الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الرضا / الكتب / التحكيم في المعاملات المصرفية / الرضا

  • الاسم

    د. محمد صالح علي العوادي
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    527
  • رقم الصفحة

    129

التفاصيل طباعة نسخ

الرضا

   اتفاق التحكيم المصرفي كأي عقد آخر لابد من أن تتوفر لدى أطرافه إرادة إبرام اتفاق التحكيم، مدركين الأثر المترتب على هذا التصرف، بحيث تتوجه إرادتهم إلى اختيار التحكيم كوسيلة لحسم المنازعات المصرفية . وذلك وفقا لنص م٤ تحكيم مصري التي أشارت إلى أنه ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة ....

  ويعتبر الرضا من مقومات اتفاق التحكيم، وتستمد هيئة التحكيم سلطتها من رضا الأطراف . وهو ما أكدته محكمة النقض المصرية عندما ذهبت إلى القول إن " رضا طرفي الخصومة ضروري إذ أن إرادة الخصوم هي التي تنشئ التحكيم.

الرضا الضمني بالتحكيم في معاملات البنوك

  الأصل في الرضا على التحكيم أنه لا يفترض وإنما لابد من وجود الدليل عليه، وفي أطار معاملات البنوك وما ينتج عنها من سلسلة من الوثائق، أو أنماط متعددة في التعامل قد يتم الاتفاق في أحدها على التحكيم، فهل يسري مثل هذا الاتفاق على كافة المعاملات اللاحقة فلو افترضنا وجود تعامل مسبق بين العميل (أ) والبنك (ب) على إدراج شرط التحكيم في خطابات الضمان التي تمت بينهم في المرحلة السابقة، وقاما بعد ذلك بإبرام خطاب ضمان خلا من اتفاق التحكيم ولم يرد فيه شرط التحكيم، فهل يجوز الاستناد على تواتر العمل فيما بينهما على تسوية المنازعات عن طريق التحكيم للقول بوجود اتفاق ضمني عليه؟ وبصيغة أخرى لو قام البنك (ب) بوضع شروط عامة متعلقة بتسوية المنازعات فيما بينه وبين العملاء، وكانت هذه الشروط تتضمن شرط تحكيم، فهل يكون هذا الشرط ملزماً للطرف الآخر ؟ وهل يمكن القول بوجود رضا ضمني ؟

  لكن هذا التساؤل يقودنا إلى تساؤل أكثر دقة و مهنية، وهو عندما يضع البنك شرط تحكيم في وثائقه، أو بندا يحيل إلى لائحة خاصة بالبنك لفض المنازعات، جعلت من التحكيم هو الأسلوب الوحيد لفض المنازعات فيما بين البنك وبقية أطراف العقد، فهل نفترض هنا الرضا من قبل العميل؟

   للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا ابتداءاً من التمييز بين حالتين، الحالة الأولى وتتمثل بمعرفة الطرف المتعامل مع البنك بوجود شرط التحكيم وما يترتب عليه من آثار ووافق عليه بإرادته الحرة، ففي هذه الحالة يكتسب الشرط قوته، نظرا لتوفر الإرادة الصريحة بين طرفي العلاقة والمتمثلة في إيجاب وقبول .

  أما الحالة الثانية وهي التي يتجه فيها البنك إلى فرض التحكيم كأسلوب التسوية المنازعات المصرفية التي تحدث بينه وبين عملائه، فهنا نجد أن الرضا قد شابه عيب من العيوب، وصار اللجوء إلى التحكيم إجباريا ، مما يعني حرمان أحد الأطراف من حق من حقوقه الدستورية، وبالتالي لا يعتد بشرط التحكيم في حالة إذا ما رفض الطرف الآخر التحكيم، وأراد اللجوء إلى القضاء لفض المنازعات الدائرة بينه وبين البنك.

   وهذا الرأي هو ما تبنته المحكمة الدستورية العليا بمصر في حكمها الشهير في قضية بنك فيصل الإسلامي وقضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة (۲) من المادة (۱۸) من القانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۷ بإنشاء بنك فيصل الإسلامي التي توجب عرض كافة المنازعات التي تنشأ بين البنك وعملائه على التحكيم، مؤكدة أنه لا يجوز للمشرع أن يفرض التحكيم قصرا على أشخاص لا يسعون إليه، ويأبون الدخول فيه، ومن ثم فإن كل تحكيم حمل عليه أطراف الخصومة، ينبغي أن يعامل باعتباره تحكيما تم دون اتفاق وبناء على اتفاق لا يستنهض ولاية المحكمين . وذهبت إلى "القول أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع، بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالاة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة من جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريا يذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، فالتحكيم لا يكون إلا إراديا مصدره الاتفاق الذي يحدد به الطرفان نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها ، وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم، التزامهما بالنزول على القرار الصادر منه ، وتنفيذه كاملا وفقا لفحواه".

  أما وفقا لاتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ فيعتبر الرضا من مقومات التحكيم فقد أشارت في م١/٥ (أ) إلى ضرورة أن تتوفر لاتفاق التحكيم مقومات وجوده وصحته، إذا ما أريد الاعتراف به وتنفيذه، حيث نصت على أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على (أ) أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقا للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم " .

  ومؤدى هذا النص أن الاتفاقية افترضت في أن حكم المحكمين الأجنبي المطلوب تنفيذه في دولة القاضي، ارتكز في أساسه إلى اتفاق توافرت فيه مقومات وجوده وصحته، فأقامت بذلك قرينة قانونية من شأنها نقل عبء إثبات كل إدعاء بانعدام هذا الاتفاق أو عدم صحته إلى عاتق من يطلب تنفيذ الحكم ضده وجعلت المرجع في ذلك إلى القانون الذي اختاره الأطراف ليحكم اتفاقهم على التحكيم ذاته، أو ليحكم العقد الأصلي الوارد في اتفاق التحكيم في إطاره أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم، عند عدم وجود هذا الاختيار وفقا لقاعدة إسناد موحدة دوليا تكفل لهذا القانون وحده دون غيره الاختصاص بحكم الاتفاق التحكيمي، في كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجود صحته، وترتيبه لآثاره فيما خلا الأهلية التي تخضع للقانون الشخصي لطرفي التحكيم .

  وهذا التطبيق لمبدأ استقلال شرط التحكيم قد اعتبر مغالاً فيه، إذ لوحظ أن أساس التحكيم مستمد من إرادة الأطراف، وهي لا تتفق مع مبدأ الاستقلال، وقد ذهب بعض الفقه إلى عدم رضائه عن هذا الاتجاه، حيث أشاروا إلى أن محكمة النقض تعطي معنى آخر لاستقلال شرط التحكيم في مواجهة الأطراف، والصحيح أن الأساس المستمد من رضا المتعاقدين قد تم إضعافه باستبعاد الاشتراطات الغير صحيحة وهو شرط حتمي. وبالتالي هل ننقذ أساس الرضا المكون بطريقة ناقصة، أم يكون من الأفضل أن نضع حداً لوجوده. واللجوء إلى مبدأ استقلال شرط التحكيم عندما تكون صحة شرط التحكيم محل تساؤل تثير التساؤل حول طبيعة هذا الاستقلال. لذا فإنه من المنطقي أن نفصل الرضا بالتحكيم عن القواعد العامة، لأنه يأخذ بنظام مخالف لها. إن اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم هو المكون الرئيسي للشرط، وهو الذي يؤسس اختصاص المحكمين بعيداً عن تحكم القوانين الوطنية .