الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الرضا / الكتب / شروط اتفاق التحكيم وأثاره / الرضا في اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. باسمة لطفي دباس
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    602
  • رقم الصفحة

    23

التفاصيل طباعة نسخ

 

الرضا في اتفاق التحكيم

  فالرضا قوامه الإرادة، وبدون الإرادة لا ينعقد العقد.

فلابد أن تتوافر لدى الأطراف إرادة إبرام اتفاق التحكيم، ولكن لا يكفي لإبرام اتفاق التحكيم أن تتوافر لدى الأطراف الإرادة لإبرامه، بل يجب أن تتجه هذه الإرادة إلـ إحداث أثر قانوني معين، وأن يعي الأطراف حقيقة المقصود من التصرف الذي يريدون إجراءه والقيام به .

   وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الرابعة من قانون التحكيم رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤: ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما ...الحرة

فقد ذهبت إلى ذلك محكمة استئناف باريس في الحكم الصادر عنها فـى ١٩٨٤/٧/١٢ "طعناً في الحكم الصادر من هيئة تحكيم هضبة الأهرام الصادر في ٣/١٦/۱۹۸۳ بصدد قضية هضبة الأهرام - ضد الدولة المصرية- وقضت المحكمة بإبطال هذا الحكم لصدوره بدون وجود شرط تحكيم من جانب مصر مؤسسة ذلك على أن مصر لم تجر في اتفاقياتها على قبول شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية، فضلا عن أن توقيع الهيئة العامة للسياحة والفنادق "إيجوث" وهي شخصية قانونية مستقلة عن الدولة على العقد المشتمل على شرط التحكيم لا يعني قبول مصر كدولة لهذا الشرط ولا إلزامها به بالإضافة إلى أن توقيع مصر على العقد الأصلي المبرم في ١٩٧٤/٩/٢٣، والذي أشار فيه إلى قانون الاستثمار المصري رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٤ الذي يجيز حل المنازعات بوسائل من بينها مركز تسوية منازعات الاستثمار CIRDI لا يعني قبولاً لشرط التحكيم الوارد في العقد محل النزاع ولا تنازلاً عن حصانتها".

  وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض المصرية بقولها :إن رضاء طرفي الخصومة هو أساس التحكيم، وأن العبرة أن تنصب إرادتهم وتشف عن رغبتهم في النزول عن اللجوء إلى القضاء العام في الدولة في حسم النزاع عن طريق التحكيم دون غيره من وسائل الفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات كالصلح مثلاً .

   وقضت محكمة النقض الفرنسية بأنه: "حتى نكون بصدد تحكيم -حـ المفهوم المستقر عليه لنظام التحكيم - يتعين التحقق من أن إرادة الأطراف ذوي الشأن قد اتجهت بالفعل إلى تخويل ذلك الغير أو الشخص الثالث سلطة قضائية .

   ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار السكوت في مثل هذه الحالة قبولاً للتحكيم . 

   وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في أحكامها، على الطبيعة الرضائية للتحكيم بقولها: إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكّم من الأغيار، يعيّن باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نـائيــــاً عن شبهة الممالأة مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة من جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذا لقاعدة قانونية أمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، فالتحكيم لا يكون إلا إراديا مصدره الاتفاق، الذي يحدد به الطرفــــان نــــــاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه..

وعليه فقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا .

  تتلخص وقائع هذه القضية في أن شركة كريم للمقاولات والتجارة، كانت قد أقامت ضد بنك فيصل الإسلامي الدعوى رقم. ٤٦٠ لسنة ١٩٩٣ مدني كلي، الإسكندرية طالبه استرداد أمانة التحكيم التي سبق أن دفعتها للبنك. وأثناء نظر تلك الدعوى، دفعت الشركة بعدم دستورية المادة (۱۸) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٧، بإنشاء بنك فيصل الإسلامي، لمخالفته نص المادة (٦٨) من الدستور التي تكفل لكل إنسان حق التقاضي، من خلال عرض دعواه على قاضيه الطبيعي ، إذ حجب النص المطعون فيه عن هذا القاضي ولاية نظر المسائل محل التحكيم، وعهد بها قسرا إلى مجلس إدارة البنك ليفصل فيها بأغلبية أعضائه بصفته محكما ارتضاه الطرفان. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وأقامت الشركة دعواها الدستورية فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في هذه القضية بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (۱۸) من القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٧ بإنشاء بنك فيصل الإسلامي وسقوط ما يرتبط بها من فقرات أخرى".

  يمكن طرح التساؤل التالي: ما موقف اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية من مسألة الرضا؟.

