صدر حكم المحكمة العليا الدائرة التجارية رقم ٢٩ لسنة ١٤٢٤هـ بالجلسة المنعقدة بالمحكمة العليا بتاريخ 1 جمادى الثاني ١٤٢٤هـ الموافق 30-7-2003م ونظرا لأهمية الحكم تورد منه الآتي: الطاعن : (م. أ. ج) المطعون ضده: (ع. ع. م) 'الوقائع والإجراءات: تتلخص وقائع وإجراءات هذا الطعن في تقدم الطعن بدعوى بطلان حكم المحكم (000) لدى الشعبة التجارية بأمانة العاصمة في ما بينه و (المطعون ضده) الذي قضى بالآتي: أولا: عدم سماع دعوى (م. أ. ج) لتقدم ما يكذبها. ثانيا: إلزام (م. أ. ج) وضمنائه بالوفاء بتسليم قيمة الشيك مبلغ (٥٠٣٫۲۰۰) دولار أمريكي مخصومًا منها (٩٤,٢٩٨) دولارًا أمريكيًا وذلك ل (ع ع م) فورًا مع تسليم خمسة في المائة من إجمالي المبلغ مقابل مخايير وأتعاب وجبرًا للضرر الذي لحق بال (م) بسبب مماطلة الـ(ج). وتتلخص أسباب دعوى البطلان بالآتي:
1- لم يتضمن اتفاق التحكيم تحديدًا لموضوع التحكيم ذكر بعالية أن التحكيم بخصوص قيمة الأرز المشترى من (ع م) مضافًا في أسفل الورقة بأنه تحكيم مشروع بتسليم قيمة الشيك لم يعلم به المدعي ولم يعرض عليه وأنه أضيف بعد توقيعه على التحكيم المدون في أعلى الورقة. ولم يقم المدعي بالتوقيع على شرط التحكيم المضاف أسفل الورقة الموقع عليه من (ع.م) وخلص إلى أنه لا يوجد اتفاق تحكيم متراض عليه من طرفي الخصومة. لاختلاف موضوعي التحكيم أثر كبير إلا أن المحكم لم ينظر النزاع من جميع جوانبه وحصر نفسه في الشيك وارتكز الحكم عليه دون الأخذ في الاعتبار أساس لخلاف ومسبباته حول صفقة الأرز وما تم الاتفاق عليه وحقوق كل طرف للحصول على حكم عادل. وكان التحكيم الصادر من المدعى عليه مشروطًا ومحصورًا في تسليم قيمة الشيك خلافًا للتحكيم الصادر من المدعي، إذ اعتبر الشيك أساسًا للنزاع وأهدر دعاوى وطلبات المدعي، وما يستحقه من التعويضات من الخسائر الجسيمة بسبب المدعى عليه، فسار المحكم في حكمه بناء على رغبة أحد أطراف التحكيم وليس بناء على اتفاق طرفيه. وتحت عنوان تجاوز المحكم لصلاحياته خلافًا للقانون ولإرادة طرفيه جاء ما ملخصه: ١- تصالح طرفا التحكم لدى المحكم على إنها النزاع، وأن يقوم المدعي بإرجاع (15,000) كيس من الأرز إلى ال (م)، ويحرر شيكين بقيمة ما تبقى، وكان اللازم عليه إنهاء إجراءات التحكيم وإثبات ما تم التصالح عليه في وثيقة، وفقًا للمادة (46) تحكيم، وترك موضوع تنفيذ ذلك للمحكمة المختصة ولم يعد من صلاحية المحكم إصدار أي حكم بعد انتهاء ولايته، ولم يشر إلى التصالح الذي سعي فيه وتم أمامه وباشر تنفيذه. ٢. لم يطلب طرفا التحكيم حجز القضية للحكم، بل إن فضيلة المحكم سعى في الصلح واقنع الأطراف به وباشر تنفيذه واستلم مفاتيح مخازن المدعي وما زالت لدى فضيلته حتى اليوم، وأنه ضغط على المدعي لتنفيذ ما تم التصالح عليه وأنه سوف يقوم بحجز القضية للحكم وإصداره في 1-12-2001م خلافًا لما تم التصالح عليه. وتحت عنوان مخالفة الحكم لأحكام الشريعة الإسلامية: 1- لم يكن الشيك ثمنًا للبضاعة يقر المدعى عليه في عريضة دعواه أمام المحكم وفي المحاضر أن الشيك كان مجرد ضمان وأن الثمن مؤجل على دفعات، ورغم ذلك قضى بإلزام المدعي بدفع قيمة الشيك كثمن للبضاعة، وكان اللازم أن يحكم على ما تصادق عليه الطرفان أمامه أن الشيك ضمان وليس ثمنًا. 2- طلب المدعي التعويض عن الضرر والخسائر التي لحقت به نتيجة المنافسة غير المشروعة التي قام بها المدعى عليه ببيعه نفس البضاعة بسعر أقل من سعر البيع المتفق عليه بينهما للكيس الواحد وقد أقر المدعى عليه بذلك، إلا أن المحكم تجاهل دعوى المدعي وطلباته، ولم يحكم بالتعويض خلافًا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وقانون الإثبات الشرعي. 3- استند المحكم في حكمه إلى الفاتورة التي بيد المدعي ولم يعول على شيك الضمان الذي تصادق الطرفان على أنه ضمان وليس لتقديمه أمام النيابة العامة وتعويل المحكم على الفاتورة وإلزامه بدفع مخالفة للفاتورة ذاتها وللغاية من التحكيم ولقوله تعالى "فنظرة إلى ميسرة" فإذا كانت الفاتورة حكت وجود فترة شهرين فإن المحكم قد حكم بدفعها جملة واحدة· وانتهى مدعي البطلان إلى طلب الحكم ببطلان حكم المحكم والحكم بأتعاب المحاماة. وفي الرد على دعوى البطلان جاء فيه مناقضته لما أورده المدعي ومن ذلك ان ما تعلل به مدعي البطلان ببطلان وثيقة التحكيم هو محض افتراء وأبدى المدعى عليه لإثبات علم واطلاع المدعي بشهادة من حضر في الجلسة، والتعلل بمقولة تصالح