
انتهت محكمة التحكيم إلى أن إنهاء العقد غير قانوني وألزمت الطرف المصري بدفع مبلغ يتجاوز (17) مليون دولار للشركة تعويضا عن هذا الإنهاء وقام الطرف المصري بالطعن على الحكم بالبطلان أمام محكمة استئناف القاهرة لاستبعاد قرار التحكيم للقانون الواجب التطبيق أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكمها جلسة 1995/12/5 وقضى ببطلان قرار التحكيم مستندة إلى نص المادة (53) من قانون التحكيم رقم (27) لسنة 1994 حيث تنص على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: (... د. إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف تطبيقه على موضوع النزاع).
الإرادة الضمنية أو المفترضة:
يندر أن يسكت الأطراف المتعاقدة في عقود الدولة عن اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وأمام عدم الاختيار غير الصريح منهم أو في حالة اختيارهم لهذا القانون ولكنه يكون غير كافي لحكم كل المسائل الناتجة عن هذه العلاقة. تتأثر هذه المسألة أمام المحكم الدولي وبالتالي يتعين عليه العمل على استظهار نية الأطراف في تحديد هذا القانون من خلال وجود دلائل عليها، ويجب على المحكم أن يحترم إرادة الأطراف وبيانها من خلال هذه الدلائل والظروف المحيطة بالعقد.
إن عدم اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق يعني أنهم قد تركوا تعيين هذا القانون للمحكمين أنفسهم، وذلك لأنه من غير المقبول في العلاقات التجارية الدولية إغفال الأطراف اختيار هذا القانون بحجة الجهل أو الإهمال، ولكن من المحتمل لم يتعرضون لهذه المسألة لأنهم يفضلون ذلك أو لأنهم قدروا استحالة الاتفاق عليها، ويفهم من ذلك أنهم قد تركوا معالجة هذه المسألة للمحكم.
وهناك مؤشرات كثيرة يمكن للمحكم أن يستدل على إرادة الأطراف المتعاقدة الضمنية من خلالها، وتنقسم هذه المؤشرات إلى مؤشرات عامة وخاصة، وتتمثل المؤشرات العامة في قانون محل إبرام العقد أو قانون محل التنفيذ أما المؤشرات الخاصة فتتمثل بمحل إقامة المتعاقدين وموضوع العقد ومكان التحكيم واللغة المستخدمة في العقد، ونوع العملة الواجب الدفع بها.
وهناك اتجاه فقهي يرى أن الأخذ بالإرادة المفترضة لا يؤدي إلى حقيقة القصد المشترك للأطراف، وإنما إلى إرادة المحكم والتي قد تكون إرادة وهمية وغير موجود فضلا عن أنها إسناد عام وجامد.
وهناك بعض التشريعات لم تعتد بالإرادة الضمنية للأطراف واقتصرت على الإرادة الصريحة كالقانون الدولي الخاص التركي لسنة 1983 في المادة (24) منه وأخذ المشرع المصري بالإرادة الضمنية للأطراف في المادة (19) فقرة (1) من القانون المدني حيث جاء فيها "يسري على العقد القانون الذي يتفق عليه الأطراف وعند تخلف الاتفاق الصريح يسري القانون الذي يتبين من الظروف أنه هو الذي يراد تطبيقه. ولم يتضمن قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 أي نص يأخذ بقانون الإرادة الضمنية بشكل صريح.
ولم يتضمن قانون التحكيم الأردني رقم (31) لسنة 2001 أي نص يشير إلى الأخذ بالإرادة المفترضة للأطراف وكذلك الأمر بالنسبة للقانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976، واعتدت بالإرادة الضمنية للأطراف المتعاقدة اتفاقية واشنطن لسنة 1965.
ويتبين من هذه الاتفاقية أنه عند غياب الاختيار الصريح فإن هذا الفراغ بعد اتفاقا ضمنيا على تطبيق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع لحسمه، ويطبق المحكم قواعد تنازع القوانين الخاصة بهذه الدولة وما يتفق من قواعد القانون الدولي.
وأخذت اتفاقية عمان العربية عام 1987 بالإرادة الضمنية للأطراف وذلك في المادة (21) فقرة (1) حيث نصت على أنه "تفصل الهيئة وفقا للعقد المبرم بين الطرفين وأحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا إن وجد".
أما على صعيد القضاء فقد قررت محكمة النقض الفرنسية أن غياب الاختيار الصريح من قبل الأطراف المتعاقدة لقانون وطني ليحكم موضوع منازعات الدولة المتعاقدة مع رعايا الدول الأخرى يعني بالضرورة وجود قرينة على أن قانون هذه الدولة يكون هو قانون الإرادة المفترضة الذي يجب أن يحكم موضوع النزاع.
أما قرارات التحكيم الدولي فقد كرست مبدأ الأخذ بالإرادة الضمنية عند سكوت الأطراف عن الاختيار ومن أهم هذه القرارات قرار تحكيم Texa1co ضد الحكومة الليبية.
وفي قرار تحكيم sapphire استخلص المحكم من شرط التحكيم وشرط الثبات التشريعي ومفهوم القوة القاهرة والإشارة على المبادئ العامة للقانون بانها إشارات ضمنية من الأطراف لاختيار تطبيق القانون الدولي
وفي قرار آخر هو القرار الصادر عن غرفة التجارة الدولية ICC ديسمبر 1985 بشأن النزاع الذي شجر بين إحدى الشركات العامة في الجزائر مع شركة أمريكية بشأن إجراء دراسات حول خط سكك حديدية بالجزائر، وعندما عرض النزاع على المحكم وجد أن الأطراف لم يختاروا قانون العقد، وقام المحكم بتطبيق القانون الجزائري على إجراءات التحكيم وعلى موضوع النزاع استنادا إلى الإرادة الضمنية الأطراف التي اتجهت إلى تطبيق القانون الجزائري بوصفه مكان إبرام العقد ومكان تنفيذه.
وفي قرار تحكيم Lubleski الصادر عن غرفة التجارة الدولية ICC حيث قرر أن القانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة المضيفة استنادا إلى الإرادة الضمنية للأطراف وتوطين العقد على إقليمها باعتبار أن تنفيذه يتم في إقليم الدولة.