  فقد أوجبت هذه الاتفاقية أن يتوافر لاتفاق التحكيم عناصر وجوده ومقوماته الأساسية . حيث نصت المادة {١/٥ (أ)} على أنه: "لا يجوز رفض الاعتراف، وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يُحتج عليه بالحكم، إلا إذا قدَّم هذا الخصم الدليل على أن الاتفاق على التحكيم غير صحيح وفقا للقانون الذي أخضعه له الأطراف، أو عند عدم النص على ذلك، طبقا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم.

  ومفاد هذه القاعدة خضوع الرضا وكافة المسائل المتصلة به لقانون الإرادة، بل ولم تكتف الاتفاقية بذلك، بل وضعت قاعدة إسناد إحتياطية مفادها: أنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على قانون معين لحكم اتفاق التحكيم من حيث الرضا وكافة المسائل المتصلة به فإن القانون الواجب التطبيق يكون في هذه الحالة هو قانون البلد الذي صدر فيه الحكم المراد تنفيذه. وهذا ما لاحظته محكمة النقض المصرية عندما قضت إن الاتفاقية جعلت المرجع في انعدام اتفاق التحكيم أو عدم صحته فيما عدا الأهلية للقانون الذي اختاره الأطراف ليحكم اتفاقهم على التحكيم ذاته، أو ليحكم العقد الأصلي الوارد اتفاق التحكيم في إطاره، أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم عند عدم وجود هذا الاختيار، وذلك وفقاً لقاعدة إسناد موحدة دولياً تكفل لهذا القانون وحده دون غيره بحكم الاتفاق التحكيمي في كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجوده وصحته وترتيبه لآثاره، فيما عدا الأهلية تخضع للقانون الشخصي لطرف التحكيم الذي يدور البحث حول اكتمال أو نقصان أهليته وقت إبرام اتفاق التحكيم أو العقد الأصلي المتضمن شرط التحكيم 

  وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه إذا كان الطاعنان تمسكا بعدم جواز تنفيذ حكم المحكمين موضوع التداعي بمقولة إن عقد الإيجار التمويلي الذي تضمن شرط التحكيم الذي صدر على أساسه هذا الحكـــم ينعقد قانونا، وبما مؤداه أن حكم المحكمين قد صدر دون وجود اتفاق علـى التحكيم، وكان يبين من عقد الإيجار آنف الذكر والمقدم ترجمة رسمية لــــه بالأوراق أنه تضمن في البند الواحد والعشرين منه النص على أن القانون الواجب التطبيق على هذا العقد هو القانون السويدي، وعلى إحالة أي نزاع ينشأ عن تفسيره أو تنفيذه إلى التحكيم بالسويد وفقا لأحكام قانون التحكيم السويدي باعتباره القانون الذي اختاره الأطراف ليحكم العقد الأصلي الوارد اتفاق التحكيم ضمن بنوده، وإليه وحده يكون القول الفصل فيما أُثيـــر حــول وجود هذا العقد، والاتفاق التحكيمي المتصل به من حيث التراضي، وكيفية تلاقي القبول بالإيجاب وتحديد القوة الملزمة للإيجاب، والشروط الموضوعية اللازمة لانعقاده ووجوده دون القانون المدني المصري الذي يصدر عنه دفاع الطاعنين في هذا الشأن، وإذ لم يقدم الطاعنان الدليل على القانون السويدي المشار إليه حتى تتبين المحكمة على هدي من قواعده مدى صحة هذا الادعاء، وخلافاً للأصل الذي يفترض في حكم المحكمين الأجنبي صدوره استنادا إلى اتفاق تحكيمي تتوافر له مقومات وجوده وصحته قانونا، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه، وهو في سبيل التحقق من موجبات إصدار الأمر بتذييل حكم المحكمين موضوع التداعي بالصيغة لا التنفيذية قد خلص إلى الإعتداد بوجود الاتفاق على التحكيم معولاً في ذلك على شرط التحكيم المدرج بعقد الإيجار التمويلي، فإنه يكون قد أصــاب صحيح القانون في نتيجته .

  مما تقدم يتضح لنا أن اتفاقية نيويورك، تركت للأطراف في اتفاق التحكيم حرية اختيار القانون الذي يحكم اتفاقهم فيما يتعلق بالرضا وكافة المسائل المتصلة به، ولكن إذا أغفل الأطراف تحديد هذا القانون، فإن اتفاقية نيويورك وضعت قاعدة إسناد احتياطية - لتفادي الصراع التقليدي بين أنصار الحلول الشخصية بالبحث عن إرادة مفترضة يمكن نسبتها إلى الأطراف، وأنصار الحلول الموضوعية، بمعنى تركيز العلاقة بحـ عناصرها في ظل نظام قانوني معين بواسطة القاضي ذاته دون حاجة إلــــى التستر وراء إرادة لا وجود لها للأطراف أنفسهم.