طرفي التحكيم لدى المحكم ومباشرته تنفيذه بعد ذلك بإصدار الحكم محل الدعوى بعد انتهاء ولايته ودون أن يشير الحكم إلى التصالح، تعلل يحمل في طياته بطلانه وانعدامه ولم يتمكن لا بواسطة المحكم ولا بسعيه من التوصل إلى تصالح، ولو تحقق ذلك لحرر به عقد صلح منه للخصومة، ولذلك أصدر المحكم حكمه وفق اتفاق التحكيم بالوجه الشرعي، وبالتالي فإن مقتضيات الأمانة توجب على مدعي البطلان إثبات ما يزعم من صلح، وخلص الرد إلى طلب رفض دعوى البطلان وتأييد حكم المحكم وتحميل مدعي البطلان المصاريف والأجرام وأتعاب المحاماة. وبعد استكمال الشعبة لإجراءاتها خلصت إلى الحكم بالآتي: ۱- قبول دعوى البطلان شكلًا. ٢- وفي الموضوع رفض دعوى البطلان لما عللته. ٣- يلزم مدعي البطلان (م. أ. ج) بالمصاريف القضائية والمخايير وأتعاب المحاماة لصالح المدعى عليه بالبطلان (ع. ع. م) بمبلغ عشرين ألف ريال. وقد جاء في حيثيات حكم الشعبة أن ما نعاه المدعي ببطلان اتفاق التحكيم وأنه لم يتضمن تحديدًا لموضوع التحكيم وأنه لا يوجد اتفاق متراض عليه من طرفي الخصومة... إلخ فهو قول لا يمكن الاعتداد به ويكذبه الواقع للأسباب الآتية: ١- لوجود وثيقة التفويض بالتحكيم المطلق الصادر من الطرفين بتاريخ ۲۰۰۱/ ۹/ ۳م بخط الكاتب(...) ومما ورد فيه: "لحل النزاع القائم بين أطراف الاحتكام بخصوص قيمة الرمز المشترى من (ع. م) والمحرر فيها شيك، وقد طلب أطراف الاحتكام الفصل في ما ذكر بوجه الشرع وأن المحكم المختار وأن الأطراف ملتزمون ومشرفون لما يصدره المحكم من حكم وهذا بحضور الشهود... إلخ".
٢- كما أن اتفاق التحكيم المذكور سلفًا موقع عليه من طرفيه ومشهود على ما دون في الجزء الأعلى منه وهو ما يمكن اعتباره والأخذ به استقلالًا دون الجزء الأسفل من اتفاق التحكيم المذكور. ۳- اتفاق التحكيم ينسجم مع نص المادة (١٥) من القانون رقم (۲۲) لسنة ٩٢م بشأن التحكيم وتعديلاته بالقانون رقم (٣٢) لسنة ١٩٩٧م مع مراعاة المادة (٢) من نفس القانون التي تشترط موافقة الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم... إلخ. 4- لا يشوب رضا الطرفين على اتفاق التحكيم أي عيوب من عيوب الإرادة كالغلط، التدليس، الإكراه، الغين المنصوص عليها في المواد (۱۷۱- ۱۸۳) مدني رقم (١٤) لسنة ٢٠٠٢م. 5- لقيام المشروعية في اتفاق التحكيم، فالاتفاق يتعلق بعلاقة تعاقدية مشروعة بين طرفي التحكيم. 6- وحيث إن الجانب الموضوعي طبقًا للمادة (35) من ق التحكيم المذكور موجود وعدم اعتراض المدعي بحسب نص المادة (9) من نفس ق التحكيم وتعديلاته فلا نرى أي مبرر للخوض في هذا الجانب لما عللناه. كما أضافت الحيثيات أن ما نعاه مدعي البطلان من تجاوز المحكم لصلاحيته خلافًا للقانون ولإرادة طرفيه، وتصالح طرفي التحكيم على إنهاء النزاع بينهما وعدم التزام المحكم بالمادة (46) تحكيم بإنهاء الإجراءات للتحكيم وإثبات ما تم عليه، وأنه لم يعد من صلاحياته إصدار أي حكم بعد انتهاء ولايته، فهذا قول يفتقر إلى الدليل، ولم يستطع المدعي إثبات ما جاء في نعيه. وفي شأن نعيه بمخالفة المحكم لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام وان الشيك لم يكن ثمنا للبضاعة وأنه ضمان ومن تجاهل المحكم لدعوى المدعي وطلباته ولم يحكم له بالتعويض خلافًا لأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام ق الإثبات الشرعي مما يترتب عليه بطلان الحكم فإن هذا النعي لا يمكن قبوله للأسباب التالية: 1- لإقرار المدعي بالبطلان بوجود فاتورة بيع بتاريخ ٢٠٠٠/٤/٢٥م بالكمية المباعة وقيمتها بحسب الاتفاق بينه وبين المدعى عليه، وأن المدعي موقع على تلك الفاتورة وأنه على علم بموعد دفع القيمة للكمية المباعة. ٢- لإقرار مدعي البطلان باستلام كمية الأرز المباعة له وأنها دخلت مخازنه بعددها (۲۹، ۲۰۰) كيس وبقيمة إجمالية (200-503) دولار خمسمائة وثلاثة آلاف ومائتي دولار أمريكي، وأنه حرر شيكًا بالمبلغ بنفس التاريخ المذكور، وأن مدة الشراء محددة بشهرين والمبلغ مستحق الوفاء كما أن حكم المحكم جاء منسجمًا مع أحكام الشريعة الإسلامية فلم يحرم حلالًا ولم يحل حرامًا. وفي شأن ما أفاد به شاهدًا المدعي فلا يمكن التعويل عليه لأنه تتعلق بموضوع النزاع والشعبة تراقب إجراءات التحكيم وصحة ما قام به المحكم من الناحية القانونية دون الخوض في موضوع النزاع وما انتهى إليه المحكم في حكمه. أ.