يعتبر محل اتفاق التحكيم الإلكتروني هو النزاع الذي يراد تسويته عبر الاتفاق على التحكيم الإلكتروني، وبمعنى آخر هو موضوع المنازعة أو المنازعات التي يطرحها اتفاق التحكيم الإلكتروني على هيئة التحكيم و يتعين أن يكون هذا الموضوع طبقاً لاتفاقية نيويورك من المسائل التي يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.
ويتضح من ذلك أن التحكيم الإلكتروني يقوم على تسوية المنازعات التي تنشأ على شبكة الإنترنت وفي بيئة إلكترونية، ومن هنا ينبغي أن تتوافر الشروط القابلة لحكم العقود الإلكترونية وهو أن يكون هذا النزاع قاب للتحكيم وفي الأصل نجد أن المتعاقدين في التجارة الدولية يتمتعان بحرية كبيرة في تحديد المسائل التي تخضع التحكيم إلا إن بعض التشريعات تفرض قيوداً على حرية الأطراف في إخضاع النزاع للتحكيم وتنص قابليته للتحكيم.
والعلة من المنع رغبة المشرع في إحاطة المستهلك بالحماية حيث إن المستهلك يتعاقد مع تاجر محترف على سلعة أو خدمة لإشباع حاجاته الشخصية أو حاجات من يعولهم ولا تتعلق تلك سلعة أو الخدمة بمهنته أو حرفته ، ولا تتوافر فيه الخبرة الفنية التي تتوافر في التاجر المحترف بناء على ذلك قرر المشرع له حقوقا في قانونه الوطني تدعم ضعف مركزه وتقلل من عدم التوازن المفترض بينه وبين التاجر المحترف.
ومن البديهي أن المستهلك الذي يتسم مركزه بالضعف يحتاج إلى الحماية أيضا ولذات السبب عندما يبرم تعاقده إلكترونية مما يعني عدم جواز الاتفاق على التحكيم الإلكتروني إذا كان أحد الطرفين مستهلكاً.
إلا إن القول بعدم جواز الاتفاق على التحكيم الإلكتروني عندما يكون أحد الطرفين مستهلكاً لا يحقق دائما مصلحة المستهلك، فقد يكون لجوءه إلى التحكيم أكثر تحقيقاً لمصلحته فالمستهلك قد يبرم العقد الإلكتروني مع شخص قد لا يكون موجوداً بالضرورة في ذات الدولة التي يوجد بها المستهلك فإذا إثير نزاع بينهما ولم يكن أمام المستهلك إلا إقامة الدعوى أمام المحاكم الوطنية فإن هذا قد يتطلب منه مصاريف قضائية مرتفعة نسبية لوجود التاجر المدعي عليه في بلد آخر، كما يتطلب الأمر إجراءات كثيرة معقدة لإعلانه ومن ثم نظر الدعوى، وفي أغلب الأحوال تكون العقود التي يبرمها المستهلك قليلة القيمة في مثل هذا الفرض وقد يفضل المستهلك عدم إقامة الدعوى على التاجر وترك حقه تفادية للمصاريف المرتفعة والإجراءات الطويلة المعقدة وهذا ما يعني ضياع حقه بدلا من حمايته. .
وبناء على ذلك فإن الفقه والقضاء حاولا أن يقفا موقفاً وسطاً من مسالة قابلية النزاع الذي يكون أحد طرفيه مستهلكة للتحكيم، وذلك بالوقوف على الحكم من عدم جواز اللجوء الى التحكيم وإختيار القانون واجب التطبيق على النزاع فالمستهلك وهو أقل خبره من المحترف قد يوافق على شروط العقد ومن بينها شرط التحكيم دون تبصر ودون موازنة بين اللجوء إلى التحكيم أو اللجوء إلى القضاء الوطني ومن ثم تطبيق القانون الوطني، وقد لا يكون لديه الخيار لإجراء مثل هذه الموازنه، إذ إن العقود ينفرد بإعدادها التاجر المحترف وما على المستهلك الذي يرغب بالتعاقد إلا الموافقة عليها بجملتها، وبكل ما تتضمنه من شروط.
أما إذا تم الاتفاق على التحكيم الإلكتروني بصورة مشارطة التحكيم بعد نشوب النزاع فإن هذه الخشية تنتفي، إذ أن المستهلك يبحث بعد نشوب النزاع عن الأفضل تحقيقاً لمصلحته من وسائل تسوية المنازعات، كما يكون له الخيار بين التحكيم وبين اللجوء للقضاء
وللتأكد من إعطاء المستهلك هذا الخيار، تتبع المواقع التجارية على الإنترنت طريقين
الطريق الأول: أن يقدم التاجر صاحب الموقع تعهداً من جانب واحد للمستهلكين الذين يبرمون عقدهم عبر الموقع باللجوء إلى التحكيم الإلكتروني الحل النزاعات التي تنشأ عن التعامل معه، ويعد هذا بطبيعة الحال إلتزاماً من جانب واحد، فمثل هذا التعهد يلزم التاجر ولا يلزم المستهلك، فإذا اختار المستهلك اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني كان له ذلك لا سيما أن التاجر قد إلتزم باللجوء إلى التحكيم الإلكتروني مقدمة فلا يمكنه أن يمتنع بعد ذلك عن إبرام اتفاق التحكيم، وتأكيداً على التزام التاجر بتعهده تقوم المحكمة الافتراضية (وهي مؤسسة تحكيم إلكترونی) بوضع ختمها على الموقع الإلكتروني تأكيداً على التزام صاحب الموقع باللجوء إلى التحكيم الإلكتروني
ولكن ما يعيب هذا الطريقة أنها لا تقدم خیاراً حقيقياً للمستهلك.. لأن اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني مايزال رهناً بإبرام اتفاق التحكيم الإلكتروني مع التاجر وهذا الأخير وإن كان قد تعهد من جانب واحد باللجوء إلى التحكيم إلا أن بإمكانه العدول عن تعهده ولا يمنعه من ذلك وجود ختم المحكمة الإفتراضية على موقعه الإلكتروني، اذ يمكنه أن يتنازل عن هذا الختم إذا أراد العدول عن التعهد. ا
لطريق الثاني: يتمثل بإدراج بند في العقد المبرم بين المستهلك والتاجر ويعطي الخيار بموجبه للمستهلك بأن يلجأ لفض النزاع الذي قد ينشأ عن العقد أو بسبه إلى القضاء أو إلى التحكيم الإلكتروني.
توثيق هذا الباحث
ونرى أن هذا الاتجاه يحقق التوازن بين ما تقضي به التشريعات من تقييد اللجوء إلى التحكيم في المنازعات التي يكون المستهلك طرفاً فيها، بما يعنيه ذلك من إضطراره إلى اللجوء للقضاء بكل ما يحمل من بطء في الإجراءات و ارتفاع في النفقات وبين اللجوء للتحكيم الإلكتروني الذي يساعده في الحصول على حقه بسرعة وبكلفة معقولة دون أن يتضمن ذلك تنازلاً منه عن حقوقه بسبب عدم خبرته وضعف مركزه.