ه. - وجاء في عريضة الطاعن في الأسباب ما نجمله بالآتي: 1- "المخالفة الصريحة لنص المادة (14) من قانون المرافعات من قبل المحكم الذي قبل التحكيم لقضية منظورة أمامه أثناء عمله كرئيس للشعبة الجزائية بالأمانة وعقد عدة جلسات لنظر القضية محل التحكيم ومخالفة نص المادة المذكورة من النظام العام التي نصت: يحظر على القاضي أن يكون مفوضًا ومحكمًا في قضية منظورة أمام المحكمة التي يعمل بها، وأن الشعبة لم تتطرق إلى هذا الأمر مع أن في مضمون الدعوى ذكر أنه حصل نزاع وقضية جنائية حول الشيك وصدر حكم فيه واستأنف وقضاة الشعبة يعلمون بأن المحكم عمل رئيسًا للشعبة، وبذلك فإن الحكمين باطلان لمخالفة القانون". ۲- اتضح بعد استلام حكم المحكم بذكر صيغة التفويض إضافة شرط معين لا يعلم عنه الطاعن وهو شرط مضاف وموقع طرف واحد هو المطعون ضده في أسفل وثيقة التحكيم بعد أن وقع شهود التحكيم والطاعن على الصيغة المتفق عليها دون الإضافة للشرط الذي أفقد وثيقة التحكيم معناه ولفظ الإضافة "ملاحظة وقد اشترط الأخ (ع. م) بأن التحكيم بخصوص تسليم قيمة الشيك" وعليه توقيع المطعون ضده وكاتب الوثيقة الذي سبق توقيعه على الصيغة الأولى المتراضي عليها مما يعني أن كاتب التحكيم والمحكم على تنسيق واتفاق مع المطعون ضده على الإضافة في وثيقة التحكيم دون علم الطاعن مما يؤكد على عدم الأمانة والحيدة، مع العلم أن الكاتب جعل أمين سر المحكمة يحتفظ بالمحاضر وقد أخفى بعضها. وأضاف الطاعن أنه لو علم بإضافة الشرط غير المتفق عليه بعد التوقيع لما وافق على السير في إجراءات التحكيم ولكن الشعبة بررت عدم قبول نعي الطاعن بعدم اعتراضه، وفقًا لنص المادة (٩) تحكيم، وهذا تأويل فاسد من الشعبة وتطبيق في غير محله. 3- كان التحكيم بحسب الوثيقة قيمة الأرز المشترى من (ع. م) وهو " التحكيم الذي وقع عليها الطاعن، بينما تجدون التحكيم الموقع من (ع.م) مضافًا في أسفل الورقة وهو تحكيم مشروط، وبالتالي فلا يوجد اتفاق تحكيم متراضي عليه من طرفي الخصومة مما يخالف نص المادتين (٢,١٥) تحكيم في شأن موافقة الطرفين والأخيرة التي نصت على بطلان اتفاق التحكيم إذا لم يكن مكتوبًا ومحددًا به موضوع التحكيم، وهو ما لم يكن كذلك كما سلف ذكره. وأضافت العريضة تحت السبب الثالث مخالفة المحكم لنص المادة (٢٩) تحكيم من حيث الالتزام باتفاق التحكيم حيث حكم على غير صيغة الاتفاق وردد ما سبق أن اثاره حول التصالح وأن الشعبة لم تسمع بقية الشهود على حصول ذلك.
وتحت السبب الرابع نعي الطاعن مخالفة المحكم نص المادة (۲۹) مرافعات التي توجب على القاضي عدم الاستضافة لدى أحد الخصمين أو استضافة أحدهما والمحكم قد استضيف أكثر من مرة لدى المطعون ضده تحديدًا في الأيام الأولى من شهر رمضان وقبل صدور الحكم.
ونعى الطاعن على الشعبة مخالفة المادة (٢١٩-٢٢٤) مرافعات حيث طلب الطاعن تقديم أدلته ولكن الشعبة تسرعت وحجزت القضية للاطلاع ثم حجزتها للحكم قبل أن يكمل المدعي ما لديه وبغياب المدعي طلب المدعى عليه حجز القضية للحكم فوافقته الشعبة.
كما فسرت الشعبة أقوال المدعي (الطاعن) في شرحه للدعوى بأنه إقرار مخالف للواقع بقولها إن المدعي مقر لما ذكر بالفاتورة وأولت ما ذكره بخلاف ما قصده وهو أنه تم التوقيع على الفاتورة بحسب الثقة، ولم يقر بمضمون شروطها لأنه لا توجد فاتورة بشروط·
وانتهى الطاعن إلى طلب إلغاء حكم الشعبة وإعادة القضية لسماع أدلة الطاعن لنظر دعوى البطلان بعد استيفاء جوانبها والحكم بإلزام المطعون ضده باستلام بقية البضائع بعد خصم مقدار ما دفع له أو إلغاء حكم الشعبة وحكم المحكم وإحالة ملف القضية لنظرها أمام المحكمة الابتدائية، والحكـم للطاعن بالتعويض اللازم يدفعه المطعون ضده عن كل ما تسبب من خسائر للطاعن وإساءة لسمعته.
أما عريضة الرد من المطعون ضده فقد جاءت مناهضة لما أثاره الطاعن ومما ورد فيها أن الطعن قد قام على دعاوى جديدة لا أساس ولا وجود لها وأنها مكذوبة بالثابت بحكم التحكيم ومحاضرة.
وفي شأن ما جاء في عريضة الطاعن من منعي مخالفة المادة (١٤) مرافعات بقبول المحكم تحكيمه حال كون القضية منظورة أمامه أثناء عمله كرئيس للشعبة الجزائية، فإنه على الرغم من أن الطاعن لم يثر هذا المعنى في دعوى البطلان، وأنه لو كان لديه الدليل على ذلك لقدمها وأدلتها، والثابت أن (000) عين عضوًا بالمحكمة العليا بالتعيينات القضائية التي صدرت بالقرار الجمهوري رقم (٢٣ لسنة ٢٠٠١، والثابت أيضًا أن إيران وثيقة التحكيم بحسب تاريخها كان في ٢٠٠١/٩/٣م أي بعد حوالي شهر من التعيين المشار إليه.
في شأن ما تجرأ به كذبًا من نعي استضافة المحكم أمام دائرتكم فإن عجز الطاعن عن تحديد أي شهر رمضان الذي حدث فيه مكذوب الاستضافة يكفي لإثبات زيف واصطناع ذلك السبب.
وفي شأن ما ورد حول وثيقة التحكيم فإنها حررت من بدايتها وحتى نهايتها بنفس الموقف وبحضور شهودها وكاتبها وبحضور الطاعن ومحاميه وما يسميه من إضافات حررت بنفس الموقف وبحضور الطاعن علمه وقد سعى محاميه جاهدًا بذلك الموقف إلى إفهامه وإقناعه بسلامة ذلك وبأن من حق كل طرف أن يحدد شرط التحكيم الذي يشترطه وبأنه كما اشترط، أن يكون التحكيم بخصوص قيمة الأرز الذي اشتراه من (ع. م) وحرر بقيمته شيكًا، فإن من حق (ع·م) الاشتراط كذلك بأن يكون التحكيم بشأن استحقاقه تسليم قيمة الشيك نفسه، وبأن ذلك يعني اتفاق الأطراف على الموضوع وأنه بشأن المنازعة على استحقاق (ع.م) لقيمة الشيك المحرر له من الطاعن كقيمة لما اشتراه من رز ، وبعد ذلك سار المحكم مدة ثلاثة أشهر دون أي اعتراض أو تعلل بشأن وثيقة التحكيم، فضلًا عن أن الشعبة قد استمرت قرابة العام دون أن يقدم الطاعن أي دليل كان يثبت تعلله على وثيقة التحكيم، وأن ما يثبت لدى الشعبة اتفاق الطرفين المحقق على أن أساس موضوع الاحتكام بخصوص قيمة الرز المشترى من (ع م) والمحرر فيه شيك يمثل إقرارًا صريحًا من الطاعن بشرائه وتحريره الشيك المطعون ضده، وأن ذلك الشيك منه، قيمة الرز المشتري.
وفي ما يتعلق بما أثاره الطاعن من عدم تمكنه تقديم أدلته، كان الرد بأنه لا أساس له من الصحة، ومثل ذلك ما نعاه من تفسير الشعبة لأقوال الطاعن بغير حقيقتها فالطاعن لم ينكر فاتورة المبيع ولا صحتها ولا ينكر توقيعه الثابت عليها كما لم ينكر مضمونها بإقراره باستلام المبيع وادعائه بالتمسك بخيار العيب وادعاء الغش يدحضه ادعاؤه استلام البضاعة على أساس التصريف.
وأضافت عريضة الرد أن التفويض والتحكيم تفويض وتحكيم مطلق ومن ثم فإن حكم المحكم الصادر في القضية حكم نهائي وبات وغير قابل للطعن أصلًا بأي وسيلة من وسائل الطعن باتفاق الطرفين على ذلك وعلى كونه مطلقًا بالرضًا والاختيار.
وانتهى الرد على المطالبة برفض الطعن لانعدام سببه والحكم بحق المطعون ضده مقاضاة الطاعن ومطالبته بفوائد استثمار قيمة الشيك من تاريخ إصداره لحين إجباره على الوفاء وشمولية الحكم بما يلزم محكمة التنفيذ بالسير المباشر العاجل في إجراءات التنفيذ جبرًا ضد الطاعن وتحميله مصاريف التنفيذ فضلًا عن تحميل الطاعن مصاريف التقاضي والأجرام وأتعاب المحاماة عن مرحلة الاستئناف ونظر الطعن بنسبة لا تقل عن 10 % من قيمة أصل المبلغ المحكم عليه.
"حيثيات الحكم ومنطوقه:
بالاطلاع على قرار دائرة فحص الطعون الصادر بتاريخ 13-3-1424هـ الموافق ٢٠٠٣/٥/١٤م فإن الطعن مقبول شكلًا.
أما من حيث الموضوع فإنه باطلاع الدائرة على عريضة الطعن والرد وعلى أوليات الطعن نجد أن ما أثاره الطاعن من منعي مخالفة المحكم لنص المادة (14) من قانون المرافعات الذي قبل التحكيم في قضية منظورة أمامه أثناء عمله كرئيس للشعبة الجزائية هو ادعاء مرسل من الطاعن أمام هذه الدائرة لم يعضده بما يؤيده، كما أنه لم يسبق أن أثاره أمام الشعبة التجارية في دعوى البطلان المرفوعة منه.
وبالرجوع إلى رد المطعون ضده قد ورد به تنفيذ لهذا المعنى ، ذلك أن تاريخ وثيقة التحكيم (۲۰۰۱/ ۹/ ۳م) يقطع دون مجال للشك بعدم صحة منعي الطاعن، فم يكن حال تولي المحكم رئاسة الشعبة الجزائية مما يتعين معه الالتفات عن هذا المعنى.
أما ما أثاره الطعن من منعي فساد تأويل حكم الشعبة للمادة (9) تحكيم لرفض منعي الطاعن ببطلان اتفاق التحكيم لاشتراط المطعون ضده أدنى وثيقة التحكيم بان التحكيم بخصوص تسليم قيمة الشيك المحرر من المشتري (الطاعن) وقت البيع دون علمه (الطاعن) ولأن وثيقة التحكيم لم تتضمن تحديدًا لموضوع التحكيم وأنه لا يوجد اتفاق تحكيم تم التراضي عليه من الطرفين فقد أورد الحكم المطعون فيه ضمن حيثياته أن الجزء المدون بعالي الاشتراط المذكور (الذي يتمسك به الطاعن) هو ما يمكن اعتباره والأخذ به استقلالًا دون الجزء الأسفل من اتفاق التحكيم، وينسجم مع نص المادة (15) من القانون رقم (۲۲) لسنة ٩٢م بشأن التحكيم وتعديلاته، كما لو يشب رضا الطرفين على اتفاق التحكيم أي عيب من عيوب الإرادة... إلخ، وحيث إن الجانب الموضوعي طبقًا للمادة (35) من قانون التحكيم موجود وعدم اعتراض
المدعي بحسب نص المادة (٩) من نفس القانون.
ومما سبق فإن الاستناد في الحكم المطعون فيه على المادة (9) كان في سياق الإشارة إلى المادة (35) تحكيم التي تعنى بتفصيل ما أوجب القانون على المدعي تقديمه من بيان مكتوب بدعواه بوقائعها مع تحديد القضايا محل النزاع وطلباته... الخ.
وبالرجوع إلى الإجراءات التي تمت أمام المحكم نجد أن المحكم أفسح المجال الطاعن في تقديم دعواه، كما أفسح ذلك للمطعون، وبالرجوع إلى ما سرد من أقوال المدعي (الطاعن) أمام المحكم نجد: ونظرًا لأن الكمية وصلت من (ع) ناقصة فقد حررت له شيك بمبلغ (٥٠٣,٢٠٠) دولار وهو قيمة ال (٢٩,٢٠٠) ألف كيس وهي الكمية التي دخلت مخازني... إلخ، وقمت بكتابة في أسفل الشيك ضمان بقيمة الأرز وذلك بخطي... إلخ.
ولدى سؤال المحكم (للطاعن) هل تحررت فاتورة لك وقت المبيع؟
ج/ نعم حررت فاتورة ثم ألغيت وأعطينا له شيك وتم التوقيع على الفاتورة.
فالطاعن لا ينكر استلامه للكمية ولا ينكر توقيعه على فاتورة البيع ولا ينكر أن قيمتها هي (200-503) دولار أمريكي، ولا ينكر أن سعر الكيس هو (۱۷) دولارًا أمريكيا، ولا ينكر تحريره للمطعون ضده شيكًا بمبلغ (٥٠٣,٢۰۰) دولار أمريكي قيمة الكمية التي دخلت مخازنه، وأنه كتب في أسفل الشيك "ضمانة بقيمة الأرز بخطي ". وهذه البيانات (المحررات) والإقرارات من الطاعن كلها تطابق دعوى المطعون ضده لدى المحكم أما ما ادعاه الطاعن بأن الاتفاق كان بغرض التصريف وأن يسدد الثمن لما يبيعه بحسب الزيادة والنقص في السوق وأنه أبلغ من المطعون ضده إنقاص خمسين ريالًا في الكيس... إلخ، فإن تلك الدعاوى لم تجد لها سندًا في الأوراق وتتعارض مع إقراراته، فكيف يقر بتحديد السعر لكل كيس بالدولار (۱۷) دولارًا، وهو السعر الوارد على الفاتورة وهو السعر للكمية التي دخلت مخازنه وحدد بخطه مبلغ الشيك المسلم منه للمطعون ضده على أساسه ثم يقبل مجرد ادعائه دون أي دليل بأن الاتفاق أن يسدد ثمن ما يبيعه بحسب الزيادة والنقص في السوق وهذا لا يستقيم مع تحديد السعر تحديدًا بمبلغ (۱۷) دولارًا، كما أن جدال الطاعن في الشيك المسلم منه للمطعون ضده أنه لم يكن قيمة للكمية وإنما مجرد ضمان فإنه جدال غير منتج، ذلك أن الشيك هو أداة وفاء وما جدوى تحريره للشيك؟
وهو التزام صرفي مجرد عن السبب المنشئ له، وباعتباره ورقة تجارية، ولما كان الأمر كذلك فلا وجه لما نعاه الطاعن على الشعبة تفسيرها لأقواله خلافًا للواقع ولما أن الحكم المطعون فيه أمام هذه الدائرة هو حكم الشعبة التجارية فإن ما ورد في عريضة الطاعن من منعي مخالفة المحكم لنص المادة (٢٩) مرافعات، فإن ذلك كان محله أمام الشعبة، عليه يقع عبء إثباته، أما إثارته لأول مرة أمام هذه الدائرة فذلك من قبيل الوقائع الجديدة المرسلة دون دليل وخارج خصومة هذا الطعن بالنقض على حكم الشعبة ويتعين الالتفات عنه فالمحكمة العليا لا تبسط رقابتها القانونية على حكم المحكم إلا بالقدر الذي اتسعت خصومة دعوى البطلان أمام الشعبة وفي نطاق المادتين (53و55) من قانون التحكيم.
أما في شأن ما نعاه الطاعن على الشعبة تسرعها بحجز القضية للاطلاع والحكم ثم حجزتها قبل أن يكمل المدعي ما لديه، فبالرجوع إلى محضر ۲۰۰۲/ ۸/ ۳م وجد على لسان محامي الطاعن: أطلب إعطائي فرصة لتقديم مرافعتي الختامية وحجز القضية للحكم. وقد استجابت الشعبة لذلك وحددت له موعدًا لجلسة ٢٠٠٢/٩/٤م ومنحت الشعبة محامي الطاعن أجلًا جديدًا لتقديم مرافعته الختامية لجلسة 1-10-2002م بعد أن أبدى استعداده لتقديم مرافعته الختامية في الجلسة التي سوف تحددها الشعبة.
أما الشاهد (٠٠٠) فقد عللت الشعبة بقرارها عدم قبول شهادته بقولها "إنه تبين أن الشاهد هو الضامن على مدعي البطلان وكلاهما مسئولان عن تنفيذ حكم المحكم عند تنفيذه" ومن ثم فلا وجه لما نعاه الطاعن في هذه القضية.
وعليه واستنادًا لنص المادة (300) مرافعات فإن الدائرة وبعد المداولة تحكم بالآتي:
1- قبول الطعن شكلًا استنادًا لقرار دائرة فحص الطعون سالف الذكر.
2- وفي الموضوع برفضه لعدم قيام سببه.
3۔ مصادرة كفالة الطاعن·
4- يتحمل الطاعن مصاريف المطعون ضده عن هذه المرحلة بخمسين ألف ريال.
5- إعادة الأوراق إلى الشعبة التجارية بأمانة العاصمة لإبلاغ الطرفين بنسخة من هذا الحكم والعمل بمقتضاه.
صدر بالدائرة التجارية تحت توقيعنا وخاتم المحكمة العليا بتاريخ 1 جمادي الثاني ١٤٢٤هـ الموافق 30-7-2003م
* وقد أصدر المركز الإقليمي للتحكيم بالقاهرة أربعة أحكام في موضوع النزاع كالتالي:-
1- الحكم الصادر بين شركة نمساوية ووزير الزراعة المصري:
وهو الحكم الصادر في 7 يوليو سنة ١٩٨٥ بالقاهرة في النزاع بين شركة نمساوية ووزير الزراعة المصري. ويتعلق النزاع باتفاق مقاولة مبرم في ٢٧ مايو سنة ١٩٨٢م بين الشركة ووزير الزراعة، مؤداه قيام الشركة بعمليات رش القطن بالطائرات لمو اسم سنة ١٩٨٤,١٩٨٣، وأثناء قيام أحد طياري الشركة في 9 سبتمبر سنة ١٩٨٣م من مطار أسيوط، فوجئ بسيارة بها مدير زراعة أسيوط تقطع ممر المطار بالعرض، فحاول تفادي الحادث بالتخلص من حمولة الطائرة من المبيدات فأدى ذلك لصعود الطائرة بحدة ثم سقوطها في حقل على يسار المهبط، وتحطمت بالكامل وأصيب الطيار. فطالبت الشركة وزير الزراعة بالتعويض، بسبب خطأ تابعي الوزارة الذي أحدث الأضرار المادية التي لحقت بالشركة، وتتمثل في تحطيم الطائرة، وفيما فاتها من كسب بسبب حرمانها من استغلال الطائرة في عمليات الرش عن المدة من ۱۹۸۳/ ٩/٩ حتى ١٩٨٣/٩/٢٥م وهو تاريخ انتهاء العقد، وفيما فاتها من كسب لعدم استغلال الطائرة في الرش بجمهورية السودان وفقًا لعقد مبرم في ٢٠يوليو سنة ١٩٨٣م.
وأسندت في ذلك إلى أن وزارة الزراعة قد أخلت- بخطأ تابعيها- بالتزام
تعاقدي هو مسئوليتها عن تأمين سلامة مهبط الطائرة ضد دخول الأفراد والعربات.
وقد دفع وزير الزراعة بأن الوزارة ليست مسئولة عن تأمين سلامة المهبط ضد دخول الأفراد والمركبات وفقًا لعقد المقاولة، وإنما تلتزم فحسب بتحذير الأهالي بالابتعاد أثناء عمليات الرش الجوي للحقل وان الشركة هي التي أخطأت؛ إذ لم يتأكد الطيار من خلو الممر من العوائق عند سيره بالطائرة على الممر، كما أن الشركة سمحت للطائرة بالطيران رغم عدم ملاءمة الأحوال الجوية يوم الحادث لإجراء عمليات الرش ولأسباب أخرى أدت لوقوع الحادث.
ولما كان طرفا العقد قد اتفقًا على حل منازعتهما وفقًا لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم. وفوض الطرفان مدير المركز في تعيين محكم فرد.
وفعلًا قرر ١٩٨٤/٩/٩ تعيين محكمًا وحيدًا في الدعوى. الذي طبق على إجراءات التحكيم القواعد التي يطبقها المركز UNCITRAL.
ولما اطلع المحكم بتحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع قرر أنه:
"متروك- كقاعدة عامة- لإرادة الطرفين، وفي حالة عدم النص في العقد محل النزاع على تحديد هذا القانون. يجوز الاتفاق في تاريخ لاحق على تطبيق القانون المصري أو أي قانون آخر، كما نصت المادة ١/٣٣. من قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي على أن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان وإذا لم يتفقا على تعيين هذا القانون، وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة آنها واجبة التطبيق في الدعوى.
وإذا كان من الثابت من عقد المقاولة محل التداعي أنه لم يتضمن اتفاق الطرفين على تطبيق قانون معين، وكانت قواعد تنازع القوانين تقضى في هذه الحالة بتطبيق قانون الدولة التي أبرم فيها العقد بين الطرفين المتنازعين مختلفی الموطن بالنسبة للالتزامات التعاقدية وبتطبيق قانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام بالنسبة للالتزامات غير العقدية وهي القواعد التي تبنتها المادتان (۱/ ۱۹)، (۱/ ۲۱) من القانون المدني المصري. لما كان ذلك، وكان الثابت من واقع الدعوى أن العقد محل التداعي بين الطرفين قد أبرم في القاهرة، وأن حادث تحطم الطائرة المملوكة للشركة المدعية موضوع هذه الدعوى قد وقع بمصر، فإن القانون المصري يكون هو القانون الذي يحكم النزاع الماثل في هذه الدعوى.
وانتهى حكم التحكيم إلى تقرير مسئولية وزارة الزراعة عن تعويض الضرر المادي الذي لحق بالطائرة باعتبار أن خطأها كان هو المنتج والمؤثر في إحداث الضرر، وعدم مسئوليتها عن تعويض الشركة عما فاتها من كسب سواء في مصر أو في السودان باعتباره ضررًا غير متوقع.
٢- الحكم الصادر في النزاع بين شركة يونانية ووسيط إيراني:
ويتعلق بنزاع بين شركة يونانية ووسيط إيراني بشأن اتفاق أبرم بينهما ويلزم الطرف الإيراني بمساعدة الشركة اليونانية في الحصول على عقود توريد تبرم مع الحكومة الإيرانية، وتلتزم الشركة اليونانية في مقابل ذلك بمنحة عمولة ٢ % على الأقل لكل عقد يتم إبرامه. وقد حصلت الشركة فعلًا بناء على هذا العقد على عدد من العقود مع الجهات الإدارية الإيرانية، حتى أدت ثورة سنة ١٩٧٩ الإيرانية إلى انتهاء نشاط الشركة اليونانية مما سبب لها خسائر كبيرة فلم تدفع للوسيط الإيراني إلا جزءًا من العمولة المتفق عليها بما يتناسب مع ما حصلت عليه من الدولة الإيرانية.
ولما كان العقد المبرم بين الطرفين يقضى بحل المنازعات المحتمل إثارتها بالتحكيم وفقًا لغرفة التجارة الدولية، فلجأ الوسيط الإيراني للتحكيم لطلب التعويض، وعين محكم نمساوي لحل هذا النزاع على أن يكون محل التحكيم في باريس. ولما اطلع المحكم بتحديد القانون واجب التطبيق في هذا النزاع، لاحظ غموض العقد، إذ هو محرر من نسختين إحداهما بالفرنسية والأخرى بالإنجليزية، فالنسخة الفرنسية لا تتضمن أية إشارة للقانون واجب التطبيق بينما النسخة الإنجليزية تشير إلى تطبيق القانون الفرنسي، ولكن دون تحديد مجال انطباقه، وهل يتعلق بالإجراءات أم بموضوع النزاع.
لذا استعرض المحكم ظروف القضية، فبالنسبة للقانون الإيراني الصلة به قوية، إذ أبرم العقد في طهران، كما أن المدعي (الوسيط الإيراني) يمارس نشاطه مع عملائه بإيران، وعمولته يتعين دفعها بإيران.
والقانون اليوناني الصلة به ضعيفة، إذ هي بلد جنسية وموطن المدعى عليه.
والقانون الفرنسي الصلة به ضعيفة إذ حررت إحدى نسخه بالفرنسية، وكذلك مقر محكمة التحكيم التي اختيرت لحل النزاع.
ولكن اختيار باريس مقر التحكيم لم ينبع من أية إرادة للأطراف والقانون النمساوي الصلة به منعدمة من الناحية العملية فاختيار محكم نمساوي تم وفقًا لنظام تحكيم غرف التجارة الدولية، ولا يعبر عن أي قصد للأطراف.
وكذلك الأمر بالنسبة للقانون الإنجليزي الذي تنعدم الصلة به فعليا فتحرير إحدى نسخ العقد، ليس إلا نتيجة؛ لأن هذه اللغة عالمية الاستخدام. وبعد قيام المحكم بدارسة القضية وفقًا للقواعد الموضوعية في القانونين الفرنسي والإيراني انتهى إلى إبعاد النزاع عن أي قانون وطني وطبق ما أسماه بخلفيات المعاملات الدولية وانتهى من ذلك إلى عدم إجابة المدعى الإيراني لطلب التعويض وألزمه بمصاريف الدعوى.
3. الحكم الصادر في النزاع بين تاجر بلجيكي، وشركة سجاد باكستانية:
وهذه القضية متعلقة بالتاجر البلجيكي الذي اتفق مع شركة باكستانية على ترويج ما تنتجه من سجاد شرقي في بلجيكا مقابل عمولة مقدارها 5 % فحينما تعرض المحكم لبحث موضوع القانون واجب التطبيق على هذا النزاع، تمسك التاجر البلجيكي بطلب تطبيق القانون البلجيكي على موضوع النزاع.
إلا أن المحكم قرر أن القانون الباكستاني أولى بالانطباق، نظرًا لوجود روابط عدة تربطه بموضوع النزاع، فمن ناحية يتعلق النزاع باتفاق أبرم في باكستان، أثناء وجود التاجر البلجيكي في مقر الشركة، حيث يتم تصنيع السجاد،كما يتم شحن السجاد موضوع التعاقد من باكستان. مما يدل على أن القانون الباكستاني يرتبط بالموضوع بأوثق صلة من أي قانون آخر.
ويراعي أن المحكم يميل إلى تطبيق القانون الباكستاني لاعتبار مهم وهو شده مشابهته للقانون الإنجليزي في مجال العقود، مع مراعاة أن المحكم إنجليزي الجنسية. وقد واجهت المحكم مشكلة أخرى تتعلق بتقدير التعويض الذي يقضى به نتيجة التجاء الشركة الباكستانية للتهرب من المثول أمام المحكم، والمنازعة في اختصاصه والالتجاء للقضاء الباكستاني، فلم تقدم أية سندات، والعمولة المستحقة للتاجر البلجيكي تحتاج في تحديدها إلى حصر الصفقات التي عقدتها الشركة الباكستانية مع أطراف بلجيكيين، وهو ما يحتاج إلى تقييم الأوراق والمستندات المثبتة لمعاملات الشركة.
لذلك طلب الدفاع عن التاجر البلجيكي من المحكم أن يقوم بتقدير العمولة على أساس قواعد العدالة والإنصاف. إلا أن المحكم رفض هذا الطلب على أساس أنه لا يملك سلطة الحكم طبقًا لقواعد العدالة، لأن هذا الأمر يحتاج إلى تفويض صادر إليه من الطرفين وهو ما لم يتم.
ويبدو وجه الصعوبة في هذه القضية في عدم وجود تحديد دقيق للدين، ولا وسيلة لتحديده، نظرًا الرفض الشركة تقديم المستندات اللازمة لإثباته، فلا مفر بالتالي من قيام المحكم بتقديره فيما توفر لديه من أوراق، كما يحتاج الأمر إلى تحديد القانون واجب التطبيق على الدين، وقد كيف المحكم تقدير التعويض وفقًا للقانون الإنجليزي باعتباره مسألة إجرائية، والإجراءات تخضع لقانون مكان التحكيم ، والتحكيم يتم في لندن، وبالتالي فقد أخضع تقدير التعويض للقانون الإنجليزي.
ووفقًا للسوابق القضائية التي يعتد بها في هذا القانون، والتي ساقها المحكم عن تقدير التعويض في القانون الإنجليزي، يتعين أن يمنح التاجر البلجيكي باعتباره وكيلًا للشركة تعويضًا يقدر على أساس مراعاة الظروف المحيطة بالتعاقد من كل النواحي تقديرًا عادلًا، لذا فقد استعان المحكم بالصفقات التي سبق أن تعاقدت عليها الشركة، لتقدير الصفقات التي كانت موضوعًا لهذا العقد.
وقد حدد المحكم هذا التعويض طبقًا لتقديره لهذه الظروف بمبلغ ثلاثين ألف دولار يضاف إليها الفوائد بواقع 10 %، مع اعتبار أن المدة التي تحسب عنها الفوائد حسب الفصل ١٩/ أ من قانون التحكيم الإنجليزي الصادر عام 1950، هي الفترة من بدء التحكيم حتى صدور الحكم فيه، على أن يتحمل المدعى عليه (الشركة الباكستانية) مصاريف التحكيم، ويتحمل كل طرف نفقات الدفاع الخاص به.
ومن هذه القضية، يتضح أن ترجيح المحكم لتطبيق القانون الباكستاني على موضوع النزاع يدعمه أنه قانون محل إبرام العقد الذي أثار النزاع. فضلًا عن أنه قانون جنسية الموكل في هذا التعاقد، كما أن العقد يرد على ترويج سجاد شرقي يتم تصنيعه في باكستان، ويشحن من هناك فضلًا عن مشابهته للقانون الإنجليزي الذي هو قانون جنسية المحكم وقانون مكان التحكيم.
كما طبق المحكم القانون الإنجليزي على مسألة تقدير الدين الذي يحمل به الشركة لصالح التاجر البلجيكي، وذلك باعتبار أن قانون مكان التحكيم يسرى على الإجراءات، التي يتعلق بها تقدير هذا الدين.
4- الحكم الصادر في قضية أرامكو:
فحينما اعترضت شركة أرامكو على تعاقد المملكة العربية السعودية مع أوناسيس لنقل البترول الذي تصدره. بدأت هيئة التحكيم- لتحديد القانون واجب التطبيق في موضوع النزاع- بالبحث في اتفاق التحكيم، الذي يقضي بأن يفصل المحكم في النزاع وفقًا للقانون السعودي فيما يتعلق بالمسائل التي تدخل في الاختصاص القانوني السعودية، وفيما عدا هذا تقضى وفقًا للقانون الذي تقرر أنه واجب التطبيق.
ولقد آثار تفسير اصطلاح الاختصاص القانوني التساؤل حول مدى تعلقه بالاختصاص القضائي أم بالاختصاص التشريعي، ومن التفسيرات التي أتيحت لهيئة التحكيم اعتبار أن القانون السعودي ينطبق فيما يتعلق بالاختصاص السعودي كدولة أي مسائل القانون العام، وما عدا ذلك الاختصاص فقد يكون الأطراف يقصدون به مجموع المسائل التعاقدية (المتعلقة بالقانون الخاص على أي الأحوال فلقد استندت هيئة التحكيم في تحديدها للقانون واجب التطبيق على الموضوع إلى البحث عن الإرادة للأطراف.
وكان لا بد من البحث في أحكام القانون السعودي ليس فقط لأنه لا بد من الرجوع لقانون كل دولة لمعرفة مدى تعلق مسألة ما بالقانون العام بها، بل لان الأمر يتعلق بحقل بترول يقع في إقليم الدولة مما يخضع لقانون الموقع. وقد اتضح لهيئة التحكيم أن الشريعة الإسلامية المطبقة في السعودية تعتبر الاتفاق محل النزاع عقدا، وفقهاء الشريعة الإسلامية يعتبرون العقود ميثاق يجب الوفاء به ويشهد عليه الله ووفقًا لمبادئ القانون الدولي الخاص يخضع العقد لقانون الإرادة الصريحة وعند تخلفها يطبق القانون الذي يبدو أن الأطراف قد اختاروه. وعلي هذا فسلطة المحكمة في البحث عن إرادة الأطراف ترد على ما يجوز المسائل الداخلية في الاختصاص القانوني للدولة السعودية وقد انتهى الحكم إلى عدم وجود إرادة ضمنية للأطراف في هذا الشأن وبالتالي فالأمر يتعلق بالإرادة المفترضة فالمحكمة لم تحدد القانون واجب التطبيق وفقًا لما كان يريده الأطراف أو يفكرون فيه وأنما ما كان يمكن أن يريده الأطراف أو يفكرون فيه، وذلك بالاستناد لمعيار موضوعي وفقًا لظروف المسألة محل النزاع. وقد أشار الحكم إلى أن العقود التي تبرمها الدولة تخضع- عالميًا لقانون هذه الدولة، ما لم يثبت العكس، وقد أشار الحكم في ذلك إلى حكم محكمة العدل الدولية الدائمة في ١٢ يوليو سنة ١٩٢٩. وعلى الرغم من ذلك قرر أنه بالنسبة للمسائل غير المستندة إلى القانون السعودي، فيتعين البحث عن أكثر الأنظمة القانونية اتفاقًا مع طبيعة العلاقات التي ترتبها على عاتق الأطراف بتطبيق قانون الدولة ذات الصلات بالطبيعة الفعلية الأوثق حتى يتفق القانون واجب التطبيق مع الطبيعة الاقتصادية التي يجب أن يحققها العقد، وذلك أخذا بأكثر الاتجاهات تطورًا في القانون الدولي الخاص وهو ما عبرت هيئة التحكيم عنه بالحلول الغالبة في القضاء الإنجليزي والسويسري.
وانتهت إلى إخضاع المسائل المتعلقة بالقانون العام كقاعدة عامة للقانون السعودي، وعند الضرورة يكمل هذا القانون بمبادئ القوانين الدولية والعادات المتبعة في صناعة البترول والمعطيات البحتة لعلم القانون. باعتبار أن هذه العادات وتلك المبادئ تكمل قانونًا وضعيًا غير كامل. ومن الممكن الالتجاء إلى مبادئ تفسير المعاهدات واتباعًا لتفسير عقود القانون الخاص. وانتهت هيئة التحكيم إلى أن عقد استغلال البترول الممنوح لأرامكو لا يترتب عليه تقييد حرية الحكومة السعودية بشأن وسيلة نقل بترولها إلى الخارج. وبالتالي، فإن عقد السعودية مع أوناسيس لا يمس بحقوق شركة أرامكو. واستندت هيئة التحكيم في ذلك أيضًا إلى احترام الحقوق المكتسبة باستخلاصها من القضاء الدولي وأحكام محاكم التحكيم الدولية. فإذا كانت هيئة التحكيم قد صرحت بتطبيق القانون الدولي العام بالنسبة لمسائل الإجراءات، فهي لم تصل لنتيجة مختلفة عن ذلك بالنسبة لموضوع النزاع.